المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المتكلم المحذوفة مفعول به، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ٨

[محمد علي طه الدرة]

الفصل: المتكلم المحذوفة مفعول به، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل

المتكلم المحذوفة مفعول به، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: من رجمكم، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{عُذْتُ} .

{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)}

الشرح: المعنى إن لم تصدقوني، ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني، ودليلي؛ فابتعدوا عني، ودعوني كفافا، لا لي، ولا عليّ، وكفّوا عن أذاي، وخلّوا سبيلي. فلمّا طال مقامه بين أظهرهم، وأقام حجج الله عليهم، كل ذلك، وما زادهم إلاّ كفرا، وعنادا، وطغيانا، واستكبارا؛ دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال تبارك وتعالى:{وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ} رقم [88 و 89] من سورة (يونس) على نبينا وحبيبنا، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ألف صلاة، وألف سلام.

‌فائدة:

قال مكي بن أبي طالب القيسي-رحمه الله تعالى-في مثل هذا التركيب: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي:} دخلت (إن) على: {لَمْ} ليرتدّ الفعل إلى أصله في لفظه، وهو الاستقبال؛ لأنّ {لَمْ} ترد الفعل المستقبل إلى معنى المضي، و (إن) ترد الماضي إلى معنى الاستقبال، فلما صارت {لَمْ} ولفظ المستقبل بعدها بمعنى: الماضي ردتها (إن) إلى الاستقبال؛ لأنّ (إن) ترد الماضي إلى معنى الاستقبال.

الإعراب: {وَإِنْ:} الواو: حرف عطف. (إن): حرف شرط جازم. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {تُؤْمِنُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: {لَمْ،} وهو في محل جزم فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لِي:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {فَاعْتَزِلُونِ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (اعتزلون): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة مفعول به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محلّ لها؛ لأنّها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، أو مستأنف لا محلّ له.

{فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)}

الشرح: {فَدَعا رَبَّهُ} أي: بعد أن كذّبوه دعا الله تعالى، وشكا إليه طغيانهم، وعنادهم، وتكبرهم. {أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ:} هذا تعريض بالدعاء، فكأنه قال: هؤلاء قوم مجرمون، فافعل بهم ما يليق بهم من العذاب، والانتقام.

ص: 670

الإعراب: {فَدَعا:} الفاء: حرف استئناف. (دعا): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {رَسُولٌ كَرِيمٌ،} وهو موسى عليه السلام. {رَبَّهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة، التقدير: فكفروا، ولم يتركوه. والكلام كله مستأنف لا محل له. {أَنَّ:} حرف مشبّه بالفعل. {هؤُلاءِ:} الهاء: حرف تنبيه لا محلّ له. (أولاء): اسم إشارة مبني على الكسرة في محل نصب اسم (أنّ). {قَوْمٌ:} خبر (أنّ). {مُجْرِمُونَ:} صفة: {قَوْمٌ} مرفوع، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير:

بكونهم قوما مجرمين. والجار والمجرور متعلقان بالفعل (دعا). هذا؛ وقرئ بكسر همزة «(إنّ)» .

على إضمار القول عند البصريين. التقدير: قال: إن هؤلاء

إلخ، وهذه الجملة مفسرة لجملة (دعا

) إلخ لا محلّ لها مثلها. والكوفيون يجرون (دعا) مجرى القول؛ أي: فإنها في محل نصب مفعول به ل: (دعا).

{فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}

الشرح: هذا الأمر بالسير كان بعد ثلاثين سنة أقامها موسى بينهم يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، فلم يزدادوا إلاّ عتوا، وعنادا على كثرة المعجزات التي رأوها على يد موسى على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وقد فصل ذلك في سورة (البقرة) و (الأعراف) و (طه) و (الشعراء) و (يونس) كما تقدم خروج فرعون وراء موسى في هذه السّور. {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ:}

يتبعكم فرعون، وجنوده، والمعنى: أسر بهم؛ حتى إذا اتبعكم فرعون بجنوده مصبحين؛ كان لكم تقدم عليهم؛ بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر، بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر، فيدخلون مدخلكم، فأطبقه عليهم، فأغرقهم، وتنجون أنتم.

هذا؛ وأسرى فيه لغتان: سرى، وأسرى، وقرئ هنا وفي (الشعراء) بقطع الهمزة، ووصلها، فالأول من الرباعي، والثاني من الثلاثي، وقد جمع حسان بن ثابت-رضي الله عنه-بين اللغتين في بيت واحد؛ حيث قال:[الكامل]

حيّ النّضيرة ربّة الخدر

أسرت إليّ ولم تكن تسري

وسرى، وأسرى بمعنى واحد. وهو قول أبي عبيد. والثانية لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن الكريم هنا، وهما بمعنى: سار الليل عامته. وقيل: سرى لأول الليل، وأسرى لآخره، وهو قول الليث، وأما سار فهو مختص بالنهار، وليس مقلوبا من سرى، فهو بمعنى: مشى.

