الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإتيان بما أمر به من التبليغ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ مما يفصّل مساوئ الكفار، ومن قتالهم، والدعوة إلى الإسلام، غير مراقب في التبليغ أحدا، ولا خائف أن ينالك مكروه وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أي: ما تؤمر به من تبليغ الجميع، سترا لبعض مساوئهم فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ أي: شيئا مما أرسلت به. لما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض.
فإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا. كما أنّ من لم يؤمن ببعضها، كان كمن لم يؤمن بكلّها.
قال في (الانتصاف) : ولما كان عدم تبليغ الرسالة أمرا معلوما عند الناس، مستقرّا في الأفهام أنه عظيم شنيع، ينقم على مرتكبه، بل عدم نشر العلم من العالم أمر فظيع، فضلا عن كتمان الرسالة من الرسول- استغنى عن ذكر الزيادات التي يتفاوت بها الشرط والجزاء، للصوقها بالجزاء في الأفهام. وإن كل من سمع عدم تبليغ الرسالة، فهم ما وراءه من الوعيد والتهديد. وحسن هذا الأسلوب في الكتاب العزيز بذكر الشرط عامّا بقوله وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ولم يقل: فإن لم تبلغ الرسالة فما بلغت الرسالة. حتى يكون اللفظ متغايرا، وهذه المغايرة اللفظية- وإن كان المعنى واحد- أحسن رونقا وأظهر طلاوة، من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء. وهذا الفصل كاللباب من علم البيان.
وقوله تعالى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ عدة منه تعالى بحفظه من لحوق ضرر بروحه الشريفة، باعث له على الجدّ فيما أمر به من التبليغ وعدم الاكتراث بعداوتهم وكيدهم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ تعليل لعصمته، أي: لا يهديهم طريق الإساءة إليك، فما عذرك في مراقبتهم؟
تنبيهات:
الأول: لا خفاء في أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ التام، وقام به أتمّ القيام، وثبت في الشدائد وهو مطلوب، وصبر على البأساء والضرّاء وهو مكروب ومحروب، وقد لقى بمكة من قريش ما يشيب النواصي، ويهدّ الصياصي. وهو، مع الضعف، يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي، ثم انتصب لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته، وأحدقوا بجنباته، وصار بإئثانه في الأعداء محذورا، وبالرعب منه منصورا، حتى أصبح سراج الدين وهّاجا، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
روى البخاريّ «1» ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها، قالت لمسروق:
(1) أخرجه البخاري في: التفسير، 5- سورة المائدة، 7- باب يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، حديث 1528.
من حدثك أنّ محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب، والله يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
…
الآية.
وفي (الصحيحين)«1» عنها أيضا أنها قالت: لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.
وروى البخاريّ «2» وغيره عن أبي جحيفة قال: قلت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة! إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
وقال البخاريّ «3» : قال الزهريّ: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
قال ابن كثير: وقد شهدت له صلى الله عليه وسلم أمته بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا. كما
ثبت في (صحيح مسلم)«4» عن جابر بن عبد
(1) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث 288.
(2)
أخرجه البخاري في: الجهاد، 171- باب فكاك الأسير، حديث 95.
(3)
أخرجه البخاري في: التوحيد، 46- باب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.
(4)
أخرجه مسلم في: الحج، 19- باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث 147 ونصه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم. جميعا عن حاتم. قال أبو بكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدنيّ عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ.
فقلت: أنا محمد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى (أي أخرجه من عروته لينكشف صدري عن القميص) ثم نزع زري الأسفل. ثم وضع كفه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شابّ. فقال: مرحبا بك، يا ابن أخي! سل عما شئت. فسألته، وهو أعمى. وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة (في النهاية: هي ضرب من الملاحف منسوجة) ملتحفا بها. كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها. ورداؤه إلى جنبه على المشجب (هو عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب) فصلى بنا. فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بيده (أي: أشار بها) فعدّ تسعا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج.
