الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْوَاعِ الِاحْتِرَازَاتِ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ الْمَجْذُومِ فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ يَعْنِي حَدِيثَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَحَدِيثَ الْمَجْذُومِ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ لَهُ كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ لَنَا مَوْلًى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي
قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْأَكْلُ مَعَهُ فَفِعْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرُ بصري إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْقِتْبَانِيُّ الْمِصْرِيُّ أَبُو معاوية القاضي ثقة فاضل عابد أخطأ بن سَعْدٍ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ الثَّامِنَةِ انْتَهَى
وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عن بن بريدة قال الحافظ في تهذيب التهذيب بن بُرَيْدَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُوهُ سُلَيْمَانُ قَالَ الْبَزَّارُ أَمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ فَإِنَّمَا يُحَدِّثُونَ عَنْ سليمان فحيث أبهموا بن بُرَيْدَةَ فَهُوَ سُلَيْمَانُ وَكَذَا الْأَعْمَشُ عِنْدِي
وَأَمَّا من عدا هؤلاء حيث أبهموا بن بُرَيْدَةَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ انْتَهَى (وَحَدِيثُ شُعْبَةَ أَثْبَتُ عِنْدِي وَأَصَحُّ) حَدِيثُ شُعْبَةَ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عبد الله بن بريدة قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ انْتَهَى
0 -
(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ)
وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ [1818] قَوْلُهُ (الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي معا وَاحِدٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مُنَوَّنًا وَيُكْتَبُ
بِالْيَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِعَى بِالْفَتْحِ وَكَإِلَى مِنْ أَعْفَاجِ الْبَطْنِ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ أَمْعَاءٌ وَالْعِفْجُ بِالْكَسْرِ وَالتَّحْرِيكِ وَكَكَتِفٍ مَا يَنْتَقِلُ الطَّعَامُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَعِدَةِ وَالْجَمْعُ أَعْفَاجٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سعيد وأبي بصرة الْغِفَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى وَجَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ وَمَيْمُونَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي نَضْرَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ كُنْيَتُهُ أَبُو نَضْرَةَ بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ نَعَمْ أَبُو بَصْرَةَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حُمَيْلٌ مِثْلُ حُمَيْدٍ لَكِنْ آخِرُهُ لَامٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ بالجيم بن بصرة بفتح الموحدة بن وَقَّاصٍ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ وَمَاتَ بِهَا انْتَهَى
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ
فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرْتُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ فَحَلَبَ لِي شُوَيْهَةً كَانَ يَحْتَلِبُهَا فَشَرِبْتُهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَسْلَمْتُ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ إِلَخْ
وَأَمَّا حَدِيثُ أبي موسى فأخرجه مسلم وبن ماجه
وأما حديث جهجاه الغفاري فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ قَالَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةُ رِجَالٍ فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَجُلًا وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ أَبُو غَزْوَانَ قَالَ فَحَلَبَ لَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ فَشَرِبَ لَبَنَهَا كُلَّهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ لَك يَا أَبَا غَزْوَانَ أَنْ تُسْلِمَ قَالَ نَعَمْ فَأَسْلَمَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ حَلَبَ لَهُ شَاةً وَاحِدَةً فَلَمْ يُتِمَّ لَبَنَهَا فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا غَزْوَانَ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ نَبِيًّا لَقَدْ رَوِيتُ قَالَ إِنَّك أَمْسِ كَانَ لَكَ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ وَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ إِلَّا مِعًى وَاحِدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ
[1819]
قَوْلُهُ (ضَافَهُ) أَيْ نَزَلَ بِهِ (فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ) أَيْ بَأَحْلَابِهَا (فَحُلِبَتْ) بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ (فَشَرِبَ) أَيِ الضَّيْفُ الْكَافِرُ حِلَابَهَا (ثُمَّ أُخْرَى) أَيْ ثُمَّ حُلِبَتْ شَاةٌ أُخْرَى (حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ) الْحِلَابُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ اللَّبَنُ الَّذِي تَحْلُبُهُ وَالْإِنَاءُ الَّذِي تَحْلُبُ فِيهِ اللَّبَنَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ (ثُمَّ أَصْبَحَ) أَيِ الضَّيْفُ الْكَافِرُ (فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا) أَيْ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَ الشَّاةِ الثَّانِيَةِ عَلَى التَّمَامِ (وَالْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمُؤْمِنُ لِتَقَلُّلِهِ مِنَ الدُّنْيَا يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاسْتِكْثَارِهِ مِنْهَا يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَمْعَاءِ وَلَا خُصُوصَ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّقَلُّلُ مِنَ الدُّنْيَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ تَنَاوُلِ الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ وَعَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ بِالْأَمْعَاءِ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ ظَاهِرٌ
وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ الْحَلَالَ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالُ أَقَلُّ مِنَ الحرام في الوجود نقله بن التِّينِ
وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عِمْرَانَ نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ
وَقِيلَ الْمُرَادُ حَضُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ صِفَةُ الْكَافِرِ فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْفِرُ مِنَ الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْكَافِرِ
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام
وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ لَا جِنْسِيَّةٌ جزم بذلك بن عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ لَا سَبِيلَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ فَكَمْ مِنْ كَافِرٍ يَكُونُ أَقَلَّ أَكْلًا مِنْ مُؤْمِنٍ وَعَكْسُهُ وَكَمْ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِقْدَارُ أَكْلِهِ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلِذَلِكَ عَقَّبَ به مالك الحديث والمطلق
وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا إِذَا كَانَ كَافِرًا كَانَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ عُوفِيَ وَبُورِكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَفَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِمَّا كَانَ يَكْفِيهِ وَهُوَ كَافِرٌ انْتَهَى
وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْحَمْلُ بأن بن عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْهُ الْعُمُومَ فَلِذَلِكَ مَنَعَ الَّذِي رَآهُ يَأْكُلُ كَثِيرًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ كَيْفَ يَتَأَتَّى حَمْلُهُ عَلَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَيُورِدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَقِبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي حَقِّ الَّذِي وَقَعَ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ
الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ مُرَادَةً قَالُوا تَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّكْثِيرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلَ مِنَ الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَكْلِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ وَيُمْسِكُ الرَّمَقَ وَيُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَلِخَشْيَتِهِ أَيْضًا مِنْ حِسَابِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ مَعَ مَقْصُودِ الشَّرْعِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ مُسْتَرْسِلٌ فِيهَا غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ تَبِعَاتِ الْحَرَامِ فَصَارَ أَكْلُ الْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرْتُهُ إِذَا نُسِبَ إِلَى أَكْلِ الْكَافِرِ كَأَنَّهُ بِقَدْرِ السُّبُعِ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُل كَثِيرًا إِمَّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَإِمَّا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ بَاطِنٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي الْكُفَّارِ مَنْ يَأْكُلُ قَلِيلًا إِمَّا لِمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ الْأَطِبَّاءِ وَإِمَّا لِلرِّيَاضَةِ عَلَى رَأْيِ الرُّهْبَانِ وَإِمَّا لِعَارِضٍ كَضَعْفِ الْمَعِدَةِ
الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّامُّ الْإِيمَانِ لِأَنَّ مِنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَمُلَ إِيمَانُهُ اشْتَغَلَ فِكْرُهُ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ فَيَمْنَعُهُ شِدَّةُ الْخَوْفِ وَكَثْرَةُ الْفِكْرِ وَالْإِشْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وَقَسَا قَلْبُهُ
وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّحِيحُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ يَقْصِدُ فِي مَطْعَمِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَمِنْ شَأْنِهِ الشَّرَهُ فَيَأْكُلُ بِالنَّهَمِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ وَلَا يَأْكُلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِقِيَامِ الْبِنْيَةِ
وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ قَدْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَفَاضِلِ السَّلَفِ الْأَكْلُ الْكَثِيرُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِمْ
الرَّابِعُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَلَا يَشْرَكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَافِرُ لَا يُسَمِّي فَيَشْرَكُهُ الشَّيْطَانُ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ
الْخَامِسُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرَادَ أن بعض المؤمنين يأكل في معا وَاحِدٍ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَأْكُلُونَ فِي سَبْعَةٍ أَمْعَاءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ مِثْلَ مِعَى الْمُؤْمِنِ انْتَهَى
وَيَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ ثُمَّ الصَّائِمُ ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ لِكَوْنِهِ يَأْكُلُ بِشَرَهٍ لَا يُشْبِعُهُ إِلَّا مَلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ وَالْمُؤْمِنُ يُشْبِعُهُ مَلْءُ معا واحد