الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا حَمْلُ النَّهْيِ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ الْحَالِ عِنْدَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا مُسِخَ وَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَحَمْلُ الْإِذْنِ فِيهِ عَلَى ثَانِي الْحَالِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَسْتَقْذِرُهُ فَلَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ في حق من يتقذره
وَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَتَقَذَّرُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا انتهى (ويروى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أُكِلَ الضَّبُّ إِلَخْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبُعِ)
بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كفتار وبالهندية بجو بكسر الجيم الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ كَمَا فِي نَفَائِسِ اللُّغَاتِ وَمَخْزَنِ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ هُوَ بِالْهِنْدِيَّةِ هندار كَمَا فِي غِيَاثِ اللُّغَاتِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الضَّبُعَ مَعْرُوفٌ بِنَبْشِ الْقُبُورِ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ هندار لَمْ يُعْرَفُ بِنَبْشِ الْقُبُورِ قَالَ فِي النَّيْلِ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى فَيُلَقِّحُ فِي حَالِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالِ الْأُنُوثَةِ وَهُوَ مُولَعٌ بِنَبْشِ الْقُبُورِ لِشَهْوَتِهِ لِلُحُومِ بَنِي آدَمَ انْتَهَى
[1791]
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا اللَّيْثِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْتُشْهِدَ غَازِيًا سنة ثلاث عشرة ومائة (عن بن أَبِي عَمَّارٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكِّيُّ حَلِيفُ بَنِي جُمَحٍ الْمُلَقَّبُ بِالْقَسِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ (قُلْتُ آكُلُهَا) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (قَالَ نَعَمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّبُعَ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه النسائي والشعبي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى
وَقَالَ الحافظ في التلخيص وصححه البخاري والترمذي وبن حبان وبن خزيمة والبيهقي وأعله بن عبد البر
بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَوَهِمَ لِأَنَّهُ وثقه أبو زراعة وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ انْتَهَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَلَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِأَكْلِ الضَّبُعِ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا زَالَ النَّاسُ يَأْكُلُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَتَمْدَحُهُ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الضَّبُعِ إِلَخْ) وَهُوَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ الْآتِي بَعْدَ هَذَا (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الضَّبُعِ وَهُوَ قول بن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ لهم بحديث خزيمة من جَزْءٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ
وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّهَا سَبُعٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ كُلِّ ذِي نَابٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَكْلِ الضَّبُعِ
فَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِبَاحَةُ لَحْمِ الضَّبُعِ وَأَبَاحَ أَكْلَهَا عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا سَبُعٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَقُومُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فَيُنْزَعُ الشَّيْءُ مِنَ الْجُمْلَةِ وَخَبَرُ جَابِرٍ خَاصٌّ وَخَبَرُ تَحْرِيمِ السباع عام انتهى
وقال بن رَسْلَانَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الضَّبُعَ لَيْسَ لَهَا نَابٌ وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ جَمِيعَ أَسْنَانِهَا عَظْمٌ وَاحِدٌ كَصَفِيحَةِ نَعْلِ الْفَرَسِ فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ انْتَهَى (وَحَدِيثُ بن جُرَيْجٍ) أَيِ الْمَرْفُوعُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ (أَصَحُّ) فإن بن جُرَيْجٍ قَدْ تَابَعَهُ عَلَى رَفْعِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أمية عند بن مَاجَهْ وَأَمَّا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى وَقْفِهِ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسمه محمد بن خاذم الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ) هُوَ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حِبَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ جَزْءٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زاي
ثُمَّ هَمْزَةٌ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ أخرج له الترمذي وبن مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي السُّؤَالِ عَنِ الضَّبِّ وَالْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ وَالذِّئْبِ وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى (عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ) صَحَابِيٌّ لَمْ يَصِحَّ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْهُ أَخَوَاهُ خَالِدٌ وَحِبَّانُ
قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَارُودِيُّ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَهُ فِي الْحَشَرَاتِ فِيهِ نَظَرٌ
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ
وَقَالَ الْأَزْدِيُّ لا يحفظ
رَوَى عَنْهُ إِلَّا حِبَّانُ وَلَا يُحْفَظُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الضَّبُعِ فَقَالَ وَيَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ (وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَكْلِ الذِّئْبِ) بِالْهَمْزِ وَيُبْدَلُ (وَيَأْكُلُ) وَفِي الْمِشْكَاةِ أَوَ يَأْكُلُ أَيْ أَجَهِلْتَ حُكْمَهُ وَيَأْكُلُ (الذِّئْبَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ) أَيْ صَلَاحٌ وَتَقْوَى صِفَةُ أَحَدٌ واستدل بهذا الحديث من قال بحرمته الضَّبُعِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ نَقْلِ كلام الترمذي هذا وضعفه بن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف وبن أَبِي الْمُخَارِقِ سَاقِطٌ وَحِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قَالَ أَيَأْكُلُ الضَّبُعَ أحد فضعيف لاتفاقهم عَلَى ضَعْفِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ وَالرَّاوِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ انْتَهَى (وَهُوَ عَبْدُ الكريم بن قيس هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ
