الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أحمد في مسنده
قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا مِنْ طُرُقٍ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذكرها
(باب وَمِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)
هِيَ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَمِائَتَانِ وَسِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (وبن أَبِي عَدِيٍّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ (وَعَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ الثَّقَفِيُّ (عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَخِفَّةِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَازِنِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قُبْضَةٍ) بِالضَّمِّ مِلْءُ الْكَفِّ وَرُبَّمَا جَاءَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَمِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَلَقَ أَوْ بَيَانِيَّةٌ حَالٌ مِنْ آدَمَ (قَبَضَهَا) أَيْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِقَبْضِهَا (مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ) يَعْنِي وَجْهَهَا (فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) أَيْ مَبْلَغِهَا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالطِّبَاعِ (فَجَاءَ مِنْهُمِ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ) بِحَسَبِ تُرَابِهِمْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَلْوَانِ وَمَا عَدَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْهَا وَهُوَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ أَرْضِهِ (وَالسَّهْلُ) أَيْ وَمِنْهُمِ السَّهْلُ أَيِ اللَّيِّنُ (وَالْحَزْنُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيِ الْغَلِيظُ (وَالْخَبِيثُ) أَيْ خَبِيثُ الْخِصَالِ (وَالطَّيِّبُ) عَلَى طَبْعِ أَرْضِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْنًا وَطَبْعًا وَخَلْقًا
قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ ظَاهِرَةً فِي الْإِنْسَانِ وَالْأَرْضِ أُجْرِيَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَأُوِّلَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ الْمَعْنِيَّ بِالسَّهْلِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ
وَبِالْحَزْنِ الْخُرْقُ وَالْعُنُفُ وَبِالطَّيِّبِ الَّذِي يَعْنِي بِهِ الْأَرْضَ الْعَذْبَةَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ كُلُّهُ وَبِالْخَبِيثِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْأَرْضُ السَّبْخَةُ الْكَافِرُ الَّذِي هُوَ ضُرٌّ كُلُّهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَوْلُهُ ادْخُلُوا الْبَابَ أَرَادَ بِهِ بَابَ الْقَرْيَةِ الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القرية سجدا) أَيْ سَاجِدِينَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ من التيه وقال بن عَبَّاسٍ مُنْحَنِينَ رُكُوعًا وَقِيلَ خُشُوعًا وَخُضُوعًا (قَالَ دَخَلُوا مُتَزَحِّفِينَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ) أَيْ مُتَمَشِّينَ وَالْأَوْرَاكُ جَمْعُ وَرِكٍ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ وَفِي رِوَايَةِ البخاري فدخلوا يزحفون على أستاهم (أَيْ مُنْحَرِفِينَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ مُنْحَرِفِينَ وَمَائِلِينَ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الدُّخُولِ سُجَّدًا فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الذي قيل لهم التَّقْدِيرُ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بِاَلَّذِي قِيلَ لَهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَ بَدَّلَ مَعْنَى قَالَ يَعْنِي قِيلَ لَهُمْ قُولُوا حِطَّةٌ أَيْ مَسْأَلَتُنَا أَنْ تَحُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا فَبَدَّلُوهُ قَائِلِينَ حَبَّةٌ فِي شَعِيرَةٍ وَهُوَ كَلَامٌ مُهْمَلٌ وَغَرَضُهُمْ بِهِ مُخَالَفَةُ مَا أُمِرُوا بِهِ (قَالَ قَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ شَعَرَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ مَكَانَ شَعِيرَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ عِنْدَ انْتِهَائِهِمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِمْ حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا السُّجُودَ بِالزَّحْفِ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعِيرَةٍ بَدَلَ حِطَّةٌ وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ والمعاندة
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (قَالَ كُنَّا مَعَ النبي فِي سَفَرٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ الرَّجُلُ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الْغَيْمِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ
قَوْلُهُ (كَانَ النبي يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قِبَلَ جِهَةِ مَقْصِدِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ حَالَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ وَالْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (وقال بن عُمَرَ فِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) ذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي النَّوَافِلَ حَيْثُ تَتَوَجَّهُ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَمَعْنَى الْآيَةِ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ لِنَوَافِلِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ فَقَدْ صَادَفْتُمُ الْمَطْلُوبَ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعُ الْفَضْلِ غَنِيٌّ فَمِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ وَغِنَاهُ رَخَّصَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَلَّفَكُمُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَزِمَ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ إِمَّا تَرْكُ النَّوَافِلِ وَإِمَّا النُّزُولُ عَنِ الرَّاحِلَةِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ الرُّفْقَةِ بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا صَلَوَاتٌ مَعْدُودَةٌ مَحْصُورَةٌ فَتَكْلِيفُ النُّزُولِ عَنِ الرَّاحِلَةِ عِنْدَ أَدَائِهَا وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا لَا يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ النَّوَافِلِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فَتَكْلِيفُ الِاسْتِقْبَالِ يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ عَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ فَلَمْ يَعْرِفُوا شَطْرَهَا فَصَلَّوْا عَلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فَأَيْنَ وَلَّيْتُمْ وُجُوهَكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي وَهُوَ قِبْلَتُكُمْ فَيُعْلِمُكُمْ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَكُمْ مَاضِيَةٌ
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ فَذَكَرهَا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَصْلُحُ للاحتجاج بها انتهى
وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ فِيهَا ضَعْفٌ وَلَعَلَّهُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ التَّوَجُّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا لِيَعْلَمَ نَبِيُّهُ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ لَهُمُ التَّوَجُّهَ بِوُجُوهِهِمْ لِلصَّلَاةِ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَجِّهُونَ وُجُوهَهُمْ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ وَنَاحِيَةً إِلَّا كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ لِأَنَّ لَهُ تَعَالَى الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هو معهم أينما كانوا قَالُوا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَ التوجه إلى المسجد الحرام قاله بن جرير
قال بن كَثِيرٍ وَفِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ إِنْ أَرَادَ عِلْمَهُ تَعَالَى فَصَحِيحٌ فَإِنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا انْتَهَى
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ رحمه الله كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَيُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ
وَفِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيرهما
قوله (أخبرنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ مُصَغَّرًا الْبَصْرِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنِ الثَّامِنَةِ (عَنْ سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ
قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال فثم قبلة الله قال الحافظ
بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا الْكَعْبَةُ انْتَهَى
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مُجَاهِدٍ هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ
(عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ) الْبَاهِلِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي رَوْحٍ وَيُقَالُ أَبُو عُمَرَ الْحَرَّانِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنِ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ لَكَانَ حَسَنًا أَوْ لَوْ لِلتَّمَنِّي وَالْمُرَادُ مِنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمَقَامِ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الطَّوَافِ فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ عليه السلام بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ وَيُنَاوِلَهُ الْحِجَارَةَ فَيَضَعَهَا بِيَدِهِ لِرَفْعِ الْجِدَارِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا
قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ عَنْهُ أخذ النبي بِيَدِ عُمَرَ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمَقَامِ فَقَالَ لَهُ هَذَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ
قَوْلُهُ
وكذلك جعلناكم أمة وسطا الْكَافُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ كَافُ التَّشْبِيهِ جَاءَ لِشَبَهٍ بِهِ وَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَقِّ إبراهيم ولقد اصطفيناه في الدنيا وكذلك جعلناكم أمة وسطا
الثَّانِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَهْدِي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم وَكَذَلِكَ هَدَيْنَاكُمْ وَجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
الثَّالِثُ قِيلَ مَعْنَاهُ كَمَا جَعَلْنَا قِبْلَتَكُمْ وَسَطًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا يَعْنِي عُدُولًا خيارا (قال عدلا) أي قال النبي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَطًا عَدْلًا
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَفِي آخِرِ حَدِيثِهِمَا وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا وَهَمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ بِلَفْظِ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا عَدْلًا
وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ فِي قَوْلِهِ وَسَطًا قَالَ عَدْلًا كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ مِثْلَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْوَسَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخِيَارُ يَقُولُونَ فُلَانٌ وَسَطٌ فِي قَوْمِهِ وَوَاسِطٌ إِذَا أَرَادُوا الرَّفْعَ فِي حَسَبِهِ قَالَ وَالَّذِي أَرَى أَنَّ مَعْنَى الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ الْجُزْءُ الَّذِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَسَطٌ لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّينِ فَلَمْ يَغْلُوا كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَلَمْ يُقَصِّرُوا كَتَقْصِيرِ الْيَهُودِ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ وَسَطٍ وَاعْتِدَالٍ
قَالَ الْحَافِظُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ صَالِحًا لِمَعْنَى التَّوَسُّطِ أَنْ لَا يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ الْآخَرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْآيَةِ انْتَهِي
قَوْلُهُ (يُدْعَى نُوحٌ) وَفِي رِوَايَةٍ يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَيُقَالُ) أَيْ لِنُوحٍ (فَيَقُولُ نَعَمْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ غَيْرُ التَّبْلِيغِ وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لَا يُحِيطُ بِكُنْهِهِ إِلَّا عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ بِخِلَافِ نَفْسِ التَّبْلِيغِ لِأَنَّهُ مِنِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ البديهية (ما أتانا من الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنِ الْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ واللَّهِ ربنا ما كنا مشركين (وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ) أَيْ غَيْرِ النَّذِيرِ للتبليغ نَذِيرٍ) أَيْ مُنْذِرٍ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ
مبالغة في الإنكار توهما أنه ينفعهم (فَيُقَالُ) أَيْ لِنُوحٍ (مَنْ شُهُودُكَ) وَإِنَّمَا طَلَبَ اللَّهُ مِنْ نُوحٍ شُهَدَاءَ عَلَى تَبْلِيغِهِ الرِّسَالَةَ أمته وهو أعلم به إقامة الحجة وَإِنَافَةً لِمَنْزِلَةِ أَكَابِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ) وَالْمَعْنَى أَنَّ أُمَّتَهُ شُهَدَاءُ وَهُوَ مُزَكٍّ لَهُمْ وَقُدِّمَ فِي الذَّكَرِ لِلتَّعْظِيمِ وَلَا يَبْعُدُ أنه يَشْهَدُ لِنُوحٍ عليه الصلاة والسلام أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّصْرَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين
إلى قوله لتؤمنن به ولتنصرنه (فَيُؤْتَى بِكُمْ تَشْهَدُونَ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ وَأَشْمَلَ وَلَفْظُهُ يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَبَلَّغَكُمْ هَذَا فَيَقُولُونَ لَا فَيُقَالُ لِلنَّبِيِّ أَبَلَّغْتَهُمْ فَيَقُولُ نَعَمْ فيقال لهم مَنْ يَشْهَدُ لَكَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ والنسائي وبن مَاجَهْ (أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ) قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فَيُقَالُ وَمَا عَلَّمَكُمْ فَيَقُولُونَ أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ تَعْمِيمُ ذَلِكَ فأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قال لتكونوا شهداء وَكَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ صَالِحٍ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رُسُلَهُمْ بَلَّغْتهمْ وَأَنَّهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ القيامة ومن حديث جابر عن النبي مَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنَّا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ مَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ إِلَّا وَنَحْنُ شُهَدَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ لَهُمْ (لتكونوا شهداء على الناس) أَيْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ رسلهم بلغتهم (ويكون الرسول) أَيْ رَسُولُكُمْ وَاللَّامُ لِلْعِوَضِ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ والمراد به محمد (عليكم شهيدا) أَنَّهُ بَلَّغَكُمْ (وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ) هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ (سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا) كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتَ سِتَّةَ عَشْرَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا سَبْعَةَ عَشْرَ بِغَيْرِ شَكٍّ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ سَهْلٌ بِأَنْ يَكُونَ من جزم بستة عشر نفق مِنْ شَهْرِ الْقُدُومِ وَشَهْرِ التَّحْوِيلِ شَهْرًا وَأَلْغَى الزَّائِدَ وَمَنْ جَزَمَ بِسَبْعَةَ عَشْرَ عَدَّهُمَا مَعًا
وَمَنْ شَكَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ
وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُومَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ التَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ جَزَمَ الجمهور (وكان رسول الله يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ) جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عباس قال لما هاجر النبي إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا وَكَانَ رسول الله يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ
وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ إِنَّمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ وَيَتَّبِعُ قبلتنا فنزلت
وظاهر حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ أحمد من وجه آخر عن بن عباس كان النبي يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ أُمِرَ لما هاجر أن يستمر على الصلاة ببيت المقدس وأخرج الطبراني من طريق بن جريج قال صلى النبي أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ حِجَجٍ ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إِلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ الله إلى الكعبة
فقوله في حديث بن عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ أَمَرَهُ اللَّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاجْتِهَادٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي العالية أنه صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَتَأَلَّفُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ
وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ ابْتِدَاءِ الْقِبْلَةِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ
(وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) كَمَا في رواية الشيخين
قَوْلُهُ (قَالَ كَانُوا رُكُوعًا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) تَقِدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ إِلَخ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ
قَوْلُهُ (لَمَّا وُجِّهَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْجِيهِ أَيْ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ (كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا) أَيْ كَيْفَ حَالُهُمْ هَلْ صَلَاتُهُمْ ضَائِعَةٌ أَمْ مَقْبُولَةٌ (وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع إيمانكم أَيْ صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَلْ يُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ أَطْلَقَ الْإِيمَانَ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ آثَارِ الْإِيمَانِ وَأَشْرَفُ نَتَائِجِهِ وَإِنَّمَا خُوطِبُوا تَغْلِيبًا لِلْأَحْيَاءِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن حبان والحاكم وبن جَرِيرٍ
قَوْلُهُ (مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْجُنَاحِ (وَمَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوفَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدِي إِذْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما عَدَمُ وُجُوبِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لِمَا قِيلَ فيه مثل ذلك (طاف رسول الله وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي رِوَايَةٍ للبخاري وقد سن رسول الله الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ) أَيْ حَجَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا (لِمَنَاةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ وَهُوَ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ فِي الجاهلية وقال بن الْكَلْبِيِّ كَانَتْ صَخْرَةً نَصَبَهَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ بِجِهَةِ الْبَحْرِ فَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا وَقِيلَ هِيَ صَخْرَةٌ لِهُذَيْلٍ بِقُدَيْدَ وَسُمِّيَتْ مَنَاةَ لِأَنَّ النَّسَائِكَ كَانَتْ تُمْنَى بِهَا أَيْ تُرَاقُ
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ هِيَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهَا نَسَبُوا زَيْدَ مَنَاةَ (الطَّاغِيَةِ) صِفَةٌ لِمَنَاةَ إِسْلَامِيَّةٌ وَهِيَ عَلَى زِنَةِ فَاعِلَةٍ مِنَ الطُّغْيَانِ وَلَوْ رُوِيَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ بِالْإِضَافَةِ وَيَكُونُ الطَّاغِيَةِ صِفَةً لِلْفِرْقَةِ وَهُمُ الْكُفَّارُ لَجَازَ (الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى الْمَفْتُوحَةِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ قُدَيْدَ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ وَيُقَالُ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي يُهْبَطُ مِنْهُ إِلَى قُدَيْدَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ وَقَالَ الْبَكْرِيُّ هِيَ ثَنِيَّةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى قُدَيْدَ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدَ أَيْ مُقَابِلَهُ
وَقُدَيْدُ بِقَافٍ مُصَغَّرٌ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَكَانَ لِمَنْ لَا يُهِلُّ لِمَنَاةَ صَنَمَانِ بِالصَّفَا إِسَافُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَرْوَةِ نَائِلَةُ وَقِيلَ إِنَّهُمَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً فَزَنَيَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ فَنُصِبَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَعْتَبِرَ النَّاسُ بِهِمَا وَيَتَّعِظُوا ثُمَّ حَوَّلَهُمَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَجَعَلَ أحدهما ملاصق لِلْكَعْبَةِ وَالْآخِرَ بِزَمْزَمَ وَنَحَرَ عِنْدَهُمَا وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِمَا فلما فتح النبي مَكَّةَ كَسَرَهُمَا (لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صَنَمَهُمُ الَّذِي بِالْمُشَلَّلِ وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ
مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصفا والمروة (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ (أن يطوف) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً لقرب مخرجهما وادغمت الطاء طاء (بِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (كَمَا تَقُولُ) أَيْ كَمَا تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ (لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا) بِزِيَادَةِ لَا بَعْدَ أَنْ فَإِنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ عَنْ تَارِكِهِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا عَدَمِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِهَا وَفَهْمِهَا الثَّاقِبِ وَكَبِيرِ مَعْرِفَتِهَا بِدَقَائِقِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ إِنَّمَا دَلَّ لَفْظُهَا عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ عَمَّنْ يَطُوفُ بِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ
عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّعْيِ وَلَا عَلَى وُجُوبِهِ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِيهَا دَلَالَةٌ لِلْوُجُوبِ وَلَا لِعَدَمِهِ وَبَيَّنَتِ السَّبَبَ فِي نُزُولِهَا وَالْحِكْمَةَ فِي نَظْمِهَا وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ حِينَ تَحَرَّجُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ عُرْوَةُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا وَيَعْتَقِدُ إِنْسَانٌ أَنَّهُ يُمْنَعُ إِيقَاعُهُ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ إِنْ صَلَّيْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَكُونُ جَوَابًا صَحِيحًا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ انْتَهَى (فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ قِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ الْمُغِيرَةُ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ) أَيْ كَلَامُ عَائِشَةَ (إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ الَّتِي هي التأكيد وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ الْخَبَرُ أَيْ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ عَظِيمٌ (إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوفُ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ) الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهَا (قَدْ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْمَعْ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
قَالَ الْحَافِظُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَانَ لِلرَّدِّ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ الَّذِينَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا لَمْ يُذْكَرَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ) الْعَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ نَعَمْ (كَانَا مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ مِنَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِهَا (أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا) أَيْ عَنِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (هُمَا تَطَوُّعٌ) أَيِ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَنَسٍ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِلتِّرْمِذِيِّ اخْتَلَفُوا فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلْحَاجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الحج إلا به وهو قول بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ
رَوَاهُ أَحْمَدُ والدّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَأةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ عَبْدُ الْعَظِيمِ إِنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ
قال العيني قال بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى إِنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي تَجْرَأةَ مَجْهُولَةٌ وَقَالَ شَيْخُنَا هُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَكَذَلِكَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ صَحَابِيَّةٌ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَمَا حكاه بن الْعَرَبِيِّ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ بن عباس وبن سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ وَمَنْ طَافَ فَقَدْ حَلَّ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال سمعت رسول الله حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ
قَوْلُهُ (كان أصحاب النبي) أَيْ فِي أَوَّلِ افْتِرَاضِ الصِّيَامِ (فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ كَانَ إِذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبَ لَيْلَهُ وَيَوْمَهُ حَتَّى تَغْرُبَ وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا أَفْطَرُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا
فَإِذَا نَامُوا لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهَا
فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُقَيَّدًا بِالنَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَقُيِّدَ المنع من ذلك في حديث بن عَبَّاسٍ بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كان الناس على عهد رسول الله إِذَا صَلَّوْا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِ مَا بَعْدَهَا مَظِنَّةَ النَّوْمِ غَالِبًا وَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّوْمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى
قُلْتُ وَمُرَادُ الْحَافِظِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَعْنِي أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ (وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَبُو قَيْسِ بْنُ عَمْرٍو فَإِنْ حُمِلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى تَعَدُّدِ أَسْمَاءِ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِرَدِّ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهِ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَصِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ وَصِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ وَصِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَقِيلَ فِيهِ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ وَأَبُو قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ وَأَبُو قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ اسْمُهُ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ فَمَنْ قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ قَلَبَهُ وَإِنَّمَا اسْمُهُ صِرْمَةُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو قَيْسٍ أَوِ الْعَكْسُ وَأَمَّا أَبُوهُ فَاسْمُهُ قَيْسٌ أَوْ صِرْمَةُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْقَلْبِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو أَنَسٍ وَمَنْ قَالَ فِيهِ أَنَسٌ حَذَفَ أَدَاةَ الْكُنْيَةِ ومن قال فيه بن مَالِكٍ نَسَبَهُ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (هَلْ عِنْدَكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (طَعَامٌ فَقَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لك) ظاهره أنه لم يجيء مَعَهُ بِشَيْءٍ لَكِنْ فِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ
أَنَّهُ أَتَاهَا بِتَمْرٍ فَقَالَ اسْتَبْدِلِي بِهِ طَحِينًا وَاجْعَلِيهِ سَخِينًا فَإِنَّ التَّمْرَ أَحْرَقَ جَوْفِي وَفِيهِ لَعَلِّي آكُلُهُ سُخْنًا وَأَنَّهَا اسْتَبْدَلَتْهُ لَهُ وَصَنَعَتْهُ (وَكَانَ يَوْمَهُ) بِالنَّصْبِ (يَعْمَلُ) أَيْ فِي أَرْضِهِ وصرح بها أبو داود وفي رِوَايَتِهِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ كَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأُجْرَةِ
فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي أَرْضِهِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ (فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ) أَيْ نَامَ (قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ وَقِيلَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَامٍ يَجِبُ نَصْبُهُ وَإِلَّا جَازَ وَالْخَيْبَةُ الْحِرْمَانُ يُقَالُ خَابَ يَخِيبُ إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ (فذكر ذلك للنبي) زَادَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَأَتَى عُمَرُ اَمْرَأَتَهُ وَقَدْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ للنبي فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرفث إلى نسائكم فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَشَرَحَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ لَمَّا صَارَ الرَّفَثُ وَهُوَ الْجِمَاعُ هُنَا حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ فَرِحُوا بِنُزُولِهَا وَفَهِمُوا مِنْهَا الرُّخْصَةَ هَذَا وَجْهُ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِقِصَّةِ أَبِي قَيْسٍ
قَالَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حِلُّهُمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَكُلُوا واشربوا) لِيُعْلَمَ بِالْمَنْطُوقِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ صَرِيحًا ثُمَّ قَالَ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هِيَ بِتَمَامِهَا
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهُيْلِيُّ وَقَالَ إِنَّ الْآيَةَ بِتَمَامِهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ لِفَضْلِهِ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ فَفَرِحُوا بِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَلَفْظُهُ فنزلت أحل لكم إلى قوله من الفجر فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (عَنْ ذَرٍّ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ راء هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْهِبِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثِقَةٌ عَابِدٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يُسَيِّعَ الْكِنْدِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُسَيِّعُ بْنُ مَعْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ لَهُ أُسَيِّعُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قُلْتُ يُسَيِّعُ هَذَا بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَيُقَالُ لَهُ
أُسَيِّعُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ
قَوْلُهُ (هُوَ الْعِبَادَةُ) أَيْ هُوَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي تَسْتَأْهِلُ أَنْ تُسَمَّى عِبَادَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ بِحَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ (وَقَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قلت يسيع هذا بضم التحتانية وفتح
إلى قوله (داخرين) هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنَ لَكِنْ لَمَّا ورد تفسيرها عنه وَكَانَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دعان فليستجيبوا لي الذي في سورة البقرة أوردها ها هنا بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَائِلِ الدَّعَوَاتِ أَيْضًا وَيَأْتِي هُنَاكَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ المؤمن
قوله (أخبرنا هشيم) هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ (أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ
قَوْلُهُ (لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الفجر) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ لَهُ عَدِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ من النهار فقال رسول الله إن وسادك لعريض (قال لي النبي إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ حَاضِرًا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامُ عَدِيٍّ كَانَ فِي التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ كَمَا ذكره بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ نُزُولِ فَرْضِ الصَّوْمِ وَهُوَ بعيد جدا وإما أن يأول قَوْلُ عَدِيٍّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمَّا نَزَلَتْ أَيْ لِمَا تُلِيَتْ عَلَيَّ عِنْدَ إِسْلَامِي أَوْ لَمَّا بَلَغَنِي نُزُولُ الْآيَةِ أَوْ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ ثُمَّ قَدِمْتَ فَأَسْلَمْتُ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَائِعَ قَالَ لِي (إِنَّمَا ذَلِكَ) أَيِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ (بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ
فَإِنْ قُلْتَ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ كَانَ نَزَلَ حِينَ سَمِعَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ الْخَيْطُ الأبيض من الخيط
الأسود فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ
قُلْتُ كَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فَظَنَّ أَنَّ الْغَايَةَ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَظْهَرَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْخَيْطَيْنِ مِنَ الْآخَرِ بِضِيَاءِ الْفَجْرِ أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى ذَكَّرَهُ بها النبي وَهَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ
قَالَ الشَّاعِرُ وَلَمَّا تَبَدَّتْ لَنَا سَدْفَةٌ وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أُنْزِلَتْ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الخيط الأسود وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
فَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ (مِنَ الْفَجْرِ) نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ
قُلْتُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ فَكَأَنَّ عَدَّيَا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فَبَيَّنَ لَهُ النبي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (مِنَ الْفَجْرِ) أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُ الْخَيْطَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (يَتَبَيَّنَ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّتَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةِ عَدِيٍّ تَلَا الْآيَةَ تَامَّةً كَمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ حَالُ النُّزُولِ إِنَّمَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ لِتَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (عَنْ مُجَالِدُ) بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (فَأَخَذْتُ عِقَالَيْنِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حَبْلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ خَيْطَيْنِ مِنْ شَعْرٍ (شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ سفيان) وحفظه غيره وهو قوله إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ
كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ المتقدمة (فقال) أي النبي (إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ اللَّيْلُ وَبِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ النَّهَارُ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَظْهَرَ الْفَجْرُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ مُجَالِدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مُجَالِدٍ
قَوْلُهُ (عَنْ أَسْلَمَ) بْنِ يَزِيدَ (أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ) الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالرُّومُ مُلْصِقُوا ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ (وَعَلَى الْجَمَاعَةِ) أَيْ أَمِيرُهُمْ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ شُخُوصُ الْمُسَافِرِ خُرُوجُهُ عَنْ مَنْزِلِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه إِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا أَوْ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ أَيْ مُسَافِرًا وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلَمْ يَزَلْ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ وَقِيلَ هُوَ الْبُخْلُ وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَادِ
رَوَى
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ أَيْ فِي تَرْكِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّ عن بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي تأويل الاية
وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا كَانَتْ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا يَغْزُونَ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ
فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ اخْتِلَافُ الْمَأْمُورِينَ فالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا وَأَحْسِنُوا أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ وَالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ وَلَا تُلْقُوا الْغُزَاةُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ أَبِي جُبَيْرَةَ كَانَ الْأَنْصَارُ يَتَصَدَّقُونَ فأصابتهم سنة فأمسكوا فنزلت وروى بن جرير وبن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ إِنِّي لَعِنْدَ عُمَرَ فَقُلْتُ إِنَّ لِي جَارًا رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ فَقُتِلَ فَقَالَ نَاسٌ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ
فَقَالَ عُمَرُ كذبوا لكنه اشترى الاخرة بالدنيا وجاء عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الْآيَةِ تَأْوِيلٌ آخر أخرجه بن جرير وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ هُوَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتِيبَةِ فِيهَا أَلْفٌ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يُذْنِبُ فَيُلْقِي بِيَدِهِ فَيَقُولُ لَا تَوْبَةَ لِي وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِتَصْدِيرِ الْآيَةِ بِذِكْرِ النَّفَقَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي نُزُولِهَا وَأَمَّا قَصْرُهَا عَلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ
أَمَّا مَسْأَلَةُ حمل الواحد على العدد الكثير من العدد فَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرأ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَتَى كَانَ مُجَرَّدَ تَهَوُّرٍ فَمَمْنُوعٌ وَلَا سِيَّمَا إِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَهَنٌ فِي الْمُسْلِمِينَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن جرير وأبو يعلى في مسنده وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ (أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ) بْنُ مِقْسَمٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ مُتْقِنٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَا سِيَّمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ
كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ إِلَخْ) قَدْ سَبَقَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا فِي بَابِ الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَجِّ
قَوْلُهُ (لَفِيَّ) بِشِدَّةِ الْيَاءِ أَيْ فِي شَأْنِي (وَلَإِيَّايَ عَنَى بِهَا) اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَإِيَّايَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِعَنَى (وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ) هِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ (فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ وَهِيَ مَا يَدِبُّ مِنَ الْأَخْفَاشِ وَالْمُرَادُ بِهَا ما يلازم جسد الإنسان عالبا إِذَا طَالَ عَهْدُهُ بِالتَّنْظِيفِ وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا الْقَمْلُ (تَسَاقَطُ) بِحَذْفِ إحدى التائين
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ مكسورة بن مُقْرِنٍ الْمُزَنِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا رَوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ
قَالَ الحافظ في الفتح ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا لَمْ يَرْوِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ غيره ولا رواها عنه إلا بن أبي ليلى وبن مَعْقِلٍ قَالَ وَهِيَ سُنَّةٌ أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ سَأَلْتُ
عَنْهَا عُلَمَاءَنَا كُلَّهُمْ حَتَّى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَلَمْ يُبَيِّنُوا كَمْ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ
قَالَ الْحَافِظُ فيما أطلقه بن صَالِحٍ نَظَرٌ فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ كَعْبٍ
وَرَوَاهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ كَعْبٍ هَذَا فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي وَالطِّبِّ وَكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَدَارُ الجميع على بن أبي ليلى وبن مَعْقِلٍ فَيُقَيِّدُ إِطْلَاقَ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الطُّرُقِ لَا تَخْلُو عَنْ مَقَالٍ إِلَّا طَرِيقَ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ النَّسَائِيُّ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رَوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ
قَوْلُهُ (يَتَنَاثَرُ) مِنَ النَّثْرِ أَيْ يَتَسَاقَطُ (وَانْسُكْ نَسِيكَةً) أَيِ اذْبَحْ ذَبِيحَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْسُكْ بِشَاةٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رِوَايَاتُ الْبَابِ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَمَقْصُودُهَا أَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِضَرَرٍ مِنْ قَمْلٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَهُ حَلْقُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صيام أو صدقة أو نسك وبين النبي أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالصَّدَقَةُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَالنُّسُكُ شاة وهي شاة تجزىء فِي الْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَالْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ
وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ
قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا
لِعَادِمِ الْهَدْيِ
بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النُّسُكِ فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحِنْطَةِ فَأَمَّا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا فَيَجِبُ صَاعٌ لِكُلِّ مسكين وهذا خلاف نصه فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَنَابِذُ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ
انْتَهَى
قَوْلُهُ (عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ مُصَغَّرًا اللَّيْثِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الديلي بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ
نَزَلَ الْكُوفَةَ وَيُقَالُ مَاتَ بِخُرَاسَانَ
قَوْلُهُ (الْحَجُّ عَرَفَاتٌ) أَيْ مِلَاكُ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ يَوْمُ عَرَفَةَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَعَرَفَاتٌ مَوْقِفُ الْحَاجِّ وَذَلِكَ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ مَوْضِعٌ بِمِنًى سُمِّيَتْ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا بِهَا أَوْ لِقَوْلِ جِبْرِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عليهما السلام لَمَّا عَلَّمَهُ الْمَنَاسِكَ أَعَرَفْتَ قَالَ عَرَفْتُ اسْمٌ فِي لَفْظِ الْجَمْعِ فَلَا تُجْمَعُ مَعْرِفَةً وَإِنْ كَانَتْ جَمْعًا لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ لَا تَزُولُ فَصَارَتْ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَعْرُوفَةً لِأَنَّ التَّاءَ بِمَنْزِلَةِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ فِي مُسْلِمِينَ وَمُسْلِمُونَ وَالنِّسْبَةُ عُرْفِيٌّ
(أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ) أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ
وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْرُ يوم ثاني النَّحْرِ وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنَ الثَّلَاثِ لَجَازَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ فِي ثَانِيهِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أَيِ اسْتَعْجَلَ بِالنَّفْرِ أَيِ الْخُرُوجِ مِنْ مِنًى (فِي يَوْمَيْنِ) أَيِ الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا بَعْدَ رَمْيِ جِمَارِهِ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) بِالتَّعْجِيلِ (وَمَنْ تَأَخَّرَ) أَيْ عَنِ النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَيَّ الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَتَّى بَاتَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَرَمَى يَوْمَ الثَّالِثِ جِمَارَهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الثَّالِثِ إِلَى الرَّابِعِ وَلَمْ يَنْفِرْ مَعَ الْعَامَّةِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) وَهُوَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ الْعَمَلِ فِيهِ أَكْمَلَ لِعَمَلِهِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا فِئَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا تَرَى الْمُتَعَجِّلَ آثِمًا وَأُخْرَى تَرَى الْمُتَأَخِّرَ آثِمًا فَوَرَدَ التَّنْزِيلُ بِنَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُمَا وَدَلَّ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا (وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ) أَيْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ (قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) أَيْ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَتَمَّ حَجُّهُ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوُقُوفَ يَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إِلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَوْلُهُ (أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْأَبْغَضُ هُوَ الْكَافِرُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ
أَبْغَضُ الرِّجَالِ الْكُفَّارِ الْكَافِرُ الْمُعَانِدُ
أَوْ أَبْغَضُ الرجال المخاصمين قال الحافظ بن حَجَرٍ وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّهِ عَلَى حَقِيقَتِهَا فِي الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَسَبَبُ الْبُغْضِ أن كثرة المخاصمة تقضي غَالِبًا إِلَى مَا يَذُمُّ صَاحِبَهُ أَوْ يُخَصُّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ كَفَى بِكَ إِثْمًا أَنْ تَكُونَ مُخَاصِمًا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
وَوَرَدَ فِي التَّرْغِيبِ فِي تَرْكِ الْمُخَاصَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالرَّبَضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ الْأَسْفَلُ انْتَهَى
(الْأَلَدُّ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ اللَّدَدِ وَهُوَ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ (الْخَصِمُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيِ الشَّدِيدُ اللَّدَدِ وَالْكَثِيرُ الْخُصُومَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الْأَزْدِيُّ الْوَاشِحِيُّ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِمَكَّةَ ثِقَةٌ إِمَامٌ حَافِظٌ مِنَ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَتِ الْيَهُودُ) جَمْعُ يَهُودِيٍّ كَرُومٍ وَرُومِيٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَهُودَ قَبِيلَةٌ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَدِّهَا يَهُودَا أَخِي يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَالْيَهُودِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ يَهُودُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَبِيلَةٌ فَامْتَنَعَ صَرْفُهُ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ (لَمْ يُؤَاكِلُوهَا) بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ وَاوًا (وَلَمْ يُجَامِعُوهَا) أَيْ لَمْ يُسَاكِنُوهَا وَلَمْ يُخَالِطُوهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى وَتَتِمَّةُ الْآيَةِ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حيث أمركم الله قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ الْمَحِيضُ الْأَوَّلُ فِي الْآيَةِ هُوَ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هُوَ أَذًى وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الدَّمُ وَالثَّانِي زَمَانُ الْحَيْضِ وَالثَّالِثُ مَكَانُهُ وَهُوَ الْفَرْجُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَزْوَاجِ النبي ثُمَّ الْأَذَى مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ
قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ لَوْنًا كَرِيهًا وَرَائِحَةً مُنْتِنَةً وَنَجَاسَةً مُؤْذِيَةً مَانِعَةً عَنِ الْعِبَادَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ التَّنْكِيرُ هُنَا لِلْقِلَّةِ أَيْ أَذًى يَسِيرٌ لَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَجَاوَزُ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَحَرَمِهِ فَتُجْتَنَبُ وَتَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ يَعْنِي الْحَيْضُ أَذًى يَتَأَذَّى مَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ مُجَامَعَتِهَا فَقَطْ دُونَ الْمُؤَاكَلَةِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالِافْتِرَاشِ أَيْ فَابْعُدُوا عَنْهُنَّ بِالْمَحِيضِ أَيْ فِي مَكَانِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ أَوْ حَوْلَهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ احْتِيَاطًا
انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ) مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ (مَا خَلَا النِّكَاحَ) أَيِ الْجِمَاعَ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ
وَقِيلَ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ (فَاعْتَزِلُوا) فَإِنَّ الِاعْتِزَالَ شَامِلٌ لِلْمُجَانَبَةِ عَنِ الْمُؤَاكَلَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَبَعْضِ المالكية (ما يريد) أي النبي (أَنْ يَدَعَ) أَيْ يَتْرُكَ (مِنْ أَمْرِنَا) أَيْ مِنْ أُمُورِ دِينِنَا (شَيْئًا) مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ (إِلَّا خَالَفَنَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ (فِيهِ) إِلَّا حَالَ مُخَالَفَتِهِ إِيَّانَا فِيهِ
يَعْنِي لَا يَتْرُكُ أَمْرًا مِنْ أُمُورِنَا إِلَّا مَقْرُونًا بِالْمُخَالَفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً ولا كبيرة إلا أحصاها (فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ) مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَبْلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمُشَاهَدَ كُلَّهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبَّادُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ غَلَطٌ (وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا أَنْصَارِيٌّ أَوْسِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ (أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ) أَيْ أَفَلَا نُبَاشِرُهُنَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ أَيْضًا لِكَيْ تَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ التَّامَّةُ مَعَهُمْ (فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ تَغَيَّرَ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْمُخَالَفَةِ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ وَالْأَصْلُ فِي التَّمَعُّرِ قِلَّةُ النَّضَارَةِ وَعَدَمُ إِشْرَاقِ اللَّوْنِ وَمِنْهُ مَكَانٌ مَعِرٌ وَهُوَ الْجَدْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَصْبٌ انْتَهَى
قَالَ مُحَشِّي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ مَا لَفْظُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ كَمَا هُوَ فِي الْمِشْكَاةِ أَيْضًا مَكَانَ أفلا ننكحهن وفسره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ
أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَفِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِمُرَافَقَتِهِمْ أَوْ خَوْفِ تَرَتُّبِ الضَّرَرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ انْتَهَى مَجْمُوعُ عِبَارَتِهِمَا
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَكَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ يَرُدُّ تَوْجِيهَ الشَّارِحِينَ فِي شَرْحَيِ الْمِشْكَاةِ ثُمَّ رَأَيْتَ شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ وَشَرْحَ الْمِشْكَاةِ لِلطَّيِّبِيِّ وَحَاشِيَةَ السَّيِّدِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ مُتَصَدِّيًا لِبَيَانِهِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُحَشِّي (حَتَّى ظَنَنَّا) أَيْ نَحْنُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ظَنَّا أَيْ هُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ عَلِمْنَا فَالظَّنُّ الْأَوَّلُ حُسْبَانٌ وَالْآخَرُ عِلْمٌ وَيَقِينٌ
وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ مَرَّةً حُسْبَانًا وَمَرَّةً عِلْمًا وَيَقِينًا وَذَلِكَ لِاتِّصَالِ طَرَفَيْهِمَا فَمَبْدَأُ الْعِلْمِ ظَنٌّ وَآخِرُهُ عِلْمٌ وَيَقِينٌ
قَالَ اللَّهُ عز وجل الَّذِينَ يظنون أنهم ملاقو ربهم مَعْنَاهُ يُوقِنُونَ (فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ) أَيِ اسْتَقْبَلَ الرَّجُلَيْنِ شَخْصٌ مَعَهُ هَدِيَّةٌ يُهْدِيهَا إِلَى رسول الله وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ
(فِي أَثَرِهِمَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَقِبَهُمَا (فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَمْ يَغْضَبْ غَضَبًا شَدِيدًا بَاقِيًا بَلْ زَالَ غَضَبُهُ سَرِيعًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه
قَوْلُهُ (كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتَى امْرَأَةً في قبلها من دبرها) قال بن الْمَلَكِ كَأَنْ يَقِفَ مِنْ خَلْفِهَا وَيُولِجُ فِي قُبُلِهَا فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ (كَانَ الْوَلَدُ) أَيِ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ الجماع (أحول) لتحول الواطىء عن الحال الْجِمَاعِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْإِقْبَالُ مِنَ الْقُدَّامِ إِلَى الْقُبُلِ وَبِهَذَا سُمِّيَ قُبُلًا إِلَى حَالِ خِلَافِ ذَلِكَ مِنَ الدُّبُرِ فَكَأَنَّهُ رَاعَى الْجَانِبَيْنِ وَرَأَى الْجِهَتَيْنِ فَأَنْتَجَ أَنْ جَاءَ أَحْوَلَ وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْحَوَلِ وَهُوَ أَنْ تَمِيلَ إِحْدَى الْحَدَقَتَيْنِ إِلَى الْأَنْفِ وَالْأُخْرَى إِلَى الصُّدْغِ يُقَالُ حَوِلَتْ عينه يحول حولا كَانَ بِهَا حَوَلٌ فَهُوَ أَحْوَلُ وَهِيَ حَوْلَاءُ (فَنَزَلَتْ) أَيْ رَدًّا عَلَيْهِمْ فِيمَا تَخَايَلَ لَهُمْ (نِسَاؤُكُمْ) أَيْ مَنْكُوحَاتُكُمْ وَمَمْلُوكَاتُكُمْ (حَرْثٌ لَكُمْ) أَيْ مَوَاضِعُ زِرَاعَةِ أَوْلَادِكُمْ يَعْنِي هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الْمُعَدَّةِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَحَلُّهُ الْقُبُلُ فَإِنَّ الدُّبُرَ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَحَلُّ الْحَرْثِ
