الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ مُخْتَصَرًا
قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أبي نضرة عن بن عباس الحديث بطوله) أخرجه أحمد
9 -
(باب وَمِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ)
مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً (إِنَّ نَوْفًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الواو بعدها فاء هو بن فَضَالَةَ (الْبِكَالِيُّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْكَافِ مُخَفَّفًا وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي بِكَالِ بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفٍ بَطْنٌ من حمير ويقال إنه بن امرأة كعب الأحبار وقيل بن أَخِيهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ (يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى صَاحِبِ الْخَضِرِ) وفي رواية بن إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قال كنت عند بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ بعضهم يا بن عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ مُوسَى الَّذِي طَلَبَ الْعِلْمَ إِنَّمَا هُوَ موسى بن ميشا أي بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام فقال بن عَبَّاسٍ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْهُ يَا سَعِيدُ قُلْتُ نعم قال كذب نوف
قال بن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشاقيل مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ الَّذِي صَحِبَ الْخَضِرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَالَ كَذِبَ عَدُوُّ اللَّهِ) هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ تَصْدِيقِ تِلْكَ الْمُقَابَلَةِ
قَالَ بن التين لم يرد بن عَبَّاسٍ إِخْرَاجَ نَوْفٍ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَلَكِنْ قلوب العلماء تتنفر إذا سَمِعَتْ غَيْرَ الْحَقِّ فَيُطْلِقُونَ أَمْثَالَ هَذَا الْكَلَامِ لِقَصْدِ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ) الْعَتْبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُولٌ عَلَى ما
يَلِيقُ بِهِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ فِي الْآدَمِيِّينَ كَنَظَائِرِهِ (أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ) اخْتُلِفَ فِي مَكَانِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الحافظ في الفتح أقوال مُخْتَلِفَةً فِيهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ (أَيْ رَبِّ) أَصْلُهُ رَبِّي حُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لِلتَّخْفِيفِ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرِ (فَكَيْفَ لِي بِهِ) أَيْ كَيْفَ الِالْتِقَاءُ لِي بِذَلِكَ الْعَبْدِ (أَحْمِلُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ زِنْبِيلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقِيلَ لَهُ تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا
قال الْحَافِظُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُوتَ كَانَ مَيِّتًا لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّحُ وَهُوَ حَيٌّ (فَهُوَ ثَمَّ) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ظَرْفٌ بِمَعْنَى هُنَاكَ وَقَالَتِ النُّحَاةُ هُوَ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ أَيْ فَذَلِكَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (فَتَاهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (وَهُوَ يُوشَعُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ نُونٍ) مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ
وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ هَذَا مِنْ أَوْلَادِ يُوسُفَ عليه السلام وَإِنَّمَا قَالَ فَتَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْدُمُهُ وَيَتْبَعُهُ وَقِيلَ كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى (حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ) أَيِ الَّتِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالصَّخْرَةُ فِي اللُّغَةِ الْحَجَرُ الْكَبِيرُ (فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جَرْيَةَ الْمَاءِ) أَيْ جَرَيَانَهُ (حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) الطَّاقُ مَا عُطِفَ مِنَ الْأَبْنِيَةِ أَيْ جُعِلَ كَالْقَوْسِ مِنْ قَنْطَرَةٍ وَنَافِذَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْكَوَّةِ (وَكَانَ لِلْحُوتِ سربا) أي مسلكا ومذهبا يسرب ويذهب فِيهِ (وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا) أَيْ شَيْئًا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ (آتِنَا غَدَاءَنَا) أَيْ طَعَامَنَا وَزَادَنَا (نَصَبًا) أَيْ شِدَّةً وَتَعَبًا (لَمْ يَنْصَبْ) أَيْ لَمْ يَتْعَبْ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ
وفي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِذْ) ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَرَأَيْتَ مَا دَهَانِي إِذْ أَوَيْنَا إِلَخْ (ذَلِكَ) أَيْ فُقْدَانُ الْحُوتِ (مَا كُنَّا نَبْغِ) أَيْ هُوَ الَّذِي كَنا نَطْلُبُهُ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ وُجْدَانِ الْمَقْصُودِ (فَارْتَدَّا) أَيْ رَجَعَا (عَلَى آثَارِهِمَا) أَيْ آثَارِ سَيْرِهِمَا (قَصَصًا) أَيْ يَقُصَّانِ قَصَصًا (يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا)
قال فِي الْقَامُوسِ قَصَّ أَثَرَهُ قَصًّا وَقَصَصًا تَتَبَّعَهُ وَقَالَ فِيهِ (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) أَيْ رَجَعَا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَاهُ يَقْتَصَّانِ الْأَثَرَ
