المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة غافر سورة (غافر): وتسمى سورة (المؤمن) وسورة (الطّول) وهي مكية، - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ٨

[محمد علي طه الدرة]

الفصل: ‌ ‌سورة غافر سورة (غافر): وتسمى سورة (المؤمن) وسورة (الطّول) وهي مكية،

‌سورة غافر

سورة (غافر): وتسمى سورة (المؤمن) وسورة (الطّول) وهي مكية، وكذا بقية الحواميم مكيات غير آيتين، وهما قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ..} . إلخ رقم [56] و [57]، وعن الحسن إلا قوله:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ..} . إلخ رقم [55] وهي خمس وثمانون آية، وألف ومئة، وتسع وتسعون كلمة، وأربعة آلاف وتسعمئة وستون حرفا. انتهى. خازن. وقال القرطبي: وفي مسند الدارمي عن سعد بن إبراهيم، قال: كانت الحواميم تسمى: العرائس. وروي من حديث أنس رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحواميم ديباج القرآن» . وعن ابن مسعود-رضي الله عنه:

(آل حم ديباج القرآن). وقال الجوهري، وأبو عبيدة: وآل حاميم سور في القرآن. وقال الفراء:

إنما هو كقولك: آل فلان، وآل فلان كأنه نسب السورة كلها إلى حم، قال الكميت:[الطويل]

وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعزب

قال أبو عبيدة: هكذا رواها الأموي بالزاي، وكان أبو عمرو يرويها بالراء. فأما قول العامة: الحواميم فليس من كلام العرب، وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير قياس، وأنشد:[الرجز]

وبالطّواسين الّتي قد ثلّثت

وبالحواميم الّتي قد سبّعت

قال: والأولى أن تجمع ب: ذوات حم، وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكلّ شيء ثمرة، وإن ثمرة القرآن ذوات حم، هنّ روضات حسان، مخضبات متجاورات، فمن أحبّ أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم» . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب» . ذكرهما الثعلبي، والقرطبي.

وقال صلى الله عليه وسلم: «الحواميم سبع، وأبواب النار سبع-انظر الآية رقم [72] من سورة (الزمر) - تجيء كلّ حم منهنّ يوم القيامة على باب من هذه الأبواب، فتقول: لا يدخل النار من كان يؤمن بي، ويقرأني» . وقال أبو عبيدة: وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال: رأى رجل سبع جوار حسان مزيّنات في النوم، فقال: لمن أنتنّ بارك الله فيكنّ؟! فقلن:

نحن لمن قرأنا نحن الحواميم. فتلخص من مجموع هذه الأخبار: أن هذه السور السبع تسمى الحواميم، وتسمى آل حاميم، وتسمى ذوات حاميم، فلها جموع ثلاثة خلافا لمن أنكر الأول منها. تأمل. انتهى. جمل وقرطبي بتصرف.

وهذا؛ وسميت سورة (غافر) لأن الله تعالى ذكر هذا الوصف الجليل، الذي هو من صفات الله الحسنى في مطلع السورة الكريمة؛ حيث قال:{غافِرِ الذَّنْبِ..} . إلخ، وكرر ذكر

ص: 304

المغفرة في دعوة الرجل المؤمن. قال: {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ} . وسميت سورة (المؤمن) لذكر قصة مؤمن آل فرعون، كما ستقف عليها-إن شاء الله-مشروحة مبسوطة.

وسميت سورة الطّول؛ لأنها أطول السور المسماة بالحواميم، بل هي أطول السور التي بعدها إلى آخر سور القرآن، ولا يقاربها سورة قط في الطول. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، أو سميت ب:(الطّول)، وهو الغنى لذكره في الآية رقم [3].

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

بسم الله الرحمن الرحيم

{حم (1)}

الشرح: اختلف في معناه، فقال عكرمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «{حم} اسم من أسماء الله تعالى، وهي مفاتيح خزائن ربك» . وقال ابن عباس-رضي الله عنهما {حم:} اسم الله الأعظم. وعنه:

{الر} و {حم} و {ن} حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضا: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به.

وقال عطاء الخراساني: الحاء: افتتاح اسمه: حميد، وحنان، وحليم، وحكيم، والميم افتتاح اسمه: ملك، ومجيد، ومنان، ومتكبر، ومصوّر. يدل عليه ما روى أنس-رضي الله عنه: أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما {حم} فإنا لا نعرفها في لساننا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بدء أسماء وفواتح سور» . وقال الضحاك، والكسائي: معناه قضي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجّي {حم؛} لأنها تصير:

حمّ (بضم الحاء وتشديد الميم) أي: قضي، ووقع، قال كعب بن مالك-رضي الله عنه:[الطويل]

فلمّا تلاقينا، ودارت بنا الرّحى

وليس لأمر حمّه الله مدفع

وعنه أيضا: إن المعنى حمّ أمر الله؛ أي: قرب، كما قال الشاعر:[مخلع البسيط]

قد حمّ يومي فسرّ قوم

قوم بهم غفلة ونوم

والمعنى: قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر، وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف؛ أعربت، فتقول: قرأت {حم،} فتنصب. قال شريح بن أوفى العبسي، قاتل محمد بن طلحة يوم الجمل:[الطويل]

يذكّرني حاميم والرمح شاجر

فهلاّ تلا حاميم قبل التّقدّم

الإعراب: {حم:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هذه حم، أو هو مبتدأ خبره ما بعده، أو هو في محل نصب من وجهين: الأول أنه في محل نصب لفعل محذوف، تقديره: أقرأ، أو: اتل {حم} والثاني: أنه منصوب على تقدير حذف حرف القسم، كما تقول: الله لأفعلنّ! والناصب

ص: 305

فعل محذوف، التقدير: التزمت الله؛ أي: اليمين به. أو هو في محل جر على القسم، وحرف الجر محذوف، وبقي عمله بعد الحذف؛ لأنه مراد، فهو كالملفوظ به، وتقدير الكلام على هذا:

أقسم، وأحلف ب:{حم} وضعف هذا سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-، فقال: وهذا ضعيف؛ لأن ذلك؛ أي: حذف الجار، وإبقاء عمله، من خصائص الجلالة المعظمة، لا يشركها فيه غيرها، ولا محل لها من الإعراب على اعتبارها وأمثالها حروفا مقطعة، أو مختصرة من أسماء.

{تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)}

الشرح: انظر الآية رقم [1] من سورة (الزمر) ففيها الكفاية.

الإعراب: {تَنْزِيلُ:} فيه أوجه: أحدها: أنه خبر عن {حم؛} لأن {حم} يراد به السورة وبعض القرآن، وتنزيل بمعنى: منزل. والثاني: أن يكون {تَنْزِيلُ} مبتدأ، والخبر متعلق الجار والمجرور:{مِنَ اللهِ} . والثالث: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، التقدير: هذا تنزيل، أو المتلوّ تنزيل، أو: هذه الحروف تنزيل، ودلت {حم} على ذكر الحروف، و {تَنْزِيلُ} مضاف، و {الْكِتابِ} مضاف إليه. من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. {مِنَ اللهِ:} متعلقان ب: {تَنْزِيلُ،} أو بمحذوف خبره. {الْعَزِيزِ:} بدل من لفظ الجلالة. {الْعَلِيمِ:} بدل ثان، وبعضهم يعتبرهما صفتين للفظ الجلالة، ولا أسلمه؛ لأنهما اسمان، وليسا بصفتين.

{غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)}

الشرح: {غافِرِ الذَّنْبِ} أي: للمؤمنين، و {الذَّنْبِ} يطلق على مخالفة الله فيما أمر، أو فيما نهى عنه، وهو على درجات، منها الصغائر، ومنها الكبائر، وتفصيلها معروف في محالها، وجمعه: ذنوب بضم الذال، وهو بفتحها بمعنى: النصيب. قال تعالى في سورة (الذاريات) رقم [59]: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} . و (الذنوب) بفتح الذال أيضا:

الدلو العظيمة قال الراجز: [الرجز]

إنّا إذا شاربنا شريب

له ذنوب ولنا ذنوب

فإن أبى كان له القليب

{وَقابِلِ التَّوْبِ} أيضا للمؤمنين؛ إن تابوا عن ذنوبهم، وإدخال الواو في هذا الوصف لإفادة الجمع للمذنب التائب بين قبول توبته، ومحو ذنبه. انتهى. عمادي. وعبارة البيضاوي: وتوسيط الواو بين الأولين؛ لإفادة الجمع بين محو الذنوب، وقبول التوبة، أو لتغاير الوصفين؛ إذ ربما يتوهم الاتحاد. انتهى. جمل. {شَدِيدِ الْعِقابِ} أي: لمن تمرد، وطغى، وآثر الحياة الدنيا، وعتا عن أوامر الله تعالى، وبغى. وهذه كقوله تعالى في سورة (الحجر) رقم [49 و 50]:

ص: 306

{نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ} يقرن الله هذين الوصفين كثيرا في مواضع متعددة من القرآن ليبقى العبد بين الرجاء، والخوف.

{ذِي الطَّوْلِ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: يعنى: السعة، والغنى. وهو قول مجاهد، وقتادة. وقال زيد الأصم: يعني: الخير الكثير. وقال عكرمة: ذي المن. وقال محمد بن كعب: ذي التفضل. قال الماوردي: والفرق بين المن، والتفضل: أن المن عفو عن ذنب، والتفضل إحسان غير مستحق، والطّول مأخوذ من الطّول كأنه طال بإنعامه على غيره.

{لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} أي: لا نظير له في جميع صفاته، فلا رب غيره، ولا معبود سواه. {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي: المرجع، والماب، فيجازي كل عامل بعمله.

تنبيه: عن يزيد الأصم-رحمه الله تعالى-قال: كان رجل من أهل الشام ذو بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين! تتابع في هذا الشراب! قال: فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}. ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل بقلبه، ويتوب الله عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر-رضي الله عنه-جعل يقرؤه، ويردده، ويقول:

غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، قد حذرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع. فلما بلغ عمر خبره؛ قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخا لكم زل زلة، فسددّوه، ووثقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه. أخرجه ابن أبي حاتم، والحافظ أبو نعيم. انتهى. مختصر ابن كثير، وغيره.

الإعراب: {غافِرِ..} . إلخ: في هذه الصفات ثلاثة أوجه: أحدها: أنها كلها صفات الجلالة.

الثاني: أنها كلها أبدال؛ لأن إضافتها غير محضة. الثالث: أن {غافِرِ} و (قابل) نعتان، و {شَدِيدِ الْعِقابِ:} بدل. انتهى. باختصار عن الجمل نقلا عن السمين. وللزمخشري كلام طويل في هذه الصفات. هذا؛ والإضافة ب: {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ} من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، وفي:{شَدِيدِ الْعِقابِ} من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها. {ذِي:} صفة، أو بدل مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذِي} مضاف، و {الطَّوْلِ} مضاف إليه.

{لا:} نافية للجنس تعمل عمل: «إن» . {إِلهَ:} اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، التقدير: موجود. {إِلاّ:} حرف حصر. {هُوَ:} يجوز فيه ثلاثة أوجه: أحدها: اعتباره بدلا من اسم: {لا} على المحل؛ إذ محله الرفع بالابتداء. والثاني:

اعتباره بدلا من: {لا} واسمها؛ لأنها وما بعدها في محل رفع بالابتداء. والثالث: اعتباره

ص: 307

بدلا من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، وهو الأولى، والأقوى، والجملة الاسمية يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالا لازمة. وقال أبو البقاء: يجوز أن تكون صفة، ورد هذا لأن الجملة لا تكون صفة للمعارف، ويمكن أن تكون صفة ل:{شَدِيدِ} . {إِلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمَصِيرُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية يجوز فيها ما جاز بسابقتها، ويجوز فيها أن تكون حالا من الجملة قبلها، وهي حال مؤكدة، مثل: أنت ابني حقا.

{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)}

الشرح: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ..} . إلخ: أي: ما يخاصم فيها بالتكذيب بها، والإنكار لها. وقد دل على ذلك قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [56]:{وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، واستنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها؛ فأعظم جهاد في سبيل الله. انتهى. نسفي. {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} أي:

بالتجارات النافقة، والمكاسب المربحة، سالمين غانمين، فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب. هذا؛ وفي سورة (آل عمران) رقم [196]:{لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} .

قال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ..} . إلخ، وقوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [176]:{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} . وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جدالا في القرآن كفر» . أخرجه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون، فقال:«إنّما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما الكتاب يصدّق بعضه بعضا، فلا تكذّبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه؛ فقولوه، وما جهلتم منه؛ فكلوه إلى عالمه» . أخرجه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-قال: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، فقال:«إنما هلك من قبلكم باختلافهم في الكتاب» . انتهى. خازن. وعن أبي هريرة رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل، ثم قرأ: {ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً» }. رواه الترمذي، وابن ماجه. هذا؛ ويبقى ما نقلته عن النسفي صحيحا، ومعمولا به. والله ولي التوفيق.

الإعراب: {ما:} نافية. {يُجادِلُ:} فعل مضارع. {فِي آياتِ:} متعلقان به، و {آياتِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {إِلاَّ:} حرف حصر. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{كَفَرُوا..} . إلخ مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة:{ما يُجادِلُ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {فَلا:} الفاء: حرف عطف على رأي:

ص: 308

من يجوز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها وأمثالها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ما ذكر واقعا، وحاصلا؛ فلا

إلخ. (لا): ناهية جازمة. {يَغْرُرْكَ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لا) وقد فك المضعف، ويجوز عدم فكه؛ وقد قرئ به، ولكن الفك أفصح، والكاف مفعول به. {تَقَلُّبُهُمْ:} فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. {فِي الْبِلادِ:} متعلقان بالمصدر، والجملة الفعلية لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة في الفاء.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5)}

الشرح: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} أي: قبل قريش. {قَوْمُ نُوحٍ:} مرت قصة نوح مع قومه مفصلة في كثير من السور. {وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: مثل: قوم هود، وقوم صالح، وقوم إبراهيم

إلخ، وانظر شرح {الْأَحْزابُ} في الآية رقم [11] من سورة (ص). {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ليقتلوه، ويهلكوه. وقيل: ليأسروه، والأخذ يرد بمعنى: الإهلاك، كقوله تعالى في سورة (فاطر) رقم [26]:{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} والعرب تسمي الأسير: الأخيذ؛ لأنه مأسور للقتل، وأنشد قطرب قول الشاعر:[الوافر]

فإمّا تأخذوني تقتلوني

وكم من واحد يهوى خلودي

وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان: أحدهما: عند دعائه لهم. الثاني: عند نزول العذاب بهم. {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي: ليزيلوا. ومنه: مكان دحض؛ أي: مزلقة، والباطل داحض؛ لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. {فَأَخَذْتُهُمْ} أي: فأهلكتهم إهلاكا مريعا. {فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} أي: عقابي، وإهلاكي لهؤلاء المكذبين، أليس وجدوه حقا، وعاينوه في ذهابهم، وإيابهم إلى بلاد الشام؟!

الإعراب: {كَذَّبَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث. {قَبْلَهُمْ:} ظرف زمان متعلق بما قبله.

وقيل: متعلق بمحذوف حال. ولا وجه له. والهاء في محل جر بالإضافة. {قَوْمُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، و {قَوْمُ} مضاف، و {نُوحٍ} مضاف إليه، والمفعول محذوف، التقدير: كذبت قوم نوح نوحا. {وَالْأَحْزابُ:} معطوف على: {قَوْمُ} . {مِنْ بَعْدِهِمْ:} متعلقان بمحذوف حال من (الأحزاب)، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَهَمَّتْ:}

فعل ماض، والتاء للتأنيث. {كُلُّ:} فاعله، و {كُلُّ} مضاف، و {أُمَّةٍ} مضاف إليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {بِرَسُولِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة.

ص: 309

{لِيَأْخُذُوهُ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والهاء مفعوله، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:(همت).

(جادلوا): فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على جملة (همت

) إلخ لا محل لها مثلها. {لِيُدْحِضُوا:} مثل: {لِيَأْخُذُوهُ} في إعرابه، وتأويله، والجار والمجرور متعلقان مع ما قبلهما بالفعل (جادلوا). {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {الْحَقَّ:} مفعول به. {فَأَخَذْتُهُمْ:} فعل ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.

{فَكَيْفَ:} الفاء: حرف استئناف. (كيف): اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر {كانَ} تقدم عليها، وعلى اسمها. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {عِقابِ:} اسم {كانَ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة. هذا؛ وإن اعتبرت {كانَ} تامة ف:{عِقابِ} فاعلها، و (كيف) في محل نصب حال، تقدمت عليها، وعلى فاعلها، والجملة فعلية على الاعتبارين، وهي مستأنفة، لا محل لها، وهو أقوى من العطف على ما قبلها.

{وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ (6)}

الشرح: {وَكَذلِكَ حَقَّتْ:} وجبت، ولزمت؛ مأخوذ من الحق؛ لأنه اللازم. والمعنى:

كما حقت كلمة العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة، كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك، وخالفوك يا محمد بطريق الأولى؛ لأن من كذبك فلا وثوق له بتصديق غيرك. والله أعلم. انتهى مختصر ابن كثير. {كَلِمَةُ رَبِّكَ..}. إلخ: فقد قال تعالى في كثير من الآيات: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} أي: من الكافرين المخالفين أوامر الله من كل أمة في كل عصر، وفي كل مكان. وما أحراك أن تنظر الآية رقم [171] من سورة (الصافات) والتي بعدها، وما هنا بمنزلة المقابلة لما هناك.

الإعراب: {وَكَذلِكَ:} الواو: حرف استئناف. (كذلك): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ محذوف، التقدير: والأمر كذلك، ثم أخبر بأنه حقت عليهم كلمة الله بالعذاب.

ويحتمل أن يكونا متعلقين بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير:

وجبت كلمة ربك على الذين كفروا من قومك وجوبا كائنا مثل وجوبها على من تقدمهم من الأمم. واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {حَقَّتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث. {كَلِمَةُ:} فاعل، و {كَلِمَةُ} مضاف، و {رَبِّكَ} مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {عَلَى الَّذِينَ:} جار ومجرور

ص: 310

متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول لا محل لها.

{أَنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها. {أَصْحابُ:} خبر (أنّ) وهو مضاف، و {النّارِ} مضاف إليه، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع بدلا من {كَلِمَةُ} بدل كل من كل، أو بدل الاشتمال على إرادة اللفظ، أو المعنى. انتهى.

بيضاوي. هذا؛ ويجوز اعتبار المصدر مجرورا في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: لأنهم أصحاب. كما يجوز اعتبار المصدر في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو أنهم أصحاب النار، وقال الفراء: يجوز: (إنّهم) بالكسر على الاسئناف، ولم أر قراءة بالكسر.

هذا؛ ومثل هذه الآية في إعرابها، الآية رقم [33] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وما يشبهها في الآيتين رقم [171 و 172] من سورة (الصافات).

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاِتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7)}

الشرح: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} أي: حاملين العرش، والحافين حوله، وهم الكروبيون سادة الملائكة، وأولهم وجودا. وحملهم إياه، وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم له، وتدبيرهم شؤونه. أو كناية عن قربهم من ذي العرش، ومكانتهم عنده، وتوسطهم في نفاذ أمره.

وروي: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى، ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم. آمنت وصدقت بكل ما يذكر بشأن الملائكة الكرام.

وفي الحديث: إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا، ويروحوا بالسلام على حملة العرش، تفضيلا لهم على سائر الملائكة. وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة، يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف من الملائكة قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، يهللون ويكبرون، ومن ورائهم مئة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. انتهى. نسفي.

{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ:} يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام. وجعل التسبيح أصلا، والحمد حالا؛ لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح. ومعنى {يُسَبِّحُونَ:}

ينزهون الله تعالى عما لا يليق بجلاله. والتحميد: هو الاعتراف بأنه هو المنعم على الإطلاق.

{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: يصدقون بأنه واحد، لا شريك له، ولا مثل له، ولا نظير له. انتهى.

خازن. وقال: فإن قلت: قدم قوله: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} على قوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} ولا يكون

ص: 311

التسبيح إلا بعد الإيمان. فما فائدة قوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ؟} قلت: فائدته التنبيه على شرف الإيمان، وفضله، والترغيب فيه، ولما كان الله عز وجل محتجبا عنهم بحجب جلاله، وجماله، وكماله؛ وصفهم بالإيمان به.

قال شهر بن حوشب-رضي الله عنه: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا:{رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} أي: رحمتك تسع ذنوبهم، وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم، وأقوالهم، وحركاتهم وسكناتهم. هذا؛ وقال المفسرون: وفي وصف الله تعالى بالرحمة، والعلم -وهو ثناء قبل الدعاء-تعليم العباد أدب السؤال، والدعاء، فهم يبدؤون دعاءهم بأدب، ويستمطرون إحسانه، وفضله، وإنعامه. وتقديم الرحمة؛ لأنها المقصودة بالذات هاهنا.

{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أي: فاصفح عن المسيئين إذا تابوا، وأنابوا، وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخير، وترك المنكرات. {وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ} أي:

واحفظهم من عذاب الجحيم، وهو العذاب الموجع المؤلم.

والمعنى: اجعل بينهم، وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة في أمورهم، وتتم نعمتك عليهم بتوفيقهم لعبادتك، وطاعتك فإنك وعدت من كان كذلك بذلك، ولا يبدل القول لديك. وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء، وإن الخلق عبيدك. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. ولا تنس: أنّ في الكلام تغليبا؛ لأن دعاء الملائكة للذكور يشمل الإناث المؤمنات بلا ريب، وهذا التغليب تجده في كثير من الآيات، والألفاظ، مثل:{يُؤْمِنُونَ،} {يَعْمَلُونَ،} {يَدْخُلُونَ..} . إلخ.

قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبد الله يقولون: الملائكة خير من ابن الكوّاء، هم يستغفرون لمن في الأرض، وابن الكوّاء يشهد عليهم بالكفر. قال إبراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة. وقال مطرّف بن عبد الله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان، وتلا هذه الآية. وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنّة أرجى منها، إن ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين؛ لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة، وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين؟ وقال خلف بن هشام البزار القارئ: كنت أقرأ على سليم بن عيسى، فلما بلغت:

{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بكى، ثم قال: يا خلف! ما أكرم المؤمن على الله؛ نائما على فراشه؛ والملائكة يستغفرون له!. انتهى. قرطبي.

هذا؛ وابن الكوّاء من الخوارج، وهم كفروا معاوية، وعمرو بن العاص، وأخيرا كفروا عليّا رضي الله عنه-وتاريخهم، وقصصهم، وحكاياهم في التاريخ الإسلامي مشهورة مسطورة.