هذا؛ والسرى، والإسراء: السير في الليل، يقال؛ سرى، يسري سرى، ومسرى، وسرية، وسراية، وأسرى إسراء. هذا؛ والسرى يذكر، ويؤنث، ولم يحك اللحياني فيه إلاّ التأنيث،

ص: 671

وكأنهم جعلوه جمع: سرية. {بِعِبادِي:} الإضافة إضافة تشريف، وتكريم، وتبجيل، وتعظيم، وذكر العبودية مقام عظيم، وكثيرا ما ذكر الله حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم بلفظ عبده. هذا؛ والعبد: الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على: عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك.

هذا؛ وأمر الله إلى موسى عليه السلام بالخروج ليلا، وسير الليل في الغالب إنّما يكون عن خوف، والخوف يكون بوجهين: إما من العدو، فيتخذ الليل سترا مسدلا، فهو من أستار الله تعالى. وإما من خوف المشقة على الأبدان، والدواب بحرّ، أو جدب، فيتخذ السّرى مصلحة من ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري، ويدلج، ويترفق، ويستعجل بحسب الحاجة، وما تقتضيه المصلحة، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا سافرتم في الخصب؛ فأعطوا الإبل حظّها من الأرض، وإذا سافرتم في السّنة؛ فبادروا بها نقيها» . انتهى. قرطبي. المراد بالسّنة: القحط، وانعدام نبات الأرض من يبسها. والنقي: بكسر النون وسكون القاف: هو المخ، ومعناه أسرعوا في السير الإبل لتصلوا إلى المقصد؛ وفيها بقية من قوتها.

الإعراب: {فَأَسْرِ:} الفاء: حرف استئناف، أو هي الفصيحة، والتقدير: فقال: أسر، أو قال: إن كان الأمر كذلك؛ فأسر. (أسر): فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، والجملة في محل نصب مقول القول، أو هي في محل جزم جواب الشرط، والكلام في محل نصب مقول القول لقول محذوف، كما رأيت تقديره، والكلام كله مستأنف، لا محلّ له. هذا؛ وقدر القرطبي الكلام كما يلي: فأجبنا دعاءه، وأوحينا إليه: أن أسر بعبادي. ولا بأس به! دليله قوله تعالى في سورة (الشعراء) رقم [53]: {وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} . {بِعِبادِي:} متعلقان بما قبلهما، والياء في محل جر بالإضافة. {لَيْلاً:} ظرف زمان متعلق بما قبله. {إِنَّكُمْ:} حرف مشبّه بالفعل، والكاف اسمها. {مُتَّبَعُونَ:} خبرها مرفوع، وعلامة رفعه الواو، والجملة الاسمية تعليل للأمر، لا محلّ لها.

{وَاُتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)}

الشرح: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً} أي: ساكنا. قال القطامي في قصيدة يمدح فيها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان: [البسيط]

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة

ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل

أي: يمشين مشيا ساكنا على هينة. أراد موسى عليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه، فينطبق كما ضربه، فانفلق، فأمر أن يتركه على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء،

ص: 672

وكون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه، ولا يغير منه شيئا، ليدخله القبط، فإذا حصلوا فيه؛ أطبقه الله عليهم. هذا؛ والرهو: الفجوة الواسعة، وعن بعض العرب: أنّه رأى جملا فالجا، فقال:

سبحان الله وهو بين سنامين، فيكون المعنى: اترك البحر مفتوحا على حاله منفرجا ليدخله القبط. هذا؛ والرهو والرهوة: المكان المرتفع، والمنخفض أيضا، يجتمع فيه الماء، فهو من الأضداد، والرهو: المرأة الواسعة الهن. حكاه النضر بن شميل، والرهو: ضرب من الطير، ويطلق على غير ذلك. انظر القاموس المحيط.

والمعنى: إذا سرت يا موسى بقومك ليلا، وتبعك العدو، ووصلت إلى البحر، وأمرناك بضربه، وانفتح، ودخلت أنت، وقومك فيه، ونجوتم منه؛ فاتركه بحاله، ولا تضربه بعصاك ليلتئم، بل أبقه على حاله؛ ليدخله فرعون، وقومه، فينطبق عليهم. {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ:} هذا إخبار من الله تعالى لموسى بإغراقهم؛ ليطمئن قلبه في تركه البحر كما هو، وبأنهم لن يدركوا من قبل بني إسرائيل وقد صرحت: آية سورة (طه) رقم [77] بذلك: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى} .

الإعراب: {وَاتْرُكِ:} الواو: حرف عطف. (اترك): فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {الْبَحْرَ:} مفعول به أول. {رَهْواً:} مفعول به ثان، أو هو حال من البحر، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{فَأَسْرِ بِعِبادِي..} . إلخ. {إِنَّهُمْ:} حرف مشبّه بالفعل، والهاء اسمها. {جُنْدٌ:} خبرها. {مُغْرَقُونَ:} صفة: {جُنْدٌ،} والجملة الاسمية تعليل للأمر. هذا؛ ويقرأ بفتح همزة «(أنّ)» في هذه الآية وسابقتها، وعليه فتؤول مع اسمها، وخبرها بمصدر في محل جر بلام تعليل مقدرة، التقدير: لكونهم جندا مغرقين.