قَالَ سُفْيَانُ يَزْعُمُ نَاسٌ إِلَى قَوْلِهِ (فَلَمَّا قُطِرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ عَاشَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قال سفيان وفي حديث غير عمر
وقال وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ فَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ قَالَ فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ
قال الْحَافِظُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهَا في حديث غير عمر وقد أخرجها بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ مُدْرَجَةً فِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَأَظُنُّ أَنَّ بن عُيَيْنَةَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ فَأَتَى عَلَى عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلَمَّا أَصَابَ تِلْكَ الْعَيْنَ رَدَّ اللَّهُ رُوحَ الْحُوتِ إِلَيْهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا حَكَاهُ بن التِّينِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَقَالَ لَا أَرَى هَذَا يَثْبُتُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ قَطَرَ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنَ الْقَطْرِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ جكيدن وجكانيدان لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ (مُسَجًّى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّسْجِيَةِ أَيْ مُغَطًّى (فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ (فَقَالَ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) قَالَ الْحَافِظُ هِيَ بِمَعْنَى أَيْنَ أَوْ كَيْفَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِبْعَادٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا إِذْ ذَاكَ مُسْلِمِينَ (فَقَالَ أَنَا مُوسَى) فِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُوسَى (إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ) أَيْ لَا أَعْلَمُ جَمِيعَهُ (وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ) أَيْ لَا تَعْلَمُ جَمِيعَهُ
وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ مالا غِنًى بِالْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَمُوسَى كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِنِ مَا يَأْتِيهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ (رَشَدًا) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ عِلْمًا رَشَدًا أَيْ ذَا رَشَدٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ (إِنَّكَ لن تستطيع معي صبرا) كَذَا أُطْلِقَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ النَّفْيِ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُوسَى لَا يَصْبِرُ عَلَى تَرْكِ الْإِنْكَارِ إِذَا رَأَى مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ عِصْمَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْهُ مُوسَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ بَلْ مَشَى مَعَهُ لِيُشَاهِدَ مِنْهُ مَا اطَّلَعَ بِهِ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ (وَكَيْفَ تَصْبِرُ) اسْتِفْهَامٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ
قُلْتَ أَنِّي لَا أَصْبِرُ وَأَنَا سَأَصْبِرُ قَالَ كَيْفَ تَصْبِرُ (عَلَى مَا لم تحط به خبرا) أَيْ عِلْمًا (فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ) لَمْ يَذْكُرْ فَتَى مُوسَى وَهُوَ يُوشَعُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ غير مقصود بالأصالة (فكلما هم) أي أهل السفينة (بِغَيْرِ نَوْلٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ (فَنَزَعَهُ) أَيْ قَلَعَهُ (إِمْرًا) أَيْ مُنْكَرًا
قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَوْ عَظِيمًا قَالَهُ قَتَادَةُ (لَا تؤاخذني بما نسيت) كَلِمَةُ مَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَيْ بِاَلَّذِي نَسِيتُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ نَسِيتُهُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِنِسْيَانِي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً بِمَعْنَى شَيْءٍ أَيْ بِشَيْءٍ نَسِيتُهُ (لَا تُرْهِقْنِي) أَيْ لَا تُكَلِّفْنِي (عُسْرًا) أَيْ مَشَقَّةً فِي صُحْبَتِي إِيَّاكَ أَيْ عَامِلْنِي فِيهَا بِالْعَفْوِ وَالْيُسْرِ (فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ) وَفِي رواية للبخاري
فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بالسكين ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتله رأسه (أقتلت نفسا ذكية) أَيْ طَاهِرَةً مِنَ الذُّنُوبِ (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا (نُكْرًا) أَيْ مُنْكَرًا وعن قتادة وبن كَيْسَانَ النُّكْرُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنَ الْإِمْرِ (وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى) أَيْ أَوْكَدُ مِنَ الْأُولَى حَيْثُ زَادَ كَلِمَةَ لَكَ (فَلَا تُصَاحِبْنِي) أَيْ فارقني (قد بلغت من لدني عذرا) أَيْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ) قِيلَ الْأَيْلَةُ وَقِيلَ أَنْطَاكِيَّةُ وَقِيلَ أَذْرَبِيجَانُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَقْوَالًا عَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَرِيبٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشِدَّةُ الْمُبَايَنَةِ فِي ذَلِكَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَوْثُقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) أَيْ يُنْزِلُوهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَضْيَافِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْقَرْيَةِ (يُرِيدُ أَنْ ينقض) هذا عن الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إرادة