الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التخويف به، إذ هلكوا في الدنيا على أقبح الوجوه، ثم ردوا إلى أفظع العذاب أبد الآبدين. وجعل الرسل في أعلى منازل القرب من رب العالمين.
ثم أمر تعالى أن يصدعهم بالتجول في الأرض إن ارتابوا فيما تواتر، أو تعاموا عمّا رأوا، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6) : آية 11]
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أي: سيروا في الأرض لتعرّف أحوال أولئك الأمم، وتفكروا في أنهم كيف أهلكوا لمّا كذبوا الرسل وعاندوا، فتعرفوا صحة ما توعظون به. وفي السير في الأرض، والسفر في البلاد، ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها- تكملة للاعتبار، وتقوية للاستبصار.
أي: فلا تغتروا بما أنتم عليه من التمتع بلذات الدنيا وشهواتها.
وفي هذه الآية تكملة للتسلية، بما في ضمنها من العدة ال
لطيفة
، بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم المكذبين، وقد أنجز ذلك يوم بدر أيّ إنجاز.
لطيفة:
وقع هنا ثُمَّ انْظُرُوا. وفي النمل: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا [النمل:
69] . وكذا في العنكبوت. فتكلف بعضهم لتخصيص ما هنا ب (ثم) ، كما هو مبسوط في (العناية) ، مع ما عليه. ونقل عن بعضهم أن السير متحد فيهما، ولكنه أمر ممتد، يعطف بالفاء تارة، نظرا لآخرة، وب (ثم) نظرا لأوله، ولا فرق بينهما.
وفي (الانتصاف) : الأظهر أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحدا، ليكون ذلك سببا في النظر، فحيث دخلت الفاء، فلإظهار السببية. وحيث دخلت (ثم) ، فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير، وأن السير وسيلة إليه لا غير. وشتان بين المقصود والوسيلة- والله أعلم-.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6) : آية 12]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12)
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: خلقا وملكا، وهو سؤال تبكيت
وتقريع، قُلْ لِلَّهِ تقرير للجواب، نيابة عنهم. أي: هو الله، لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن يضيفوا شيئا منه إلى غيره. ففيه تنبيه على تعينه للجواب اتفاقا، كما في قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. ومن المقرر أن أمر السائل بالجواب إنما يحسن في موضع يكون فيه الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا على دفعه دافع، كما هنا. قيل:
وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب، مع تعينه، لكونهم محجوجين.
وقوله تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ جملة مستقلة داخلة تحت الأمر، ناطقة بشمول رحمته الواسعة لجميع الخلق، شمول ملكه وقدرته للكل، مسوقة لبيان أنه تعالى رؤوف بعباده، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة والإنابة، وأن ما سبق ذكره، وما لحق من أحكام الغضب، ليس من مقتضيات ذاته تعالى، بل من جهة الخلق. كيف لا؟ ومن رحمته أن خلقهم على الفطرة السليمة، وهداهم إلى معرفته وتوحيده، بنصب الآيات الأنفسية والآفاقية، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب المشحونة بالدعوة إلى موجبات رضوانه، والتحذير عن مقتضيات سخطه. وقد بدلوا فطرة الله تبديلا، وأعرضوا عن الآيات بالمرة، وكذبوا بالكتب، واستهزءوا بالرسل، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ [الزخرف: 76] . ولولا شمول رحمته لسلك بهؤلاء أيضا مسلك الغابرين. ومعنى: (كتب الرحمة على نفسه) أنه تعالى أوجبها وقضاها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة، بالذات، لا بتوسط شيء أصلا. وفي التعبير عن (الذات) ب (النفس) حجة على من ادعى أن لفظ (النفس) لا يطلق على الله تعالى. وإن أريد به الذات، إلا مشاكلة، لما ترى من انتفاء المشاكلة هاهنا- أفاده أبو السعود-.
وقوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ جواب قسم محذوف. والجملة استئناف مسوق للوعيد، على إشراكهم وإغفالهم النظر، لأنه لما بين كمال إلهيته، بقوله قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قُلْ لِلَّهِ. ثم أخبر بأنه يرحمهم في الدنيا بالإمهال، ودفع عذاب الاستئصال، أعلم أنه يجمعهم لذلك اليوم، ويحاسبهم على كل ما فعلوا، لأن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته، ولا يسوغ في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي قيل: لَيَجْمَعَنَّكُمْ جواب لقوله: كَتَبَ، لأنه يجري مجرى القسم.
وقيل: لَيَجْمَعَنَّكُمْ بدل من الرحمة، بدل البعض.