مَكَّةَ وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسٌ وَقِيلَ طَارِقٌ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ
وَقَدْ شَارَكَ الْجَزَرِيَّ فِي بَعْضِ المشائخ فَرُبَّمَا الْتُبِسَ بِهِ عَلَى مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ انْتَهَى (وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ ثِقَةٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَهُوَ الْخَضْرَمِيُّ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَامَةِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنَ السَّادِسَةِ انتهى
تنبيه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ مَا لَفْظُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَسَنَ أَيْضًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ اجْتِهَادَ الْمُسْتَنَدِ إِلَيْهِ سَابِقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إسناد واحد من المحدثين ويقويه رواية بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ وَمَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْأَحْوَطُ حُرْمَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَيُفِيدُ مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ إِذِ الْمَكْرُوهُ عِنْدَهُ مَا أَثِمَ آكِلُهُ وَلَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ أَكْلَهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ مَعَ اخْتِلَافٍ فِقْهِيٍّ انتهى كلام القارىء بلفظه
قلت في كلام القارىء هَذَا أَوْهَامٌ وَأَغْلَاطٌ فَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْحَسَنَ أَيْضًا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ لَكِنْ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ هَذَا لَيْسَ بِحَسَنٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا عَرَفْتَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ اجْتِهَادَ الْمُسْتَنِدِ إِلَيْهِ سَابِقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِلَخْ فَفَاسِدٌ وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِيمَا سَبَقَ
وأما قوله ويقويه رواية بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ
فَفِيهِ أَنَّ في رواية بن ماجه أيضا عبد الكريم فكيف تقويه
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَمَمْنُوعٌ وَسَنَدُ الْمَنْعِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَحُرْمَتُهُ مَمْنُوعَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْأَحْوَطُ حرمته ففيه أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ كِلَاهُمَا صَحِيحَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ ضَعِيفًا وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ صَحِيحًا كَمَا فِي مَا نَحْنُ فِيهِ فَكَوْنُ الْحُرْمَةِ أَحْوَطُ مَمْنُوعٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا يُفِيدُ إِلَخْ فَفِيهِ وَهْمٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ الشَّيْخَانِ وَلَا غَيْرُهُمَا الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ بَلْ رَوَوْا الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَالضَّبُّ غَيْرُ الضَّبُعِ
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي الْإِعْلَامِ وَأَمَّا الضَّبُعُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِيهَا حَدِيثٌ صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ التَّحْرِيمِ كَمَا خُصِّصَتِ الْعَرَايَا لِأَحَادِيثِ الْمُزَابَنَةِ وَطَائِفَةٌ لَمْ تُصَحِّحْهُ وَحَرَّمُوا الضَّبُعَ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ ذَاتِ الْأَنْيَابِ وَقَالُوا وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ
مِنَ السِّبَاعِ وَصَحَّتْ صِحَّةً لَا مَطْعَنَ فِيهَا من حديث علي وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالُوا وَأَمَّا حَدِيثُ الضَّبُعِ فَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي عمارة وَأَحَادِيثُ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ كُلُّهَا تُخَالِفُهُ
قَالُوا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ رَفَعَ الْأَكْلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَفَعَ إِلَيْهِ كَوْنَهَا صَيْدًا فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا صيدا جواز أكلها فظن جَابِرٌ أَنَّ كَوْنَهَا صَيْدًا يَدُلُّ عَلَى أَكْلِهَا فأفتى به من قوله ورفع النبي صلى الله عليه وسلم مَا سَمِعَهُ مِنْ كَوْنِهَا صَيْدًا
فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَارَةَ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ آكُلُ الضَّبُعَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ هُوَ كَوْنُهَا صَيْدًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ قَالَ عَنْ عُبَيْدِ بن عمير عن بن أَبِي عُمَارَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ هِيَ صَيْدٌ وَفِيهَا كَبْشٌ
قَالُوا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جابر يرفعه الضَّبُعُ صَيْدٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ جَزَاءً كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَيُؤْكَلُ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ وَالرَّفْعَ وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعَارَضْ بِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي تَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ فِي التَّحْرِيمِ
قَالُوا وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحًا فِي الْإِبَاحَةِ لَكَانَ فَرْدًا وَأَحَادِيثُ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ مُسْتَفِيضَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ تَوَاتُرَهَا فَلَا يُقَدَّمُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَيْهَا
قَالُوا وَالضَّبُعُ مِنْ أَخْبَثِ الْحَيَوَانِ وَأَشْرَهِهِ وَهُوَ مُغْرًى بِأَكْلِ لُحُومِ النَّاسِ وَنَبْشِ قُبُورِ الْأَمْوَاتِ وَإِخْرَاجِهِمْ وَأَكْلِهِمْ وَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَكْسِرُ بِنَابِهِ
قَالُوا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَوَاتَ الْأَنْيَابِ وَالضَّبُعُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا
قَالُوا وَغَايَةُ حَدِيثِ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَيْدٌ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَكْلُهَا وَقَدْ قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ مُحْرِمٍ قَتَلَ ثَعْلَبًا فَقَالَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ هِيَ صَيْدٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ الثَّعْلَبِ فَقَالَ الثَّعْلَبُ سَبُعٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ سَبُعٌ وَأَنَّهُ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَلَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الضَّبُعِ كَبْشًا ظَنَّ جَابِرٌ أَنَّهُ يُؤْكَلُ فَأَفْتَى بِهِ