الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج أبو داود «1» والنسائي عن ابن عباس قال: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل.
وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحدّ، إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (5) : آية 35]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا- أي اطلبوا- إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ أي:
القربة- كذا فسّره ابن عباس ومجاهد وأبو وائل والحسن وزيد وعطاء والثوري وغير واحد. وقال قتادة: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وقرأ ابن زيد: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. قال ابن كثير: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة، لا خلاف بين المفسرين فيه. وفي (القاموس وشرحه) : الوسيلة والواسلة، المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والوصلة. وقال الجوهري: الوسيلة، ما يتقرب به إلى الغير. والتوسيل والتوسل واحد. يقال: وسّل إلى الله تعالى توسيلا، عمل عملا تقرب به إليه، كتوسل. و (إلى) يجوز أن يتعلق ب (ابتغوا) وأن يتعلق ب (الوسيلة) .
قدم عليها للاهتمام به وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي: بسبب المجاهدة في سبيله. وقد بين كثير من الآيات أن المجاهدة بالأموال والأنفس.
تنبيه:
ما ذكرناه في تفسير (الوسيلة) هو المعوّل عليه. وقد أوضح إيضاحا لا مزيد عليه، تقي الدين بن تيمية عليه الرحمة في (كتاب الوسيلة) فرأينا نقل شذرة منه، إذ لا غنى للمحقّق في علم التفسير عنه.
قال رحمه الله بعد مقدّمات:
إن لفظ الوسيلة والتوسل، فيه إجمال واشتباه، يجب أن تعرف معانيه ويعطى كلّ ذي حق حقه. فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه. وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك. ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ
(1) أخرجه أبو داود في: الحدود، 3- باب ما جاء في المحاربة، حديث 437.
ومعناه. فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب. فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وفي قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً [الإسراء: 56- 57] . فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغي إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه، هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات، فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا، فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب واستحباب. وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول. فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها، هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلّا ذلك.
و (الثاني) لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة
كقوله صلى الله عليه وسلم «1» : «سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله. وأرجوا أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة» .
وقوله: «من قال حين يسمع النداء «2» : اللهم! رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» .
فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. قد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة.
وأخبرنا أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله. وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول صلى الله عليه وسلم. وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة. لأن الجزاء من جنس العمل. فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم. فإن الشفاعة نوع من الدعاء. كما قال «3» : إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا. وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته. والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به
(1) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث 11 عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(2)
أخرجه البخاري في: الأذان، 8- باب الدعاء عند النداء، حديث 392، عن جابر بن عبد الله.
(3)
أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث 11 عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ضمن حديث طويل.
والسؤال به. كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين. ومن يعتقدون فيه الصلاح.
وحينئذ، فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين. ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة. فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء، فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثاني دعاؤه وشفاعته كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين. ومن هذا قول عمر بن الخطاب «1» : اللهمّ! إنّا كنا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبينا فاسقنا. أى بدعائه وشفاعته. وقوله تعالى: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ أي: القربة إليه بطاعته. وطاعة رسوله طاعته قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء: 81] ، فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين. وأمّا التوسّل بدعائه وشفاعته- كما قال عمر- فإنه توسّل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسّل به إلى التوسل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس. فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس، علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته. بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائما.
فلفظ التوسل يراد به ثلاث معان: (أحدهما) التوسّل بطاعته. فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلّا به. و (الثاني) التوسّل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. و (الثالث) التوسّل به. بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته. فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم. وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة. أو عن من ليس قوله حجة، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه، إنه لا يجوز. ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. قال أبو الحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى ب (شرح الكرخي) في باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدّثنا أبو يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو إلّا به. وأكره أن يقول:
بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك. وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف:
بمعقد العز من عرشه هو الله. فلا أكره هذا. وأكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.
(1) أخرجه البخاريّ في: الاستسقاء، 3- باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث 572.
قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز. لأنه لا حق للخلق على الخالق. فلا تجوز وفاقا.
وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه- من أن الله لا يسأل بمخلوق- له معنيان: أحدهما هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فلأن يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق، أولى وأحرى. وهذا بخلاف إقسامه سبحانه بمخلوقاته وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [الليل: 1- 2] ، وَالشَّمْسِ وَضُحاها [الشمس: 1] . وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً [النازعات: 1]، وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات: 1]- فإن إقسامه بمخلوقاته يتضمن من ذكر آياته الدالة على قدرته وحكمته ووحدانيته، ما يحسن معه إقسامه. بخلاف المخلوق، فإن إقسامه بالمخلوقات شرك بخالقها. كما
في (السنن) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «1» : «من حلف بغير الله فقد أشرك» .
وقد صححه الترمذي وغيره.
وفي لفظ: فقد كفر
. وقد صححه الحاكم.
وقد ثبت عنه في (الصحيحين)«2» أنه قال: من كان حالفا فليحلف بالله. وقال: لا تحلفوا بآبائكم. فإن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
وفي (الصحيحين) عنه أنه قال «3» : من حلف باللات والعزّى فليقل: لا إله إلّا الله.
وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالمخلوقات المحترمة، أو بما يعتقد هو حرمته- كالعرش والكرسي والكعبة والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والصالحين والملوك وسيوف المجاهدين وترب الأنبياء والصالحين وسراويل الفتوّة وغير ذلك
…
- لا ينعقد يمينه، ولا كفارة في الحنث بذلك.
(1)
أخرجه الترمذي في: النذور، 9- حدثنا قتيبة، ونصه: عن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا، والكعبة! فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»
. (2)
أخرجه البخاري في: مناقب الأنصار، 26- باب أيام الجاهلية، حديث 1298 ونصه: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «ألا من كان حالفا، فلا يحلف إلا بالله» وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال «لا تحلفوا بآبائكم» .
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 3 و 4.
(3)
أخرجه البخاري في: الأيمان والنذور، 5- باب لا يحلف باللات والعزّى ولا بالطواغيت، حديث 2052 ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «من حلف فقال في حلفه: باللات والعزّى، فليقل: لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق» .
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 5
.