ص: 312

الإعراب: {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:{يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} صلة الموصول لا محل لها. {وَمَنْ:} الواو: حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على: {الَّذِينَ} . {حَوْلَهُ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة (من)، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} في محل رفع خبر المبتدأ. وانظر تفصيل الإعراب في الآية رقم [75] من سورة (الزمر)، وجملة:{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} معطوفة عليها، فهي في محل رفع مثلها. {وَيَسْتَغْفِرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها. {لِلَّذِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الاسمية:{الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{رَبَّنا:} منادى حذفت منه أداة النداء منصوب، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَسِعْتَ:} فعل، وفاعل. {كُلَّ:} مفعول به، و {كُلَّ} مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه. {رَحْمَةً:} تمييز محول عن الفاعل؛ إذ التقدير:

وسعت رحمتك وعلمك كل شيء. وقيل: مفعول مطلق عامله «وسع» ؛ لأن معناه: رحم، وعلم. والأول أولى، وأقوى، والكلام:{رَبَّنا وَسِعْتَ..} . إلخ في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: «يقولون: ربنا

» إلخ، والجملة هذه في محل نصب حال من واو الجماعة، أو هي مفسرة ل:(يستغفرون) والمعنى: لا يأباه. {فَاغْفِرْ:} الفاء: هي الفصيحة، انظر الآية رقم [4]. (اغفر): فعل دعاء، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» ، ومفعوله محذوف، تقديره: ذنوبهم. {لِلَّذِينَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كان ذلك واقعا، أو حاصلا؛ فاغفر

إلخ، وجملة:{تابُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، وجملة:{وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {وَقِهِمْ:} الواو: حرف عطف. (قهم): فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل تقديره:«أنت» ، والهاء مفعول به أول. {عَذابَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {الْجَحِيمِ} مضاف إليه، وجملة:{وَقِهِمْ..} . إلخ معطوفة على جملة: (اغفر

) إلخ.

{رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)}

الشرح: {رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ} أي: تكرم، وتفضل عليهم بدخول جنات عدن بسبب ما ذكر في الآية السابقة. وانظر شرح:{جَنّاتِ عَدْنٍ} في الآية رقم [50] من سورة (ص). {وَمَنْ}

ص: 313

{صَلَحَ..} . إلخ: أي: وأدخل من صلح من آبائهم

إلخ: بالإيمان والعمل الصالح، وذلك ليتم سرورهم، وتزول أحزانهم. ومثل هذه الآية في المعنى قوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [23]:

{جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ} فأنت ترى: أن الصلاح مشروط لإدخال الآباء، والأزواج، والذرية في الآيتين الكريمتين، ولكن هناك من يقول: إن الصلاح غير مشروط، فقد قال سعيد بن جبير-رضي الله عنه: يدخل الرجل الجنة، فيقول:

يا رب أين أبي، وجدي، وأمي؟ وأين ولدي، وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال: إنهم لم يعملوا كعملك، فيقول: يا رب! كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنة، ثم تلا قوله تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ..} . إلخ إلى: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

هذا؛ وأرى: أن هذه الآيات لا ترد الاعتراض باشتراط الصلاح، ولا تحله، وإنما الذي يحله قوله تعالى في سورة (الطور) [21]:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..} .

إلخ فهذه الآية تشترط الإيمان ولا تشترط الصلاح. والمعنى: ساوينا بين الكل في المنزلة، والدرجة لتقر أعينهم، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني، بل رفعنا ناقص العمل، فساويناه بكثير العمل، تفضلا منا، ومنة. هذا؛ وقرئ:«(صلح)» بضم اللام، و «(ذريتهم)» بالإفراد.

{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ:} الغالب، القاهر، القادر، المقتدر؛ الذي لا يمتنع عليه مقدور.

{الْحَكِيمُ:} الذي لا يفعل إلا ما تقضيه الحكمة، ومن ذلك الوفاء بالوعد:{وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ} سورة (التوبة) رقم [111].

الإعراب: {رَبَّنا:} منادى مثل سابقه. (أدخلهم): فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، والهاء مفعول به أول. {جَنّاتِ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، و {جَنّاتِ} مضاف، و {عَدْنٍ} مضاف إليه. {الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة: {جَنّاتِ عَدْنٍ} . {وَعَدْتَهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، وهو المفعول الثاني؛ إذ التقدير: التي وعدتهم إياها. {وَمَنْ:} الواو: حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على أحد الضميرين المنصوبين. والأول أولى، وأقوى.

{صَلَحَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:(من)، وهو العائد، والجملة الفعلية صلة له. {مِنْ آبائِهِمْ:} متعلقان بمحذوف حال من الفاعل العائد على: (من)، ومن بيان لما أبهم فيها.

{وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ:} معطوفان على ما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والآية بكاملها في محل نصب مقول للقول المحذوف، الذي رأيت تقديره.

{إِنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {أَنْتَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الْعَزِيزُ:} خبر أول. {الْحَكِيمُ:} خبر ثان، والجملة الاسمية في محل رفع

ص: 314

خبر (إنّ). هذا؛ ويجوز اعتبار الضمير فصلا لا محل له، واعتباره توكيدا لاسم (إنّ) على المحل.