أي قرب ودنى مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ (يَقُولُ مَائِلٌ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا أَيْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ (قَوْمٌ) أَيْ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أو هم قوم (لاتخذت عليه أجرا) أَيْ أُجْرَةً وَجُعْلًا (قَالَ) أَيِ الْخَضِرُ لِمُوسَى (هَذَا فِرَاقُ) أَيْ وَقْتُ فِرَاقٍ (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) فِيهِ إِضَافَةٌ بَيْنَ إِلَى غَيْرِ مُتَعَدِّدٍ سَوَّغَهَا تَكْرِيرُهُ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ (سَأُنَبِّئُكَ) قَبْلَ فِرَاقِي (يَرْحَمُ الله موسى) إخبار ولكن والمراد مِنْهُ الْإِنْشَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَهُ بِالرَّحْمَةِ (الْأُولَى) صِفَةٌ مَوْصُوفُهَا مَحْذُوفٌ أَيِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى (نِسْيَانًا) خَبَرُ كَانَتْ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ كَانَتِ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا
قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ نِسْيَانًا حَيْثُ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتَ وَشَرْطًا حَيْثُ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا وَعَمْدًا حَيْثُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (وَجَاءَ عُصْفُورٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ طَيْرٌ مَشْهُورٌ وَقِيلَ هُوَ الصُّرَدُ (عَلَى
حَرْفِ السَّفِينَةِ) أَيْ عَلَى طَرَفِهَا (مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ) لَفْظُ النَّقْصِ ليس له ظَاهِرِهِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ النَّقْصُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ وَهَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَيَكُونُ التَّشْبِيهُ وَاقِعًا عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومُ بِدَلِيلِ دُخُولِ حَرْفِ التَّبْعِيضِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ قَائِمَةٌ لَا تَتَبَعَّضُ وَالْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي يَتَبَعَّضُ
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ نَقْصَ الْعُصْفُورِ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ كَمَا قِيلَ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ عَيْبٌ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَفْيَ النَّقْصِ أُطْلِقَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَقِيلَ إِلَّا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا كَنَقْرَةِ هذا العصفور
وقد وقع في رواية بن جُرَيْجٍ بِلَفْظٍ أَحْسَنَ سِيَاقًا مِنْ هَذَا وَأَبْعَدَ إِشْكَالًا فَقَالَ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ هُنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ) وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ (مَلِكٌ يَأْخُذُ كل سفينة صالحة) كذا كان يقرأ بن عَبَّاسٍ بِزِيَادَةِ صَالِحَةٍ بَعْدَ كُلَّ سَفِينَةٍ وَكَذَا كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَكَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ وكان بن مَسْعُودٍ يَقْرَأُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا (وَكَانَ يقرأ) أي بن عَبَّاسٍ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا) وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَمُسْلِمٌ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّسَائِيُّ (قَالَ أَبُو مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ) اسْمُهُ سباع بكسر السين المهملة بعدها
موحدة بن النَّضْرِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (وَلَيْسَتْ لِي هِمَّةٌ) بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ وَأُوِّلَ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ الْقَوِيُّ (إِلَّا أَنْ أَسْمَعَ مِنْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَبَرَ) أَيْ لَفْظَ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا (حَتَّى سَمِعْتُهُ) أَيْ سُفْيَانَ (يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَدْ كُنْتَ سَمِعْتَ هَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (مِنْ سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَبَرَ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانُ لَفْظَ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا بَلْ ذَكَرَ لَفْظَ عَنْ أو اقل أو نحوهما وإنما لم يقنع بن الْمَدِينِيِّ عَلَى مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ سُفْيَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَإِنْ كَانَ تَدْلِيسُهُ مِنَ الثِّقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ) الشِّبَامِيُّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ نَزَلَ الْكُوفَةَ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) أَيْ خُلِقَ يَوْمَ خُلِقَ كَافِرًا يَعْنِي خُلِقَ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ فَلَا يُنَافِي خَبَرَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ إِذِ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ اسْتِعْدَادُ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ شَقِيًّا فِي جِبِلَّتِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) هُوَ الْبَلْخِيُّ (إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ أَوْ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ ثَبَتَتْ بِهِمَا الرِّوَايَةُ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ وَبِحَذْفِهِمَا قَالَهُ الْحَافِظُ (جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ بَعْدَ أن أخرجه الفروة الحشيش الأبيض وما
