الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحيث يخفيه لا محالة. ومعلوم أن حال الرشوة كذلك. فلذلك حرمت الرشوة على الحاكم
عن أبي هريرة «1» : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي في الحكم.
أخرجه الترمذيّ. وأخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال ابن مسعود: الرشوة في كل شيء. فمن شفع شفاعة ليردّ بها حقّا أو يدفع بها ظلما. فأهدي بها إليه، فقبل، فهو سحت. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن! ما كنا نرى ذلك إلّا الأخذ على الحكم؟ فقال: الأخذ على الحكم كفر! قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.
فَإِنْ جاؤُكَ يعني اليهود لتحكم بينهم فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ لأنهم اتخذوك حكما أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحقّ بل ما يوافق أهواءهم، أي: فأنت بالخيار. وقد استدل بالآية من قال: إن الإمام مخيّر في الحكم بين أهل الذمة أو الإعراض عنهم. وعن بعض السلف: إنّ التخيير المذكور نسخ بقوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. والتحقيق أنها محكمة، والتخيير باق.
وهو مرويّ عن الحسن والشعبيّ والنخعيّ والزهريّ، وبه قال أحمد. لأنه لا منافاة بين الآيتين. فإن قوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فيه التخيير. وقوله تعالى:
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فيه كيفية الحكم، إذا حكم بينهم وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً أي: فلن يقدروا على الإضرار بك، لأن الله تعالى عاصمك من الناس وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، أي: بالعدل الذي أمرت به، وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أي: العادلين فيما ولوا وحكموا.
روى مسلم «2» عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (5) : آية 43]
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
(1) أخرجه الترمذي في: الأحكام، 9- باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم.
(2)
أخرجه مسلم في: الإمارة، حديث 18.
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه. مع أن الحكم منصوص في كتابهم الذين يدّعون الإيمان به.
قال بعضهم: معنى فِيها حُكْمُ اللَّهِ أي: في المسألة التي تحاكموا فيها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو حكم الله بحسب اعتقادهم أو بحسب الحقيقة. قال: ووجود هذا الحكم الخاص فيها، لا ينافي القول بوجود أشياء أخرى كثيرة فيها محرفة. وسمّاها التوراة: إما باعتبار عرفهم. أو باعتبار أصلها، أو لاشتمالها على أشياء كثيرة من التوراة الحقيقية. ولولا ذلك ما صحّ أن تسمى بذلك، كالإنجيل، مع اعتقاد تحريفها وتبديلها وعدم صحة كثير من أجزائها وكتبها
…
ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي: من بعد البيان في التوراة، وحكمك الموافق لما في كتابهم وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ أي: بالتوراة كما يزعمون.
قال الحاكم: وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز طلب الرخصة بترك ما يعتقده حقّا إلى ما يعتقده غير حقّ. وقوله تعالى ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ يدلّ على أن التولّي عن حكم الله يخرجه عن الإيمان.
قال بعض الزيدية: إذا كره حكم الشرع وطلب حكم المنع، هل ذلك يخرجه عن حكم الإيمان؟ وهذا ينبغي أن يفصل فيه، فيقال: إن اعتقد صحته، أو رأى له مزية أو تعظيما. أو استهان بحكم الإسلام، فلا إشكال في كفره. وإن لم يحصل ذلك منه، بل اعتقد أنه باطل خسيس، وأنه يعظّم شرع الإسلام، ولكن يميل إلى هوى نفسه، فهذا لا يكفر على الظاهر. إذ الكفر يحتاج إلى دليل قاطع.
وفي كلام الحاكم ما تقدم: أنه يخرجه عن الإيمان. فإن أوهم أنه حق أو أنه أصلح من شرع الإسلام، فهذا محتمل للكفر. لأنه كفر إبليس اللعين، بكونه اعتقد أن أمر الله تعالى له بالسجود لآدم، غير صلاح. لكونه خلقه من طين، وإبليس من النار. انتهى.
ثم أشار تعالى إلى حالة اليهود الذين كانوا لا يبالون بالتوراة ويحرّفونها، ويقتلون النبيين، بأنهم خالفوا ما أمرهم الله في شأنها من الهداية بها وصونها عن التحريف، فقال: