المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة ص {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ويقال لها: سورة داود، - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ٨

[محمد علي طه الدرة]

الفصل: ‌ ‌سورة ص {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ويقال لها: سورة داود،

‌سورة ص

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ويقال لها: سورة داود، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وهي مكية في قول الجميع، وهي ست. وقيل: ثمان وثمانون آية، وسبعمئة واثنتان وثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وسبعة وستون حرفا. انتهى. خازن.

بسم الله الرحمن الرحيم

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)}

{ص:} قراءة العامة (صاد) بجزم الدال على الوقف؛ لأنه حرف من حروف الهجاء مثل:

{الم} و {الر} . وقرأ أبيّ بن كعب، وغيره:«(صاد)» بكسر الدال بغير تنوين، ولقراءته مذهبان:

أحدهما: أنه من: صادى، يصادي: إذا عارض. والمصاداة: المعارضة، ومنه: الصّدى، وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية، فالمعنى صاد القرآن بعملك، أي: عارضه بعملك، وقابله به، فاعمل بأوامره، وانته عن نواهيه، والمذهب الثاني: أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين.

وقرأ عيسى بن عمر «(صاد)» بفتح الدال، ومثله «(قاف)» و «(نون)» بفتح آخرها، وله في ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: أن يكون بمعنى: أتل صاد. والثاني: أن يكون فتح لالتقاء الساكنين.

واختار الفتح للإتباع، ولأنه أخف الحركات. والثالث: أن يكون منصوبا على القسم بغير حرف جر، كقولك: الله لأفعلنّ، وقرأ ابن أبي إسحاق «(صاد)» بكسر الدال، والتنوين، على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم، وهذا بعيد؛ وإن كان سيبويه قد أجاز مثله. وقرأ هارون الأعور، ومحمد بن السّميقع:«(صاد)» و «(قاف)» و «(نون)» بضم آخرهن؛ لأنه المعروف بالبناء في غالب الأحوال، نحو منذ وقطّ وبعد. انتهى. قرطبي بتصرف.

وقال الخازن: قيل: هو قسم. وقيل: اسم للسورة. وقيل: هو مفتاح اسمه: الصمد، وصادق الوعد، والصبور. وقيل: معناه: صدق الله. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما: صدق محمد صلى الله عليه وسلم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)}

قال الضحاك: ذي الشرف؛ أي: من آمن به كان شرفا له في الدارين، كما قال تعالى في الآية رقم [10] من سورة (الأنبياء):{لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي: شرفكم. وأيضا:

ص: 105

القرآن شريف في نفسه لإعجازه، واشتماله على ما لا يشتمل عليه غيره. وقيل: أي: ذي الموعظة، والذكرى، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها، كأقاصيص الأنبياء، والوعد، والوعيد.

هذا؛ والقرآن مشتق من: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، فكأنه قد جمع فيه الحكم، والمواعظ، والآداب، والقصص، والفروض، وجميع الأحكام، وكملت فيه جميع الفوائد الهادية إلى طرق الرشاد. هذا؛ وهو في اللغة مصدر بمعنى: الجمع، يقال: قرأت الشيء قرآنا، أي:

جمعته، وبمعنى: القراءة، يقال: قرأت الكتاب قراءة، وقرآنا، ثم نقل إلى هذا المجموع، المقروء المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، المنقول عنه بالتواتر فيما بين الدفتين، وهو المراد. ويحرم على المحدث حدثا أكبر قراءته، وحمله، ومسه، وعلى المحدث حدثا أصغر حمله، ومسه، ولا يمنع من قراءته عن ظهر قلب، قال تعالى في تقديسه وتعظيمه:{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} .

الإعراب: {ص:} فيه أوجه: أحدها أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هذه {ص} . الثاني:

أنه مفعول به لفعل محذوف. التقدير: أتل {ص} . الثالث: أنه مقسم به، التقدير: أقسم ب: {ص} . {وَالْقُرْآنِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم ب: (القرآن).

{ذِي:} صفة: (القرآن) مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذِي} مضاف، و {الذِّكْرِ} مضاف إليه، وجواب القسم محذوف، تقديره: إنه لمعجز، بدليل الثناء عليه بقوله:{ذِي الذِّكْرِ،} أو {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} بدليل قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ،} أو: تقديره: ما الأمر كما زعموا، بدليل قوله تعالى:{وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ} . وقيل: مذكور، فقال الأخفش:{إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} وقال الفراء، وثعلب: هو {ص} لأن معناها صدق الله، ويرده: أن الجواب لا يتقدم، فإن أريد: أنه دليل الجواب؛ فقريب. وقيل: هو قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنا} وحذفت اللام للطول. انتهى. مغني اللبيب بحروفه. والمعتمد: الأول، والثاني من هذه الاعتبارات، والتقديرات.

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2)}

الشرح: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ} أي: في تكبر، وامتناع من قبول الحق، كما قال عز وجل:{وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} والعزة عند العرب: الغلبة، والقهر. يقال: من عزّ بزّ، يعني: من غلب سلب، قالت الخنساء-رضي الله عنها:[المتقارب]

كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزّ بزّا

وهذا هو الشاهد رقم (134) من كتابنا: «فتح القريب المجيب» إعراب شواهد مغني اللبيب، والاسم: العزة، وهي: القوة، والغلبة، قال الشاعر:[الوافر]

ص: 106

قطاة عزّها شرك فباتت

تجاذبه وقد علق الجناح

وانظر الآية رقم [23] الآتية.

{وَشِقاقٍ:} أي: في إظهار خلاف، ومباينة. هذا؛ وللشقاق ثلاثة معان: أحدها: العداوة، كما في قوله تعالى حكاية عن قول شعيب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:

{وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي..} . رقم [89] من سورة (هود). والثاني: الضلال، كما في قوله تعالى:{وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} رقم [53] من سورة (الحج). والثالث: الخلاف، كما في قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما..} . إلخ رقم [35] من سورة (النساء). وأرى: أن المعاني الثلاثة صحيحة في هذه الآية.

هذا؛ والكفر: ستر الحق بالجحود، والإنكار، وكفر فلان النعمة، يكفرها كفرا، وكفورا، وكفرانا: إذا جحدها، وسترها، وأخفاها. وكفر الشيء: ستره، وغطاه. وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي نعم الله بجحدها، وعبادته غيره. وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه، ويستره بالتراب. قال تعالى في تشبيه حال الدنيا:{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} .

وسمي الليل كافرا؛ لأنه يغطي، ويستر كل شيء بظلمته، قال لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-في معلقته رقم [65]:[الكامل]

حتّى إذا ألقت يدا في كافر

وأجنّ عورات الثّغور ظلامها

هذا؛ وأطلق لفظ الكافر على النهر، قال المتلمس حين ألقى الصحيفة في النهر:[الطويل]

وألقيتها بالثّني من جنب كافر

كذلك ألقي كلّ رأي مضلّل

رضيت لها بالماء لمّا رأيتها

يجول بها التّيّار في كلّ جدول

الإعراب: {بَلِ:} حرف عطف وإضراب. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {كَفَرُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فِي عِزَّةٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ {وَشِقاقٍ:} معطوف على ما قبله، والجملة الاسمية معطوفة على جملة محذوفة، التقدير:

ما كفر به من كفر لخلل وجده فيه؛ بل الذين

إلخ، والكلام كله مستأنف لا محل له.

{كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)}

الشرح: {كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ:} هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة أمم قبلهم كانوا مثلهم، أو أشد قوة، وأكثر أموالا، وأولادا، فأهلكهم الله بسبب إعراضهم عن الحق، ومعاداتهم لرسلهم. {فَنادَوْا} أي: فاستغاثوا، واستجاروا عند نزول العذاب بهم طلبا للنجاة.

هذا؛ والنداء رفع الصوت، قال الشاعر أبو تمام:[الوافر]

ص: 107

لقد أسمعت من ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادي

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأى رؤيا الأذان: «ألقه على بلال فإنّه أندى منك صوتا» . أي:

أرفع صوتا منك.

