الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينهى عن قيل وقال: وإضاعة المال، وكثرة السؤال.
وروى أحمد وأبو داود: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات
- وهي صعاب المسائل- والآثار في ذلك كثيرة.
ثم بيّن تعالى بطلان ما ابتدعه أهل الجاهلية- من تحريم بعض بهيمة الأنعام- بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (5) : آية 103]
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103)
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ أي ما شرع وما وضع. و (من) مزيدة لتأكيد النفي.
والبحيرة (كسفينة) فعيلة بمعنى المفعول من (البحر) وهو شق الأذن. يقال: بحر الناقة والشاة، يبحرها: شق أذنها. وفي البحرة أقوال كثيرة ساقها صاحب القاموس وغيره.
قال أبو إسحاق النحويّ: أثبت ما روينا عن أهل اللغة في البحرة: أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن، فكان أخرها ذكرا، بحروا أذنها (أي: شقوها) وأغفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح، ولا تمنع من ماء ترده ولا من مرعى. وإذا لقيها المعيى المنقطع به، لم يركبها وَلا سائِبَةٍ وهي الناقة كانت تسيب في الجاهلية لنذر أو لطواغيتهم. أي تترك ولا تركب ولا يحمل عليها كالبحيرة. أو كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث، ليس بينهن ذكر، سيبت فلم تركب ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو الضيف. أو كان الرجل إذا قدم من سفر بعيد، أو برئ من علة، أو نجت دابته من مشقة أو حرب، قال: وهي (أي ناقتي) سائبة وَلا وَصِيلَةٍ كانوا إذا ولدت الشاة ستة أبطن عناقين عناقين. وولدت في السابع عناقا وجديا، قالوا وصلت أخاها. فلا يذبحون أخاها من أجلها. وأحلّوا لبنها للرجال وحرموه على النساء. والعناق (كسحاب) الأنثى من أولاد المعز. وقيل: الوصيلة كانت في الشاة خاصة، إذا ولدت الأنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا جعلوه لآلهتهم.
وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم وَلا حامٍ وهو الفحل من الإبل بضرب الضراب المعدود. فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس، وسيبوه للطواغيت. وقيل: هو الفحل ينتج من صلبه عشرة أبطن. ثم هو
حام حمى حمى ظهره. فيترك فلا ينتفع منه بشيء، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
وحكى أبو مسلم: إذا أنتجت الناقة عشرة أبطن، قالوا: حمت ظهرها.
وقد روي في تفسير هذه الأربعة، أقوال أخر. ولا تنافي في ذلك. لأن أهل الجاهلية لهم في أضاليلهم تفنّنات غريبة.
هذا
وروى ابن أبي حاتم عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن أبيه مالك بن نضلة، قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في خلقان من الثياب. فقال لي: هل لك من مال؟ فقلت: نعم. قال: من أيّ المال؟ قالت فقلت: من كل المال: الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: فإذا أتاك الله مالا كثيرا فكثّر عليك. ثم قال: تنتج إبلك وافية آذانها؟ قال قلت: نعم. قال: وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ قال: فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها، وتقول: هذه حرم؟ قلت: نعم. قال: فلا تفعل. إن كل ما آتاك الله لك حلّ. ثم قال: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ.
أما البحيرة فهي التي يجدعون آذانها فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها. فإذا ماتت اشتركوا فيها. وأما السائبة فهي التي يسيبون لآلهتهم يذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها، وأما الوصيلة فالشاة تلد ستة أبطن. فإذا ولدت السباع جدعت وقطعت قرنها فيقولون: قد وصلت، فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض.
قال ابن كثير: هكذا ذكر تفسير ذلك مدرجا في الحديث. وقد روي من وجه آخر عن أبي الأحوص من قوله، وهو أشبه. وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد «1» عن مالك بن نضلة. وليس فيه تفسير هذه. والله أعلم.
وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ أي: ما شرع
(1)
أخرجه في المسند 3/ 473 وهذا نصه: عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا قشيف الهيئة. فقال: «هل لك مال» ؟ قال قلت: نعم. قال «فما مالك» ؟ فقال: من كل المال، من الخيل والإبل والرقيق والغنم. قال «فإذا آتاك الله عز وجل مالا، فلير عليك» فقال «هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها، فتعمد إلى الموسى فتقطعها أو تقطّعها وتقول: هذه بحر. وتشق جلودها وتقول: هذه حرم، فتحرمها عليك وعلى أهلك» ؟ قال قلت: نعم. قال «كلّ ما آتاك الله عز وجل لك حلّ، وساعد الله أشدّ، وموسى الله أحدّ» وربما قالها وربما لم يقلها. وربما قال «ساعد الله أشدّ من ساعدك، وموسى الله أحد من موساك» قال قلت: يا رسول الله! رجل نزلت به فلم يقرني ولم يكرمني. ثم نزل بي، أقريه أو أجزيه بما صنع؟ قال «بل أقره» .
الله هذه الأشياء، ولا هي عنده قربة. ولكن المشركون افتروا ذلك وجعلوه شرعا لهم وقربة يتقربون بها، وليس ذلك بحاصل لهم، بل هو وبال عليهم.
وفي البخاريّ «1» أن التبحير والتسييب وما بعدهما، كله لأجل الطواغيت.
يعني أصنامهم،
وفي الصحيحين «2» عن أبي هريرة أن النبيه صلى الله عليه وسلم قال رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجر قصبه في النار. وكان أول من سيّب السوائب وبحر البحيرة وغيّر دين إسماعيل. لفظ مسلم.
زاد ابن جرير: وحمى الحامي.
وروى الإمام أحمد «3» عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار» .
قال ابن كثير: عمرو هذا هو ابن لحيّ بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم. وكان أول من غيّر دين إبراهيم الخليل. فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا الرعاء من الناس إلى عبادتها والتقرب بها. وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها. كما ذكره الله تعالى في (سورة الأنعام) عند قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً
…
الآيات. انتهى.
(1) الذي وجدته في البخاري في: التفسير، 5- سورة المائدة، 13- باب ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ، هذا نصه
(الحديث: 1657) : عن سعيد بن المسيّب قال: البحيرة التي يمنع درّها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة كانوا يسيّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء
. (2)
أخرجه البخاري في الباب السابق ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرّ قصبه في النار. كان أول من سيّب السوائب» .
والوصيلة الناقة البكر تبكّر في أول نتاج الإبل، ثم تثنّي بعد بأنثى. وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر.
والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسمّوه الحامي.
وهذا نصه في مسلم في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم 50.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت عمرو بن لحييّ بن قمعة بن خندف، أبا بني كعب هؤلاء، يجرّ قصبه في النار»
. (3) أخرجه في المسند 1/ 446 والحديث رقم 4258.