أشبهه
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ أَظُنُّ هَذَا تَفْسِيرًا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ انْتَهَى
وَجَزَمَ بِذَلِكَ عِيَاضٌ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ الْفَرْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ قِطْعَةٌ يَابِسَةٌ مِنْ حَشِيشٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
وعن بن الْأَعْرَابِيِّ الْفَرْوَةُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ (فَاهْتَزَّتْ) أَيْ تَحَرَّكَتِ الْفَرْوَةُ (خَضْرَاءَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَوْ فَكَسْرٍ مُنَوَّنًا أَيْ نَبَاتًا أَخْضَرَ نَاعِمًا وَهُوَ إِمَّا تَمْيِيزٌ أَوْ حَالٌ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ خَضْرَاءُ عَلَى زِنَةِ حَمْرَاءَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري وغيره
قَوْلُهُ (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِذِكْرِ لَفْظِ
حَدِيثٍ بَيْنَ عَنْ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَذْفِهِ وَكَذَلِكَ وقع في مسند أحمد وسنن بن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (فِي السَّدِّ) أَيِ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ (يَحْفِرُونَهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالْمَنْصُوبُ لِلسَّدِّ (قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ) أَيِ الَّذِي هُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ (فَيُعِيدُهُ) أَيِ السَّدَّ الْمَخْرُوقَ (كَأَمْثَلِ مَا كَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتَهُمْ) وَفِي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ أَيِ الْمُدَّةُ التي قدرت لهم (واستثنى) أي قال إنشاء الله (قال) أي رسول الله (فيستقون المياه) وفي رواية بن مَاجَهْ فَيُنَشِّفُونَ الْمَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ (وَيَفِرُّ النَّاسُ منهم) وفي رواية بن مَاجَهْ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ وَفِي حديث أبي سعيد عند بن مَاجَهْ وَيَنْحَازُ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ (فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّمَاءِ) أَيْ فَتَرْجِعُ السِّهَامُ مَصْبُوغَةً بِالدِّمَاءِ إِلَيْهِمْ (وَعَلَوْنَا من في
السَّمَاءِ) أَيْ غَلَبْنَاهُمْ (قَسْوَةً وَعُلُوًّا) أَيْ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ غِلْظَةً وَفَظَاظَةً وَتَكَبُّرًا (فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ جَمْعُ نَغَفَةٍ (فِي أَقْفَائِهِمْ) جَمْعُ قَفًا وَهُوَ وَرَاءَ الْعُنُقِ وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ فِي رِقَابِهِمْ (فيهلكون) وفي حديث أبي سعيد عند بن مَاجَهْ فَيَمُوتُونَ مَوْتَ الْجَرَادِ وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسً وَاحِدَةٍ (إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ تَسْمَنُ) مِنَ السِّمَنِ ضِدُّ الْهُزَالِ (وَتَبْطَرُ) مِنَ الْبَطَرِ مُحَرَّكَةٌ النَّشَاطُ وَالْأَشَرُ (وَتَشْكَرُ) يُقَالُ شَكَرَتِ النَّاقَةُ امْتَلَأَ ضَرْعُهَا لَبَنًا وَالدَّابَّةُ سَمِنَتْ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ) أبو عثمان الْبَصْرِيُّ (قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة (عن بن مِينَاءَ) اسْمُهُ زِيَادٌ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ وَيُقَالُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْنَى الشُّرَكَاءِ إِلَخْ
رَوَى عنه زياد بن ميناء ذكره بن سَعْدٍ فِي طَبَقَةِ أَهْلِ الْخَنْدَقِ
قَوْلُهُ (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ لِيَجْزِيَهُمْ فِيهِ (لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ) أَيْ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ (أَحَدًا) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ أَشْرَكَ أَيْ أَحَدًا غَيْرَ اللَّهِ (فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ) أَيْ هُوَ أَغْنَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ عَلَى فَرْضِ أَنَّ لَهُمْ غِنًى (عَنِ الشِّرْكِ) أَيْ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي قَصْدِ الْعَمَلِ وَالْمَعْنَى مَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ فَاسْمُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ
مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ هَا هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حبان في صحيحه والبيهقي
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ الْجَزَرِيُّ) الرَّسْعَنِيُّ أَبُو الْفَضْلِ وَيُقَالُ لَهُ الرَّاسِبِيُّ صَدُوقٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ) الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُوسُفَ) الرَّحَبِيِّ (الصَّنْعَانِيُّ) صَنْعَاءُ دِمَشْقُ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (وَكَانَ تحته كنز لهما قَالَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكَنْزَ كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ فَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَانَ تَحْتَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ لَهُمَا وَهَذَا ظَاهِرُ السياق من الآية وهو اختيار بن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ عِلْمٌ كَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ صُحُفٌ فِيهَا عِلْمٌ
قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا وَفِي سَنَدِهِ يَزِيدُ بْنُ يُوسُفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ والحاكم وصححه