الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
105 -
(باب ما جاء لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا)
خير من أن يمتلىء شعرا قوله (لأن يمتلىء) مِنَ الِامْتِلَاءِ (جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ مِدَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ (خَيْرٌ له من أن يمتلىء) أَيْ جَوْفُهُ (شِعْرًا) ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ شِعْرٍ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ مَدْحًا حَقًّا كَمَدْحِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الذِّكْرِ وَالزُّهْدِ وَسَائِرِ الْمَوَاعِظِ مِمَّا لَا إِفْرَاطَ فِيهِ
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هِيهِ فَأَنْشَدْته بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ حَتَّى أَنْشَدْته مائة بيت
رواه مسلم
قال بن بَطَّالٍ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ خَيْرٌ له من أن يمتلىء شِعْرًا يَعْنِي الشِّعْرَ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ شَطْرَ بَيْتٍ لَكَانَ كُفْرًا فَكَأَنَّهُ إِذَا حَمَلَ وَجْهَ الْحَدِيثِ عَلَى امْتِلَاءِ الْقَلْبِ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ رُخِّصَ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ وَلَكِنْ وَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يمتلىء قَلْبُهُ مِنَ الشِّعْرِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ فَيَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْغَالِبَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ الْغَالِبَيْنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ جَوْفُهُ مُمْتَلِئًا مِنَ الشِّعْرِ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَقَعَ لَنَا ذَلِكَ مَوْصُولًا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَكَرَهُمَا الْحَافِظُ وَضَعَّفَهُمَا
قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِامْتِلَاءِ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ
وَقَدْ تَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي صحيحه على هذا الحديث من رواية بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الشِّعْرَ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ) النَّهْشَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَمِّي يَحْيَى بن عيسى) التميمي النهشلي الفاخوري بالفاء والخاء الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّمْلَةِ صَدُوقٌ يُخْطِي وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (يَرِيهِ) بِفَتْحِ يَاءٍ وَكَسْرِ رَاءٍ وَسُكُونِ يَاءٍ أُخْرَى صِفَةُ قَيْحٍ أَيْ يُفْسِدُهُ مِنَ الْوَرْيِ وَهُوَ دَاءٌ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَمَعْنَاهُ قَيْحًا يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَيُفْسِدُهُ وَقِيلَ أَيْ يَصِلُ إِلَى الرِّئَةِ وَيُفْسِدُهَا
وَرُدَّ بِأَنَّ المشهور في الرئة الهمز (أن يمتلىء) أي جوفه قال بن أَبِي حَمْزَةَ قَوْلُهُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوْفَهُ كُلَّهُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْقَلْبِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَلْبَ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَيْحَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَمُوتُ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَلْبِ مِمَّا فِي الْجَوْفِ مِنَ الْكَبِدِ وَالرِّئَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لَأَنْ يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ مِنْ عَانَتِهِ إِلَى لَهَاتِهِ وَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِلثَّانِي لِأَنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ الشِّعْرُ مَحَلُّهُ القلب لأنه ينشأ عن الفكر
وأشار بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى عَدَمِ الْفَرْقِ فِي امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنَ الشِّعْرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُهُ أَوْ يَتَعَانَى حِفْظَهُ مِنْ شِعْرِ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظاهر
قوله (وفي الباب عن سعد وبن عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ وَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وبن ماجه