{وَلاتَ حِينَ مَناصٍ} أي: وليس الوقت وقت فرار، وهرب من العذاب؛ الذي حل بهم، أي:

فلم ينفعهم نداؤهم، واستغاثتهم حين نزل العذاب بهم، قال الفراء:[الطويل]

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص

فتقصر عنها خطوة وتبوص

تنوص: تتأخر، وتهرب، وتبوص: تتقدم، يقال: ناص عن قرنه، ينوص نوصا، ومناصا، أي: فر، وزاغ. وقال النحاس: ويقال: ناص ينوص: إذا تقدم. فعلى هذا يكون من الأضداد.

هذا؛ و {وَلاتَ} هي لا النافية زيدت عليها تاء التأنيث الساكنة لتقوي شبهها ب: «ليس» لأنها بتلك التاء تصير على وزنها، وهذه التاء لتأنيث اللفظ عند الجمهور، كتاء: ربّت وثمّت، وإنما حركت بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين، وفرقا بينها وبين الداخلة على الفعل.

وأما الوقف عليها ففيه مذهبان: المشهور عند العرب، وجماهير القراء السبعة بالتاء، والكسائي وحده بالهاء، والأول مذهب الخليل، وسيبويه، والزجاج، والفراء، وابن كيسان. والثاني مذهب المبرد، وأغرب أبو عبيد، فقال: الوقف على «لا» والتاء متصلة ب: {حِينَ} . هذا؛ وخصت بلزوم دخولها على الأحيان، وحذف أحد المعمولين. وقال ابن مالك-رحمه الله تعالى- في ألفيته:[الرجز]

وما للات في سوى حين عمل

وحذف ذي الرّفع فشا والعكس قل

هذا؛ وقرئ بجر (حين) ومثله قول أبي زبيد الطائي، وهو الشاهد رقم (457) من كتابنا:

«فتح القريب المجيب» : [الخفيف]

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن لات حين بقاء

وهو على أحد توجيهين: إما؛ لأن «لات» تجر الأحيان، كما أن «لولا» تجر الضمائر، كقول عمر بن أبي ربيعة:[السريع]

أومت بعينيها من الهودج

لولاك في ذا العام لم أحجج

أو لأن «أوان» شبه ب: «إذ» لأنه مقطوع عن الإضافة؛ إذ أصله: أوان صلح، ثم حمل عليه (مناص) تنزيلا لمّا أضيف إليه الظرف منزلته لما بينهما من الاتحاد؛ إذ أصله حين مناصهم، ثم بني الحين لإضافته إلى غير متمكن. انتهى. بيضاوي، ويمكن التمثيل أيضا بقول المتنبي-وهو الشاهد رقم (263) من كتابنا:«فتح رب البرية» إعراب شواهد جامع الدروس العربية-: [البسيط]

لقد تصبّرت حتّى لات مصطبر

والآن أقحم حتّى لات مقتحم

ص: 108

وما أحراك أن تنظر بحثها وشواهدها في كتابيّ: «فتح القريب المجيب» و «فتح رب البرية» وانظر شرح «قرن» في الآية رقم [31] من سورة (يس).

أما (نادوا) فقل في إعلاله: أصله قبل دخول واو الجماعة: نادي، فتحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فلما اتصلت به واو الجماعة صار:«ناداوا» فالتقى ساكنان:

ألف العلة وواو الجماعة، وحرف العلة أولى بالحذف من الضمير، فحذف حرف العلة، وبقيت الفتحة على الدال، دليلا على الألف المحذوفة. ويقال في إعلاله أيضا: ردّت الألف لأصلها، عند اتصاله بواو الجماعة، فصار:«ناديوا» فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت ألفا، فالتقى ساكنان: ألف العلة، وواو الجماعة، كما يقال أيضا: ردّت الألف لأصلها عند اتصاله بواو الجماعة، فصار:(ناديوا) فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان: ياء العلة، وواو الجماعة، فحذفت ياء العلة

إلخ. وما ذكرته يجري في إعلال كل فعل ناقص، اتصل به واو الجماعة، مثل: نجا، ورمى، وسعى، ودعا، وغزا

إلخ، تنبه لذلك واحفظه.

هذا؛ وتحرك واو الجماعة بالضمة إذا التقى ساكنان، مثل قوله تعالى:{أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} وإنما حركت بالضمة دون غيرها؛ ليفرق بين واو الجماعة، والواو الأصلية في نحو قوله تعالى:{وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ..} . إلخ. وقيل: ضمت؛ لأن الضمة أخف من الكسرة؛ لأنها من جنس الواو. وقيل: حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل: غير ذلك.

الإعراب: {كَمْ:} خبرية بمعنى: «كثير» مبنية على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.

{أَهْلَكْنا:} فعل، وفاعل. {مِنْ قَبْلِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {مِنْ:} حرف جر صلة. {قَرْنٍ:} تمييز ل: {كَمْ،} فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الصلة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {فَنادَوْا:} الفاء: حرف عطف. (نادوا): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة التي هي فاعله، والألف للتفريق، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {وَلاتَ:}

الواو: واو الحال. (لات): نافية حجازية تعمل عمل: «ليس» ، واسمها محذوف. {حِينَ:}

خبرها، وهو مضاف، و {مَناصٍ} مضاف إليه. هذا؛ وعلى قراءة:{حِينَ} بالرفع فهو اسمها، والخبر محذوف، والتقدير على الأول: ولات الحين حين مناص لهم. وعلى الثاني: ولات حين مناص حاصلا لهم، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط:

الواو، والضمير؛ الذي ظهر في التقديرين.

ص: 109

{وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ (4)}

الشرح: {وَعَجِبُوا} أي: تعجب كفار قريش. {أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ:} تعجبوا من مجيء رسول من البشر مثلهم، أو أمي من أمثالهم. {وَقالَ الْكافِرُونَ هذا} أي: محمد. {ساحِرٌ:}

فيما يظهره معجزة. {كَذّابٌ:} فيما يقوله على الله تعالى. وقد وضع الظاهر، وهو {الْكافِرُونَ} موضع الضمير غضبا عليهم، وذما لهم، ودلالة على أن هذا القول لا يقوله، ولا يجرؤ عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر، المنهمكون في الغي والضلال؛ إذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدقه الله كاذبا ساحرا، ويتعجبوا من التوحيد؛ وهو الحق الأبلج، ولا يتعجبوا من الشرك؛ وهو باطل لجلج، وانظر العجب في الآية رقم [11] من سورة (الصافات). هذا؛ ويريدون ب:{ساحِرٌ:} يجيء بالكلام المموه الذي يخدع به الناس.

الإعراب: {وَعَجِبُوا:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (عجبوا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {جاءَهُمْ:} فعل ماض، والهاء مفعوله. {مُنْذِرٌ:} فاعله. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مُنْذِرٌ،} و {أَنْ} والفعل (جاء) في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. انظر الشرح. هذا؛ وقال ابن هشام في مغنيه:{أَنْ} بمعنى: إذ، أي: هي للتعليل، وأورد قول الفرزدق:[الطويل]

أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا

جهارا، ولم تغضب لقتل ابن خازم؟

وهذا هو الشاهد رقم (47) من كتابنا: «فتح القريب المجيب» . وجملة {وَعَجِبُوا..} . إلخ، لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو. {وَقالَ:} الواو: حرف عطف. (قال): فعل ماض. {الْكافِرُونَ:} فاعله مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم. {هذا:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {ساحِرٌ:} خبر أول. {كَذّابٌ:} خبر ثان، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالَ..} .

إلخ معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا.

{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5)}

الشرح: روي: أنه لما أسلم عمر-رضي الله عنه-شق على قريش إسلامه، فاجتمعوا إلى أبي طالب، وقالوا: اقض بيننا وبين ابن أخيك! فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بن أخي! إن قومك هؤلاء يسألونك السواء (أي: الحق، والإنصاف)، فلا تمل كل الميل على قومك! قال: وما يسألونني؟ قالوا: ارفضنا، وارفض ذكر آلهتنا، وندعك، وإلهك! فقال

ص: 110

النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعطونني كلمة واحدة، تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم؟» . فقال أبو جهل: لله أبوك! لنعطينكها، وعشر أمثالها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قولوا: لا إله إلاّ الله» . فنفروا من ذلك، وقاموا، فقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً} فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟. هذا؛ وكان لهم ثلاثمئة وستون صنما منصوبة حول الكعبة المعظمة، فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلى قوله:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} . و {عُجابٌ} أي: بليغ في العجب، وقد فرق الخليل بين عجاب، وعجيب، فقال: العجيب: العجب، والعجاب: الذي قد تجاوز حدّ العجب، والطويل: الذي فيه طول، والطّوال: الذي قد تجاوز حد الطول.