(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنى شئتم) أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوِ اضْطِجَاعٍ أَوْ مِنَ الدُّبُرِ فِي فَرْجِهَا وَالْمَعْنَى عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَتْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَكُمْ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْكُمْ وَلَا يَتَرَتَّبُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَيْكُمْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي قُبُلِهَا مِنْ جَانِبِ دُبُرِهَا وَعَلَى أَيَّةِ صِفَةٍ كَانَتْ
وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حرثكم أني شئتم أَيْ هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرْضٍ تُزْرَعُ وَمَحَلُّ الْحَرْثِ هُوَ الْقُبَلُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ثَقْبًا وَاحِدًا وَالْمُرَادُ الْقُبُلُ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فأتوا حرثكم أنى شئتم أَيْ مَوْضِعُ الزَّرْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قُبُلُهَا الَّذِي يُزْرَعُ فِيهِ الْمَنِيُّ لِابْتِغَاءِ الْوَلَدِ فَفِيهِ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا فِي قُبُلِهَا إِنْ شَاءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ وَرَائِهَا وَإِنْ شَاءَ مَكْبُوبَةً
وَأَمَّا الدُّبُرُ فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِعِ زَرْعٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ
(أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا لِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ كَحَدِيثِ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا
لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْحَيَوَانِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ رحمه الله
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
قوله (وبن خُثَيْمٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا القارىء المكي وثقه بن معين والعجلي (وبن سَابِطٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (وَحَفْصَةُ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
(وَيُرْوَى فِي سِمَامٍ وَاحِدٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فِي ثَقْبٍ وَاحِدٍ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي الْحَدِيثِ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنى شئتم سِمَامًا وَاحِدًا أَيْ مَأْتًى وَاحِدًا وَهُوَ مِنْ سِمَامِ الْإِبْرَةِ ثُقْبُهَا وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي سِمَامٍ وَاحِدٍ لَكِنَّهُ ظَرْفٌ مَحْدُودٌ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمُبْهَمِ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْقُمِّيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ) الْخُزَاعِيِّ الْقُمِّيِّ
قِيلَ اسْمُ أَبِي الْمُغِيرَةِ دِينَارٌ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (حَوَّلْتَ رَحْلِي اللَّيْلَةَ) كَنَّى بِرَحْلِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ أَرَادَ بِهِ غَشَيَانَهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا لِأَنَّ الْمُجَامِعَ يَعْلُو الْمَرْأَةَ وَيَرْكَبُهَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهَا فَحَيْثُ رَكِبَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا كَنَّى عَنْهُ
بِتَحْوِيلِ رَحْلِهِ إِمَّا نَقْلًا مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ أَوْ مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْكُورِ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
(أَقْبِلْ) أَيْ جَامِعْ مِنْ جَانِبِ الْقُبُلِ (وَأَدْبِرْ) أَيْ أَوْلِجْ فِي الْقُبُلِ مِنْ جَانِبِ الدُّبُرِ (وَاتَّقِ الدُّبُرَ) أَيْ إِيلَاجَهُ فِيهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جل جلاله فَأْتُوا حرثكم أنى شئتم فَإِنَّ الْحَرْثَ يَدُلُّ عَلَى اتِّقَاءِ الدُّبُرِ وَأَنَّى شِئْتُمْ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالْخِطَابُ فِي التَّفْسِيرِ خِطَابٌ عَامٌّ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِقْبَالُ وَالْإِدْبَارُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِمَا (وَالْحِيضَةَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ اسْمٌ مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَالُ الَّتِي تَلْزَمُهَا الْحَائِضُ مِنَ التَّجَنُّبِ وَالتَّحَيُّضِ كَالْجِلْسَةِ وَالْقِعْدَةِ مِنَ الْجُلُوسِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْمَعْنَى اتَّقِ الْمُجَامَعَةَ فِي زَمَانِهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن ماجه
قوله (أخبرنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ) بْنِ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو النَّضْرِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ
قَوْلُهُ (أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَه) اسْمُهَا جُمَيْلٌ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا بِنْتَ يَسَارٍ وَقِيلَ اسْمُهَا لَيْلَى وَقِيلَ فَاطِمَةُ (رَجُلًا) قِيلَ هُوَ أَبُو الْبَدَّاحِ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ (فَهَوِيَهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَوِيَهُ كَرَضِيَهُ أَحَبَّهُ (يالكع) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ كَصُرَدِ اللَّئِيمُ وَالْعَبْدُ وَالْأَحْمَقُ (لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُزَوِّجُكَ أَبَدًا (آخِرُ مَا عَلَيْكَ) بِالرَّفْعِ
أَيْ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْكَ مِنْ نِكَاحِكَ إياها وهذا كقوله إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بِالرَّفْعِ أَيْ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهِمْ (إِلَى قَوْلِهِ إِلَخْ) تَتِمَّةُ الْآيَةِ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تعلمون
(فَلَمَّا سَمِعَهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ
(قَالَ سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ) أَيْ عَلَيَّ سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ
(ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ فَكَفَّرْتَ عَنْ يَمِينِي فَأَنْكَحْتهَا إِيَّاهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن جَرِيرٍ (وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ) إِلَى قَوْلِهِ (فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ مَعَ رِضَاهُنَّ) قَالَ بن جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ الْوَلِيَّ مِنْ عَضْلِ الْمَرْأَةِ إِنْ أَرَادَتِ النِّكَاحَ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ
فَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ إِنْكَاحُ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إِنْكَاحِ وَلِيِّهَا إِيَّاهَا أَوْ كَانَ لَهَا تَوْلِيَةُ مَنْ أَرَادَتْ تَوْلِيَتَهُ فِي إِنْكَاحِهَا لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِ وَلِيِّهَا عَنْ عَضْلِهَا مَعْنًى مَفْهُومٌ إِذْ كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى عَضْلِهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَتَى أَرَادَتِ النِّكَاحَ جَازَ لَهَا إِنْكَاحُ نَفْسِهَا أَوْ إِنْكَاحُ مَنْ تُوَكِّلُهُ إِنْكَاحَهَا فَلَا عَضْلَ هُنَالِكَ لَهَا مِنْ أَحَدٍ فَيَنْهَى عَاضِلَهَا عَنْ عَضْلِهَا وَفِي فَسَادِ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَا مَعْنَى لِنَهْيِ اللَّهِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ صِحَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي تَزْوِيجِهَا حَقًّا لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي (لَا تَعْضُلُوهُنَّ) لِلْأَوْلِيَاءِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَفَكُّكُ نَظْمِ كَلَامِ اللَّهِ لَوْ قِيلَ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ نِسْبَةٌ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي لَا تَعْضُلُوهُنَّ
وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ) لِلنَّاسِ أَيْ وَإِذَا وَقَعَ بَيْنَكُمُ الطَّلَاقُ فَلَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَكُمُ الْعَضْلُ لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَيْنَهُمُ الْعَضْلُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُمْ رَاضُونَ كَانُوا فِي حُكْمِ الْعَاضِلِينَ
وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ النِّكَاحَ إِلَيْهَا إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ وَالتَّصَرُّفَ إِلَى
مُبَاشِرِهِ وَنَهَى الْوَلِيَّ عَنْ مَنْعِهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَاسِدًا لَمَا نَهَى الْوَلِيَّ عَنْ مَنْعِهَا مِنْهُ وَيَتَأَكَّدُ هَذَا النَّصُّ بِقَوْلِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَمَا يُضَافُ إِلَى الْمُبَاشِرِ فَقَدْ يُضَافُ أَيْضًا إِلَى السَّبَبِ مِثْلُ بَنَى الْأَمِيرُ دَارًا
قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا النِّكَاحِ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ) ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (فَآذِنِّي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ أَعْلِمْنِي (فَأَمْلَتْ عَلَيَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ مِنْ أَمْلَى وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً مِنْ أَمْلَلَ يُمْلِلُ أَيْ أَلْقَتْ عَلَيَّ فَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ (وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) بِالْوَاوِ الْفَاصِلَةِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى غَيْرُ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَأُجِيبَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ شَاذَّةٌ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ ولا يكون له حكم الخبر عن رسول الله لِأَنَّ نَاقِلَهَا لَمْ يَنْقُلْهَا إِلَّا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ بِالْإِجْمَاعِ
وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَا يَثْبُتُ خَبَرًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَثَانِيهَا أَنْ يَجْعَلَ الْعَطْفَ تَفْسِيرِيًّا فَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
وَثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِيهِ زَائِدَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ) بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَجَمَعَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا مَشْهُورًا سَمَّاهُ كَشْفُ الْغَطَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ قَوْلًا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَرَجَّحَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقَالَ كَوْنُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ هُوَ المعتمد وبه قال بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَحْمَدَ وَالَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ الشَّافِعِيَّةِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هو قول جمهور التابعين وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْأَثَرِ وبه قال من المالكية بن حبيب وبن العربي وبن عَطِيَّةَ انْتَهَى
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَنَّهَا الْعَصْرُ قَانِتِينَ قِيلَ مَعْنَاهُ مُطِيعِينَ وَقِيلَ سَاكِتِينَ أَيْ عَنْ
