الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذا حَلَلْتُمْ أي خرجتم من الإحرام، أو خرجتم من الحرم إلى الحل فَاصْطادُوا أي: فلا جناح عليكم في الاصطياد وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أي: لا يحملنكم على الجريمة، شدة بغض قوم أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. أي لأن صدوكم عن زيارته والطواف به للعمرة. وقرئ بكسر الهمزة من (إن) على أنها شرطية أَنْ تَعْتَدُوا أي: عليهم. قال أبو السعود: وإنما حذف، تعويلا على ظهوره، وإيماء إلى أن المقصد الأصلي من النهي، منع صدور الاعتداء عن المخاطبين، محافظة على تعظيم الشعائر. لا منع وقوعه على القوم، مراعاة لجانبهم، وهو ثاني مفعولي يَجْرِمَنَّكُمْ أي: لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم، لصدهم إياكم عن المسجد الحرام، اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفّي.
تنبيهات:
الأول- قال ابن كثير: أي: لا يحملنكم بغض قوم، قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا حكم الله فيهم، فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد. وهذه الآية كما سيأتي من قوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: 8] . أي: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل. فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد، في كل حال. وقال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه. والعدل، به قامت السموات والأرض. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سهل بن عفان، حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه، حين صدهم المشركون عن البيت. وقد اشتد ذلك عليهم. فمر بهم ناس من المشركين من أهل المشرق، يريدون العمرة. فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم. فأنزل إليه هذه الآية.
الثاني: قوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ نهي عن إحلال قوم من الآمين، خصوا به مع اندراجهم في النهي عن إحلال الكل كافة، لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم، داعية إليه.
الثالث- لعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا، مع ظهور تعلقه بما قبله، للإيذان بأن حرمة الاعتداد لا تنتهي بالخروج عن الإحرام، كانتهاء حرمة الاصطياد به، بل هي باقية ما لم تنقطع علامتهم عن الشعائر بالكلية.
وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض بسائر الآمين، بالطريق الأولى. أفاده أبو السعود.
الرابع- دلت الآية على أن المضارّة ممنوعة. ومثله
قوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» . «1» .
وقوله عليه الصلاة والسلام: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» «2»
. ذكره بعض الزيدية. وفي (الإكليل) : في الآية النهي عن الاعتداء وأنه لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
الخامس- (جرم) جار مجرى (كسب) في المعنى وفي التعدي إلى مفعول واحد، وإلى اثنين، يقال: جرم ذنبا، نحو كسبه. وجرمته ذنبا، نحو كسبته إياه، خلا أن (جرم) يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه. وهو السبب في إيثاره هاهنا على الثاني. وقد ينقل الأول من كل منهما بالهمزة إلى معنى الثاني. فيقال: أجرمته ذنبا وأكسبته إياه. وعليه قراءة من قرأ يَجْرِمَنَّكُمْ بضم الياء. أفاده أبو السعود.
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أمروا، إثر ما نهوا عنه، بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى. ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى. فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والإغضاء عما وقع منهم، دخولا أوليا. ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي. فاندرج فيه النهي عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني: أفاده أبو السعود.
قال ابن جرير: الإثم: ترك ما أمر الله بفعله. والعدوان: جواز ما حدّ الله في الدين، ومجاوزة ما فرض الله في النفس والغير. وفي معنى الآية أحاديث كثيرة.
منها،
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله» . رواه البزار.
وعن أبي مسعود البدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» . رواه مسلم.
وعن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «4» : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى
(1) أخرجه ابن ماجة في: الأحكام، 17- باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، حديث 2340 و 2341.
(2)
أخرجه أبو داود في: البيوع، 79- باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، حديث 3535 عن أبي هريرة.
(3)
أخرجه مسلم في: الإمارة، 38- باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير، حديث 133.
(4)
أخرجه مسلم في: العلم، حديث 16.