الإعراب: {أَجَعَلَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (جعل): فعل ماض، والفاعل مستتر، تقديره:«هو» يعود إلى النبي؛ الذي عبروا عنه ب: {ساحِرٌ كَذّابٌ} والفعل من أفعال التحويل، وقد نصب مفعولين:{الْآلِهَةَ:} مفعول به أول. {إِلهاً:} مفعول به ثان. {واحِداً:} صفة.

{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {هذا:} اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم:

{إِنَّ،} والهاء حرف تنبيه لا محل له. {لَشَيْءٌ:} خبر: {إِنَّ} . واللام هي المزحلقة. {عُجابٌ:}

صفة (شيء). والآية بكاملها في محل نصب مقول القول.

{وَاِنْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ اِمْشُوا وَاِصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6)}

الشرح: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} أي: خرجوا من عند أبي طالب بعد أن طلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة التوحيد. هذا؛ و {الْمَلَأُ:} الأشراف، والسادة، ولا يقال لغيرهم؛ لأنهم يملؤون العيون بكبريائهم، وعظمتهم وزينتهم، وبما يحاطون به من هيبة وعظمة، وهو اسم جمع، لا واحد له من لفظه، مثل: رهط، ونحوه. هذا؛ وكان الملأ الذين أتوا إلى أبي طالب خمسة وعشرين رجلا، أعظمهم الوليد بن المغيرة.

{أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ} أي: انطلقوا. يقول بعضهم لبعض: اثبتوا على عبادة آلهتكم، واصبروا عليها، لا تحيدوا عنها. {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ} أي: إن الذي جاء به محمد، ويدعونا إليه إنما يريد به الانقياد له؛ ليعلو علينا، ونكون له أتباعا، فيتحكم بما يريد فينا، فهذا قصده، ومراده منا. فهو تحذير لبعضهم بعضا. وقال الزمخشري: أي: يريده الله تعالى، ويحكم بإمضائه، وما أراد الله كونه؛ فلا مرد له، ولا ينفع فيه إلا الصبر. أو: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر، يراد بنا، فلا انفكاك لنا منه. أو: إن دينكم لشيء يراد، أي: يطلب ليؤخذ منكم، وتغلبوا عليه. والأول أقوى، وأولى بالاعتبار؛ لأنه الموافق للمقام.

الإعراب: {وَانْطَلَقَ:} الواو: حرف عطف. (انطلق الملأ): ماض، وفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من:

ص: 111

{الْمَلَأُ} . {أَنِ:} فيها اعتبارات: الأول: أنها صلة، والجملة بعدها مقولة الحال محذوفة؛ أي:

قائلين: {اِمْشُوا} . والثاني: أنها مفسرة لجملة محذوفة في محل نصب حال، تقديره: وانطلقوا يتحاورون أن امشوا. والثالث: أنها مصدرية معمولة لهذا المقدر. وقيل: الانطلاق هنا الاندفاع في القول والكلام، نحو: انطلق لسانه، ف:{أَنِ} مفسرة له من غير تضمين، ولا حذف. انتهى.

جمل، وسمين بتصرف. واعتبار الصلة مني، ودليله: أنه قرئ بإسقاطها، وجملة:{اِمْشُوا} في محل نصب مقول القول على الاعتبار الأول، ومفسرة لا محل لها على الاعتبار الثاني، وتسبك بمصدر مع {أَنِ} على الاعتبار الثالث فيها.

{وَاصْبِرُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، ويقال:

لاتصاله بواو الجماعة، والواو فاعله، والألف للتفريق بين واو الجماعة، وواو العلة، هذا هو الإعراب المشهور في مثل هذا الفعل، والأصل أن تقول في مثله: فعل أمر مبني على سكون مقدر على آخره، منع من ظهوره إرادة التخلص من التقاء الساكنين، وحرك بالضمة لمناسبة واو الجماعة. وما أجدرك أن تلاحظ هذا في كل فعل أمر مسند إلى واو الجماعة، أو إلى ألف الاثنين، مثل: اصبرا، وقد حرك بالفتحة لمناسبة ألف الاثنين، أو إلى ياء المؤنثة المخاطبة، مثل: اصبري، وقد حرك بالكسرة لمناسبة ياء المخاطبة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على جميع الاعتبارات فيها. {عَلى آلِهَتِكُمْ:} متعلقان بما قبلهما، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

{إِنَّ هذا لَشَيْءٌ:} إعراب هذه الجملة مثل إعراب سابقتها بلا فارق. {يُرادُ:} فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود إلى:(شيء)، والجملة الفعلية في محل رفع صفة:(شيء).

تأمل وتدبر، وربك أعلم، وأجل وأكرم..

{ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اِخْتِلاقٌ (7)}

الشرح: {ما سَمِعْنا بِهذا} أي: الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم. {فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ:} يريدون الملة النصرانية التي هي آخر الملل، فإن النصارى يقولون بالتثليث، لا بالتوحيد. وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد، وقتادة: يعنون: دين قريش، أي: ليس هذا في الدين الذي أدركنا عليه آباءنا. {إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} أي: الذي يقوله محمد ما هو إلا كذب، وافتراء. هذا؛ والملة: الطريقة، والديانة، والشريعة، قال تعالى في سورة (الحج) رقم [78]:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} . وهي بفتح الميم: الرماد الحار. هذا؛ وخلق الشيء، واختلقه: ابتدعه، وافتراه.

الإعراب: {ما:} نافية. {سَمِعْنا:} فعل ماض مبني على السكون لاتصاله ب: (نا)، و (نا):

ضمير متصل في محل رفع فاعل. وهذا هو المتعارف عليه في إعراب مثل هذا الفعل، والإعراب

ص: 112

الحقيقي أن تقول: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون العارض، كراهة توالي أربع متحركات، فيما هو كالكلمة الواحدة. وهكذا قل في إعراب كل فعل ماض، اتصل به ضمير رفع متحرك، مثل: سمعت، وسمعن، وسمعنا

إلخ.

{بِهذا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء المقحمة حرف تنبيه، لا محل له. {فِي الْمِلَّةِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من اسم الإشارة؛ أي: موجودا في الملة. {الْآخِرَةِ:} صفة: {الْمِلَّةِ} . {إِنْ:} حرف نفي بمعنى: «ما» . {بِهذا:}

مبتدأ. {إِلاَّ:} حرف حصر. {اِخْتِلاقٌ:} خبر المبتدأ، والآية كلها في محل نصب مقول القول؛ لأنها من مقول الكافرين.

{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ (8)}

الشرح: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ:} على محمد صلى الله عليه وسلم. {الذِّكْرُ:} الوحي، أو القرآن؛ الذي يتلوه. {مِنْ بَيْنِنا:} فهم ينكرون اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي من بينهم، وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف، والسيادة، والرياسة. وقد صرح الله بقولهم هذا في سورة (الزخرف) رقم [31]:{وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وهذا هو صريح الحسد، والحقد، الذي يغلي في صدورهم. وقولهم هذا شبيه بقول قوم صالح على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ} سورة القمر [25] و [26].

{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي:} من وحيي، وقرآني؛ الذي أنزلته عليك يا محمد. وهذا يعني: أنهم قد علموا: أنك لم تزل صدوقا فيما بينهم، أمينا عندهم، وإنما شكّوا فيما أنزلته عليك، هل هو من عندي أم لا؟ {بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ} أي: لم يذوقوا عذابي بعد، وذوقهم له متوقع، فإذا ذاقوه؛ زال عنهم الشك، وصدقوا، وتصديقهم لا ينفعهم حيئذ؛ لأنهم صدقوا مضطرين، وإنما المضطر تصديقه لا ينفعه، كما لم ينفع فرعون حين أدركه الغرق، فقال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . هذا؛ وانظر استعارة ذوق العذاب في الآية رقم [38] من سورة (الصافات).

الإعراب: {أَأُنْزِلَ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (أنزل): فعل ماض مبني للمجهول.

{عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الذِّكْرُ:} نائب فاعل. {مِنْ بَيْنِنا:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من:{الذِّكْرُ،} و (نا): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية:{أَأُنْزِلَ..} . إلخ من مقول الكافرين أيضا. {بَلْ:} حرف إضراب. {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {فِي شَكٍّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ.

والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ ذِكْرِي:} جار ومجرور متعلقان ب: {شَكٍّ،} أو بمحذوف صفة له، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال

ص: 113

المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلم ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {بَلْ:} حرف عطف، وانتقال. {لَمّا:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَذُوقُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: {لَمّا،} وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {عَذابِ:} مفعول به منصوب. وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة. والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ (9)}

الشرح: المعنى: بل أعندهم خزائن رحمة الله، وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا، ويصرفوها عمن شاؤوا، فيتخيروا للنبوة من شاؤوا من صناديدهم، وزعمائهم؟! لا شيء لهم من ذلك، فالله هو المتصرف في ملكه، الفعال لما يشاء، ينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده، لا مانع لما شاء، ولما يشاء، فهو الغالب على أمره، لا يغلب، وهو الوهاب الذي له أن يهب ما يشاء لمن يشاء، وهو العلي القدير، الفعال لما يريده. ثم رشح ذلك بقوله الآتي.

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف. {عِنْدَهُمْ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {خَزائِنُ:} مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و {رَحْمَةِ} مضاف إليه، و {رَحْمَةِ} مضاف، و {رَبِّكَ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {الْعَزِيزِ:} بدل من:

{رَبِّكَ،} أو صفة له. {الْوَهّابِ:} بدل ثان، أو صفة ثانية، والجملة الاسمية:{عِنْدَهُمْ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10)}

الشرح: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ..} . إلخ: قال البيضاوي: كأنه لما أنكر عليهم التصرف في نبوته بأن ليس عندهم خزائن رحمته؛ التي لا نهاية لها؛ أردف ذلك بأنه ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني، الذي هو جزء يسير من خزائنه، فمن أين لهم أن يتصرفوا فيها؟ انتهى. ومن أين لهم حتى يتكلموا في الأمور الربانية، والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء؟ انتهى. كشاف، وانظر شرح:{وَما بَيْنَهُما} في الآية رقم [4] من سورة (السجدة).

{فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ} أي: إن كان لهم شيء من ذلك؛ فليصعدوا في المراقي؛ التي توصلهم إلى السماء، وليدبروا شؤون هذا الكون! وهو تهكم بهم، واستهزاء. قال الزمخشري:

تهكم بهم غاية التهكم، فقال: إن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق، والتصرف في قسمة الرحمة،

ص: 114

وكان عندهم من الحكمة ما يميزون بها بين من هو حقيق بالنبوة من غيره، فليصعدوا في المعارج؛ التي يتوصلون بها إلى العرش؛ حتى يستووا عليه، ويدبروا أمر العالم، وينزلوا الوحي على من يختارون!! وهو غاية التهكم بهم. انتهى. صفوة التفاسير. منقولا من الكشاف بتصرف.

ولا تنس: أن الأمر للتوبيخ، والتقريع، والتعجيز.

هذا؛ ويقال: رقى، يرقى، وارتقى: إذا صعد، ورقى، يرقي رقيا، مثل: رمى، يرمي رميا من الرقبة. قال الربيع بن أنس: الأسباب أرق من الشّعر، وأشد من الحديد، ولكن لا ترى، والسبب في اللغة: كل ما يتوصل به إلى المطلوب من حبل، أو غيره. وقيل: الأسباب: أبواب السموات؛ التي تنزل الملائكة منها. قاله مجاهد، وقتادة. وقال زهير بن أبي سلمى المزني في معلقته رقم [50]:[الطويل]

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه

ولو رام أسباب السّماء بسلّم

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف. وهي هنا بمعنى: همزة الإنكار، وقدرها البيضاوي هنا، وفي الآية السابقة ب: بل، والهمزة. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

{مُلْكُ:} مبتدأ مؤخر، و {مُلْكُ} مضاف، و {السَّماواتِ} مضاف إليه، و (الأرض): معطوف على ما قبله. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل جر معطوف على السموات والأرض. {بَيْنَهُما:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

{فَلْيَرْتَقُوا:} الفاء: هي الفصيحة. اللام: لام الأمر. (يرتقوا): فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف النون

إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق. {فِي الْأَسْبابِ:}

متعلقان به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب شرط محذوف. التقدير: إن كان لهم ملك السموات

إلخ؛ {فَلْيَرْتَقُوا..} . إلخ، وهذا الكلام مرتبط بما قبله، لا محل له مثله.

{جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11)}

الشرح: {جُنْدٌ..} . إلخ: أي: هؤلاء جند، والمعنى: ما أهل مكة المعاندون لك المعرضون عن الحق الذي جئت به يا محمد إلا جند من الكفار المتحزبين على الرسل، وهم مهزومون عما قريب، فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون، فقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة قبل الهجرة، أنه سيهزم جند المشركين، وهو كقوله تعالى في سورة (القمر):{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وكلتا الآيتين من المغيبات التي أخبر بها الله قبل وقوعها، وفيهما بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه-ولا سيما المستضعفون منهم-بعزهم، ونصرهم، وقوة شوكتهم، وذل

ص: 115

الكافرين، ودحرهم، وقد حقق الله وعده، ونصر المسلمين على الكافرين في غزوة بدر الكبرى؛ لذا يروى: أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-أخذ يقرأ في أدبار المنهزمين يوم بدر من المشركين: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فيا لها من بشارة، ويا لها من تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم!

هذا؛ وأفرد {مَهْزُومٌ} تبعا للفظ {جُنْدٌ} ولو كان على المعنى لجمعه، وقال: جند مهزومون. انظر الآية رقم [173] من سورة (الصافات) ففيها فضل بيان. هذا؛ والأحزاب، جمع: حزب، وهو في اللغة: أصحاب الرجل؛ الذين يكونون معه على مثل رأيه، وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبهم (يعني: أهمهم) وكل قوم تشاكلت قلوبهم، وأعمالهم أحزاب، وإن لم يلق بعضهم بعضا، وحزب الشيطان: هم المتبعون وساوسه، وزخارفه، ودعوته إلى الشر، والفساد. وحزب الله: هم المتبعون أوامره، المنتهون عن مناهيه. قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [53] وفي سورة (الروم) رقم [32]:{كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .

الإعراب: في إعراب هذه الآية أوجه، واختلافات كثيرة، وها أنذا أنقل لك من الجمل ما نقله عن السمين، فقال-رحمه الله تعالى-:{جُنْدٌ:} يجوز فيه وجهان: أحدهما وهو الظاهر: أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هم جند. والثاني: أنه مبتدأ، خبره ما بعده، و {ما:} فيها وجهان: أحدهما: أنها مزيدة. والثاني: أنها صفة ل: {جُنْدٌ} على سبيل التعظيم للهزء بهم، أو للتحقير، فإن «ما» إذا كانت صفة، تستعمل لهذين المعنيين. {هُنالِكَ:} يجوز فيه ثلاثة أوجه:

أحدها أن يكون خبرا ل: {جُنْدٌ،} و {ما:} مزيدة، و {مَهْزُومٌ:} نعت ل: {جُنْدٌ} ذكره مكي.

الثاني: أن تكون صفة ل: {جُنْدٌ} . الثالث: أن يكون منصوبا ب: {مَهْزُومٌ} . و {مَهْزُومٌ} يجوز فيه وجهان أيضا: أحدهما أنه خبر ثان لذلك المبتدأ المقدر. والثاني: أنه صفة ل: {جُنْدٌ،} إلا أن الأحسن على هذا الوجه ألا يجعل: {هُنالِكَ} صفة بل متعلقا به؛ لئلا يلزم تقدم الوصف غير الصريح على الوصف الصريح. انتهى. بتصرف.

هذا؛ ولم يوضح إعراب: {هُنالِكَ} وأنا أوضحه، فخذه، وبالله التوفيق:(هنا): اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف على جميع الوجوه المعتبرة فيه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. والجملة الاسمية:

{جُنْدٌ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14)}

الشرح: ذكر الله هؤلاء الأقوام، الذين كذبوا رسلهم، فأهلكهم الله تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، وتسلية له، والمعنى: إن قومك يا محمد جند من هؤلاء الأحزاب المتقدمين؛ الذين تحزبوا على

ص: 116

رسلهم، وقد كانوا أقوى من قومك، وأكثر أموالا، وأولادا. وانظر ما ذكرته في شرح قوم في الآية رقم [30] من سورة (الصافات)، وما أحراك أن تنظر شرح أحوال تلك الأقوام في سورة (الشعراء) بالتفصيل، وكذلك في سورة (الأعراف) وسورة (هود). وأصحاب الأيكة: هم قوم شعيب المذكورون في آخر سورة (الشعراء)، وثمود: هم قوم صالح، وعاد: هم قوم هود.

{أُولئِكَ الْأَحْزابُ:} الذين تحزبوا على رسلهم. {إِنْ كُلٌّ} أي: ما كل أمة. {إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} أي: كل أمة كذبت رسولها. وجمع {الرُّسُلَ} لأن في تكذيب الواحد منهم تكذيب للجميع، لاتحاد دعوتهم، وهي: طلب التوحيد، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، على اختلاف أنواعها، وانظر شرح الرسل مفصلا في الآية رقم [1] من سورة (الأحزاب). {فَحَقَّ عِقابِ} أي:

فاستحقوا عقابي، أو: وجب عليهم عقابي لسوء أعمالهم، وخبث نياتهم.

هذا؛ وقال الزمخشري في كشافه: وفي تكرير التكذيب، وإيضاحه بعد إبهامه، والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا، وبالاستثنائية ثانيا، وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد، والتخصيص أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العقاب، وأبلغه.

هذا؛ و {ذُو الْأَوْتادِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ذو البناء المحكم. وقيل: ذو الملك الشديد الثابت. والعرب تقول: هو في عز ثابت الأوتاد. يريدون بذلك: أنه دائم شديد.

قال الأسود بن يعفر: [الكامل]

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة

في ظلّ ملك ثابت الأوتاد

وأصله من ثبات البيت المطنّب بأوتاده. قال الراقدة الأودي: [البسيط]

والبيت لا يبتنى إلاّ على عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فاستعير لثبات العز، والملك، واستقامة الأمر، وهي استعارة بليغة، فقد شبه الملك بخيمة عظيمة شدت أطنابها بالأوتاد؛ لتثبت، وترسخ، ولا تقتلعها الرياح. ففيه استعارة مكنية. وذكر الأوتاد تخييل. وقيل: ذو الأوتاد: ذو القوة، والبطش. وقال الكلبي، ومقاتل: كان فرعون يعذب الناس بالأوتاد، وكان إذا غضب على أحد؛ مده مستلقيا بين أربعة أوتاد في الأرض، ويرسل عليه العقارب، والحيات؛ حتى يموت. وقيل: كان يشبح المعذب بين أربع سوار، كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيها وتد من حديد، ويتركه حتى يموت. وقيل: ذو الأوتاد، أي: ذو الجنود الكثيرة، فسميت الجنود أوتادا؛ لأنهم يقوون أمره، كما يقوي الوتد البيت. هذا؛ وذكر هذا اللفظ في سورة (الفجر) فقط. هذا؛ ومفرده: وتد، وهو ما رزّ في الأرض، أو في الحائط من خشب، وغيره، وهو بكسر التاء، وفتحها لغة قال الشاعر:[البسيط]

ولا يقيم على ضيم يراد به

إلاّ الأذلاّن عير الحيّ والوتد

هذا على الخسف مربوط برمّته

وذا يشجّ فلا يرثي له أحد

ص: 117

الإعراب: {كَذَّبَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث. {قَبْلَهُمْ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {قَوْمُ:} فاعله، وهو مضاف، و {نُوحٍ} مضاف إليه، والمفعول محذوف يدل عليه المقام، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ:}

معطوفان على ما قبلهما. {ذُو:} صفة (فرعون) مرفوع مثله، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذُو} مضاف، و {الْأَوْتادِ} مضاف إليه. {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ:} هذه الأسماء معطوفة على: {قَوْمُ نُوحٍ،} ولا تنس الإضافة ل: {لُوطٍ} و {الْأَيْكَةِ} . والجملة الفعلية: {كَذَّبَتْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع، وفيه أوجه: أحدها: أنه بدل من الطوائف المذكورة. والثاني: أنه مبتدأ خبره: {الْأَحْزابُ،} أو الجملة الاسمية: {إِنْ كُلٌّ..} . إلخ.

والثالث: أنه خبر، والمبتدأ من قوله:{وَعادٌ،} أو من قوله: {وَثَمُودُ،} أو من قوله تعالى: {وَقَوْمُ لُوطٍ} انتهى. عكبري. والأول والثاني منقولان عن السمين. {الْأَحْزابُ:} بدل من اسم الإشارة، أو خبر عنه، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل رفع خبر، كما رأيت. {إِنْ:} حرف نفي.

{كُلٌّ:} مبتدأ. والمضاف إليه محذوف. {إِلاّ:} حرف حصر. {كَذَّبَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{كُلٌّ} . {الرُّسُلَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{إِنْ كُلٌّ..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ على اعتبار: {الْأَحْزابُ} بدلا من اسم الإشارة، أو هي مستأنفة على اعتبار:{الْأَحْزابُ} خبرا عنه. {فَحَقَّ:} الفاء: حرف عطف.

(حق): فعل ماض. {عِقابِ:} فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، ولأنه رأس آية، والياء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها. والرابط محذوف، التقدير: فحق عقابي عليهم.

{وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15)}

الشرح: {وَما يَنْظُرُ} أي: ما ينتظر. {هؤُلاءِ} أي: كفار قريش. {إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً:} هي صيحة إسرافيل، عليه السلام، وهي النفخة الأولى في الصور، فيصعقون، كما قال تعالى في سورة (يس) رقم [49]:{ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} .

{ما لَها مِنْ فَواقٍ:} ما لها من رجوع، ومالها توقف، ومالها من تأخر مقدار فواق ناقة، وهو ما بين الحلبتين من الوقت؛ لأنها تحلب، ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر، ثم تحلب. يقال:

ما أقام عنده إلا فواقا، وفي الحديث:«العيادة قدر فواق الناقة» أي: ينبغي أن تكون عبادة المريض قصيرة بمقدار ما بين الحلبتين من الوقت. هذا؛ و {فَواقٍ} يقرأ بفتح الفاء، وضمها، فقيل معناه بالفتح: الإفاقة، والاستراحة، كالجواب من: أجاب، قاله من المؤرخين: السدوسي، والفراء،

ص: 118

ومن المفسرين: ابن زيد والسدي، وأما المضموم فاسم لا مصدر، والمشهور: أنها بمعنى: واحد كقصاص الشعر وقصاصة. انتهى. جمل نقلا من السمين. هذا؛ والفيقة بالكسر: اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها، قال الأعشى يصف بقرة:[البسيط]

حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت

جاءت لترضع شقّ النّفس لو رضعا

والجمع: فيق، ثم: أفواق، مثل: شبر وأشبار، ثم: أفاويق، قال ابن همام السلولي:[الطويل] وذمّوا لنا الدّنيا وهم يرضعونها

أفاويق حتى ما يدرّ لها ثعل

البيت في ذم علماء الدنيا، والثعل زيادة في أطباء الناقة والبقرة والشاة، وهو لا يدر، وإنما ذكره للمبالغة، والأفاويق أيضا: ما اجتمع في السحاب من ماء، فهو يمطر ساعة بعد ساعة. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يَنْظُرُ:} فعل مضارع. {هؤُلاءِ:}

الهاء: حرف تنبيه لا محل له. (أولاء): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل. {إِلاّ:}

حرف حصر. {صَيْحَةً:} مفعول به. {واحِدَةً:} صفة لها. {ما:} نافية. {لَها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنْ:} حرف جر صلة. {فَواقٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. هذا؛ ويجوز اعتبار {فَواقٍ} فاعلا بالجار والمجرور قبله، وهذا يعني إضمار فعل: التقدير: ما يثبت لها من {فَواقٍ،} وهذا يعني: أن الجملة فعلية، وسواء أكانت الجملة اسمية، أم فعلية، فهي في محل نصب صفة ثانية لصيحة، ولا يجوز اعتبارها في محل نصب حال منها بعد وصفها ب:{واحِدَةً؛} لأن المعنى على الاستقبال، والجملة الفعلية:{وَما يَنْظُرُ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16)}

الشرح: {وَقالُوا} أي: كفار قريش. {رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا} أي: نصيبنا، وحظنا من العذاب، قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: سألوا تعجيل العذاب، كما قالوا:{اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} . رقم [32] من سورة (الأنفال). وقيل: سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة، إن كانت موجودة، ليلقوا ذلك في الدنيا.

وإنما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد، والتكذيب. وهذا كثير مثله في آيات القرآن الكريم، قال ابن جرير: سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير، أو الشر في الدنيا، وهذا الذي قاله جيد، ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء، والاستبعاد، قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بالصبر على أذاهم، ومبشرا على صبره بالعاقبة، والنصر، والظفر. انتهى. مختصر ابن كثير.

ص: 119

هذا؛ وقال القرطبي: ومعروف في اللغة أن يقال للنصيب: قطّ، وللكتاب المكتوب بالجائزة: قطّ، والجمع: القطوط، قال الأعشى:[الطويل]

ولا الملك النعمان يوم لقيته

بغبطته يعطي القطوط ويأفق

يعني: كتب الجوائز. ويروى: بأمته بدل بغبطته، أي: بنعمته، وحاله الجليلة، ويأفق:

يصلح. هذا؛ وأصل القط: القط وهو القطع، ومنه: قطّ القلم، فالقط اسم للقطعة من الشيء، كالقسم، والقسم، فأطلق على النصيب، والكتاب، والرزق لقطعه عن غيره، إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالا، وأقوى حقيقة، قال أمية بن أبي الصلت:[المنسرح]

قوم لهم ساحة العراق وما

يجبى إليه والقطّ والقلم

تنبيه: قال مكي بن أبي طالب القيسي-رحمه الله تعالى-: ونداء الرب قد كثر حذف (يا) النداء منه في القرآن الكريم، وعلة ذلك: أن في حذفها من نداء الرب، فيه معنى التعظيم له والتنزيه، وذلك: أن النداء فيه ضرب من الأمر؛ لأنك إذا قلت: يا زيد. فمعناه: تعال يا زيد، أدعوك يا زيد، فحذفت (يا) من نداء الرب ليزول معنى الأمر، وينقص؛ لأن (يا) تؤكده، وتظهر معناه، فكان في حذف (يا) التعظيم، والإجلال، والتنزيه للرب تعالى، فكثر حذفها في القرآن والكلام العربي في نداء الرب لذلك المعنى. انتهى. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [31] من سورة (الصافات) ففيها كبير فائدة.

الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف استئناف. (قالوا): فعل ماض مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة؛ التي هي فاعله، والألف للتفريق، هذا هو الإعراب المتعارف عليه في مثل هذه الكلمة، والإعراب الحقيقي أن تقول: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بالضم الذي جيء به لمناسبة الواو. ويقال اختصارا: فعل، وفاعل. {رَبَّنا:}

منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {عَجِّلْ:} فعل دعاء، وفاعله مستتر، تقديره:«أنت» . {لَنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {قِطَّنا:} مفعول به. و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {قَبْلَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله. و {قَبْلَ:} مضاف، و {يَوْمِ} مضاف إليه، و {يَوْمِ} مضاف، و {الْحِسابِ} مضاف إليه، والجملتان: الندائية، والفعلية كلتاهما في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ (17)}

الشرح: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: لما ذكر الله من أخبار الكفار، وشقاقهم، وتقريعهم، بإهلاك القرون من قبلهم؛ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذاهم، وسلاه بكل ما تقدم، ثم

ص: 120

أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء؛ ليتسلى بصبر من صبر منهم، وليعلم: أن له في الآخرة أضعاف ما أعطيه داود، وغيره من الأنبياء. انتهى. وانظر ما ذكرته بشأنه في الآية رقم [10] من سورة (سبأ)، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ:} انظر {عِبادِنَا} برقم [81] من سورة (الصافات). {ذَا الْأَيْدِ:} ذا القوة في العبادة، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما. وقرأ ابن زيد-رحمه الله تعالى-في سورة (الذاريات):{وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ} وقد كان عليه الصلاة والسلام يصوم يوما، ويفطر يوما، وذلك أشد الصوم، وأفضله، وكان يصلي نصف الليل، وكان لا يفر إذا لاقى العدو، وكان قويا في الدعاء إلى الله تعالى، وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحبّ الصيام إلى الله عز وجل صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى العدوّ» .

أخرجه البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه. هذا؛ ومنه: رجل أيد، أي:

قوي، وتأيّد الشيء: تقوّى. قال الشاعر: [المتقارب]

إذا القوس وتّرها أيّد

رمى فأصاب الكلى والذّرا

يقول: إذا وتر الله القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل، وأسمنها بالشحم. يعني: من النبات الذي يكون من المطر. هذا؛ واليد تستعمل في الأصل للجارحة، وتطلق، ويراد بها:

القوة، والقدرة، كما رأيت في هذه الآية، وكما في الآية رقم [75] الآتية. وخذ قول عروة بن حزام العذري، وهو الشاهد رقم [116] من كتابنا:«فتح رب البرية» : [الطويل]

وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها

ومالي بزفرات العشيّ يدان

وانظر ما ذكرته في الآية رقم [71] من سورة (يس)، كما تطلق على النعمة، والمعروف، يقال: لفلان يد عندي، أي: نعمة، ومعروف، وإحسان، وتطلق على الحيلة، والتدبير، فيقال:

لا يد لي في هذا الأمر، أي: لا حيلة لي فيه، ولا تدبير. وينبغي أن تعلم: أن الأيد في هذه الآية مفرد، وليس بجمع يد.

{إِنَّهُ أَوّابٌ} أي: رجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره، وشؤونه، قال الضحاك: أي:

تواب. وعن غيره: أنه كان كلما ذكر ذنبه، أو خطر على باله؛ استغفر منه. ويقال: آب، يؤوب: إذا رجع، كما قال عبيد بن الأبرص من معلقته رقم [16]:[مخلع البسيط]

وكلّ ذي غيبة يؤوب

وغائب الموت لا يؤوب

تنبيه: قال الزمخشري في كشافه: فإن قلت: كيف تطابق قوله تعالى: {اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} حتى عطف أحدهما على صاحبه؟ قلت: كأنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:

ص: 121

اصبر على ما يقولون، وعظم معصية الله في أعينهم بذكر قصة داود عليه السلام، وهو أنّه نبي من أنبياء الله تعالى، قد أولاه الله ما أولاه من النبوة والملك لكرامته عليه، وزلفته لديه، ثم زل زلة، فبعث الله إليه الملائكة، ووبخه عليها على طريق التمثيل، والتعريض؛ حتى فطن لما وقع فيه، فاستغفر، وأناب، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم، وغمه الواصب، ونقش جنايته في بطن كفه، حتى لا يزال يجدد النظر إليها، والندم عليها، فما الظن بكم مع كفركم، ومعاصيكم؟! انتهى.

الإعراب: {اِصْبِرْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {عَلى:} حرف جر. {ما:}

تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب:{عَلى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: اصبر على الذي، أو على شيء يقولونه. وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب:{عَلى} التقدير: اصبر على قولهم: هو شاعر، هو ساحر

إلخ، والجملة الفعلية مستأنفة، أو مبتدأة لا محل لها من الإعراب، وجملة:{وَاذْكُرْ عَبْدَنا..} . معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {داوُدَ:} بدل، أو عطف بيان على ما قبله. {ذَا:} صفة: {داوُدَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذَا} مضاف، و {الْأَيْدِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجملة الاسمية:{إِنَّهُ أَوّابٌ} تعليل للأمر، لا محل لها.

{إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ (19)}

الشرح: {إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ:} قال مقاتل: كان داود-عليه السلام-إذا ذكر الله تعالى؛ ذكرت الجبال معه، وكان يفقه تسبيح الجبال. وانظر ما ذكرته في سورة (سبأ) رقم [10].

{بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} أي: إن الله سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس، وآخر النهار، كما قال تعالى في سورة (سبأ) رقم [10]:{يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} . كذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه، وترجع بترجيعه، فكان إذا مر به الطير، وهو سابح في الهواء، فسمعه، وهو يترنم بقراءة الزبور؛ لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء، ويسبح معه، وتجيبه الجبال الشامخات، ترجع معه، وتسبح تبعا له. هذا؛ ولا تنس: الطباق بين: العشي، والإشراق.

هذا؛ والعشي: من قبيل العصر إلى المغرب، وقد قوبل بالإشراق هنا، وهو بياض الشمس بعد طلوعها، ويقال: شرقت الشمس: إذا طلعت، وأشرقت: إذا أضاءت، انظر ما ذكرته في الآية رقم [18] من سورة (الروم) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً:} مجموعة إليه من كل جانب تسبح معه. {كُلٌّ لَهُ:} لداود {أَوّابٌ} أي: رجاع إلى طاعته، مطيع له، بالتسبيح معه، فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان إذا سبح؛ جاوبته الجبال بالتسبيح،

ص: 122

واجتمعت إليه الطير، فسبحت؛ فذلك حشرها. وقيل: الضمير في: {لَهُ} لله، فيكون المعنى:

كلّ من داود، والجبال والطير لله أواب، أي: مسبح مرجع للتسبيح.

تنبيه: قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم اختار {يُسَبِّحْنَ} على: مسبحات، وأيهما وقع كان حالا؟ فأجاب بأن اختيارها لمعنى، وهو الدلالة على حدوث التسبيح شيئا بعد شيء؛ وكأن السامع محاضر لها، فيسمعها تسبح، ومنه قول الأعشى:[الطويل]

لعمري لقد لاحت عيون كثيرة

إلى ضوء نار في يفاع تحرّق

ولو قال: محرقة لم يكن شيئا، وقوله:{مَحْشُورَةً} في مقابلة: {يُسَبِّحْنَ} إلا أنه لما لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا بعد شيء؛ جيء به اسما، لا فعلا، وذلك: أنه لو قيل: وسخرنا الطير يحشرون على أن الحشر يوجد من حاشرها شيئا بعد شيء، والحاشر هو الله عز وجل؛ لكان خلفا؛ لأن حشرها جملة واحدة أدل على القدرة. انتهى.

هذا؛ وفسر التسبيح في الإشراق بصلاة الضحى، فقد روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى:{يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} قال: كنت أمر بهذه الآية؛ لا أدري ما هي؟ حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب-رضي الله عنها-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوضوء، فتوضأ، ثم صلى الضحى، فقال:«يا أمّ هانئ هذه صلاة الإشراق» .

قلت: والذي في الصحيحين من حديث أم هانئ-رضي الله عنها-في صلاة الضحى، قالت:

ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة بنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال:«من هذه؟» قلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال:«مرحبا يا أم هانئ!» . فلما فرغ من غسله؛ قام، وصلى ثماني ركعات ملتحفا بثوب. قالت أم هانئ-رضي الله عنها: وذلك ضحى. انتهى. خازن بحروفه. ومثله بل أكثر منه في الكشاف، والقرطبي.

أقول: وصفوة القول: أنه وردت أحاديث صحيحة ترغب في صلاة الضحى، وهي كثيرة مذكورة في كتاب «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، وفي غيره، وأكتفي هنا بذكر حديثين هما: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:، أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم:«بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أرقد» . رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهما. وعن أبي ذر-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» . رواه مسلم.

هذا؛ وأكثر صلاة الضحى ثمان ركعات، وأقلها ركعتان، والسلامى في الأصل: عظام الأصابع، والأرجل، والأكف، ثم استعمل في سائر عظام الجسد، ومفاصله، والمعنى: كل عضو من أعضاء المسلم إذا أصبح في عافية، وصحة فعليه صدقة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

ص: 123

الإعراب: {إِنّا:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا) اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {سَخَّرْنَا:} فعل، وفاعل. {الْجِبالَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية:{إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ} ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {مَعَهُ:} ظرف مكان متعلق بالفعل بعده، والهاء في محل جر بالإضافة. {يُسَبِّحْنَ:} فعل مضارع مبني على السكون، ونون النسوة فاعله، والمفعول محذوف، تقديره: يسبحن الله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من {الْجِبالَ} والرابط: نون النسوة. {بِالْعَشِيِّ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَالْإِشْراقِ:} معطوف على ما قبله. (الطير): معطوف على: {الْجِبالَ} . {مَحْشُورَةً:}

معطوف على محل {يُسَبِّحْنَ} الواقعة حالا. هذا؛ وقال الجمل: وقعت الجملة الفعلية حالا دون اسم فاعل لتدل على التجدد والحدوث شيئا بعد شيء، وأتى بالحال اسما {مَحْشُورَةً؛} لأنه لم يقصد أن الفعل وقع شيئا فشيئا؛ لأن حشرها دفعة واحدة أدل على القدرة، والحاشر هو الله تعالى، وقرأ بعضهم برفع الاسمين، على أنهما مبتدأ، وخبر، وجملة مستقلة. انتهى. نقلا من السمين. وعليه فالجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، والحالية ضعيفة. تأمل. {كُلٌّ:} مبتدأ، والإضافة فيه مقدرة. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {أَوّابٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20)}

الشرح: {وَشَدَدْنا مُلْكَهُ:} قويناه؛ حتى ثبت. قيل: بالهيبة، وإلقاء الرعب منه في القلوب.

وقيل: بكثرة الجنود. وقيل: بالتأييد، والنصر. وهذا اختيار ابن العربي. فلا ينفع الجيش الكثير التفافه على غير منصور، وغير معان. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا، كان يحرس محرابه كل ليلة نيف وثلاثون ألف رجل، فإن أصبح، قيل: ارجعوا فقد رضي عنكم نبيكم. والملك عبارة عن كثرة الملك، فقد يكون للرجل ملك، ولكن لا يكون ملكا حتى يكثر ذلك، فلو ملك الرجل دارا وامرأة لم يكن ملكا؛ حتى يكون له خادم يكفيه مؤنة التصرف في المنافع التي يفتقر إليها لضرورته الآدمية. انتهى. قرطبي.

{وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ:} بالنسبة لداود، وأمثاله من الأنبياء هي النبوة، والرسالة، والعلم، والفقه. وبالنسبة لغيرهم: كل كلمة وعظتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [268]:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ} . وقال في سورة (لقمان) رقم [12]: {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ} . {وَفَصْلَ الْخِطابِ:} فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل، أو هو الكلام الملخّص، الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل،

ص: 124

والوصل، والعطف، والاستئناف، والإضمار، والإظهار، والحذف، والتكرار، ونحوها، وإنما سمّي به: أما بعد؛ لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو الخطاب القصد، الذي ليس فيه اختصار مخل، ولا إشباع ممل، كما جاء في صفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم:«فصل لا نذر ولا هذر» . انتهى. بيضاوي. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه-هو قوله عليه السلام: «البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر» .

تنبيه: روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما: أن رجلا من بني إسرائيل ادعى على رجل من عظمائهم عند داود عليه السلام فقال: إن هذا غصبني بقرة، فسأله داود، فجحده، فسأله الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل المدّعى عليه، فقال: هذه رؤيا، ولست أعجل عليه حتى أثبت فيها، فأوحى إليه مرة أخرى، فلم يفعل، فأوحى إليه الثالثة أن يقتله، أو تأتيه العقوبة، فقال له: إن الله أوحى إلى أن أقتلك، فقال: تقتلني بغير بينة؟! فقال: نعم والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل: أنه قاتله، قال: لا تعجل حتى أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت والد هذا، فبذلك أخذت، فأمر به داود فقتل، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود، واشتد به ملكه، فذلك قوله تعالى:{وَشَدَدْنا مُلْكَهُ} . انتهى. خازن بحروفه.

الإعراب: {وَشَدَدْنا:} الواو: حرف عطف. (شددنا): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{سَخَّرْنَا..} . إلخ فهي في محل رفع مثلها. {مُلْكَهُ:} مفعول به، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. (آتيناه): فعل، وفاعل، ومفعول به أول، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع أيضا. {الْحِكْمَةَ:} مفعول به ثان. {وَفَصْلَ:}

معطوف عليه، و (فصل) مضاف، و {الْخِطابِ} مضاف إليه.

{وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21)}

الشرح: {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ:} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والاستفهام ليس على حقيقته، وإنما هو للتعجب، والتشويق للسامع إلى ما يلقى إليه، كما تقول لجليسك: هل تعلم ما وقع اليوم؟ تريد تشويقه لسماع كلامك. والمعنى: هل أتاك يا محمد خبر الجماعة المتنازعين، الذين تسوروا على داود سور محرابه، ومسجده في وقت اشتغاله بالعبادة والطاعة؟ والخصم في الأصل مصدر، ولذلك أطلق على الجمع. والسور: الحائط المرتفع. والمحراب: الغرفة، أو المسجد، أو صدر المسجد، والمحراب: محل العبادة، سمي بذلك؛ لأنه محل محاربة الشيطان لأن المتعبد فيه يحاربه، وهو الآن المحل الذي يقف فيه الإمام حين أداء الصلوات المفروضة.

ص: 125

هذا؛ والفعل: «أتى» يستعمل لازما؛ إن كان بمعنى: حضر، وأقبل، ومتعديا؛ إن كان بمعنى: وصل، وبلغ، ومنه هذه الآية، ومن الأول قوله تعالى:{أَتى أَمْرُ اللهِ..} . إلخ، ومثله فعل: جاء بالمعنيين، فمن مجيئه لازما قوله تعالى:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ،} ومن مجيئه متعديا قوله تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ..} . إلخ. أما النبأ؛ فهو الخبر وزنا، ومعنى، ويقال:

النبأ أخص من الخبر؛ لأن النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن، وخطر من الأنباء. وقال الراغب: النبأ: خبر ذو فائدة، يحصل به علم، أو غلبة ظن. ولا يقال للخبر في الأصل: نبأ، حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحقه أن يتعرى عن الكذب، كالمتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا؛ والفعل منه من الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل، وقد يجيء الفعل منه غير مضمن معنى: أعلم، فيتعدى لواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، كما في قوله تعالى:

{وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} رقم [14] من سورة (المائدة).

تنبيه: لقد اختلف بشأن الخصمين، وكيف جمعا بواو الجماعة بالأفعال الثلاثة:(تسوروا، دخلوا، قالوا). فجمعا؛ لأن الخصم مصدر يدل على الجمع، فجمع على المعنى، وتقديره:

ذوو الخصم. وأما شأنهما، فقيل: هما إنسيّان. وقيل: هما ملكان، قاله جماعة، وعيّنهما جماعة، فقالوا: إنهما جبريل، وميكائيل، عليهما الصلاة والسّلام. وقيل: هما ملكان في صورة إنسيين، بعثهما الله إليه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس الدخول، فتسورا المحراب عليه، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسان. انتهى. قرطبي.

الإعراب: {وَهَلْ:} الواو: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام، وتعجيب، وتشويق.

{أَتاكَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. والكاف مفعول به. {نَبَأُ:}

فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، و {نَبَأُ} مضاف، و {الْخَصْمِ} مضاف إليه.

{إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بمحذوف، التقدير:

هل أتاك نبأ تحاكم الخصم، أو بالخصم نفسه. واستبعدوا تعليقه بالفعل: أتى، أو ب:{نَبَأُ} إلا على تأويل بعيد. {تَسَوَّرُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {الْمِحْرابَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها.

{إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاِهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22)}

الشرح: {إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ:} لأنهما أتياه ليلا في غير وقت دخول الخصوم.

وقيل: لدخولهم عليه بغير إذنه. وقيل: لأنهم تسوروا عليه المحراب، ولم يأتوه من الباب.

وكان المحراب من الامتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي عليه آدمي إلا بجهد شديد، وتعاون كبير بين عدد كثير من الناس. فقال: ما أدخلكما علي؟ قالا: {لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ}

ص: 126

فجئناك لتقضي بيننا. {فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ:} ولا تجر من الشطط، وهو مجاوزة الحد، وتخطي الحق. {وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ:} أرشدنا إلى وسط الطريق الحق، والصواب.

فإن قيل: لم فزع داود وهو نبي، وقد قويت نفسه بالنبوة، واطمأنت بالوحي، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة، وأظهر على يديه من الآيات، وكان من الشجاعة في غاية المكانة؟ والجواب: ذلك سبيل الأنبياء قبله، لم يأمنوا القتل والإذاية، ومنهما كان يخاف، ألا ترى إلى موسى وهارون على نبينا-وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-. كيف قالا:{إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} فقال الله عز وجل: {لا تَخافا} . وقالت الرسل للوط-عليه السلام: {لا تَخَفْ} {إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} وكذا قال الملكان هنا: {لا تَخَفْ} لذا فقد خاب الكذبة الفجرة، الذي يصفون أبا بكر الصديق بالجبن ليلة الهجرة، وذلك حين خاف على النبي صلى الله عليه وسلم، فطمأنه صاحبه بقوله:{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا} .

هذا؛ وإنما قال هنا: {خَصْمانِ} بعد قوله في الآية السابقة: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ} على تأويل خصمان بفريقان. وقيل: لأن الاثنين جمع. قال الخليل: كما تقول: نحن فعلنا؛ إذا كنتما اثنين.

وقال الكسائي: جمع لما كان خبرا، فلما انقضى الخبر، وجاءت المخاطبة؛ خبّر الاثنان عن أنفسهما، فقالا: خصمان. وقال الزجاج: المعنى: نحن خصمان. انتهى. قرطبي. وهناك تأويلات كثيرة، فقال داود عليه السلام لهما: تكلما، فقال أحدهما: إن هذا.

الإعراب: {إِذْ:} بدل من سابقتها، أو هي متعلقة بالفعل {تَسَوَّرُوا}. {دَخَلُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {عَلى داوُدَ:}

متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {فَفَزِعَ:} الفاء: حرف عطف. (فزع): فعل ماض، والفاعل يعود إلى داود. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {قالُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {لا تَخَفْ:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول.

{خَصْمانِ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: نحن خصمان، فهو مرفوع، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية فيها معنى التعليل للنهي، وهي من جملة مقول القول، وجملة:{قالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{بَغى:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {بَعْضُنا:} فاعله، و (نا): في محل جر بالإضافة. {عَلى بَعْضٍ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع صفة:{خَصْمانِ،} أو في محل نصب حال من الضمير المستتر فيه، والرابط على الاعتبارين الضمير فقط.

{فَاحْكُمْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر. (احكم): فعل أمر والتماس، وفاعله مستتر، تقديره:«أنت» . {بَيْنَنا:} ظرف مكان متعلق بما قبله. و (نا): في

ص: 127

محل جر بالإضافة. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر؛ أي: احكم بيننا ملتبسا بالحق. والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كنا قد جئناك لتحكم بيننا؛ فاحكم

إلخ، والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة {وَلا تُشْطِطْ} مع المتعلق المحذوف معطوفة على ما قبلها. {وَاهْدِنا:} فعل أمر والتماس مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل تقديره:«أنت» و (نا) مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {إِلى سَواءِ:} متعلقان بما قبلهما، و {سَواءِ} مضاف، و {الصِّراطِ} مضاف إليه.

{إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23)}

الشرح: {إِنَّ هذا أَخِي} أي: بالدّين، أو الصحبة، أو الرفقة، لا بالنسب، أو هي أخوة الشركة، والخلطة، لقول داود فيما يأتي:{وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ..} . إلخ. {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ:} فقد كنى بالنعجة عن المرأة، والعرب تكني عنها بالنعجة والشاة؛ لما هي عليه من السكون، والضعف، وقد يكنى عنها بالبقرة، والحجرة، والناقة؛ لأن الكلّ مركوب، قال العجاج، وهو الشاهد رقم [326] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» : [الرجز]

بيض ثلاث كنعاج جمّ

يضحكن عن كالبرد المنهم

وقال عنترة، وهو الشاهد رقم [615] منه:[الكامل]

يا شاة من قنص لمن حلّت له

حرمت عليّ وليتها لم تحرم

كما كنى عنها الأحوص بالنخلة، وهو الشاهد رقم [667] منه:[الوافر]

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام

وكنى عنها حميد بن ثور الهلالي بالسرحة، وهي الشجرة، بالشاهد رقم (235) منه:[الطويل]

أبى الله إلاّ أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاه تروق

{فَقالَ أَكْفِلْنِيها:} ملكنيها، أو أعطنيها، أو تحول لي عنها، أو اجعلها كفلي ونصيبي، أو ضمها إلي حتى أكفلها، أقوال مروية عن السلف الصالح. {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ:} وغلبني في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر رده. وقال الضحاك: إن تكلم؛ كان أفصح مني، وان حارب؛ كان أبطش مني. وقرئ:«(وعازني في الخطاب)» أي: غالبني. وانظر الآية رقم [2].

ص: 128