المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نلحظ أنه تعالى عند الوجه قال {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ. .} [المائدة: - تفسير الشعراوي - جـ ١٦

[الشعراوي]

الفصل: نلحظ أنه تعالى عند الوجه قال {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ. .} [المائدة:

نلحظ أنه تعالى عند الوجه قال {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ. .} [المائدة: 6] دون أن يحدد للوجه حدوداً، لماذا؟ لأن الوجه لا خلافَ عليه بين الناس، لكن في الأيدي قال:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق. .} [المائدة: 6] فحدد اليد إلى المرفق؛ لأنها محل خلاف، فمن الناس مَنْ يقول: الأيدي إلى الكتف. ومنهم مَنْ يقول: إلى المرفق. ومنهم مَنْ يقول: هي كف اليد.

لذلك حدَّدها ربنا عز وجل ليُخرِجنا من دائرة الخلاف في غَسْل هذا العضو، ولو تركها سبحانه وتعالى دون هذا التحديد لكانَ الأمر فيها مباحاً: يغسل كل واحد يده كما يرى، كذلك في الرأس قال سبحانه:{وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ. .} [المائدة: 6] وتركها لاحتمالات الباء التي يراها البعض للإلصاق، أو للتعدية، أو للتبعيض.

إذن: حين ترى مخالفاً لك في مثل هذه الأمور لا تتهمه؛ لأن النص أجاز له هذا الاختلاف، وأعطاه كما أعطاك حقَّ الاجتهاد.

ثم قال الحق سبحانه: {َوَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا. .} .

ص: 10028

تكلمنا عن معنى {الملأ} [المؤمنون:‌

‌ 33]

وهم عَيْن الأعيان وأصحاب السلطة والنفوذ في القوم، والذين يضايقهم المنهج الإيماني، ويقضي على مكانتهم، ويقف في وجه طغيانهم وسيطرتهم واستضعافهم للخلق.

ص: 10028

{َوَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ. .} [المؤمنون: 33] تماماً كما حدث مع سابقيهم من قوم نوح {َوَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا. .} [المؤمنون: 33] مادة: ترف مثل فرح، نقول: ترف الرجل يترف إذا تنعّم، فإذا زِدْتَ عليها الهمزة (أترف) نقول: أترفته النعمة، أترفه الله، يعني: كانت النعمة سبب طغيان، ووسَّع الله عليه في النعمة ليتسع في الطغيان.

وفي هذا المعنى ورد قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ. .} [الأنعام: 44] يعني من منهج الحق {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] .

ذلك، ليكون الأَخْذ أقوى وأعنف وأبلغ في الإيلام والحسرة، وسبق أن ذكرنا تشبيهاً أضحك الحاضرين كثيراً، ولله تعالى - المثل الأعلى -، قلنا: إن الله تعالى إذا أراد أنْ يُوقع معانداً لا يُوقعه من فوق الحصيرة، إنما يوقعه من فوق كرسي عالٍ ومكانة رفيعة، ليكون (الهُدْر) أقوى وأشدّ.

فإن أخذ الإنسان العادي الذي لا يملك ما يتحسرعليه من مال أو جاه أو منصب، فالأمر هيِّن، أمّا حين يُرقِّيه ويُعِلي منزلته ويُترِفه في النعيم، ثم يأخذه على هذه الحال فلا شكَّ أنه أخْذ عزيز مقتدر، وهذا أشدُّ وأنكَى.

إذن: أترفناهم يعني: وسَّعنا عليهم وأمددناهم بالنعم المختلفة ليزدادوا في كفرهم وطغيانهم، على حَدِّ قوله تعالى: {َفَذَرْهُمْ فِي

ص: 10029

غَمْرَتِهِمْ حتى حِينٍ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لَاّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 54 - 56] .

إن الله تعالى يمدُّ لهؤلاء في وسائل الغيّ والانحراف ليزدادوا منها، ويتعمقوا في آثامها لنتعمق نحن في عذابهم والانتقام منهم.

ثم يحكي القرآن عنهم هذه المقولة التي سارت على ألسنتهم جميعاً في كل الرسالات: {َمَا هذا إِلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ. .} [المؤمنون: 33] وكأن هذه الكلمة أصبحتْ لازمة من لوازم المكذِّبين للرسل المعاندين لمنهج الله، ثم يؤكدون على بشرية الرسول فيقولون:{َيَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33] ألم يقُل كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم َ: {مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق. .} [الفرقان: 7] .

سبحان الله، كأنهم يتكلمون بلسان واحد مع اختلاف الأمم وتباعد الأزمان، لكن كما يقولون: الكفر ملة واحدة.

ص: 10030

خاسرون إنْ أطعتم بشراً مثلكم، لكنه بشر ليس مثلكم، إنه بشر يُوحَى إليه، فأنا لا أتبع فيه بشريته، إنما أتبع ما ينزل عليه من الوحي..

ص: 10030