كَلَامِ النَّاسِ لَا مُطْلَقِ الصَّمْتِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا صَمْتَ فِيهَا بَلْ جَمِيعُهَا قُرْآنٌ وذكر (وقال سمعتها من رسول الله)
قَالَ الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهَا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ ثُمَّ نُسِخَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَعْلَمْ بِنَسْخِهَا أَوِ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا مِمَّا نُسِخَ حُكْمُهُ وبقي رسمه ويحتمل أنه ذكرها عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِتَأْكِيدِ فَضِيلَتِهَا فَظَنَّتْهَا قُرْآنًا فَأَرَادَتْ إِثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ
لِذَلِكَ قَالَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَفْصَةَ) أَخْرَجَهُ مَالِكُ فِي مُوَطَّإهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
قَوْلُهُ (قَالَ صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَنَّهَا الْعَصْرُ
قَوْلُهُ (قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ) هِيَ الْغَزْوَةُ الْمَشْهُورَةُ يُقَالُ لَهَا الْأَحْزَابُ وَالْخَنْدَقُ وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ (كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى) بِإِضَافَةِ الصَّلَاةِ إِلَى الْوُسْطَى وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَفِيهِ الْمَذْهَبَانِ الْمَعْرُوفَانِ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَمَذْهَبُ الْبَصَرِيَّيْنِ مَنْعُهُ وَيُقَدِّرُونَ فِيهِ مَحْذُوفًا وَتَقْدِيرُهُ هُنَا عَنْ صَلَاةِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى قَالَهُ النَّوَوِيُّ (حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا
ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ
الْعِشَائَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي هَذَا الْبَابِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ (وَأَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ زُبَيْدٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا هو بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ
قَوْلُهُ (صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ) هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هاشم فأخرج بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ كُهَيْلِ بْنِ حَرْمَلَةَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ اخْتَلَفْنَا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله وَفِينَا أَبُو هَاشِمِ بْنُ عُتْبَةَ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ فَقَامَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا
فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن جَرِيرٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطنافسي
قَوْلُهُ (كُنَّا نَتَكَلَّمُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصلاة
قوله (عن إسرائيل) هو بن يُونُسَ (عَنِ السُّدِّيِّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ) اسْمُهُ غَزْوَانُ الْغِفَارِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (يَأْتِي بِالْقِنْوِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ النُّونِ هُوَ الْعَذْقُ بِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطَبِ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ خوشه خرما (فَيَسْقُطُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) الْبُسْرُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَرْتَبَةٌ مِنْ مَرَاتِبِ ثَمَرِ النَّخْلِ
قَالَ فِي الصُّرَاحِ أَوَّلُ مَا بَدَا مِنَ النَّخْلِ طَلْعٌ ثُمَّ خُلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ بِالتَّحْرِيكِ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ (فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ) الشِّيصُ بِالْكَسْرِ التَّمْرُ الَّذِي لَا يَشْتَدُّ نَوَاهُ وَيَقْوَى وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ نَوًى أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْحَشَفُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ أَوِ الضَّعِيفُ لَا نَوَى لَهُ أَوِ الْيَابِسُ الْفَاسِدُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم أَيْ مِنْ جِيَادِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَلَا تَيَمَّمُوا أَيْ لَا تَقْصِدُوا الْخَبِيثَ أَيِ الرَّدِيءَ مِنْهُ أَيِ الْمَذْكُورِ تُنْفِقُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَيَمَّمُوا وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ أَيِ الْخَبِيثِ لَوْ أَعْطَيْتُمُوهُ في حقوقكم
إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ بِالتَّسَاهُلِ وَغَضِّ الْبَصَرِ فَكَيْفَ تُؤَدُّونَ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ قَالَ أَيِ النبي (أُهْدِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِهْدَاءِ (إِلَّا عَلَى إِغْمَاضِ) أَيْ مُسَاهَلَةٍ وَمُسَامَحَةٍ يُقَالُ أَغْمَضَ فِي الْبَيْعِ يُغْمِضُ إِذَا اسْتَزَادَهُ مِنَ الْمَبِيعِ وَاسْتَحَطَّهُ مِنَ الثَّمَنِ فَوَافَقَهُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ (إِنَّ لِلشَّيْطَانِ) أَيْ إِبْلِيسَ أَوْ بَعْضَ جُنْدِهِ (لَمَّةً) بِفَتْحِ اللَّامِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ مِنَ الْإِلْمَامِ وَمَعْنَاهُ النُّزُولُ وَالْقُرْبُ وَالْإِصَابَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ أَوِ الْمَلَكِ (بِابْنِ آدَمَ) أَيْ بِهَذَا الْجِنْسِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِنْسَانُ (وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً) فَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تُسَمَّى وَسْوَسَةً وَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِلْهَامًا (فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ) كَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ (وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ الْخَلْقِ أَوْ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ كَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالنَّارِ وَالْجَنَّةِ (وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ) كَكُتُبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِيعَادُ فِي اللَّمَّتَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْوَعِيدُ فِي الِاشْتِقَاقِ كَالْوَعْدِ إِلَّا أَنَّ الْإِيعَادَ اخْتَصَّ بِالشَّرِّ عُرْفًا يُقَالُ أَوْعَدَ إِذَا وَعَدَ بِشَرٍّ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْخَيْرِ لِلِازْدِوَاجِ وَالْأَمْنِ عَنِ الِاشْتِبَاهِ بِذَكَرِ الْخَيْرِ بَعْدَهُ كَذَا قَالُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
وَأَمَّا عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِالتَّجْرِيدِ فِيهِمَا أَوْ بِأَصْلِ اللُّغَةِ وَاخْتِيَارِ الزِّيَادَةِ لِاخْتِيَارِ الْمُبَالَغَةِ فَمَنْ وَجَدَ أَيْ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَدْرَكَ وَعَرَفَ (ذَلِكَ) أَيْ لَمَّةَ الْمَلَكِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِلْمَامِ أَوِ الْمَذْكُورِ (فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنَّةٌ جَسِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهِ إِذْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِأَنْ يُلْهِمَهُ (فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ) أَيْ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ حَيْثُ أَهَلَّهُ لِهِدَايَةِ الْمَلَكِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ (وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى) أَيْ لَمَّةَ الشيطان (ثم قرأ) أي النبي استشهادا الشيطان يعدكم الفقر
أَيْ يُخَوِّفُكُمْ بِهِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ الْآيَةَ مَعْنَاهُ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ لِيَمْنَعَكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَيُخَوِّفَكُمُ الْحَاجَةَ لَكُمْ أَوْ لِأَوْلَادِكُمْ فِي ثَانِي الْحَالِ سِيَّمَا فِي كِبَرِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ أَيِ الْمَعَاصِي وَهَذَا الْوَعْدُ وَالْأَمْرُ هُمَا الْمُرَادَانِ بِالشَّرِّ فِي الْحَدِيثَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن حبان في صحيحه وبن أَبِي حَاتِمٍ
قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) قَالَ الْقَاضِي رحمه الله الطَّيِّبُ ضِدُّ الْخَبِيثِ فَإِذَا وصفه بِهِ تَعَالَى أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ مُقَدَّسٌ عَنِ الْآفَاتِ وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْعَبْدُ مُطْلَقًا أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْمُتَعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَقَبَائِحِ الْأَعْمَالِ وَالْمُتَحَلِّي بِأَضْدَادِ ذَلِكَ وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْأَمْوَالُ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ حَلَالًا مِنْ خِيَارِ الْأَمْوَالِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْعُيُوبِ فَلَا يَقْبَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَهُوَ خِيَارُ أَمْوَالِكُمُ الْحَلَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تنفقوا مما تحبون (وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنَينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ) مَا مَوْصُولَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا أَكْلُ الْحَلَالِ وَتَحْسِينُ الْأَمْوَالِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم هَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَا عَلَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُمْ
أُرْسِلُوا فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ خُوطِبَ بِهِ فِي زَمَانِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّدَاءُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ لِخُصُوصِ الأنبياء (وذكر) أي النبي (الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (يُطِيلُ السَّفَرَ) أَيْ فِي وُجُوهِ الطَّاعَاتِ كَحَجٍّ وَزِيَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ مَادًّا يَدَيْهِ رَافِعًا بِهِمَا يَا رَبِّ يَا رَبِّ أَيْ قَائِلًا يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَطْعُومُهُ حَرَامٌ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْضًا وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ أَيْ مَشْرُوبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبُوسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ بِالْحَرَامِ أَيْ رُبِّيَ بِالْحَرَامِ
قَالَ الْأَشْرَفُ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَطْعَمِ حَرَامًا التَّغْذِيَةُ بِهِ وَإِمَّا تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى اسْتِوَاءِ حَالَيْهِ أَعْنِي كَوْنَهُ مُنْفِقًا فِي حَالِ كِبَرِهِ وَمُنْفَقًا عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ فِي وُصُولِ الْحَرَامِ إِلَى بَاطِنِهِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَطْعَمُهُ حَرَامٌ إِلَى حَالِ كِبَرِهِ وَبِقَوْلِهِ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ إِلَى حَالِ صِغَرِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِي الْوَاوِ
