الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أنفسكم من كونكم أهدى من الطائفتين على تقدير نزول الكتاب عليكم، فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بَيِّنَةٌ أي: كتاب حجة واضحة مِنْ رَبِّكُمْ متعلق ب (جاءكم) أو بمحذوف صفة ل (بيّنة) أي: بينة كائنة منه تعالى لا يتوهم فيه السحر وَهُدىً بإقامة الدلائل ورفع الشبه وَرَحْمَةٌ بإفاضة الفوائد وتسهيل طريقكم وتيسيرها إلى أشرف الكمالات فَمَنْ أَظْلَمُ. قال أبو السعود: الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فإن مجيء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه. أي: وإذا كان الأمر كذلك فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها أي: صرف الناس وصدّهم عنها. فجمع بين الضلال والإضلال.
والمعنى إنكار أن يكون أحد أظلم منه أو مساويا له سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ الناس عَنْ آياتِنا أي: التي لو لم يصدفوا عنها لعرفوا إعجازها سُوءَ الْعَذابِ أي:
العذاب السيء بِما كانُوا يَصْدِفُونَ وهذا كقوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل: 88] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6) : آية 158]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)
هَلْ يَنْظُرُونَ يعني قد أقمنا حجج الوحدانية وثبوت الرسالة وأبطلنا ما كانوا يعتقدون من الضلالة. فما ينتظر هؤلاء بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن وصدّهم عن آيات الله؟.
قال البيضاوي: يعني أهل مكة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك. ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر، شبهوا بالمنتظرين. إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ يعني للحكم وفصل القضاء بين الخلق يوم القيامة.
قال ابن كثير: وذلك كائن يوم القيامة. وقد تقدم الكلام في معنى الآية في سورة البقرة عند قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ [البقرة: 210] بما فيه كفاية.
ومذهب السلف: إمرار ذلك بلا كيف، كما مرّ مرارا.
قيل: إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أي: ملائكة الموت لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ
بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ
وذلك قبل يوم القيامة، كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئا من ذلك. كما
روى البخاريّ «1» في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا رآها الناس آمن من عليها. فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
ورواه مسلم أيضا «2»
،
ولمسلم «3» والترمذيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض.
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة (نفسا) أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً عطف على (ءامنت) والمعنى أن بعض أشراط الساعة إذا جاء، وهي آية ملجئة مضطرة، ذهب أوان التكليف عندها، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات. أو مقدمة الإيمان غير كاسبة في إيمانها خيرا لفسقها. فتوبتها حينئذ لا تجدي.
قال الطبري: معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع، إيمان بعد الطلوع. ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع، عمل صالح بعد الطلوع.
لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ، حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة. وذلك لا يفيد شيئا. كما قال تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 85] . وكما ثبت في الحديث الصحيح «4» : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. انتهى.
وبالجملة: فالمعنى أنه لا ينفع من كان مشركا إيمانه. ولا تقبل توبة فاسق عند ظهور هذه الآية العظيمة التي تضطرهم إلى الإيمان والتوبة. وذلك لذهاب زمن التكليف.
قال الضحاك: من أدركه بعض الآيات، وهو على عمل صالح مع إيمانه، قبل الله منه العمل الصالح بعد نزول الآية، كما قبل منه قبل ذلك. فأما من آمن من شرك
(1) أخرجه البخاري في: التفسير، 6- سورة الأنعام، 9- باب قوله: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ.
(2)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 248.
(3)
أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 249.
(4)
أخرجه الترمذي في: الدعوات، 98- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، حدثنا إبراهيم بن يعقوب.
أو تاب من معصية عند ظهور هذه الآية، فلا يقبل منه. لأنه حالة اضطرار. كما لو أرسل الله عذابا على أمة فآمنوا وصدقوا. فإنهم لا ينفعهم إيمانهم ذلك، لمعاينتهم الأهوال والشدائد، التي تضطرهم إلى الإيمان والتوبة.
وقال ابن كثير: إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لم يقبل منه. فأما من كان مؤمنا قبل ذلك، فإن كان مصلحا في عمله، فهو بخير عظيم. وإن لم يكن مصلحا، فأحدث توبة حينئذ، لم تقبل منه توبته. كما دلت عليه الأحاديث. وعليه يحمل قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً أي: لا يقبل منها كسب عمل صالح، إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك. انتهى.
والأحاديث المشار إليها، منها ما
رواه (مسلم)«1» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه.
وروى (الترمذيّ)«2» وصححه عن صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب من قبل المغرب مسيرة عرضه (أو قال يسير الراكب في عرضه) أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض. مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه.
ولأبي داود «3» والنسائي من حديث معاوية رفعه: لا تزال تقبل التوبة
(1) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 42.
(2)
أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، 98- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده ونصه: عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المراديّ أسأله المسح على الخفين.
فقال: ما جاء بك يا زرّ؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. فقلت: إنه حاكّ في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم. فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟ قال: نعم. كان يأمرنا إذا كنا سفرا (أو مسافرين) أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهنّ إلا من جنابة. لكن من غائط وبول ونوم.
فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال: نعم. كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر، فبينا نحن عنده ناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ: يا محمد! فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته «هاؤم» .
وقلنا له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد نهيت عن هذا. فقال: والله، لا أغضض. قال الأعرابيّ: المرء يحب القوم ولمّا يلحق بهم؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب يوم القيامة» . فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة سبعين عاما، عرضه (أو يسير الراكب في عرضه) أربعين أو سبعين عاما.
قال سفيان (أحد رجال السند) : قيل: الشام. خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا.
(يعني للتوبة) لا يغلق حتى تطلع الشمس منه
. قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه أبو داود في: الجهاد، 2- باب في الهجرة هل انقطعت؟ حديث رقم 2479 ونصه: عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة. ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»
.