المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

غير هذا تليق بالمقام أكثر من هذا، منها الصديد، والقيح، - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ٨

[محمد علي طه الدرة]

الفصل: غير هذا تليق بالمقام أكثر من هذا، منها الصديد، والقيح،

غير هذا تليق بالمقام أكثر من هذا، منها الصديد، والقيح، وعكر الزيت المغلي، وعكر القطران المغلي أيضا وغير ذلك. {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} أي: كما يغلي الماء الحار الشديد الحرارة.

فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كَالْمُهْلِ} قال:

«كعكر الزيت، فإذا قرب إلى وجهه؛ سقطت فروة وجهه فيه» . أخرجه الترمذي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما-أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [102] من سورة (آل عمران)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو أنّ قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا، لأفسدت على الناس معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟!» . أخرجه الترمذي.

‌خاتمة:

وفي القاموس المحيط: الزّقم: اللّقم، والتّزقّم: التّلقّم، وأزقمه، فازدقمه: أبلعه، فابتلعه، والزّقّوم كتنّور، الزّبد بالتمر، وشجرة بجهنم، ونبات بالبادية له زهر ياسميني الشكل، وطعام أهل النار، وشجرة بأريحاء من الغور، لها ثمر كالتمر، حلو عفص، ولنواه دهن عظيم المنافع، عجيب الفعل في تحليل الرياح الباردة، وأمراض البلغم، وأوجاع المفاصل، والنّقرس، وعرق النّسا، والريح اللاحجة في حقّ الورك، يشرب منه زنة سبعة دراهم، ثلاثة أيام، أو خمسة أيام، وربما أقام الزّمنى، والمقعدين، ويقال: أصله الإهليلج الكابليّ، نقلته بنو أمية، وزرعته بأريحاء، ولما تمادى الزمن غيرته أريحاء عن طبع الإهليلج والزّقمة، والطاعون. انتهى. بحروفه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {شَجَرَةَ:} اسمها، وهو مضاف، و {الزَّقُّومِ:}

مضاف إليه. {طَعامُ:} خبر {إِنَّ} مرفوع، وهو مضاف، و {الْأَثِيمِ:} مضاف إليه.

{كَالْمُهْلِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ثان، أو هما متعلقان بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هو كالمهل، وتعود الجملة الاسمية هذه في محل رفع خبر ثان ل:{إِنَّ،} وإن اعتبرت الكاف اسما؛ فالمحل لها على الاعتبارين، وتكون مضافة، و (المهل): مضاف إليه، ولا يجوز اعتبار الحالية من:{طَعامُ} لأنه لا عامل فيها إذا ذاك. {يَغْلِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى:(الطعام)، أو {الزَّقُّومِ،} لا (المهل)؛ إذ الأظهر: أنّ الجملة حال من أحدهما، ويؤيد رجوع الفاعل إلى:

{الزَّقُّومِ،} قراءة الفعل بالتاء. {فِي الْبُطُونِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {كَغَلْيِ:} متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: يغلي غليا مثل غلي الحميم، و (غلي) مضاف، و {الْحَمِيمِ} مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله.

{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47)}

الشرح: {خُذُوهُ:} يقال للزبانية: خذوا الأثيم. {فَاعْتِلُوهُ} أي: جروه وسوقوه. والعتل:

أن تأخذ بتلابيب الرجل، فتعتله؛ أي: تجره إليك لتذهب به إلى حبس، أو بلية. يقال: عتلت

ص: 686

الرجل، أعتله، واعتله عتلا: إذا جذبته جذبا عنيفا. {إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ:} إلى وسط الجحيم، قال تعالى:{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} الصافات رقم [55]. هذا وقال تعالى في سورة (الحاقة): {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ..} . إلخ.

