الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أنس قال «1» : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل.
قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة. رواه الشيخان.
ولأبي داود «2» بسند صحيح عن عروة بن عامر قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنها الفأل ولا تردّ مسلما. فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل:
اللهم! لا يأتي بالحسنات إلا أنت. ولا يدفع السيئات إلا أنت. ولا حول ولا قوة إلا بك» .
فائدة:
قال الحافظ ابن كثير: قد أمر الله المؤمنين، إذا ترددوا في أمورهم، أن يستخيروه، بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه. كما
رواه الإمام أحمد والبخاري «3» وأهل السنن من طرق عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن: ويقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم! إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم. فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم! إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه باسمه) خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال عاجل أمري) وآجله فأقدره لي، ويسره لي ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي، ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به» . هذا لفظ الإمام أحمد.
الْيَوْمَ يَئِسَ أي: قنط الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ روي عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، يعني: يئسوا أن يراجعوا دينهم.
وكذا روي عن عطاء بن أبي رباح والسدّيّ ومقاتل بن حيان. وعلى هذا المعنى يرد
الحديث الثابت في الصحيح «4» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم» . نقله ابن كثير
. وعليه ف (من) تعليلية. أي: يئسوا من مراجعة دينهم لأجل دينكم الذي ضم إليه جمهور الأمة العربية من أدناها إلى أقصاها. ودخلوا فيه أفواجا.
(1) أخرجه البخاري في: الطب، 44- باب الفأل، حديث 2268.
ومسلم في: السلام، حديث 112.
(2)
أخرجه أبو داود في: الطب، 24- باب في الطيرة، حديث 3919. [.....]
(3)
أخرجه البخاري في: التهجد، 25- باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، حديث 637.
(4)
أخرجه مسلم في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 65.
وللزمخشريّ تأويل بديع، تابعه عليه من بعده، ونحن نسوقه أيضا. قال رحمه الله: لم يرد بقوله تعالى: الْيَوْمَ يوم بعينه. وإنما أريد به الزمان الحاضر، وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية. كقولك: كنت بالأمس شابا وأنت اليوم أشيب. فلا تريد (بالأمس) اليوم الذي قبل يومك ولا (باليوم) يومك. وقيل: أريد يوم نزولها. وقد نزلت يوم الجمعة، وكان يوم عرفة، بعد العصر في حجة الوداع.
وقوله تعالى: يَئِسَ. إلخ. أي يئسوا منه أن يبطلوه وأن ترجعوا محللين لهذه الخبائث، بعد ما حرمت عليكم. وقيل: يئسوا من دينكم أن يغلبوه. لأن الله عز وجل وفّى بوعده من إظهاره على الدين كله.
فَلا تَخْشَوْهُمْ بعد إظهار الدين، وزوال الخوف من الكفار، وانقلابهم مغلوبين مقهورين، بعد ما كانوا غالبين وَاخْشَوْنِ وأخلصوا لي الخشية. انتهى كلامه.
وأوضح الوجه الأول، الرازيّ فقال: ليس المراد باليوم هو ذلك اليوم بعينه، حتى يقال: إنهم ما يئسوا قبله بيوم أو يومين، وإنما هو كلام خارج على عادة أهل اللسان معناه: لا حاجة بكم الآن إلى مداهنة هؤلاء الكفار، لأنكم الآن صرتم حيث لا يطمع أحد من أعدائكم في توهين أمركم.
ثم بين تعالى أكبر نعمه وأعظم مننه على هذه الأمة وهو: إكماله لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبيّ غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه. ولهذا جعله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحلّه، ولا حرام إلا ما حرّمه، ولا دين إلا ما شرعه. فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة. ولهذا قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يعني أحكامه وفرائضه، فلا زيادة بعده، ولم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام. هذا ما روي عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير وقتادة:
معنى (الإكمال) أنه لم يحج معهم مشرك. وخلا الموسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين. وقيل: معناه كفايتهم أمر العدوّ، وجعل اليد العليا لهم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد، إذا كفوا من ينازعهم. وبما ذكرنا أولا- من أنّ المراد بالإكمال عدم الزيادة- يندفع ما يتوهم من ثبوت النقص أولا. ولذا قال ابن الأنباريّ (في الآية) : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ شرائع الإسلام على غير نقصان كان قبل هذا الوقت. وذلك أنّ الله تعالى كان يتعبد خلقه بالشيء في وقت ثم يزيد عليه في وقت آخر. فيكون الوقت الأول تامّا في وقته. وكذلك الوقت الثاني تامّا في وقته. فهو كما يقول القائل: عندي عشرة كاملة، ومعلوم أنّ العشرين أكمل منها.