الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد ب (اللامس) ملتمس الصدقة لا ملتمس الفاحشة. وقالت طائفة: بل هذا في الدوام غير موثر. وإنما المانع ورود العقد على الزانية فهذا هو الحرام، وقالت طائفة:
بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما. فإنه لما أمر بمفارقتها خاف من أن لا يصبر عنها فيواقعها حراما، فأمره حينئذ بإمساكها. إذ مواقعتها بعقد النكاح أقل فسادا من مواقعتها بالسفاح. وقالت طائفة: بل الحديث ضعيف لا يثبت. وقالت طائفة: ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية. وإنما فيه أنها لا تمنع ممن يمسّها أو يضع يده عليها أو نحو ذلك، فهي تعطي الليان لذلك. ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى. ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها الداعي إلى الفاحشة. فأمره بفراقها، تركا لما يريبه إلى ما لا يريبه. فلما أخبره بأن نفسه تتبعها، وأنه لا صبر له عنها، رأى مصلحة إمساكها أرجح المسالك. والله تعالى أعلم. وتتمة البحث في ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في سورة النور.
فائدة:
أفتى جابر بن عبد الله وعامر الشعبيّ وإبراهيم النخعيّ والحسن البصريّ بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها، أنه يفرق بينهما وتردّ عليه ما بذل لها من المهر. رواه ابن جرير عنهم.
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي: هنّ أيضا حلّ لكم.
والجمهور: على أن المراد ب (المحصنات) العفائف عن الزنى، كما قدمنا.
قال ابن كثير: وهو الأشبه. لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمّية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل، حشفا وسوء كيلة.
وحكى ابن جرير عن طائفة من السلف- ممن فسّر (المحصنات) بالعفيفات أن الآية تعم كل كتابية عفيفة. سواء كانت حرة أو أمة. ومن فسرها ب (الحرائر) قال:
لا يصح نكاح الأمة الكتابية بحال، إذ لا يحتمل عار الكفر مع عار الرق، على أنه يؤدي إلى استرقاق الكافر ولد المسلم.
تنبيهات
الأول: ظاهر الآية جواز نكاح الكتابية. وهذا مذهب أكثر الفقهاء والمفسرين.
ورواية عن زيد والصادق والباقر، واختاره الإمام يحيى وقال: إنه إجماع الصدر الأول من الصحابة، وأنّ عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه، وهي نصرانية. وأنّ طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية. كذا نقله المفسرون.
وروى البيهقيّ وعبد الرزاق وابن جرير عن عمر أنّه قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة. وروى عبد الرزاق أيضا عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب كتب إلى حذيفة بن اليمان وهو بالكوفة، ونكح امرأة من أهل الكتاب، فكتب: أن فارقها فإنك بأرض المجوس، فإني أخشى أن يقول الجاهل: قد تزوج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرة! ويحلل الرخصة التي كانت من الله عز وجل فيتزوجوا نساء المجوس
…
ففارقها.
وروى عبد الرزاق والبيهقيّ عن قتادة: أن حذيفة نكح يهودية. فقال عمر:
طلّقها فإنها جمرة. فقال: أحرام هي؟ قال: لا، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن
…
وروى عبد الرزاق عن زيد بن وهب قال: كتب عمر بن الخطاب: إن المسلم ينكح النصرانية، والنصرانيّ لا ينكح المسلمة. وروي أيضا عن جابر قال: نساء أهل الكتاب لنا حلّ، ونساؤنا عليهم حرام. وروي أيضا عن معمر عن الزهريّ قال: نكح رجل من قومي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أهل الكتاب. وروي عن ابن عمر كراهية ذلك. ويحتج بقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: 221] وكان يقول: لا أعلم شركا أعظم من قولها: إن ربها عيسى. وأجاب الجمهور بأنه عامّ خص بهذه الآية، إن قيل بدخول الكتابيات في عموم المشركات، وإلّا، فلا معارضة بين الآيتين. لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع.
كقوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: 1] . وكقوله: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ [آل عمران: 20] .
الثاني: استدل بعموم الآية من جوّز نكاح الحربيات الكتابيات. وروي عن ابن عباس: أن الإذن في الذميات خاصة، ويقرأ: قاتِلُوا الَّذِينَ- إلى قوله- حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. قال: فمن أعطى، حل. ومن لا، فلا. وهذا الاستدلال دقيق جدا. فليتأمل!.
الثالث: قال المهايميّ: لما اعتبر في طعام أهل الكتاب شبهة بالطيب- كما قدمنا- اعتبر في باب النكاح، فأحلّ المحصنات منهم، واحتمل كفرهنّ لأنه إنما لم يحتمل كفر غيرهم لأنهم يدعون إلى النار. وهؤلاء لما اعترفوا بأصل النبوّة، ولا شبهة لهم في نفي أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فضلا عن حجة، ضعفت دعوتهم إليها، فلم يعتد بها. على أن الرجل مستول على المرأة. فلا تؤثر فيه تأثير الرجل، فلذلك لم يصح
تزويج المسلمة بالكتابيّ. على أن فيه إذلالا للمسلمة فلا تحتمل.