الإعراب: {خُذُوهُ:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والهاء مفعوله، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول لقول محذوف. انظر تقديره في الشرح، وجملة:

{فَاعْتِلُوهُ} معطوفة عليها فهي مثلها في محل نصب مقول القول. {إِلى سَواءِ:} متعلقان بما قبلهما، و {سَواءِ:} مضاف، و {الْجَحِيمِ} مضاف إليه.

{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)}

الشرح: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ} أي: ليكون المصبوب محيطا بكل جسده. {مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ:} فإذا صب عليه الحميم، فقد صب عليه عذابه، وشدته، فهو أبلغ مما في قوله تعالى في سورة (الحج) رقم [19]:{يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ} فإن صب العذاب طريقه الاستعارة، كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [250]:{قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} فقد شبه العذاب بالمائع، ثم خيل له بالصب. قال الزمخشري: فذكر العذاب معلقا به الصب مستعارا له، ليكون أهول، وأهيب، ومن الاستعارة أيضا قول فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-ترثي أباها المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته:[الكامل]

ماذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنها

صبّت على الأيام عدن لياليا

الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {صُبُّوا:} فعل أمر، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَوْقَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله. و {فَوْقَ} مضاف، و {رَأْسِهِ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنْ عَذابِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به. و (من) معناها بعض، وإن اعتبرتها صلة؛ ف:{عَذابِ} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، و {عَذابِ} مضاف، و {الْحَمِيمِ} مضاف إليه.

{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}

الشرح: قال مقاتل-رحمه الله تعالى-: يضرب مالك خازن النار ضربة على رأس أبي جهل لعنه الله بمقمع من حديد، فيتفتت رأسه عن دماغه، فيجري دماغه على جسده، ثم يصب الملك فيه ماء حميما، قد انتهى حره، فيقع في بطنه، فيقول الملك له: ذق العذاب

إلخ.

ص: 687

وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: نزلت في أبي جهل الخبيث، وكان يقول: ما فيها أعزّ مني، ولا أكرم! فلذلك يقال له يوم القيامة:{ذُقْ إِنَّكَ..} . إلخ. وقال عكرمة-رحمه الله: التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جهل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله أمرني أن أقول لك: أولى لك فأولى!» . فقال: بأي:

شيء تهددني؟! والله ما تستطيع أنت، ولا ربك أن تفعلا بي شيئا! إني لمن أعز هذا الوادي، وأكرمه على قومه! فقتله الله يوم بدر، وأذله، ونزلت الآية الكريمة تخبر بما يقال له يوم القيامة.

هذا؛ والذوق يكون محسوسا، ومعنى، وقد يوضع موضع الابتلاء، والاختبار، تقول: اركب هذا الفرس، فذقه؛ أي: اختبره. وانظر فلانا، فذق ما عنده، قال الشماخ يصف قوسا:[الطويل] فذاق، فأعطته من اللين جانبا

كفى ولها أن يغرق السهم حاجز

وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس؛ وإن لم يكن مطعوما؛ لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الطويل]

فذق هجرها إن كنت تزعم أنها

فساد ألا يا ربّما كذب الزّعم

وتقول: ذقت ما عند فلان. أي: خبرته، وذقت القوس: إذا جذبت، وترها لتنظر ما شدتها؟ وأذاقه الله وبال أمره؛ أي: عقوبة كفره، ومعاصيه، قال طفيل بن سعد الغنوي:[الطويل] فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر

من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب

وتذوقته. أي: ذقته شيئا بعد شيء، وأمر مستذاق؛ أي: مجرب معلوم، قال الشاعر:[الوافر]

وعهد الغانيات كعهد قين

ونت عند الجعائل مستنذاق

وأصله من الذوق بالفم. و {فَذُوقُوا} في كثير من الآيات للإهانة، وفيه استعارة تبعية تخييلية، وذكر العذاب في بعض الآيات استعارة مكنية؛ حيث شبه العذاب بشيء يدرك بحاسة الأكل، وشبه الذوق بصورة ما يذاق، وأثبت للذوق تخييلا.