ثم أذّن في الناس في العاشرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجّ. فقدم المدينة بشر كثير. كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه. حتى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء
[.....]
الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ: يا أيها الناس! إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟
بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري (الاستثفار هو أن تشد في وسطها شيئا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها. وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها) بثوب وأحرمي» .
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء. حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مدّ بصري بين يديه. من راكب وماش. وعن يمينه مثل ذلك. وعن يساره مثل ذلك.
ومن خلفه مثل ذلك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا. وعليه ينزل القرآن. وهو يعرف تأويله. وما عمل به من شيء عملنا به. فأهلّ التوحيد «لبيك اللهم! لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك» .
وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به. فلم يردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
قال جابر: لسنا ننوي إلا الحجة. لسنا نعرف العمرة. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن. فرمل (الرمل إسراع في المشي مع تقارب الخطا، وهو الخبب) ثلاثا ومشى أربعا. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام. فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت. فكان أبي يقول (ولا أعلمه ذكره إلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : كان يقرأ في الركعتين: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.
ثم رجع إلى الركن فاستلمه. ثم خرج من الباب إلى الصفا. فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]«أبدأ بما بدأ الله به» .
فبدأ بالصفا. فرقى عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحّد الله وكبّره. وقال «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده. أنجز وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده» .
ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل إلى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا.
حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة» .
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا. بل لأبد أبد» وقدم عليّ من اليمن ببدن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حلّ، ولبسن ثيابا صبيغا واكتحلت. فأنكر ذلك عليها. فقالت: إن أبي أمرني بهذا.
قال، فكان عليّ يقول، بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرّشا على فاطمة للذي صنعت.
مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه: فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها. فقال «صدقت.
صدقت. ماذا قلت، حين فرضت الحج؟ قال، قلت: اللهم! إني أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال «فإن معي الهدي فلا تحلّ» .
قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع رأسه ويرفع يده إلى السماء وينكبها إليهم ويقولون: اللهم! هل بلغت؟.
قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ من اليمن، والذي أتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم مائة.
قال، فحلّ الناس كلهم وقصّروا. إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى. فأهلّوا بالحج. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس. وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة (موضع بجنب عرفات) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشكّ قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام. كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها. حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. فأتى بطن الوادي، فخطب الناس فقال:
«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدميّ موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع ربانا. ربا عباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكنّ عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس «اللهم! اشهد. اللهم! اشهد» ثلاث مرات.
ثم أذّن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصلّ بينهما شيئا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل ناقته القصواء إلى الصخرات (هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة) وجعل حبل المشاة بين يديه (حبل المشاة أي مجتمعهم) واستقبل القبلة. فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص.
وأردف أسامة خلفه. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام. حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله. ويقول بيده اليمنى «أيها الناس! السكينة السكينة» .
كلما أتى حبلا من الحبال (الحبل هو التل اللطيف من الرمل الضخم) أرخى لها قليلا، حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبّح بينهما شيئا. ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر. وصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة.
ثم ركب القصواء حتى أشعر المشعر الحرام. فاستقبل القبلة. فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده.
فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا. فدفع قبل أن تطلع الشمس. وأردف الفضل بن عباس. وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين. فطفق الفضل ينظر إليهن. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر.
فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل.
وروى الإمام أحمد «1» عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: يا أيها الناس! أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: أيّ بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ثم أعادها مرارا. ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال: اللهم! هل بلّغت؟ مرارا (قال ابن عباس: والله! إنها لوصية إلى ربه عز وجل ثم قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب. لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض..! وقد روى البخاريّ «2» نحوه..
