المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحق تبارك وتعالى لعبادة من لُطفه تعالى ورحمته، يعظكم؛ لأنه - تفسير الشعراوي - جـ ١٦

[الشعراوي]

الفصل: الحق تبارك وتعالى لعبادة من لُطفه تعالى ورحمته، يعظكم؛ لأنه

الحق تبارك وتعالى لعبادة من لُطفه تعالى ورحمته، يعظكم؛ لأنه عزيز عليه أنْ يؤاخذكم بذنوبكم.

وتذييل الآية بهذا الشرط: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [النور: 17] حثٌّ وإهاجة لجماعة المؤمنين، لينتهوا عن مثل هذا الكلام، وألَاّ يقعوا فيه مرة أخرى، وكأنه تعالى يقول لهم: إنْ عُدْتُم لمثل هذا فراجعوا إيمانكم؛ لأن إيمانكم ساعتها سيكون إيماناً ناقصاً مشكوكاً فيه.

ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ. .} .

ص: 10220

{يُحِبُّونَ. .} [النور:‌

‌ 19]

الحب عمل قلبي، والكلام عمل لساني، وترجمة عملية لما في القلب، فالمعنى: الذين يحبون هذا ولو لم يتكلَّموا به؛ لأن لهذه المسألة مراحل تبدأ بالحب وهو عمل القلب، ثم التحدث، ثم السماع دون إنكار.

ولفظاعة هذه الجريمة ذكر الحق سبحانه المرحلة الأولى منها، وهي مجرد عمل القلب الذي لم يتحول إلى نزوع وعمل وكلام إذن: المسألة خطيرة.

والبعض يظن أن إشاعة الفاحشة فضيحة للمتهم وحده، نعم هي للمتهم، لكن قد تنتهي بحياته، وقد تنتهي ببراءته، لكن المصيبة

ص: 10220

أنها ستكون أُسْوة سيئة في المجتمع.

وهذا توجيه من الحق سبحانه وتعالى إلى قضية عامة وقاعدة يجب أن تُرَاعى، وهي: حين تسمع خبراً يخدش الحياءَ أو يتناول الأعراض أو يخدش حكماً من أحكام الله، فإياك أنْ تشيعه في الناس؛ لأن الإشاعة إيجاد أُسْوة سلوكية عند السامع لمن يريد أن يفعل، فيقول في نفسه: فلان فعل كذا، وفلان فعل كذا، ويتجرأ هو أيضاً على مثل هذا الفعل، لذلك توعد الله تعالى مَنْ يشيع الفاحشة وينشرها ويذيعها بين الناس {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة. .} [النور: 19] .

والحق تبارك وتعالى لم يعصم أحداً من المعصية وعمل السيئة، لكن الأَسْوء من السيئة إشاعتها بين الناس، وقد تكون الإشاعة في حق رجل محترم مُهَابٍ في مجتمعه مسموع الكلمة وله مكانة، فإنْ سمعت في حَقِّه مَا لا يليق فلربما زهّدك ما سمعتَ في هذا الشخص، وزهَّدك في حسناته وإيجابياته فكأنك حرمتَ المجتمع من حسنات هذا الرجل.

وهذه المسألة هي التعليل الذي يستر الله به غَيْب الخَلْق عن الخَلْق، إذن: سَتْر غيب الناس عن الناس نعمة كبيرة تُثري الخير في المجتمع وتُنميه، ويجعلك تتعامل مع الآخرين، وتنتفع بهم على عِلَاّتهم، وصدق الشاعر الذي قال:

فَخُذْ بِعلْمي ولَا تركَنْ إلىَ عَمِلي

وَاجْنِ الثمارَ وخَلِّ العُودَ للنَّارِ

ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ. .} .

ص: 10221