الإعراب: {ذُقْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، ومفعوله محذوف، تقديره: ذق العذاب. والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول لقول محذوف. انظر الشرح. {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} انظر إعراب مثلها في الآية رقم [6]، والآية تعليل للأمر، ويقرأ بفتح الهمزة، وعليه فالمصدر المؤول في محل جر بلام تعليل محذوفة، التقدير: لأنك، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{ذُقْ} .

{إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}

الشرح: {إِنَّ هذا} أي: العذاب. {ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي: تشكون في وقوعه، يوم كنتم في الدنيا، فذوقوه اليوم. والجمع في الآية باعتبار المعنى؛ لأنّ المراد جنس الأثيم. هذا؛

ص: 688

و {كُنْتُمْ} أصله: «كونتم» فقل في إعلاله: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار:

«كانتم» فالتقى ساكنان: الألف، وسكون النون، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار «كنتم» بفتح الكاف، ثم أبدلت الفتحة ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار:«كنتم» . وهناك إعلال آخر، وهو أن تقول: أصل الفعل (كون) فلما اتصل بضمير رفع متحرك، نقل إلى باب فعل، فصار (كونتم) ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبلها، فصار:«كونت» فالتقى ساكنان: العين المعتلة ولام الفعل، فحذفت العين، وهي الواو لالتقائها ساكنة مع النون، فصار:«كنت» وهكذا قل في إعلال كل فعل أجوف واوي مسندا إلى ضمير رفع متحرك، مثل: قلت، وقمنا، وقعدن

إلخ.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {هذا:} الهاء: حرف تنبيه. (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسمها. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع خبر:{إِنَّ} . {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {بِهِ:}

جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {تَمْتَرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط: الضمير المجرور محلا بالباء، والجملة الاسمية:{إِنَّ هذا..} . إلخ في محل نصب مقول القول للقول المقدر.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (52)}

الشرح: لما ذكر مستقر الكافرين، وعذابهم ذكر نزل المؤمنين، ونعيمهم. وهذا من المقابلة التي ذكرتها في الآية رقم [74] من سورة (الزخرف)، و {مَقامٍ} بفتح الميم وضمها، وقال الكسائي: المقام: المكان، والمقام: الإقامة. وقال الجوهري: وأما المقام، والمقام فقد يكون كل واحد منهما بمعنى: الإقامة، وقد يكون بمعنى: موضع القيام؛ لأنك إن جعلته من الثلاثي؛ فمفتوح، وإن جعلته من الرباعي؛ فمضموم، ويمكن أن يكون مصدرا ميميا، ويقدر فيه المضاف؛ أي: في موضع إقامة. وانظر إعلاله في الآية رقم [26]. {أَمِينٍ:} يؤمن فيه من الآفات على جميع أنواعها، فالإسناد مجاز عقلي، وأصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف، والأمن، والأمان، والأمانة في الأصل مصادر. ويستعمل الأمان تارة اسما للحالة التي عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤتمن عليه الإنسان، كقوله تعالى:{وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ} أي: ما ائتمنتم عليه.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْمُتَّقِينَ:} اسمها منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. {فِي مَقامٍ:} متعلقان بمحذوف خبر: {إِنَّ} . {أَمِينٍ:} صفة:

{مَقامٍ} . {فِي جَنّاتٍ:} بدل مما قبلهما. {وَعُيُونٍ:} معطوف على ما قبله، والجملة الاسمية:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ..} . إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محلّ لها.

ص: 689

{يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53)}

الشرح: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ:} هو ما رقّ من الحرير، والديباج. {وَإِسْتَبْرَقٍ:} هو ما غلظ منه، وهو فارسي اللفظ، أصله: استبره. واللفظ إذا عرب خرج من أن يكون عربيا أعجميا؛ لأنّ معنى التعريب: أن يجعل عربيا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب، فساغ أن يقع في القرآن العربي. {مُتَقابِلِينَ:} لا يرى بعضهم قفا بعض، متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا.

فإن قيل: كيف وعد الله أهل الجنة بلبس الإستبرق، وهو غليظ الديباج كما قرره في كثير من السور، مع أنه عند أغنياء الدنيا عيب، ونقص؟ والجواب أن غليظ الديباج في الجنة، لا يساويه غليظ ديباج الدنيا حتى يعاب، كما أن سندس الجنة، وهو رقيق الديباج، لا يساويه سندس الدنيا.

الإعراب: {يَلْبَسُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والمفعول محذوف. {مِنْ سُندُسٍ:} متعلقان بمحذوف صفة المفعول المحذوف، دليله قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [31]:{وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} . {وَإِسْتَبْرَقٍ:} معطوف على ما قبله. {مُتَقابِلِينَ:}

حال من واو الجماعة، وجملة:{يَلْبَسُونَ..} . إلخ في محل رفع خبر ثان ل: {إِنَّ،} أو في محل نصب حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور، أو هي مستأنفة، لا محلّ لها.

{كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)}

الشرح: {كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ:} وقرنّاهم؛ أي: وقرنّا بينهم وبين الحور كالقرن بين الزوجين في الدنيا، وليس هو من عقد التزويج، كما في الدنيا. قال يونس بن حبيب: تقول العرب: زوجته امرأة، وتزوجت امرأة، وليس من كلام العرب تزوجت بامرأة. و (حور): بيض جمع: حوراء، وهي التي يرى ساقها من وراء ثيابها، ويرى الناظر وجهه في كفيها كالمرآة من دقة الجلد، وبضاضة البشرة، وصفاء اللون. وفي القاموس: الحور بالتحريك: أن يشتد بياض العين، ويشتد سوادها، وتستدير حدقتها، وترق جفونها، وتبيضّ ما حواليها. {عِينٍ:} عظام العيون، شديدات بياضها، شديدات سوادها، ومنه قيل لبقر الوحش: عين، والثور أعين، والبقرة عيناء، وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مهور الحور العين قبصات التمر وفلق الخبز» . أي: التصدق بذلك على الفقراء والمساكين. وعن أبي قرصافة (جندرة بن خيشنة الكناني) رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إخراج القمامة من المسجد

ص: 690

مهور الحور العين». وعن أنس-رضي الله عنه-قال: «كنس المساجد مهور الحور العين» .

ذكره الثعلبي-رحمه الله تعالى-.

واختلف أيّما أفضل في الجنة، نساء الآدميات، أم الحور العين؟ فقيل: إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضّلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. وقيل: إن الحور العين أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأبدله زوجا خيرا من زوجه» . انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

الإعراب: {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير:

الأمر كذلك، وعليه فالجملة الاسمية معترضة بين الجملتين المتعاطفتين. أو الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: كما أدخلناهم الجنة، وفعلنا بهم ما تقدم ذكره؛ كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم حورا عينا. ومثلها الآية رقم [28]. {وَزَوَّجْناهُمْ:}

فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{يَلْبَسُونَ..} . إلخ (بحور):

متعلقان بما قبلهما. {عِينٍ:} صفة: (حور).

{يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)}

الشرح: {يَدْعُونَ فِيها} أي: في الجنة؛ أي: يطلبون الخدم بأن يحضروا لهم أنواع الفواكه، وأنواع المشارب؛ وهم متكئون على الأسرة كعادة الملوك في الدنيا. خذ قوله تعالى في سورة (ص) رقم [51]:{مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ} . قال ابن كثير: أي: مهما طلبوا؛ وجدوا، ومن أي أنواعه شاؤوا؛ أتتهم به الخدام. قال الصاوي: والاقتصار على طلب الفاكهة للإيذان بأنّ مطاعمهم لمحض التفكه، والتلذذ، دون التغذي؛ لأنه لا جوع في الجنة.

{آمِنِينَ:} من الضرر، والخوف، والهم، والحزن، والتعب، والكدر، والشيطان

إلخ.