الثاني: تضمن قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ معجزة كبرى لرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الماورديّ في كتابه (أعلام النبوة) في الباب الثامن في معجزاته، عصمته صلى الله عليه وسلم. ما نصه:
أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته بعد ثبوتها بمعجز القرآن، واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار يحجّ به من قلت فطنته، ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركا بالخواطر الثاقبة تفكرا واستدلالا وإعجاز العيان معلوما ببداية الحواس احتياطا واستظهارا، فيكون البليد مقهورا بوهمه وعيانه، واللبيب محجوبا بفهمه وبيانه، لأن لكل فريق من الناس طريقا هي عليهم أقرب، ولهم أجذب، فكان ما جمع انقياد الفرق أوضح سبيلا، وأعم دليلا. فمن معجزاته عصمته من أعدائه وهم الجم الغفير، والعدد الكثير، وهم على
حتى أتى بطن محسّر. فحرّك قليلا. ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة. فرماها بسبع حصيات. يكبّر مع كل حصاة منها. حصى الخذف.
رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده. ثم أعطى عليّا، فنحر ما غبر. وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت. فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت. فصلى بمكة الظهر.
فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم. فقال «انزعوا، بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم» .
فناولوه دلوا فشرب منه.
(1)
أخرجه في المسند 1/ 230 والحديث رقم 2036.
(2)
أخرجه البخاري في: الحج، 132- باب الخطبة أيام منى، حديث 892.
أتم حنق عليه، وأشد طلب لنفسه. وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالط ومكاثر، ترمقه أبصارهم شزرا، وترتد عنه أيديهم ذعرا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرا، حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة. ثم خرج عنهم. سليما لم يكلم في نفس ولا جسد. وما كان ذلك إلا بعصمة إلهية وعده الله تعالى بها فحققها حيث يقول:
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فعصمه منهم.
ثم قال الماورديّ رحمه الله تعالى: وإن قريشا اجتمعت في دار الندوة. وكان فيهم النضر بن الحارث بن كنانة، وكان زعيم القوم. وساعده عبد الله بن الزّبعري وكان شاعر القوم. فحضهم على قتل محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم: الموت خير لكم من الحياة. فقال بعضهم: كيف نصنع؟ فقال أبو جهل: هل محمد إلا رجل واحد؟ وهل بنو هاشم إلا قبيلة من قبائل قريش؟ فليس فيكم من يزهد في الحياة فيقتل محمدا ويريح قومه؟ وأطرق مليا. فقالوا: من فعل هذا ساد. فقال أبو جهل: ما محمد بأقوى من رجل منا. وإني أقوم إليه فأشدخ رأسه بحجر. فإن قتلت أرحت قومي، وإن بقيت فذاك الذي أوثر. فخرجوا على ذلك. فلما اجتمعوا في الحطيم، خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد جاء. فتقدم من الركن فقام يصلي. فنظروا إليه يطيل الركوع والسجود، فقال أبو جهل: فإني أقوم فأريحكم منه، فأخذ مهراسا عظيما. ودنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد لا يلتفت ولا يهابه، وهو يراه. فلما دنا منه ارتعد وأرسل الحجر على رجله. فرجع وقد شدخت أصابعه وهو يرتعد، وقد دوخت أوداجه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، فقال أبو جهل لأصحابه: خذوني إليكم. فالتزموه وقد غشي عليه ساعة. فلما آفاق قال له أصحابه: ما الذي أصابك؟ قال: لما دنوت منه، أقبل عليّ من رأسه فحل فاغر فاه. فحمل عليّ أسنانه. فلم أتمالك. وإني أرى محمدا محجوبا. فقال له بعض أصحابه: يا أبا الحكم! رغبت وأحببت الحياة ورجعت. قال:
ما تغرّوني عن نفسي. قال النضر بن الحارث: فإن رجع غدا فأنا له. قالوا له: يا أبا سهم! لئن فعلت هذا لتسودنّ. فلما كان من الغد اجتمعوا في الحطيم منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أشرف عليهم قاموا بأجمعهم فواثبوه. فأخذ حفنة من تراب وقال: شاهت الوجوه. وقال: حم لا ينصرون، فتفرقوا عنه.
وهذا دفع إلهيّ وثق به من الله تعالى. فصبر عليه حتى وقاه الله، وكان من أقوى شاهد على صدقه.
