الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا يذهب الزمان ويفنى الع
…
لم فيه ويدرس الأثر
والاستمرار يقتضي التحقق والتقرر ويستلزمه، فجعل في أمثال هذا بواسطة الإشارة إلى البعيد عبارة عن تحقق أمر عظيم. وكونه عظيما مستفاد من لفظ (ذلك) المشار به إلى هذا الفتن القريب المذكور، وليست الكاف فيه زائدة. ومن قال إنها مقحمة أراد أن التشبيه فيه غير مقصود فيه، بل المراد لازمه الكنائي أو المجازي.
والزمخشري، لما في هذا الوجه من البلاغة والدقة، اختاره فيما ورد فيه كذلك- كذا في (العناية) -.
وقال أبو السعود: (ذلك) إشارة إلى مصدر ما بعده من الفعل، ومحله في الأصل النصب على أنه نعت لمصدر مؤكد محذوف. والتقدير: فتنا بعضهم ببعض فتونا كائنا مثل ذلك الفتون، والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة، فصار نفس المصدر المؤكد، لا نعتا له. والمعنى: ذلك الفتون الكامل فتنا.
قال الشهاب: هذا الإقحام للمبالغة، مطرد في عرفي العرب والعجم. انتهى.
وقيل: الكاف ليست بزائدة، والمشار إليه هو المشبه به، الأمر المقرر في الذهن، والمشبه ما دل عليه الكلام من الأمر الخارجي، والمبالغة إنما يفيدها الإبهام الذهني والتفسير بقوله: فَتَنَّا، وهو ما يعلمه كل أحد من الفتن من هو- انظر (العناية) -.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (6) : آية 54]
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)
قوله تعالى: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
ذهب جماعة من المفسرين إلى أن هؤلاء هم الذين سأل المشركون طردهم وإبعادهم، فأكرمهم الله تعالى بهذا الإكرام.
قال البيضاويّ: وصفهم تعالى بالإيمان بالقرآن، واتباع الحجج، بعد ما وصفهم بالمواظبة على العبادة، وأمره بأن يبدأهم بالتسليم، أو يبلّغ سلام الله تعالى إليهم،
ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله، بعد النهي عن طردهم، إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد، ويعز ولا يذل، ويبشّر من الله بالسلامة في الدنيا، والرحمة في الآخرة. انتهى.
وسلف عن ابن جرير أنها نزلت في عمر رضي الله عنه.
وأخرج الفريابيّ وابن أبي حاتم عن ماهان، قال: جاء ناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما، فما ردّ عليهم شيئا، فأنزل الله: وَإِذا جاءَكَ.. الآية.
ولا يخفى أن الآية تشمل جميع ذلك، وربما تتعدد الوقائع المشتركة في حكم واحد، فتنزل الآية بيانا للكل. وتقدم لنا في مقدمة هذا التفسير، في بحث سبب النزول، أن قول السلف: نزلت في كذا، قد يقصدون به أن واقعته مما يشملها لفظ الآية، لنزولها إثرها، فتذكره، وأجل فكرك في أطرافه، فإنه مهم جدّا. وبمعرفته يندفع إشكال الرازيّ الذي قرره هنا.
وقوله تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي: أوجبها على ذاته المقدسة، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا.
وقوله: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ إلخ بدل من الرَّحْمَةَ. وقرئ بكسر الهمزة على أنه تفسير للرحمة بطريق الاستئناف.
وقوله: بِجَهالَةٍ في موضع الحال، أي: عمله وهو جاهل، وفيه معنيان:
أحدهما- أنه فاعل فعل الجهلة، لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة، وهو عالم بذلك، أو ظانّ، فهو من أهل السفه والجهل، لا من أهل الحكمة والتدبير، ومنه قول الشاعر:
على أنها قالت عشية زرتها
…
جهلت على عمد ولم تك جاهلا
والثاني- أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرة، ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته- كذا في الكشاف-.
فعلى الأول، الجهل: بمعنى السفه والمخاطرة من من غير نظر للعواقب، كما في قوله:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وكانت العرب تتمدح به، فلا حاجة لتقدير مفعول.
وعلى الثاني، المراد: الجهالة بمضارّ ما يفعله.
وقوله تعالى: وَأَصْلَحَ أي: العمل. كقوله: وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً [الفرقان: 70] .