الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 - أبواب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم التَّفْسِيرُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ تَقُولُ فَسَرْتَ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَفْسُرُهُ فَسْرًا وَفَسَّرْته بِالتَّشْدِيدِ أُفَسِّرُهُ تَفْسِيرًا إِذَا بَيَّنْته وَأَصْلُ الْفَسْرِ نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعِلَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ هُمَا بِمَعْنًى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا آخَرُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ التَّأْوِيلُ رَدُّ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ التَّأْوِيلَ نَقْلُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَقِيلَ التَّأْوِيلُ إِبْدَاءُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مُعْتَضَدٌ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا ريب فيه} قَالَ مَنْ قَالَ لَا شَكَّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِيرُ وَمَنْ قَالَ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ فَهُوَ التَّأْوِيلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ
1 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ برأيه)
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَبْدِ الأعلى) هو بن عَامِرٍ
قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَقِينِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ نقلي أو عقلي مطابق للشرعي قاله القارىء
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي مُشْكِلِهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ
(فليتبوأ مقعده من النار) أي ليهيىء مَكَانَهُ مِنَ النَّارِ قِيلَ الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وقيل الأمر بمعنى الخبر
قال بن حَجَرٍ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ سَلَبُوا لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعْنَى فَهُمْ مُخْطِئُونَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ وَالْجُبَائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْهَانِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَدُسُّ الْبِدَعَ وَالتَّفَاسِيرَ الْبَاطِلَةَ فِي كَلَامِهِمِ الْجَذِلِ فَيَرُوجُ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَيَقْرُبُ مِنْ هَؤُلَاءِ تفسير بن عطية بل كان الإمام بن العرفة الْمَالِكِيُّ يُبَالِغُ فِي الْحَطِّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ إِنَّهُ أَقْبَحُ مِنْ صَاحِبِ الْكَشَّافِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ اعْتِزَالَ ذَلِكَ فَيَجْتَنِبُهُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن جَرِيرٍ
قَوْلُهُ (اتَّقُوا الْحَدِيثَ) أَيِ احْذَرُوا رِوَايَتَهُ (عَنِّي) وَالْمَعْنَى لَا تُحَدِّثُوا عَنِّي (إِلَّا مَا علمتم) أي أنه من حديثي
قال القارىء والظاهر أن العلم هنا يشتمل الظن فأنهم إِذَا جُوِّزَ الشَّهَادَةُ بِهِ مَعَ أَنَّهَا أَضْيَقُ مِنَ الرِّوَايَةِ اتِّفَاقًا فَلَأَنْ تُجَوَّزَ بِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَمَنْ قَالَ) أَيْ مَنْ تَكَلَّمَ (فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي مَعْنَاهُ أَوْ قِرَاءَتِهِ (بِرَأْيِهِ) أَيْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ الْمُطَابِقَةِ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه عَقْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ بِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَصَصِ وَالْأَحْكَامِ أَوْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه ظَاهِرُ النَّقْلِ وَهُوَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْلِ كَالْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي أَخَذَ الْمُجَسِّمَةُ بِظَوَاهِرِهَا وَأَعْرَضُوا عَنِ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ أَوْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه بَعْضُ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِبَقِيَّتِهَا وبالعلوم الشرعية فيها يُحْتَاجُ لِذَلِكَ وَلِذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُرَادُ رَأْيٌ غَلَبَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ أَمَّا مَا يَشُدُّهُ بُرْهَانٌ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ إِنَّمَا يُتَلَقَّى مِنَ النَّقْلِ أَوْ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ أَوْ مِنَ الْمَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ أَوِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَوْ أُصُولِ الدِّينِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي حِبَّانُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهُوَ) أَيْ سُهَيْلُ بْنُ عبد الله (بن أَبِي حَزْمٍ) فَأَبُو حَزْمٍ كُنْيَةُ وَالِدُ سُهَيْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ اسْمُهُ وَيُقَالُ لَهُ مِهْرَانُ أَيْضًا (أخو حزم) بدل من بن أَبِي حَزْمٍ أَيْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ هُوَ أَخُو حَزْمٍ (الْقُطَعِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ وَاسْمُهُ مِهْرَانُ وَيُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَغَيْرُهُ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ والدال تفتح وتضم بن سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ
قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي لَفْظِهِ أَوْ مَعْنَاهُ (بِرَأْيِهِ) أَيْ بِعَقْلِهِ الْمُجَرَّدِ (فَأَصَابَ) أَيْ وَلَوْ صَارَ مُصِيبًا بحسب الاتفاق (فقد أخطأ) أي فهو مخطىء بحسب الحكم الشرعي