الإعراب: {يَدْعُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الضمير فقط. {فِيها بِكُلِّ:} كلاهما متعلق بالفعل قبلهما، و (كل) مضاف، و {فاكِهَةٍ} مضاف إليه. {آمِنِينَ:} حال من واو الجماعة، وهي حال متداخلة.

{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56)}

الشرح: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا:} في الجنة. {الْمَوْتَ:} لا يذوقونه فيها ألبتة؛ لأنهم خالدون فيها. ثم قال: {إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} على الاستثناء المنقطع؛ أي: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا. وقيل: {إِلاَّ} بمعنى: بعد، كقولك: ما كلمت رجلا اليوم إلاّ رجلا

ص: 691

عندك؛ أي: بعد رجل عندك. وقيل: {إِلاَّ} بمعنى: سوى؛ أي: سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا، ولم يذكر ابن هشام في مغنيه هذين المعنيين ل:«إلا» وذكر ابن هشام، والمرادي في جناه أن (إلاّ) تأتي بمعنى:«غير» ، وغير، وسوى بمعنى واحد، وقال المرادي: ومن أغرب ما قيل في «إلا» أنها قد تكون بمعنى: بعد، وجعل هذا القائل من ذلك قوله تعالى:{إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} سورة (النساء) رقم [22]، وقوله تعالى:{إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} سورة (الدخان) رقم [56].

وقال القتبي: {إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} معناه: أن المؤمن إذا أشرف على الموت؛ استقبلته ملائكة الرحمة، ويلقى الروح، والريحان، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها، فهو استثناء صحيح، والموت عرض لا يذاق، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه، فاستعير فيه لفظ الذوق.

وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه فيها، قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت ألبتة. فوضع قوله: {إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى} موضع ذلك؛ لأنّ الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل؛ فإنهم يذوقونها.

{وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ:} حفظهم الله من عذاب جهنم، وفي سورة (الطور) رقم [18]:

{وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ} . هذا؛ والفعل: (وقى) من اللفيف المفروق، فتحذف فاؤه من المضارع مثل كل فعل مثال، مثل: وعد، يعد، ووزن، يزن

إلخ. وتحذف لامه في الأمر مع فائه لبنائه على حذف حرف العلة، مثل كل فعل ناقص معتل الآخر، مثل: اسع، ارم، ادع، فيبقى فعل الأمر حرفا واحدا (ق) ومثله: وعى، يعي، ع، ووفى، يفي، ف، وولي، يلي، ل، ووطي، يطي، ط، وإذا لم يتصل به ضمير تلحقه هاء السكت، فتقول: قه، له، فه، عه

إلخ.

الإعراب: {لا:} نافية. {يَذُوقُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، أو من الضمير المستتر في:{آمِنِينَ،} فهي حال متداخلة على الوجهين. {فِيهَا:} متعلقان بما قبلهما. {الْمَوْتَ:} مفعول به. {إِلاَّ:} أداة استثناء، أو حرف حصر. {الْمَوْتَةَ:} منصوب على الاستثناء المتصل، أو المنقطع حسبما رأيت في الشرح، وعلى اعتبار (إلا) بمعنى:(سوى) فهي صفة: {الْمَوْتَ} ظهر إعرابها على ما بعدها بطريق العارية، وتكون مضافة، و {الْمَوْتَةَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة {إِلاَّ؛} التي هي على صورة الحرف.

{الْأُولى:} صفة: {الْمَوْتَةَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، ويشبه هذه الآية الآية رقم [59] من سورة (الصافات) فانظرها هناك. {وَوَقاهُمْ:} الواو: واو الحال. (وقاهم): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والهاء مفعول به أول،

ص: 692

والفاعل مستتر تقديره: «هو» يعود إلى غير مذكور، وهو الله لفهمه من المقام، مثل قوله تعالى في سورة (ص) رقم [32]:{حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ،} وقوله تعالى في سورة (هود): {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ،} وقوله تعالى في سورة (القيامة): {كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ راقٍ} وفي سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} انظر إعراب هذه الآيات في محالها.

{عَذابَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {الْجَحِيمِ:} مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير، وهي على تقدير:«قد» قبلها.

{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)}

الشرح: {فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ} أي: إن كل ما وصل إليه المتقون من الخلاص من عذاب النار، والفوز بالجنة، إنما حصل لهم ذلك بفضل الله تعالى، وفعل ذلك بهم تفضلا منه. وانظر الآية رقم [72] من سورة (الزخرف). {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: لأنّ ما ذكر خلاص من المكاره، وظفر بالمطالب، ولا فوز بعده، ووراءه.

الإعراب: {فَضْلاً:} مفعول مطلق، عامله محذوف: تفضل فضلا. وقيل: مفعول لأجله، عامله:{يَدْعُونَ فِيها،} وقيل: العامل: {وَوَقاهُمْ،} وقيل: العامل {آمِنِينَ} . وعليه مكي.

{مِنْ رَبِّكَ:} متعلقان ب: {فَضْلاً،} أو بمحذوف صفة له، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محلّ له. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الْفَوْزُ:} خبر المبتدأ. {الْعَظِيمُ:} صفة له، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{ذلِكَ..} . إلخ مستأنفة، لا محلّ لها. هذا؛ وإن اعتبرت الضمير فصلا لا محل له، ف:{الْفَوْزُ} خبر المبتدأ، وكذلك إن اعتبرته بدلا من اسم الإشارة.

{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)}

الشرح: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} أي: بينا القرآن بلسانك؛ أي: بلغتك العربية، وجعلناه سهلا على من تدبره، وتأمله. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ:} أن يتفهموا، ويعملوا. ثم لما كان مع هذا الوضوح، والبيان من الناس من كفر، وخالف، وعاند. قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسليا له، وواعدا له بالنصر، ومتوعدا لمن كذبه بالهلاك، والوبال، فقال له:{فَارْتَقِبْ..} . إلخ. هذا؛ وقد قال في سورة (مريم) رقم [97]: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا} وقد كرر قوله تعالى: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} وقال جلّت قدرته، وتعالت حكمته في سورة (القدر):{إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وانظر شرح اللسان في الآية رقم [12] من سورة (الأحقاف).

ص: 693

الإعراب: {فَإِنَّما:} الفاء: حرف استئناف. وقيل: الفصيحة، ولا وجه له قطعا. (إنما):

كافة ومكفوفة. {يَسَّرْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.

{بِلِسانِكَ:} متعلقان بما قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {لَعَلَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، والجملة الفعلية في محل رفع خبرها، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل، لا محلّ لها.

{فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}

الشرح: {فَارْتَقِبْ:} فانتظر هلاكهم. {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ:} منتظرون هلاكك. وقيل: ارتقب ما وعدتك من الثواب، فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب. ومعنى الآية تكرر في سورة (السجدة) رقم [30]، وفي (الأنعام) رقم [158]، وفي الأعراف رقم [71]، وفي سورة (يونس) رقم [20]، ورقم [102]، وفي سورة (هود) رقم [122]، وإن اختلف المقام من سورة إلى سورة.

والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {فَارْتَقِبْ:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا بقوا مصرين على كفرهم، وعنادهم؛ فارتقب. (ارتقب): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، ومفعوله محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها جواب الشرط مقدر ب:«إذا» ، والجملة الشرطية مستأنفة، لا محلّ لها. {إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {مُرْتَقِبُونَ:} خبر «إن» مرفوع، وعلامة رفعه الواو

إلخ، ومفعوله محذوف. انظر تقديره في الشرح، والجملة الاسمية تعليل للأمر لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

انتهت سورة (الدخان) شرحا وإعرابا، بعون الله وتوفيقه.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 694