{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27)}

الشرح: {كَمْ تَرَكُوا} أي: تركوا أمورا كثيرة، والمراد: فرعون، وقومه. {مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ:} قيل: كانت البساتين ممتدة في حافتي النيل، فيها عيون، وأنهار جارية. {وَزُرُوعٍ} أي:

أنواع الزروع، وفي سورة (الشعراء) رقم [58] زيادة:{وَكُنُوزٍ} . {وَمَقامٍ كَرِيمٍ} أي: حسن، وجميل، وهو ما كان لهم من المجالس، والمنازل الحسنة. قيل: المراد: مجالس الأمراء، والرؤساء؛ التي كانت لهم. وقيل: إن فرعون كان إذ قعد على سريره، وضع بين يديه ثلاثمئة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف من قومه، والأمراء، وعليهم أقبية الذهب، مخوصة بالذهب. والمعنى: تركوا بساتينهم الغنّاء؛ التي فيها العيون الجارية، وأموالهم، ومجالسهم الحسنة.

ص: 673

هذا؛ والكريم من كل نوع ما يجمع فضائله، وهو صفة لكل ما يرضي في بابه، يقال: وجه كريم؛ أي: مرضي بحسنه، وجماله. وكتاب كريم: مرضي في معانيه، وفوائده. ونبات كريم:

مرضي فيما يتعلق به من المنافع، قال تعالى:{كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} رقم [7] من سورة (الشعراء) وقس على ذلك الإنسان، والحيوان، والمكان، ومثله لفظ: عبقري المذكور في سورة (الرحمن) في الآية [76].

{وَنَعْمَةٍ:} بفتح النون من التنعّم، وهو الترفه. يقال: نعّمه الله، وناعمه، فتنعّم، وامرأة منعّمة، ومناعمة بمعنى: مرفهة، والنعمة بالكسر: اليد، والصنيعة، والمنة، وما أنعم به عليك، وهي من عطف العام على الخاص. والنعمة بضم النون: المسرة، وقد تقصر، فيقال: نعمى.

{فَكِهِينَ:} متنعمين، ناعمين، لاهين، مازحين. يقال: إنه لفاكه؛ أي: مزّاح، وفيه فكاهة؛ أي: مزاح، وقرئ:«(فكهين)» بمعنى: بطرين أشرين.

هذا؛ و (مقام) اسم مكان ميمي، وأصله (مقوم) فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها، ثم قل: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا.

وانظر الآية رقم [51]. وانظر شرح (كم) برقم [6] من سورة (الزخرف).

الإعراب: {كَمْ:} خبرية بمعنى: كثير مبنية على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.

{تَرَكُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مِنْ جَنّاتٍ:} متعلقان بمحذوف حال من: {كَمْ،} و {مِنْ} بيان لما أبهم فيها. {وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ:} هذه الأسماء معطوفة على: {جَنّاتٍ} . {كَرِيمٍ:} صفة: (مقام). {وَنَعْمَةٍ:} معطوف على ما قبله. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {فَكِهِينَ:}

خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الياء، والجملة الفعلية في محل نصب صفة:(نعمة).

{كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28)}

الشرح: المراد ب: {قَوْماً آخَرِينَ} بنو إسرائيل، ملّكهم الله تعالى أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين، فصاروا لها وارثين، لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث، وهو مثل قوله تعالى:

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا} رقم [137] من سورة (الأعراف) ومعنى {آخَرِينَ:} ليسوا منهم في شيء من قرابة، ولا دين، ولا ولاء.

هذا؛ وآخرين: مفرده آخر بفتح الخاء، ومؤنثه: أخرى، وكلاهما بمعنى: غير، وأخرى:

تجمع على: أخر، وأخريات، والآخر بفتح الخاء، يكون ما قبله، وما بعده من جنسه. هذا؛ والآخر بكسر الخاء، لا يكون بعده شيء غيره، ومؤنثه: أخرى، وآخرة أيضا، وجمع الأولى:

ص: 674

أخريات، وجمع الثانية: أواخر. هذا؛ والأخرى: دار البقاء، والنسبة إليها أخروي، وكلام آخر وأخر: ضد الأول.

الإعراب: {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الأمر كذلك، أو الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: نفعل فعلا مثل ذلك بمن نريد إهلاكه، وإن اعتبرت الكاف اسما؛ فالمحل لها، وهي مضاف، واسم الإشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. وعلى هذا: فالوقف على: {كَذلِكَ،} والجملة معترضة بين الجملة اللاحقة، والسابقة المتعاطفتين.

وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها. {وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ} ليسوا منهم، فعلى هذا يكون:{وَأَوْرَثْناها} معطوفا على تلك الجملة الناصبة للكاف، فلا يجوز الوقف على {كَذلِكَ} حينئذ. انتهى. جمل. {وَأَوْرَثْناها:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {قَوْماً:} مفعول به ثان. {آخَرِينَ:} صفة: {قَوْماً} .

{فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29)}

الشرح: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ:} مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم، والاعتداد بوجودهم، كقولهم: بكت عليهم السماء، وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك، ومنه ما روي في الأخبار: أنّ المؤمن ليبكي عليه مصلاه، ومحل عبادته، ومصعد عمله، ومهبط رزقه.