(ومن أعلامه) : أن معمر بن يزيد، وكان أشجع قومه، استغاثت به قريش وشكوا إليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت بنو كنانة تصدر عن رأيه وتطيع أمره، فلما شكوا إليه قال لهم: إني قادم إلى ثلاث وأريحكم منه. وعندي عشرون ألف مدجّج
فلا أرى هذا الحيّ من بني هاشم يقدر على حربي. وإن سألوني الدية أعطيتهم عشر ديات، ففي مالي سعة. وكان يتقلد بسيف طوله سبعة أشبار في عرض شبر. وقصته في العرب مشهورة بالشجاعة والبأس. فلبس، يوم وعده قريشا، سلاحه وظاهر بين درعين. فوافقهم بالحطيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر يصلي. وقد عرف ذلك فما التفت ولا تزعزع ولا قصر في الصلاة. فقيل له: هذا محمد ساجد. فأهوى إليه، وقد سل سيفه وأقبل نحوه. فلما دنا منه رمى بسيفه وعاد. فلما صار إلى باب الصفا عثر في درعه فسقط فقام، وقد أدمى وجهه بالحجارة، يعدو كأشد العدو. حتى بلغ البطحاء ما يلتفت إلى خلف. فاجتمعوا وغسلوا عن وجهه الدم وقالوا: ما أصابك؟
قال: ويحكم! المغرور من غررتموه. قالوا: ما شأنك؟ قال: ما رأيت كاليوم. دعوني ترجع إلي نفسي. فتركوه ساعة وقالوا: ما أصابك؟ يا أبا الليث! قال: إني لما دنوت من محمد، فأردت أن أهوى بسيفي إليه، أهوى إليّ من عند رأسه شجاعان أقرعان ينفخان بالنيران، وتلمع من أبصارهما. فعدوت. فما كنت لأعود في شيء من مساءة محمد.
(ومن أعلامه) : أن كلدة بن أسد، أبا الأشد، وكان من القوة بمكان، خاطر قريشا يوما في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأعظموا له الخطر إن هو كفاهم. فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق يريد المسجد ما بين دار عقيل وعقال. فجاء كلدة ومعه المزراق.
فرجع المزراق في صدره. فرجع فزعا. فقالت له قريش: مالك؟ يا أبا الأشد! فقال:
ويحكم! ما ترون الفحل خلفي؟ قالوا: ما نرى شيئا. قال: ويحكم! فإني أراه. فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف. فاستهزأت به ثقيف، فقال: أنا أعذركم، لو رأيتم ما رأيت لهلكتم.
(ومن أعلامه) : أن أبا لهب خرج يوما، وقد اجتمعت قريش فقالوا له: يا أبا عتبة! إنك سيدنا وأنت أولى بمحمد منا. وإن أبا طالب هو الحائل بيننا وبينه. ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ولا حمزة منك شيئا. وأنت بريء من دمه فنؤدي نحن الدية وتسود قومك. فقال: فإني أكفيكم! ففرحوا بذلك ومدحته خطباؤهم. فلما كان في تلك الليلة وكان مشرفا عليه، نزل أبو لهب، وهو يصلي. وتسلقت امرأته أم جميل الحائط، حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد. فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه، وهما كانا لا ينقلان قدما ولا يقدران على شيء حتى تفجر الصبح. وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو لهب: يا محمدا أطلق عنا. فقال: ما كنت لأطلق عنكما أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني، قالا: قد فعلنا. فدعا ربه فرجعا.
