الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَدَّهُ مُخَالِفُوهُ فَقَالُوا بَلِ التَّقْدِيرُ فَأَرَدْتُمِ الْحِنْثَ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَرَدَّهُ مَنْ أَجَازَهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَمْ تَسْقُطْ عَمَّنْ لَمْ يَحْنَثِ اتِّفَاقًا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَرْضٌ وَإِخْرَاجَهَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ فَلَا يَقُومُ التَّطَوُّعُ مَقَامَ الْمَفْرُوضِ
وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِرَادَةُ الْحِنْثِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ عِدَّةَ من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشرة صَحَابِيًّا وَتَبِعَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وقد عرفت مما سلف أن المتوجه الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ
وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحِنْثِ لَكَانَ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ
قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْكَفَّارَةِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهَا قبل الحلف فلا تجزىء اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزىء اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث فَفِيهَا الْخِلَافُ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ إِتْيَانِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَإِتْيَانَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ الْكَفَّارَةُ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّهُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يُعْبَأُ به
قال الحافظ كأنه يشر إِلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ ويَحْيَى ضَعِيفٌ جِدًّا
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِلَفْظِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَمَدَارُهُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيٍّ وَالَّذِي زَادَ ذَلِكَ حَافِظٌ فهو المعتمد انتهى
(باب فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ)
[1531]
قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ
اللَّهِ مَانِعٌ مِنَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ يَحِلُّ انْعِقَادُهَا
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَادَّعَى عليه بن الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا قَالَ وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا رَوَى بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ قَطُّ فِي يَمِينٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَفَّارَةٍ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاتِّصَالِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ النَّفَسِ
وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَكَلَّمْ
وَقَالَ عَطَاءٌ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يصح بعد أربعة أشهر
وعن بن عَبَّاسٍ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ
وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْعَتَاقَ قَالَ لِحَدِيثِ إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تُطَلَّقْ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ انْتَهَى
قَالَ فِي النيل حديث بن عُمَرَ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَلَهُ طُرُقٌ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ
[1532]
قَوْلُهُ (لَأَطُوفَنَّ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ أَيْ وَاللَّهِ لَأَطُوفَنَّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ قَسَمٍ
وَالْقَسَمُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقْسَمٍ بِهِ (عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً) قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي الْعَدَدِ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا مَا لَفْظُهُ فَمُحَصَّلُ الرِّوَايَاتِ سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَمِائَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِرَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سَرَارِيَّ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا تِسْعُونَ وَالْمِائَةُ فَكُنَّ دُونَ الْمِائَةِ وَفَوْقَ التِّسْعِينَ فَمَنْ قَالَ تِسْعُونَ أَلْقَى الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ مِائَةً جَبَرَهُ
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ نَفْيُ الْكَثِيرِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ
وَقَدْ حَكَى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ امْرَأَةٍ ثَلَاثُ مِائَةِ مَهِيرَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ وَنَحْوُ مَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ صَرِيحَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ انْتَهَى (تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا)
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَطَافَ عَلَيْهِنَّ) أَيْ جَامَعَهُنَّ قَوْلُهُ (إِلَّا امْرَأَةً نِصْفَ غُلَامٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِلَّا وَاحِدَةً سَاقِطًا أَحَدَ شِقَّيْهِ (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَأَطُوفَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِتِسْعِينَ امْرَأَةٍ كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ
قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِيَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ قِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ عليه السلام وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَهَا وَقَعَ مَا أَرَادَ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام قَالَهَا عِنْدَ مَا وَعَدَ الْخَضِرَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَمَّا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