قال بن حَجَرٍ أَيْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ بِخَوْضِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالتَّخْمِينِ وَالْحَدْسِ لِتَعَدِّيهِ بِهَذَا الْخَوْضِ مَعَ عَدَمِ اسْتِجْمَاعِهِ لِشُرُوطِهِ فَكَانَ آثِمًا بِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلصَّوَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَنْ قَصْدٍ وَلَا تَحَرٍّ بِخِلَافِ مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ آلَاتُ التَّفْسِيرِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشْرَ عِلْمًا اللُّغَةُ وَالنَّحْوُ وَالتَّصْرِيفُ وَالِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنَ السِّيَاحَةِ أَوِ الْمَسْحِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ وَالْقِرَاءَاتُ وَالْأَصْلَيْنِ وَأَسْبَابُ النُّزُولِ والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير الْمُجْمَلَ وَالْمُبْهَمَ وَعِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَبَعْضُ هَذِهِ الْعُلُومِ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ السَّلَفِ بِالْفِعْلِ وَبَعْضُهَا بِالطَّبْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ بِخَوْضِهِ فِيهِ وَإِنْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُ فَكَانَ مَأْجُورًا أَجْرَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَوْ عَشْرَةَ أُجُورٍ كَمَا فِي أُخْرَى إِنْ أَصَابَ وَأَجْرًا إِنْ أَخْطَأَ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَاضْطَرَّهُ الدَّلِيلُ إِلَى مَا رَآهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِوَجْهٍ
وَقَدْ أَخْطَأَ الْبَاطِنِيَّةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِلْقُرْآنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بَاطِنُهُ دُونَ ظَاهِرِهِ
وَمِنْ هَذَا مَا يَسْلُكُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ فِرْعَوْنَ بِالنَّفْسِ وَمُوسَى بِالْقَلْبِ إِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ بِالْآيَةِ لَا إِشَارَاتٌ ومناسبات ل يات وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ صَرْفُ شيء من
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ فِيهِ بِنَقْلٍ مِنَ الشَّارِعِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ التوربشتي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّأْيِ مَا لَا يَكُونُ مُؤَسَّسًا عَلَى عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ يَكُونُ قَوْلًا تَقَوَّلَهُ بِرَأْيِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه عَقْلُهُ وَعِلْمُ التَّفْسِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ بِالْمَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَسْبِ مَا يقتضيه أصول الدين فيأول الْقِسْمَ الْمُحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَجْمِعْ هَذِهِ الشرائط كان قوله مهجورا وحسبه من الزاجر أنه مخطىء عند الاصابة فيابعد مَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُتَكَلِّفِ فَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ عَلَى الْخَطَأِ وَالْمُتَكَلِّفُ مَأْخُوذٌ بِالصَّوَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّقْلِ وَالْمَسْمُوعِ وَتَرْكُ الِاسْتِنْبَاطِ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ آخَرُ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم قَدْ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَالُوهُ سَمِعُوهُ كَيْفَ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مَسْمُوعًا كَالتَّنْزِيلِ فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا النَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيأول الْقُرْآنَ عَلَى وِفْقِ هَوَاهُ لِيَحْتَجَّ عَلَى تَصْحِيحِ غَرَضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الرَّأْيُ وَالْهَوَى لَا يَلُوحُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُلَبِّسُ عَلَى خَصْمِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ الْجَانِبُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَلَوْلَا رَأْيُهُ لَمَا كَانَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ كَمَنْ يَدْعُو إِلَى مُجَاهِدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي فَيَقُولُ الْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اذْهَبْ إِلَى فرعون إنه طغى هُوَ النَّفْسُ
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَسَارَعَ إِلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَرِيبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَالنَّقْلُ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِر التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ لِلتَّفْهِيمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ
وَالْغَرَائِبُ الَّتِي لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بها مَعْنَاهُ آيَةً مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَتْلِهَا فَالنَّاظِرُ إِلَى ظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ يَظُنُّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ مُبْصِرَةً وَلَمْ تَكُنْ عَمْيَاءَ وَمَا يَدْرِي بِمَا ظَلَمُوا وَأَنَّهُمْ ظَلَمُوا غَيْرَهُمْ أَوْ أَنْفُسَهُمْ
وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَتَطَرَّقُ النَّهْيُ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى قَوَانِينِ الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ والقواعد الأصلية
وَالْفَرْعِيَّةِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن جَرِيرٍ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا) قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ بن كَثِيرٍ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ آثَارًا عَدِيدَةً عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي التَّحَرُّجِ عَنْ تَفْسِيرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ (فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي هَذَا
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْبَصْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ مَالِكٍ الْأُبُلِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَبُو سَعِيدٍ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي لُبِّ اللُّبَابِ الْأُبَلِّيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ نِسْبَةً إِلَى أُبَلَّةَ بَلْدَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْبَصْرَةِ
قَوْلُهُ (لَوْ كُنْتَ قرأت قراءة بن مسعود لم أحتج أن أسأل بن عَبَّاسٍ إِلَخْ) أَيْ لِمَا وَقَعَ فِي قِرَاءَتِهِ مِنْ تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