فقد روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن إلاّ وله في السماء بابان: باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل منه كلامه، وعمله، فإذا مات؛ فقداه، فبكيا عليه، ثم تلا قوله تعالى: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ» }.

وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: إن السماء، والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله، فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه، وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! وقال شريح الحضرمي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء يوم القيامة!» قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: «هم الذين إذا فسد النّاس؛ صلحوا» . ثم قال: «ألا لا غربة على مؤمن، وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه؛ إلاّ بكت عليه السماء والأرض» . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ} ثم قال: «ألا إنّهما لا يبكيان على الكافر» .

قال السدي: لما قتل الحسين بن علي-رضي الله عنهما: بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها. وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد؛ قال: لما قتل الحسين بن علي-رضي الله عنهما:

احمرّ له آفاق السماء أربعة أشهر. وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء

ص: 675

والأرض؛ أي: عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء، والأرض، والريح، والبرق، وبكته الليالي الشاتيات. قال جرير يبكي عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه:[البسيط]

تنعي النّعاة أمير المؤمنين لنا

يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا

حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

فالشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا

وهذا هو الشاهد رقم [701] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» . وقالت ليلى بنت طريف الشيباني ترثي أخاها الوليد، وهو الشاهد، رقم [65] من «فتح القريب المجيب» أيضا:[الطويل] أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنّك لم تجزع على ابن طريف

{وَما كانُوا مُنْظَرِينَ} أي: مهملين إلى وقت آخر، بل أخذوا فجأة. هذا؛ وفي قوله:{بَكَتْ} استعارة مكنية تخييلية حيث شبه السماء والأرض بمن يصح منه الاكتراث، ثم حذف المشبه به، وهو من يصح منه الاكتراث، واستعار له شيئا من لوازمه، وهو البكاء. وجعله بعضهم مجازا مرسلا عن الاكتراث بهلاك الهالك، والعلاقة السببية، ذكر المسبب، وأراد السبب، فإن الاكتراث المذكور سبب يؤدي إلى البقاء عادة. قال أبو حيان: في: {بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ،} استعارة لتحقير أمرهم، وأنّه لم يتغير عن هلاكهم شيء.

الإعراب: {فَما:} الفاء: حرف استئناف. (ما): نافية. {بَكَتْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث؛ التي هي حرف لا محلّ له.

{عَلَيْهِمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {السَّماءُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {وَالْأَرْضُ:} معطوف على ما قبله. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): نافية.

{كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمها، والألف للتفريق. {مُنْظَرِينَ:} خبر (كان). والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.

{وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30)}

الشرح: المعنى: نجينا بني إسرائيل مما كانت القبط تفعله بهم بأمر فرعون، من قتل الأبناء، واستخدام النساء، واستعبادهم إياهم، وتكليفهم الأعمال الشاقة. وفيه تذكير، وامتنان على اليهود؛ الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بما أنعم الله على آبائهم الأولين.

الإعراب: {وَلَقَدْ نَجَّيْنا} انظر الآية رقم [46] من سورة (الزخرف) ففيها الكفاية. {بَنِي:}

مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وحذفت النون للإضافة، و {بَنِي} مضاف، و {إِسْرائِيلَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جرّه الفتحة

ص: 676

نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {مِنَ الْعَذابِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الْمُهِينِ:} صفة: {الْعَذابِ،} والكلام: {وَلَقَدْ..} . إلخ مستأنف لا محلّ له.

{مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)}

الشرح: {إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي: جبارا من المشركين، وليس هذا علو مدح، بل هو علوّ في الإسراف، كقوله تعالى في سورة (القصص) رقم [4]:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ..} .

إلخ.

الإعراب: {مِنْ فِرْعَوْنَ:} بدل مما قبلهما؛ أي: {مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ} كأنه في نفسه كان عذابا مهينا لإفراطه في تعذيبهم، وإهانتهم. وقيل: متعلقان بمحذوف حال من {الْعَذابِ} أي:

واقعا من جهة فرعون. {إِنَّهُ:} حرف مشبّه بالفعل، والهاء اسمها. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمها يعود إلى:{فِرْعَوْنَ} . {عالِياً:} خبر {كانَ} . {مِنَ الْمُسْرِفِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر ثان، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر ب:{عالِياً} وجملة:

{كانَ..} . إلخ في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية تعليل لنجاة بني إسرائيل من العذاب المهين.

{وَلَقَدِ اِخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32)}

الشرح: {وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ} أي: اصطفينا بني إسرائيل وفضلناهم. {عَلى عِلْمٍ} أي: على علم منا بهم لكثرة الأنبياء منهم. {عَلَى الْعالَمِينَ} أي: عالمي زمانهم، فهو كقوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [33]:{*إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ} وكقوله تعالى في (آل عمران) أيضا رقم [42]: {وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ} أي: نساء زمنها، فإن خديجة أفضل منها، أو مساوية لها في الفضل، وكذا آسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

وانظر شرح الآيتين في سورة (آل عمران)، تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {وَلَقَدِ:} انظر الآية رقم [46] من سورة (الزخرف). {اِخْتَرْناهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها جواب القسم. {عَلى عِلْمٍ:} متعلقان بمحذوف حال من (نا) التقدير: عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء أن يختاروا. {عَلَى الْعالَمِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

