المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التمكين؛ ذلك لأنهم يترددون عليه سبحانه خَمْس مرات في اليوم - تفسير الشعراوي - جـ ١٦

[الشعراوي]

الفصل: التمكين؛ ذلك لأنهم يترددون عليه سبحانه خَمْس مرات في اليوم

التمكين؛ ذلك لأنهم يترددون عليه سبحانه خَمْس مرات في اليوم والليلة.

{وَآتَوُاْ الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر} [الحج: 41] فهذه أسس الصلاح في المجتمع والميزان الذي يسعد به الجميع.

{وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور} [الحج: 41] يعني: النهاية إلينا، وآخر المطاف عندنا، فمَن التزم هذه التوجيهات وأدَّى دوره المنُوط في مجتمعه، فبها ونِعْمتْ، ومَنْ ألقاها وراء ظهره فعاقبته معروفة.

ثم يُسلِّي الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم َ حتى لا يهتم بما يفعله قوم من كفر وعناد ومجابهة للدعوة: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ. .} .

ص: 9853

{وَإِن يُكَذِّبُوكَ. .} [الحج:‌

‌ 42]

يعني: في دعوتك فيواجهونك، ويقفون في سبيل دعوتك ليبطلوها، فاعلم أنك لست في ذلك بِدْعاً من الرسل، فقد كُذِّب كثير من الرسل قبلك، وعليك أَلَاّ تلاحظ مسألة التكذيب منفصلةً عن عاقبته، نعم: كذب القوم لكن كيف كانت العاقبة؟ اتركناهم أم أخذناهم أَخْذ عزيز مقتدر؟

فلا تحزن، فسوف يحلُّ بهم ما حَلَّ بسابقيهم من المكذِّبين والمعاندين.

وقلنا: إن الرسول يتحمّل من مشقة الرسالة وعناء الدعوة على قَدْر رسالته، فكلُّ رسل الله قبل محمد كان الرسول يُرْسَل إلى قومه خاصة، وفي مدة محدودة، وزمان محدود، ومع ذلك تعبوا

ص: 9853

كثيراً في سبيل دعوتهم، فما بالك برسول بُعِثَ إلى الناس كافة في كل زمان وفي كل مكان، لا شَكَّ أنه سيتحمل من التعب والعناء أضعاف ما تحمِّله إخوانه من الرسل السابقين.

وكأن الحق تبارك وتعالى يُعد رسوله صلى الله علية وسلم ويُوطِّنه على تحمُّل المشاقِّ من بداية الطريق حتى لا تفتّ في عَضُده حين يواجهها عند مباشرة أمر الدعوة، يقول له: ليست السيادة أمراً سهلاً، إنما دونها متاعب وأهوال ومصاعب فاستعد، كما تنبه ولدك: انتبه، فالامتحانات ستأتي هذا العام صعبة، فالوزارة تريد تقليل عدد المتقدمين للجامعة، فاجتهد حتى تحصل على مجموع مرتفع، وحين يسمع الولد هذا التنبيه يُجمع تماسكه، ويجمع تركيزه، فلا يهتز حين يواجه الامتحانات.

ثم يذكر الحق تبارك وتعالى نماذج للمكذِّبين للرسل: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ موسى فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ. .} .

ص: 9854

نلحظ هنا أن الحق سبحانه ذكر المكذبين، إلا في قصة موسى فذكر المكذَّب، فلم يَقُل: وقوم موسى بل قال: وكُذِّب موسى، لماذا؟ قالوا: لأن مهمته كانت أصعب حيث تعرَّض في دعوته لمنِ ادَّعى الألوهية ذاتها.

وقوله تعالى: {فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ. .} [الحج: 44] أمليت: أمهلْتُ حتى ظنوه إهمالاً، وهو إمهال بأنْ يمدّ الله لهم، ويطيل

ص: 9854

في مدتهم، لا إكراماً لهم، ولكن ليأخذهم بعد هذا أخْذ عزيز مقتدر، وفي آية أخرى يُوضِّح لنا هذه البرقية المختصرة، فيقول سبحانه:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً. .} [آل عمران: 178]

وفي هذا المعنى يقول أيضاً: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55] .

إذن: لا تغتر بما في أيديهم؛ لأنه فتنة، حتى إذا أخذهم الله كانت حسرتهم أكبر، فمن عُدم هذه النعم لا يتعلق قلبه بها، ولا يألَم لفقدها.

وقد حدث شيء من هذا في أيام سعد زغلول، وكان أحد معارضيه يشتمه ويتطاول عليه، لكن فوجئ الجميع بأنه يُولِّيه منصباً مرموقاً في القاهرة، فتعجّب الناس وسألوه في ذلك فقال: نعم، وضعته في هذا المنصب ليعرف العلو والمنزلة حتى يتحسَّر عليها حين تُسْلَب منه، وتكون أنكى له. يعني: يرفعه إلى أعلى حتى يهوي على رقبته، لأنه ما فائدة أن توقعه من على الحصيرة مثلا ً؟!!

ثم يقول تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44] الحق سبحانه يُلقِي الخبر في صورة استفهام لتقول أنت ما حدث وتشهد به.

والمراد: أعاقبناهم بما يستحقون؟

والنكير: هو الإنكار على شخص بتغيير حاله من نعمة إلى نقمة، كالذي يُكرمك ويُواسيك ويَبَشُّ في وجهك ويُغدق عليك، ثم يقطع عنك هذا كله، فتقول: لماذا تنكَّر لي فلان؟ يعني: قطع عني نعمته.

وكأن الحق تبارك وتعالى يريد أن ينتزع مِنَّا الإقرار بقدرته تعالى على عقاب أعدائه ومُكذِّبي رسله، وهذا المعنى جاء أيضاً في

ص: 9855