قَالَ القارىء وَذَهَبَ الْمُظْهِرُ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ رحمه الله الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ عَدَمَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مُصِرًّا عَلَى تَلَبُّسِ الْحَرَامِ انْتَهَى فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَابُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ
وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ (أَحْزَنَتْنَا) جَوَابٌ لَمَّا أَيْ جَعَلَتْنَا مَحْزُونِينَ (قَالَ قُلْنَا) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ قلنا معشر الصحابة
(لاندري) بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يَدْرِي بِالتَّحْتِيَّةِ (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) أَيْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نفسا إلا وسعها (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ إِلَخْ (فَنَسَخَتْهَا) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَسَخَتْهَا أَيْ أَزَالَتْ ما تضمنته من الشدة بينت أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَتِ الْمُحَاسَبَةُ بِهِ لَكِنَّهَا لَا تَقَعُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ فِرَارًا مِنْ إِثْبَاتِ دُخُولِ النَّسْخِ فِي الْأَخْبَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُكْمًا وَمَهْمَا كَانَ مِنَ الْأَخْبَارِ يَتَضَمَّنُ الْأَحْكَامَ أَمْكَنَ دُخُولُ النَّسْخِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا كَانَ خَبَرًا مَحْضًا لَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا كَالْإِخْبَارِ عَمَّا مَضَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأُمَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّسْخِ فِي حَدِيثِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ النَّسْخِ عَلَيْهِ كَثِيرًا وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاسَبَةِ بِمَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ مَا يُصَمِّمُ عَلَيْهِ وَيَشْرَعُ فِيهِ دُونَ مَا يَخْطُرُ لَهُ وَلَا يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ انْتَهَى لَا يُكَلِّفُ الله نفسا إلا وسعها هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَعْنَى وُسْعَهَا أَيْ مَا تَسَعُهُ قُدْرَتُهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ ثَوَابُهُ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنَ الشَّرِّ أَيْ وِزْرُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ
وَلَا بِمَا لَمْ يَكْسِبْهُ مِمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسُهُ
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ شَيْخُ السُّدِّيِّ
قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ (عَنْ أُمَيَّةَ) بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ لَهَا أُمَيْنَةَ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمَيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْهَا رَبِيبُهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقِيلَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَاسْمُهَا أُمَيْنَةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ أُمِّهِ وَهُوَ غَلَطٌ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أُمِّ مُحَمَّدٍ عِدَّةَ أَحَادِيثَ انْتَهَى
قُلْتُ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أُمَيَّةَ هَذِهِ فِي فَصْلِ الْمَجْهُولَاتِ
قَوْلُهُ إِنْ تُبْدُوا أَيْ إِنْ تُظْهِرُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَيْ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ السُّوءِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ تُخْفُوهُ أَيْ تُضْمِرُوهُ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ إِذْ لَا عِبْرَةَ بِخُطُورِ الْخَوَاطِرِ يحاسبكم اللَّهُ أَيْ يُجَازِيكُمْ بِسِرِّكُمْ وَعَلَنِكُمْ أَوْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْرَرْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَعَنْ قَوْلِهِ مَنْ يَعْمَلْ أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سُوءًا أَيْ صَغِيرًا أو كبيرا
يُجْزَ بِهِ أَيْ فِي الدُّنْيَا أَوِ الْعُقْبَى إِلَّا مَا شَاءَ مِمَّنْ شَاءَ (فَقَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (مَا سَأَلَنِي عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ المسألة (منذ سألت رسول الله) أَيْ عَنْهَا (فَقَالَ هَذِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى مَفْهُومِ الايتين المسؤول عَنْهُمَا أَيْ مُحَاسَبَةِ الْعِبَادِ أَوْ مُجَازَاتِهِمْ بِمَا يُبْدُونَ وَمَا يُخْفُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ (مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ) أَيْ مُؤَاخَذَتُهُ الْعَبْدَ بِمَا اقْتَرَفَ مِنَ الذَّنْبِ (بِمَا يُصِيبُهُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ صِلَةُ مُعَاتَبَةٍ وَيَصِحُّ كَوْنُ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً (مِنَ الْحُمَّى) وَغَيْرِهَا مُؤَاخَذَةُ الْمُعَاتَبِ وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْحُمَّى بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مِنْ أَشَدِّ الْأَمْرَاضِ وَأَخْطِرْهَا
قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ الْعِتَابُ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ الْخَلِيلِينَ مِنْ نَفْسِهِ الْغَضَبَ عَلَى خَلِيلِهِ لِسُوءِ أَدَبٍ ظَهَرَ مِنْهُ مَعَ أَنَّ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّتَهُ يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَينَ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يُلْحِقُهُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْمَرَضِ وَالْحُزْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكَارِهِ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا صَارُوا مُطَهَّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ
قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ هَذِهِ مُؤَاخَذَةُ عِقَابٍ أُخْرَوِيٍّ فَأَجَابَهَا بِأَنَّهَا مُؤَاخَذَةُ عِتَابٍ فِي الدُّنْيَا عِنَايَةً وَرَحْمَةً انْتَهَى (وَالنَّكْبَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيِ الْمِحْنَةِ وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ (حَتَّى الْبِضَاعَةَ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهِيَ بِالْكَسْرِ طَائِفَةٌ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ (يَضَعُهَا فِي يَدِ قَمِيصِهِ) أَيْ كُمِّهِ سُمِّيَ بِاسْمِ مَا يُحْمَلُ فِيهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كُمِّ قَمِيصِهِ (فَيَفْقِدُهَا) أَيْ يَتَفَقَّدُهَا وَيَطْلُبُهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لِسُقُوطِهَا أَوْ أَخْذِ سَارِقٍ لَهَا مِنْهُ (فَيَفْزَعُ لَهَا) أَيْ يَحْزَنْ لضياع البضاعة فيكون كفارة كذا قاله بن الْمَلِكِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي إِذَا وَضَعَ بِضَاعَةً فِي كُمِّهِ وَوَهَمَ أَنَّهَا غَابَتْ فَطَلَبَهَا وَفَزِعَ كَفَّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبَهُ وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَا يَخْفَي (حَتَّى) أَيْ لَا يَزَالُ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْوَالَ حَتَّى (إِنَّ الْعَبْدَ) قَالَ القارىء بكسر الهمزة وفي نسخة يعني في الْمِشْكَاةِ بِالْفَتْحِ وَأَظْهَرَ الْعَبْدَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ إِظْهَارًا لِكَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُقْتَضِي لِلصَّبْرِ وَالرِّضَا بِأَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ (لِيَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ) بِسَبَبِ الِابْتِلَاءِ بِالْبَلَاءِ (كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ) التِّبْرُ بِالْكَسْرِ أَيِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَإِذَا ضُرِبَا كَانَا عَيْنًا (مِنَ الْكِيرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ متعلق بيخرج
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ الْكُوفِيِّ وَالِدِ يَحْيَى صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (دَخَلَ قُلُوبَهُمْ) بِالنَّصْبِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (شَيْءٌ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ دَخَلَ أَيْ شَيْءٌ عَظِيمٌ مِنَ الْحُزْنِ (لَمْ يَدْخُلْ) أَيْ قُلُوبَهُمْ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِشَيْءٍ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَهُ (مِنْ شَيْءٍ) أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ المحزنة (فقالوا للنبي) أَيْ ذَكَرُوا لَهُ مَا دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (سَمِعْنَا) أَيْ مَا أَمَرْتنَا بِهِ سَمَاعَ قَبُولٍ (فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ) أَيْ أَحْكَمَهُ وَأَرْسَخَهُ فِيهَا وَانْدَفَعَ مَا كَانَ دَخَلَهَا آمَنَ أَيْ
صدق الرسول أي محمد بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَيِ الْقُرْآنُ وَالْمُؤْمِنُونَ عَطْفٌ عَلَى الرَّسُولِ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْآيَةَ وَتَمَامُهَا كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير لا يكلف نفسا إلا وُسْعَهَا أَيْ مَا تَسَعُهُ قُدْرَتُهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ ثَوَابُهُ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت من الشر أي زوره رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا بِالْعِقَابِ أَيْ قُولُوا رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا أَيْ تَرَكْنَا الصَّوَابَ لَا عَنْ عَمْدٍ كَمَا أَخَذْتَ بِهِ مَنْ قَبْلَنَا وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَسُؤَالُهُ اعْتِرَافٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ (قَالَ قَدْ فَعَلْتَ) أَيْ لَا أُؤَاخِذُكُمْ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصرا يَثْقُلُ عَلَيْنَا حَمْلُهُ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا أَيْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ فِي التَّوْبَةِ وَإِخْرَاجِ رُبْعِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ (قَالَ قَدْ فَعَلْتُ) أَيْ لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا ما لا طاقة لنا به أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ لِثِقَلِ حَمْلِهِ عَلَيْنَا
وَتَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ احْتِمَالُهُ كَتَكْلِيفِ الْأَعْمَى النَّظَرَ وَالزَّمِنَ الْعَدْوَ فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّكْلِيفِ الَّذِي لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ بِحَالٍ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ هُوَ مَا فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ احْتِمَالُهُ مَعَ
الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَالْكُلْفَةِ الْعَظِيمَةِ كَتَكْلِيفِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَالْفَرَائِضِ الثَّقِيلَةِ كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَاجِبَةً وَنَحْوِهِ فَهَذَا الَّذِي سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ لَا يُحَمِّلُهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لهم به (الاية) تمامها مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (قال قد فعلت) أي عفوت عنكم