ص: 677

{وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33)}

الشرح: {وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ:} من المعجزات الباهرات من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الآيات العظام؛ التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها. وقيل:

إنها العصا، واليد، فيكون الكلام مقصودا به فرعون، وقومه. وليس بشيء؛ لأنّ الكلام مع بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون. {ما فِيهِ بَلؤُا:} فيه أربعة أوجه: أحدها: نعمة ظاهرة، كما قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [17]:{وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} وقال زهير: [الطويل]

رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم

فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو

وهذا قاله الحسن، وقتادة. الثاني: عذاب شديد. قاله الفراء. الثالث: اختبار يتميز به المؤمن من الكافر؛ لينظر كيف تعلمون كقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [49]: {وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} قاله عبد الرحمن بن زيد، وقال: ابتلاهم بالرخاء، والشدة. وقرأ قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [35]:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} .

الإعراب: {وَآتَيْناهُمْ:} الواو: حرف عطف. (آتيناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به أول، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {مِنَ الْآياتِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان. {فِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول. {بَلؤُا:} فاعل بمتعلق الجار والمجرور.

{مُبِينٌ:} صفة: {بَلؤُا} . هذا؛ ويجوز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر مقدم، و {بَلؤُا} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها.

{إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36)}

الشرح: {إِنَّ هؤُلاءِ} أي: كفار قريش؛ لأنّ الكلام فيهم، وقصة فرعون، وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة، والإنذار عن مثل ما حلّ بهم. {لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى:} في هذا الكلام إشكال، وهو: أنّ الكلام وقع في الحياة الثانية، لا في الموت، فهلا قيل:(إن هي إلاّ حياتنا الدنيا الأولى، وما نحن بمنشرين)، كما قيل:{إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} رقم [29] من سورة (الأنعام)، وما معنى ذكر الأولى؟ كأنهم وعدوا موتة أخرى، حتى جحدوها، وأثبتوا الأولى، والجواب: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة، كما تقدمتكم موتة تعقبتها حياة، وذلك في قوله تعالى:{وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ}

ص: 678

{يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} رقم [28] من سورة (البقرة) فقالوا: {إِنْ هِيَ إِلاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى} يريدون ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلاّ الموتة الأولى، وهي كونهم نطفا ميتة في الأصلاب، أو الأرحام، فلا فرق إذا بين هذه الآية، وبين آية الأنعام في المعنى. انتهى. الكشاف بتصرف.

{وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} أي: مبعوثين بعد موتتنا هذه. {فَأْتُوا بِآبائِنا} أي: الذين ماتوا قبل؛ أي: ردوهم إلى الحياة الدنيا بعد موتهم، ليكون ذلك شاهدا على صدقكم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على وجه التعجيز. قال القرطبي: قائل هذا أبو جهل، قال: يا محمد! إن كنت صادقا في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا، أحدهما قصي بن كلاب، فإنه كان رجلا صادقا، لنسأله عما يكون بعد الموت.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {هؤُلاءِ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب اسم «إن» . والهاء حرف تنبيه لا محل له. {لَيَقُولُونَ:} اللام: هي المزحلقة. (يقولون):

فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» ، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محلّ لها على الاعتبارين. {إِنْ:} حرف نفي بمعنى: «ما» . {هِيَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {إِلاّ:} حرف حصر. {مَوْتَتُنَا:} خبر المبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {الْأُولى:} صفة: {مَوْتَتُنَا} مرفوع مثله، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {وَما:} الواو: واو الحال، أو هي حرف عطف. (ما):

نافية حجازية تعمل عمل: «ليس» . {نَحْنُ:} ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع اسم (ما). {بِمُنْشَرِينَ:} الباء: حرف جر صلة. (منشرين): خبر (ما)، مجرور لفظا، منصوب محلا، والجملة الاسمية في محل نصب حال من (نا)، والرابط: الواو، والضمير، وإن اعتبرتها معطوفة على (ما) قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها.

{فَأْتُوا:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: إذا كنتم صادقين فيما تقولون؛ فأتوا

إلخ. (ائتوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها جواب شرط غير جازم، والكلام في محل نصب مقول القول. {بِآبائِنا:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (نا): في محل جر بالإضافة. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمها. {صادِقِينَ:} خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، لدلالة ما قبله عليه، التقدير: إن كنتم صادقين فائتوا، والكلام كله في محل نصب مقول القول.

