الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيمارستانات الأندلس
بيمارستان غرناطة
قال الوزير لسان الدين بن الخطيب في كلامه عن أمير المسلمين بالأندلس محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن فرج بن يوسف بن نصر، الذي تولى الملك بعد وفاة أبيه في عام 755هـ: ومن موافق الصدقة والإحسان من خارق جهاد النفس بناء البيمارستان الأعظم، حسنة هذه التخوم القصوى، ومزبة المدينة الفضلى، لم يهتد إليه غيره من الفتح الأول مع تقرير الضرورة وظهور الحاجة، فأغرى به همة الدين ونفس التقوى فأبرزه موقف الأحداق ورحلة الأندلس ومدرك الحسنات فخامة بيت وتعدد مساكن ورحب ساحة ودرور مياه وصحة هواء ونقد خزائن ومتوضآت وانطلاق خيرات وحسن ترتيب، أبرّ على مارستان مصر بالساحة العريضة والأهوية الطيبة، وتدفق المياه من فورات الرمل وسود الصخر، وتمرج البحر وانسدال الأشجار وقال سلادين: إن هذا الأثر
المربع الزوايا لا يبلغ من الاتساع والإحكام في البناء مبلغ مارستان قلاوون بالقاهرة، ولكنه كان مرتبا في بساطته أنيقا في تفاصيله، وكانت قاعاته البسيطة تدور حول باحة داخلية في وسطها حوض عميق لقبول الماء من عينين كل عين منها عبارة عن أسدجاث. ولما انتزعت غرناطة من يد العرب سنة 1492م حول هذا البناء الصغير إلى دار ضرب السكة ثم أدخلت عليه تغييرات مختلفة شوهت معالمه ثم تهدم معظمه.
وذكر مارشيه كذلك: أن مارستان غرناطة حول إلى دار ضرب بعد سقوط غرناطة وحدثت فيه تغييرات مرات عديدة وتهدم ثلاثة أرباعه، ولكنه في مظهره أبسط من معاصره بيمارستان قلاوون ففي وجهته بعض النوافذ وفيها أقواس مزدوجة وفي الوسط باب وأسكفة يعلوهما كتابة تشبه أشرعة الفلك، ويدخل من
الباب إلى ردهة مربعة الزوايا مستطيلة وفي وسطها حوض فيه أسدان جاثيان يشبهان مثيليهما في قصر الحمراء وينبع منهما الماء، وحول الردهة أربعة أروقة ينفتح فيها أبواب طويلة ذات انحناء على شكل نعل الفرس وفي الزوايا سلاليم يدخل منها إلى الطابق الأول.
ونقل ليفي بروفنسال نص ذكرى بناء السلطان محمد الخامس للبيمارستان سنة 767 - 768هـ وهو لوح من الرخام على شكل الباب مقنطر مركب من قطعتين ملتصقتين التصاقا تاما محفوظ منذ سنة 1850م في جناح من بستان قصر الحمراء، نقل إليه من أحد بيوت غرناطة، وعلى أحد وجهي هذا اللوح كتابة في غاية الحفظ تملأ هذا الوجه وهي مكونة من 26سطرا بالخط العادي الأندلسي وهذه الكتابة:
تخليد ذكرى مارستان بناه السلطان محمد الخامس من بني نصر الغني بالله خاصا بمرضى غرناطة الوطنيين.
وهذا هو النص:
الحمد لله أمر ببناء هذا المارستان رحمة واسعة لضعفاء مرضى المسلمين، وقربة نافعة إن شاء الله لرب العالمين، وخلد حسنة ناطقة باللسان المبين، وأجرى صدقة على مرّ الأعوام وتوالي السنين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، المولى الإمام السلطان الهمام الكبير الشهير الطاهر الظاهر أسعد قومه دولة وأمضاهم في سبيل الله صولة صاحب الفتوح والصنع الممنوح، والصدر المشروح، المؤيد بالملائكة والروح ناصر السنة، كهف الملّة
أمير المسلمين الغني بالله أبو عبد الله محمد بن المولى الكبير الشهير السلطان الجليل الرفيع المجاهد العادل الحافل السعيد الشهير المقدس أمير المسلمين أبي الحجاج ابن المولى السلطان الجليل الشهير المعظم المنصور هازم المشركين وقامع الكفرة المعتدين
السعيد الشهيد الوليد بن نصر الأنصاري الخزرجي، أنجح الله في مرضاته أعماله، وبلغه من فضله العميم وثوابه الجسيم آماله، فاخترع به حسنة لم يسبق إليها من لدن دخل الإسلام هذه البلاد؛ وأختص بها طراز فخر على عاتق حلة الجهاد. وقد أراد وجه الله بابتغاء الأجر والله ذو الفضل العظيم، وقدم نورا يسعى بين يديه ومن خلفه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فكان ابتداء بنائه في العشر الوسط من شهر المحرم من عام سبع وستين وسبعمائة 767هـ وتم ما قصد إليه ووقف الأوقاف عليه في العشر الوسط من شوال من عام ثمانية وستين وسبعمائة 768 والله لا يضيع أجر العاملين ولا يخيب سعي المحسنين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وأصحابه أجمعين.