الرابع: ذهب ثلة من العترة الطاهرة إلى أن المراد من (المحصنات) المؤمنات منهن. ذهابا إلى تحريم نكاح الكافرة. قال بعض مفسري الزيدية، بعد أن ساق مذهب الأكثرين المتقدم: وقال القاسم والهادي والنفس الزكية ومحمد بن عبد الله وعامة القاسمية- وهو مرويّ عن ابن عمر: إنه لا يجوز لمسلم نكاح كافرة، كتابية كانت أو غيرها. واحتجوا بقوله في سورة البقرة: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: 221] . قالوا- يعني الأكثرين-: هذا في المشركات لا في الكتابيات، قلنا: اسم الشرك ينطلق على أهل الكتاب بدليل قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ. إلى قوله: سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: 31] . وعن ابن عمر: لا أعلم شركا أعظم من قول النصرانية: إن ربها عيسى. وعن عطاء: قد كثر الله المسلمات. وإنما رخص لهم يومئذ. قالوا: إنه تعالى عطف أحدهما على الآخر فدلّ على أنهما غيرين، حيث قال تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ
[البينة: 1] . قلنا: هذا كقوله تعالى: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: 180] . قالوا: الآية مصرحة بالجواز في قوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قلنا: في سورة النور: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ [النور: 26] . وقوله في سورة النساء: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: 25] . فشرط الإيمان في هذا يقضي بالتحريم. فتتأوّل هذه الآية: أنه أراد المحصنات من أهل الكتاب اللاتي قد أسلمن، لأنهم كانوا يتكرهون ذلك، فسماهنّ باسم ما كنّ عليه. وقد ورد مثل هذا في كتاب الله تعالى. قال الله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: 121] . وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [البقرة: 146] . وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [آل عمران: 199] . قالوا: سبب النزول وفعل الصحابة يدل على الجواز. وإنا نجمع بين الآيات الكريمة فنقول: قوله وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ [البقرة: 221] . عامّ نخصّه بقوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أو نقول: أراد ب الْمُشْرِكاتِ الوثنيات وب الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، ما أفاده الظاهر. أو يكون قوله وَالْمُحْصَناتُ ناسخا لتحريم الكتابيات بقوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ. قلنا: نقابل ما ذكرتم بما
روي، أن كعب بن مالك أراد أن
يتزوج بيهودية أو نصرانية. فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنها لا تحصن ماءك
وروي أنه نهاه عن ذلك. وبأنا نتأوّل قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فنجمع ونقول: تخصيص المشركات ب الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ متراخ، والبيان لا يجوز أن يتراخى! قالوا:
روى جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أحلّ لنا ذبائح أهل الكتاب وأحل لنا نساؤهم وحرم عليهم أن يتزوجوا نساءنا» .
قال في (الشفا) : قال علماؤنا: هذا حديث ضعيف النقل. قالوا:
قوله صلى الله عليه وسلم في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»
الخبر أفاد جواز ذبائحهم ونكاح نسائهم.
قلنا: الجواز منسوخ بأدلة التحريم. ثم إنا نقوي أدلتنا بالقياس فنقول: كافرة فأشبهت الحربية، أو لما حرمت الموارثة حرمت المناكحة. أو لما حرم نكاح الكافر للمسلمة حرم العكس. قالوا: لا حكم للاعتبار مع الأدلة. انتهى بحروفه. وهو فقه غريب.
وقوله تعالى: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي: أعطيتموهنّ مهورهنّ. وتقييد الحلّ بإيتائها، لتأكيد وجوبها والحث على ما هو الأولى، مبادرة لفراغ الذمة. فإن شغل الذمة بحق الآدميّ أشدّ من شغلها بحق الله تعالى: مُحْصِنِينَ متعفّفين غَيْرَ مُسافِحِينَ أي: غير مجاهرين بالزنى: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ مسرين به، و (الخدن) الصديق، يقع على الذكر والأنثى. وحمل المسافحة على إظهار الزنى لظهور مقابله في الإسرار، لتبادره من الخدن وهو الصديق. وقيل: الأول نهي عن الزنى، والثاني نهي عن مخالطتهن. كذا في (العناية) .
قال ابن كثير: كما شرط الإحصان في النساء- وهي العفّة عن الزنى- كذلك شرطها في الرجال. وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا. ولهذا قال: غَيْرَ مُسافِحِينَ وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردّون أنفسهم عمّن جاءهم وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلّا معهنّ، كما تقدم في سورة النساء، سواء، ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله إلى أنه لا يصحّ نكاح المرأة البغي حتى تتوب، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف. وكذلك لا يصحّ عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنى، لهذه الآية
وللحديث: «لا ينكح الزاني المجلود إلّا مثله»
. وروى ابن جرير «1» : أن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا أدع أحدا
(1) الأثر رقم 11267.