(ومن أعلامه) : أن قريشا اجتمعوا في الحطيم. فخطبهم. عتبة بن ربيعة
فقال: إن هذا ابن عبد المطلب قد نغص علينا عيشنا وفرّق جماعتنا وبدّد شملنا وعاب ديننا وسفّه أحلامنا وضلل آباءنا. وكان في القوم الوليد بن المغيرة وأبو جهل ابن هشام وشيبة بن ربيعة والنضر بن الحارث ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأمية وأبيّ ابنا خلف، في جماعة من صناديد قريش. فقالوا له: قل ما شئت فإنا نطيعك. قال:
سأقوم فأكلمه. فإن هو رجع عن كلامه وعما يدعو إليه. وإلا رأينا فيه رأينا. فقالوا له:
شأنك يا أبا عبد شمس! فقام وتقدم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده. فقال: أنعم صباحا يا محمد! قال: يا عبد شمس! إن الله قد أبدلنا بهذا، السلام، تحية أهل الجنة. قال: يا ابن أخي! إني قد جئتك من عند صناديد قريش لأعرض عليك أمورهم. إن أنت قبلتها فلك الحظ فيها ولنا فيها الفسحة! ثم قال: يا ابن عبد المطلب! أنا زعيم قريش فيما قالت. قال: قل. قال: يا ابن عبد المطلب! إنك دعوت العرب إلى أمر ما يعرفونه فاقبل مني ما أقول لك. قال: قل. قال: إن كان ما تدعو إليه تطلب به ملكا فإنا نملكك علينا من غير تعب ونتوجك، فارجع عن ذلك. فسكت.
ثم قال له: وإن كان ما تدعوا إليه أمرا تريد به امرأة حسناء فنحن نزوجك. فقال: لا قوة إلا بالله! ثم قال له: وإن كان ما تتكلم به تريد مالا أعطيناك من الأموال حتى تكون أغنى رجل في قريش. فإن ذلك أهون علينا من تشتت كلمتنا وتفريق جماعتنا. وإن كان ما تدعو إليه جنونا داويناك كما تداوي قيس بن ثعلبة مجنونهم.
فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! ما تقول؟ وبم أرجع إلى قريش؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ- حتى بلغ إلى قوله فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 1- 13] . قال عتبة: فلما تكلم بهذا الكلام، فكأن الكعبة مالت حتى خفت أن تمس رأسي من أعجازها. وقام فزعا يجر رداءه. فرجع إلى قريش وهو ينتفض انتفاض العصفور. وقام النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي.
فقالت قريش: لقد ذهبت من عندنا نشيطا ورجعت فزعا مرعوبا فما وراءك؟ قال:
ويحكم! دعوني. إنه كلمني بكلام لا أدري منه شيئا. ولقد رعدت عليّ الرعدة حتى خفت على نفسي، وقلت: الصاعقة قد أخذتني.. فندموا على ذلك.
(ومن أعلامه) : أنه لما أراد الهجرة، خرج من مكة ومعه أبو بكر. فدخل غارا في جبل ثور ليستخفي من قريش. وقد طلبته وبذلت لمن جاء به مائة ناقة حمراء، فأعانه الله تعالى بإخفاء أثره. وأنبت على باب الغار ثمامة (وهي شجرة صغيرة) .
وألهمت العنكبوت فنسجت على باب الغار نسج سنين في طرفه عين. ولدغ أبو بكر
هذه الليلة غير لدغة. فخرّق ثيابه وجعلها في الشقوق. وسدّ بعضها بقدمه اتقاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقام فيه ثلاثة أيام ثم خرج منه. فلقيه سراقة بن مالك بن جعشم.
وهو من جملة من توجه لطلبه، فقال له أبو بكر: هذا سراقة قد قرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ! اكفنا سراقة. فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها. فقال سراقة: يا محمد! ادع الله أن يطلقني ولك عليّ أن أردّ من جاء يطلبك، ولا أعين عليك أبدا! فقال اللهمّ! إن كان صادقا فأطلق عن فرسه. فأطلق الله عنه. ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه.
هذا ما أورده الماروديّ من الأعلام قبل الهجرة ثم أورد ما وقع بعدها وسننقلها عن ابن كثير، فإنه قال في هذه الآية:
ومن عصمة الله لرسوله، حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب. إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش. وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شرعية. ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها.
ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر، هابوه واحترموه. فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا. ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحمل إلى دراهم، وهي المدينة. فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود. وكلّما همّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله وردّ كيده عليه. كما كاده اليهود «1» بالسحر، فحماه الله منهم وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء. ولما سمّه «2» اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه منه. ولهذا أشباه كثيرة جدّا يطول ذكرها. فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة:
فقال ابن جرير «3» : حدثنا الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا أبو معشر حدثنا
(1) انظر صحيح البخاري في: الطب، 47- باب السحر وقول الله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. و 49- باب هل يستخرج السحر و 50- باب السحر.
والحديث رقم 1499 عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
(2)
انظر صحيح البخاري في: الجزية والموادعة، 7- باب إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم؟ والحديث رقم 1498 عن أبي هريرة.
(3)
الأثر رقم 12278 من التفسير.
محمد بن كعب القرظيّ وغيره قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة، فيقيل تحتها. فأتاه أعرابيّ فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله عز وجل. فرعدت يد الأعرابيّ وسقط السيف منه. قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله عز وجل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
وروى ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار، نزل ذات الرقاع بأعلى نخل. فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلّى رجليه، فقال الوارث من بني النجار: لأقتلنّ محمدا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟
قال: أقول له أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. قال: فأتاه فقال: يا محمد! أعطني سيفك أشيمه. فأعطاه إياه. فرعدت يده حتى سقط السيف من يده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد. فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
قال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ثم قال: وقصة غورث بن الحارث مشهورة في الصحيح. يريد ما
أخرجه الشيخان «1» عن جابر قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركتهم القائلة في واد كثير العضاه. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة. فعلق بها سيفه ونمنا معه نومة. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا. وإذا عنده أعرابيّ فقال: إنّ هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم. فاستيقظت وهو في يده صلتا.
فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله. ثلاثا. ولم يعاقبه وجلس.
وفي رواية أخرى قال جابر: كنا مع رسول الله بذات الرقاع. فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة. فاخترطه فقال: تخافني؟ فقال: لا! فقال: من يمنعك مني؟
قال: الله. فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وزاد البخاريّ في رواية له: إن اسم ذلك الرجل غورث بن الحارث.
(1) أخرجه البخاري في: الجهاد، 84- باب من علّق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة. و 87- باب تفرّق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر.
والحديث رقم 1393.
وأخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث 311 و 312.
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها. فينزل تحتها. فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها.
فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك. ضع السيف. فوضعه. فأنزل الله عز وجل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وكذا رواه ابن حبان. في (صحيحه) .
وروى الإمام أحمد «1» عن جعدة بن خالد بن الصمة قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورأى رجلا سمينا، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول: لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك. قال: وأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: لم ترع، لم ترع. ولو أردت ذلك لم يسلطك الله عليّ.
الثالث: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس، كما
روى الإمام أحمد «2» عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة! قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال: من هذا؟ فقال: أنا سعد بن مالك. فقال:
ما جاء بك؟ قال: جئت لأحرسك، يا رسول الله! قال: فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه. أخرجاه في (الصحيحين)«3» :
وفي لفظ: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مقدمة المدينة، يعني على أثر هجرته بعد دخوله بعائشة، وكان ذلك في سنة ثنتين منها.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلا حتى نزلت وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال لهم: أيها الناس! انصرفوا فقد عصمني الله. أخرجه الترمذيّ «4» والحاكم وابن أبي حاتم وابن جرير «5» .
وقد روى ابن جرير «6» عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس. فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه. حتى نزلت عليه هذه
(1) أخرجه في المسند 3/ 471.
(2)
أخرجه في المسند 6/ 140.
(3)
أخرجه البخاري في: التمني، 4- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم «ليت كذا وكذا» حديث 1380.
وأخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث 39 و 40.
(4)
أخرجه الترمذي في: التفسير، 5- سورة المائدة، 4- حدثنا عبد بن حميد.
(5)
الأثر رقم 12276 من التفسير. [.....]
(6)
هذان الأثران ذكرهما ابن كثير في تفسيره عن ابن مردويه (2/ 78) ولم أجدهما في الطبري.