ص: 679

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37)}

الشرح: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الحميري، الذي سار بالجيوش، وبنى الحيرة، وبنى سمرقند. وقيل: هدمها، وكان مؤمنا، وكان قومه كافرين؛ ولذلك ذمهم الله دونه، وقال صلى الله عليه وسلم:

«ما أدري أكان تبع نبيا، أو غير نبي؟» . وأسلم، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ولادته بتسعمئة سنة لما أخبرته اليهود بخبره على حسب ما هو في كتابهم، وهذا هو تبع الأكبر أبو كرب، واسمه:

أسعد، وإليه تنسب الأنصار، ولحفظهم وصيته عن آبائهم بادروا إلى الإسلام، وهو أول من كسا الكعبة، بعد ما أراد غزو مكة، وبعدما غزا المدينة المنورة، وأراد خرابها، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد، وقال شعرا أودعه عند أهلها، وكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعوه إليه، ويقال: كان الشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه-وفيه: [المتقارب]

شهدت على أحمد أنه

رسول من الله باري النّسم

فلو مدّ عمري إلى عمره

لكنت وزيرا له وابن عم

وروى ابن إسحاق، وغيره: أنه كان في الكتاب الذي كتبه: أما بعد: فإني آمنت بك، وبكتابك الذي ينزل عليك، وأنا على دينك، وعلى سنتك، وآمنت بربك، ورب كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام، فإن أدركتك؛ فبها ونعمت، وإن لم أدركك؛ فاشفع لي، ولا تنسني يوم القيامة، فإني من أمتك الأولين، وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك، وملة أبيك إبراهيم عليه السلام. ثم ختم الكتاب، ونقش عليه: لله الأمر من قبل ومن بعد، وكتب على عنوانه: إلى محمد بن عبد الله، نبي الله، ورسوله، خاتم النبيين، ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبّع الأول.

وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة، لا يزيد ولا ينقص. واختلف هل كان نبيا، أو ملكا صالحا، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما: كان تبع نبيا. وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا، وكان معهم قوم من اليهود، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا، ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب، فأسلم. وقالت عائشة-رضي الله عنها: لا تسبّوا تبعا، فإنه كان رجلا صالحا. وقال كعب: ذم الله قومه، ولم يذمه، وضرب لقريش بهم مثلا لقربهم من دارهم، وعظمهم في نفوسهم. فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم؛ لأنهم كانوا مجرمين؛ كان من أجرم مع ضعف اليد، وقلة العدد أحرى بالهلاك.

وافتخر أهل اليمن بهذه الآية؛ إذ جعل قوم تبع خيرا من قريش. وقيل: سمي أولهم تبعا؛ لأنه اتبع قرن الشمس، وسافر في المشرق مع العساكر.

ص: 680

هذا؛ وتبع ليس رجلا واحدا، بل المراد به ملوك اليمن، فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة، ف:«تبع» لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين، وكسرى للفرس، وقيصر للروم. وقال أبو عبيدة: سمي كل واحد منهم تبعا؛ لأنه يتبع صاحبه. انتهى. من هنا، وهناك.

هذا؛ وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ..} . إلخ، ولا خير في الفريقين؟ قلت: معناه أهم خير في القوة، والمنعة، كقوله تعالى في سورة (القمر) رقم [43]:

{أَكُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ} بعد ذكر آل فرعون. وفي تفسير ابن عباس-رضي الله عنهما: أهم أشد أم قوم تبع؟. انتهى.

وهذا يعني: أن {خَيْرٌ} جاء بمعنى: قوة، كما جاء بمعنى: الطعام في قوله تعالى في سورة (القصص) رقم [24] حكاية عن قول موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:{فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وجاء بمعنى: المال، كما في سورة العاديات:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} . وجاء بمعنى: العبادة في سورة (الأنبياء) رقم [73]: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ} .

{وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:} قبل قوم تبع، كقوم هود، وصالح، ونوح، وغيرهم من الأمم الكافرة.

{أَهْلَكْناهُمْ} أي: جميعا مع ما كانوا عليه من غاية الشدة والقوة، فإهلاك كفار قريش أولى.

{إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ} أي: كافرين. وانظر التعبير بالمجرمين، ونحوه عن الكافرين في الآية رقم [74] من سورة (الزخرف).

الإعراب: {أَهُمْ:} الهمزة: حرف استفهام توبيخي إنكاري. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {خَيْرٌ:} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها. {أَمْ:}

حرف عطف معادل للهمزة. {قَوْمُ:} معطوف على الضمير، وهو مضاف، و {تُبَّعٍ} مضاف إليه.

{وَالَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع معطوف على: {قَوْمُ تُبَّعٍ،} وأجيز عطفه على: {تُبَّعٍ،} فيكون في محل جر. {مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة. {أَهْلَكْناهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من المعطوف والمعطوف عليه، والرابط: الضمير فقط، وهي على تقدير «قد» قبلها، ويجوز أن تكون مستأنفة، لا محلّ لها.

وفي السمين: {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يجوز فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون معطوفا على:

{قَوْمُ تُبَّعٍ} . الثاني: أن يكون مبتدأ، خبره ما بعده من:{أَهْلَكْناهُمْ} . وأما على الأول ف: {أَهْلَكْناهُمْ} إما مستأنف، وإما حال من الضمير الذي استكن في الصلة. الثالث: أن يكون منصوبا بفعل مقدر يفسره: {أَهْلَكْناهُمْ،} ولا محل ل: {أَهْلَكْناهُمْ} حينئذ. انتهى. جمل.

{إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {كانُوا:} ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {مُجْرِمِينَ:} خبر: {كانُوا،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية تعليل للإهلاك، لا محل لها.

ص: 681

{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38)}

الشرح: هذه الآية مذكورة بحروفها في سورة (الأنبياء) برقم [16]. وقال البيضاوي في شرحها هناك: وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع، تبصرة للنظار، وتذكرة لذوي الاعتبار، وتسبيبا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش، والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال، ولا يغترّوا بزخارفها، فإنّها سريعة الزوال. وقال الخازن: معناها ما سوينا هذا السقف المرفوع، وهذا المهاد الموضوع، وما بينهما للهو واللّعب، وإنما سويناهما لفوائد، منها: التفكر في خلقهما، وما فيهما من العجائب، والمنافع؛ التي لا تعدّ، ولا تحصى.

وقال الجمل نقلا من زاده: الآية دليل على صحة الحشر، ووقوعه، ووجه الدلالة: أنه لو لم يحصل البعث، والجزاء؛ لكان هذا الخلق عبثا؛ لأنه تعالى خلق نوع الإنسان، وخلق ما ينتظم به أسباب معاشهم من السقف المرفوع، والمهاد المفروش، وما بينهما من عجائب المصنوعات، وبدائع الأحوال، ثم كلفهم بالإيمان، والطاعة، فاقتضى ذلك أن يتميز المطيع من العاصي بأن يكون المطيع متعلق فضله، وإحسانه، والعاصي متعلق عدله وعقابه، وذلك لا يكون في الدنيا لقصر زمانها، وعدم الاعتداد بمنافعها؛ لكونها مشوبة بأنواع الآفات، والمحن، فلا بدّ من البعث لتجزى كل نفس بما كسبت. فظهر بهذا وجه اتصال الآية بما قبلها، وهو أنّه لما حكى مقالة منكري البعث والجزاء، وهدّدهم ببيان مال المجرمين؛ الذين مضوا؛ ذكر الدليل القاطع على صحة البعث، والجزاء، فقال:{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ..} . إلخ انتهى. وانظر سورة (ص) رقم [27].

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {خَلَقْنَا:} فعل، وفاعل.

{السَّماواتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. {وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على ما قبله. {بَيْنَهُما:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {لاعِبِينَ:} حال من (نا) منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجملة:{وَما خَلَقْنَا..} . إلخ مستأنفة، لا محلّ لها.

{ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39)}

الشرح: ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات إلا بالعدل، والحق المبين؛ الذي اقتضاه الدليل من الإيمان، والطاعة، والبعث، والجزاء. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:} الحق. وذكر الأكثر، إما لأن بعضهم لا يعرف الحق لنقصان عقله، أو لتقصيره في

ص: 682

النظر، أو لم تقم عليه الحجة؛ لأنه لم يبلغ حدّ التكليف، أو لأنه يقوم مقام الكل، وخذ قول الشاعر:[البسيط]

لم يبق من جلّ هذا الناس باقية

ينالها الوهم إلاّ هذه الصور

لا يدهمنّك من دهمائهم عدد

فإنّ جلّهم بل كلّهم بقر

دهمه: غشيه. يقول: لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء، أو نصرة، فإن كلهم كالأنعام، والبهائم. ولله درّ القائل:[المنسرح]

لا يدهمنك اللحاء والصّور

تسعة أعشار من ترى بقر

في شجر السّرو منهم شبه

له رواء، وماله ثمر

ورضي الله عن حسان بن ثابت إذ يقول: [البسيط]

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم

جسم البغال، وأحلام العصافير

وخذ قوله تعالى في سورة الروم الآية رقم [6]: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} .

الإعراب: {ما:} نافية. {خَلَقْناهُما:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {إِلاّ:} حرف حصر. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من (نا)، أي: إلاّ ملتبسين بالحق. والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. وقيل: مفسرة لما قبلها، وهو وجه ضعيف.

{وَلكِنَّ:} الواو: واو الحال. (لكنّ): حرف مشبه بالفعل. {أَكْثَرَهُمْ:} اسم (لكنّ)، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{لا يَعْلَمُونَ} مع المفعول المحذوف في محل رفع خبر (لكنّ)، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الحق، والرابط: الواو، وإعادة (الحق) بلفظه لو ذكر.

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)}

الشرح: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ:} هو يوم القيامة، وسمي بذلك؛ لأنّ الله تعالى يفصل فيه بين خلقه، وبين الحق، والباطل، وبين المحق، والمبطل، وبين المظلوم، والظالم، دليله قوله تعالى في سورة الممتحنة رقم [3]:{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} ونظيره قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [14]: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} ويوم الفصل ميقات الناس أجمعين، كما قال تعالى في سورة (النبأ) رقم [17]:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً} أي: الوقت المجعول لتمييز المسيء من المحسن، والفصل بينهما {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} رقم [7] من سورة (الشورى) وهذا غاية في التحذير، والوعيد، والتهديد.

ص: 683

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {يَوْمَ:} اسم: {إِنَّ،} وهو مضاف، و {الْفَصْلِ:}

مضاف إليه. {مِيقاتُهُمْ:} خبر {إِنَّ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {أَجْمَعِينَ:} توكيد للضمير المجرور محلا بالإضافة مجرور مثله، وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. هذا؛ وأجاز الكسائي والفراء نصب:{مِيقاتُهُمْ} على أنه اسم {إِنَّ،} والظرف: {يَوْمَ} يكون متعلقا بمحذوف خبر مقدم، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محلّ لها.

{يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)}

الشرح: {يَوْمَ لا يُغْنِي:} لا ينفع، ولا يدفع. {مَوْلًى:} يطلق في الأصل على الإله المعبود بحق، ومن أسماء الله الحسنى: المولى، ويطلق على العبد، والسيد، والأمير، وابن العم، والحليف، والناصر، والمعين، وهو المراد في هذه الآية، وفي آخر سورة (الحج):{فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ،} وأيضا الآية رقم [11] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. انظر شرحهما في محلهما. كما يطلق على مولى العتاقة، والمحالفة، وكلّ منهما لا يكون متصل النسب في القبيلة، ولكنه لصيق بها، والموالي في نظر العرب من الخسة، والضعة بحيث لا يرونهم في مصافهم. والمعنى: لا ينفع ابن عم ابن عمه، ولا قريب قريبه، ولا صديق صديقه. {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي: لا ينصر المؤمن الكافر لقرابته، بل ولا ينفع المؤمن أخاه المؤمن. خذ قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [48]:{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً،} وقوله تعالى في سورة (عبس): {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .

الإعراب: {يَوْمَ:} بدل من {يَوْمَ الْفَصْلِ} في الآية السابقة. وقيل: صفة ل: {مِيقاتُهُمْ} أو هو ظرف متعلق لما دلّ عليه الفصل، ولا يتعلق بالفصل نفسه للفاصل بينهما. {لا:} نافية. {يُغْنِي:}

فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء. {مَوْلًى:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والألف الثابتة دليل عليها، وليست عينها، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة:{يَوْمَ} إليها. {عَنْ مَوْلًى:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف المحذوفة

إلخ. {شَيْئاً:} مفعول به، أو هو نائب مفعول مطلق. {وَلا:}

الواو: حرف عطف. (لا): نافية. {هُمْ:} مبتدأ. {يُنْصَرُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية قبلها، فهي في محل جر مثلها.

{إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)}

الشرح: {إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ} أي: بالعفو عنه، وقبول الشفاعة فيه؛ أي: فيأذن الله لبعض المؤمنين أن يشفعوا لأقربائهم، وأحبائهم. قال تعالى في سورة (طه) رقم [109]:{يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ}

ص: 684

{الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} . {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي: القوي الغالب، المنتقم من أعدائه، اللطيف، الرؤوف، الرحيم بأوليائه، كما قال تعالى في أول سورة (غافر) رقم [3]:{شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ} فقرن الوعد بالوعيد، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {إِلاّ:} أداة استثناء. {مَنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب على الاستثناء المتصل من {مَوْلًى}. وقال الكسائي: في محل نصب على الاستثناء المنقطع، التقدير: لكن من

إلخ، أو هو في محل رفع على البدلية من واو الجماعة، أو هو في محل رفع على الابتداء، والخبر محذوف، التقدير: إلاّ من رحم الله فمغفور له، وعليه: فالجملة الاسمية في محل نصب حال مستثنى من عموم الأحوال. {رَحِمَ اللهُ:}

ماض، وفاعله، والجملة الفعلية صلة:{مَنْ،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: إلا الذي، أو شخصا رحمه الله. {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} انظر إعراب مثلها في الآية رقم [6]، والجملة الاسمية، تعليل لما قبلها، لا محلّ لها.

{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)}

الشرح: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ:} مشتقة من التزقم، وهو البلع على جهد لكراهتها، ونتنها، وهي تحيا بلهب النار، كما تحيا الشجرة في الدنيا بالماء البارد، واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي تعرفها العرب أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنها معروفة من شجر الدنيا.

ومن قال بهذا اختلفوا فيها، فقال قطرب: إنها شجرة مرّة، تكون بتهامة من أخبث الشجر. وقال غيره: بل هو كل نبات قاتل. القول الثاني: إنها لا تعرف في شجر الدنيا، فلما نزلت هذه الآية، قالت قريش: ما نعرف هذه الشجرة، فقدم عليهم رجل من أفريقية، فسألوه، فقال: هو عندنا الزّبد، والتمر، فقال ابن الزّبعرى: أكثر الله في بيوتنا الزقوم، فقال أبو جهل الخبيث لجاريته:

هاتي زقمينا، فأتته بزبد، وتمر، ثم قال لأصحابه: تزقموا، هذا الذي يخوفنا به محمد، يزعم:

أنّ النار تنبت الشجر، والنار تحرق الشجر. هذا؛ وانظر الآيات وشرحها في سورة (الصافات) رقم [62] إلى [68] تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

{طَعامُ الْأَثِيمِ:} الكثير الآثام، وهو أبو جهل، ومن لف لفه من الكفار، والفجار المعاندين. هذا؛ و {طَعامُ} اسم مصدر مثل: سلام، وعذاب، وعطاء. {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ:} الشجرة التي خلقها الله في جهنم، وسماها الشجرة الملعونة، وذلك في سورة (الإسراء) رقم [60] فإذا جاع أهل النار؛ التجؤوا إليها، فأكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي الماء الحار، وشبه ما يصير منها إلى بطونهم بالمهل، وهو النحاس المذاب، والمهل له معان

ص: 685