وعليهما فالاسمان العظيمان خبران ل: (إنّ)، وجملة:{إِنَّكَ..} . إلخ تعليل للدعاء، لا محل لها.

{وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}

الشرح: {وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ} أي: احفظهم من العذاب الذي يتسبب عن السيئات، وذلك بالتوفيق للطاعات، والحفظ من المعاصي والسيئات على اختلاف أنواعها، ودرجاتها. {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ:} ومن تحفظه من السيئات في الدنيا، وتوفقه للطاعات؛ {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} أي: في الدنيا والآخرة. فكأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب. {وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:}

الإشارة إلى ما ذكر من الرحمة، ووقاية السيئات، وكان ذلك فوزا عظيما؛ حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيما لا ينقطع، وبأفعال حقيرة ملكا لا تصل العقول إلى كنه جلالته. انتهى. جمل بتصرف. هذا؛ وانظر (التقوى) في الآية رقم [10] من سورة (الزمر).

هذا؛ وانظر شرح {يَوْمَئِذٍ} في الآية رقم [33] من سورة (الصافات). أما (قهم) فهو فعل دعاء، وصيغته صيغة أمر، فهو من: وقى، يقي اللفيف المفروق، فتحذف فاؤه من المضارع، مثل كل فعل مثال، مثل: وعد، يعد، ووزن، يزن

إلخ، وتحذف لامه في الأمر مع فائه لبنائه على حذف حرف العلة، مثل كل فعل ناقص معتل الآخر، مثل: اسع، وارم

إلخ، فيبقى فعل أمر باللفظ حرفا واحدا (ق) ومثله: وعى، يعي، ع، ووفى، يفي، ف، وولي، يلي، ل، ووطي، يطي، ط، وإذا لم يتصل به ضمير تلحقه هاء السكت، فتقول: فه، له، عه

إلخ.

الإعراب: {وَقِهِمُ:} الواو: حرف عطف. (قهم): فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، والهاء مفعوله الأول. {السَّيِّئاتِ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وفي الكلام حذف مضاف، التقدير: وقهم عقاب السيئات. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. (من):

اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم، أو هو في محل رفع مبتدأ.

{تَقِ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والفاعل تقديره:«أنت» ، والمفعول محذوف على اعتبار (من) مبتدأ. {السَّيِّئاتِ:} مفعول به ثان منصوب

إلخ. {يَوْمَئِذٍ:} (يوم): ظرف زمان متعلق بما قبله، و (إذ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل جر بالإضافة، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين. {فَقَدْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {رَحِمْتَهُ:} فعل، وفاعل،

ص: 315

ومفعول به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور. والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وخبر (من) على اعتبارها مبتدأ مختلف فيه، فقيل: هو جملة الشرط. وقيل: هو جملة الجواب. وقيل: هو الجملتان، وهو المرجح عند المعاصرين، والجملة الشرطية على الاعتبارين في محل نصب مقول القول للقول المحذوف، الذي رأيت تقديره.

{وَذلِكَ:} الواو: حرف استئناف. (ذلك): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {هُوَ:} ضمير فصل لا محل له، أو هو بدل من اسم الإشارة، وعليهما ف:{الْفَوْزُ} خبر المبتدأ. هذا؛ ويجوز اعتبار الضمير مبتدأ و {الْفَوْزُ} خبره، وعليه فالجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وهي بمنزلة التذييل للكلام السابق. {الْعَظِيمُ:} صفة: {الْفَوْزُ} .

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10)}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ} أي: تناديهم الملائكة حين يدخلون النار، ويرون ما يحل بهم من العذاب الأليم، والعقاب الشديد، ويمقتون أنفسهم، ويبغضونها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة؛ التي كانت سبب دخولهم النار، فتخبرهم الملائكة عند ذلك بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان، فيكافرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم في هذه الحالة.

قال قتادة، والحسن البصري، ومجاهد، والسدي: المعنى: لمقت أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا، فتركوه، وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين يرون عذاب الله يوم القيامة. انتهى مختصر ابن كثير. ونداء الملائكة لهم إنما هو على سبيل التوبيخ، والتأنيب، والتقريع.

وقيل: المعنى: لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض، كقوله تعالى في سورة (العنكبوت) رقم [25]:{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وقال الكلبي-نسبة إلى قبيلة بني كلب قبيلة مشهورة، منها زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه: مقتك يا نفسي! فتقول الملائكة لهم؛ وهم في النار: لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا، وقد بعث إليكم الرسل، فلم تؤمنوا أشد من مقتكم اليوم أنفسكم. وقال الحسن البصري: يعطون كتبهم، فإذا نظروا في سيئاتهم؛ مقتوا أنفسهم.

فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا؛ إذ تدعون إلى الإيمان، فتكافرون أكبر من مقتكم أنفسكم؛ إذا عاينتم النار. انتهى. جمل. هذا؛ والمقت: أشد البغض، وهو في حق الله تعالى محال، فالمراد منه هنا لازمه، وهو الغضب عليهم، وتعذيبهم، وانظر الآية رقم [35].

ص: 316

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم {إِنَّ} . {كَفَرُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، التقدير: كفروا بالله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها.

{يُنادَوْنَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع

إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين.

{لَمَقْتُ:} اللام: لام الابتداء. (مقت): مبتدأ، وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، ومفعوله محذوف، التقدير: لمقت الله أنفسكم، فحذف لدلالة ما بعده عليه.

{أَكْبَرُ:} خبر المبتدأ. {مِنْ مَقْتِكُمْ:} متعلقان ب: {أَكْبَرُ،} والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {أَنْفُسَكُمْ:} مفعول به للمصدر، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية:{لَمَقْتُ..} . إلخ في محل نصب مفعول به ل: {يُنادَوْنَ؛} لأنه بمعنى: يقال لهم، والنداء قول. قاله الأخفش. وقال غيره: المعنى: يقال لهم: لمقت الله إياكم في الدنيا.

وهذا يعني: أن الجملة في محل نصب مقول القول لقول محذوف، وهذه الجملة مفسرة للفعل:

{يُنادَوْنَ} . {إِذْ:} ظرف مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، تقديره: اذكروا، أو احذروا. وقيل: متعلق بأحد المصدرين السابقين. ورده ابن هشام في المغني، وفنده. {تُدْعَوْنَ:} فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {إِلَى الْإِيمانِ:} متعلقان بما قبلهما، وجملة:{فَتَكْفُرُونَ} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. هذا؛ وقال الزمخشري:{إِذْ} للتعليل. ولا وجه له.

{قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اِثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)}

الشرح: {قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ:} اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية، فقال ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، والضحاك-رضي الله عنهم: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا، ثم أحياهم للبعث والقيامة، فهاتان حياتان، وموتتان، وهو قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [28]:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . وقال السدي وغيره: أميتوا في الدنيا، ثم أحياهم في القبور للسؤال، ثم أميتوا، ثم أحيوا في الآخرة. وإنما صار إلى هذا؛ لأن لفظ الميت، لا ينطلق في العرف على النطفة. واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر، ولو كان الثواب، والعقاب للروح دون الجسد، فما معنى الإحياء والإماتة؟ والروح-عند

ص: 317

من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح-لا تموت، ولا تتغير، ولا تفسد، وهو حي لنفسه لا يتطرق إليه موت، ولا غشية ولا فناء. انتهى. قرطبي.

وقال ابن زيد في هذه الآية: خلقهم في ظهر آدم، وأخرجهم، وأحياهم، وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم، ثم أحياهم في الدنيا، ثم أماتهم. {فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا:} اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف، وندموا؛ حيث لا ينفعهم الندم.

{فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} أي: فهل أنت محيينا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا؟ فإنك قادر على ذلك؛ لنعمل غير الذي كنا نعمل، فإن عدنا فإنا ظالمون، فأجيبوا: أن لا سبيل إلى عودكم إلى الدار الدنيا. ثم علل ذلك المنع بأن سجاياكم لا تقبل الحق، ولا تقتضيه، بل تمجه، وتنفيه، وهذا المعنى تكرر في سورة (السجدة) رقم [12]، وفي سورة (الأنعام) رقم [27]، وفي سورة (المؤمنون) رقم [107]، وفي سورة (فاطر) رقم [37] انظر شرحها، وتفصيلها في محالها. هذا؛ ولا تنس الطباق بين {أَمَتَّنَا} و (أحييتنا) وهو من المحسنات البديعية.

هذا؛ وفي الاستفهام يأس، وقنوط، واستحالة مفرطة، كأنهم لفرط ما يكابدونه يتمنون الخروج من هذا الأسى المطبق من الهول المستحكم، ولكن أي تمن هذا؟! إنه تمني من غلب عليه اليأس، والقنوط، وإنما يقولون ذلك تعللا، وتحيرا، ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك، وهو ما في الآية التالية.

الإعراب: {قالُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق.

{رَبَّنا:} منادى حذفت منه أداة النداء منصوب، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَمَتَّنَا:} فعل ماض مبني على السكون، والتاء فاعله، و (نا) مفعوله. {اِثْنَتَيْنِ:} نائب مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية مع الجملة الندائية قبلها في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} معطوفة على ما قبلها، وإعرابها مثلها بلا فارق. (اعترفنا): فعل، وفاعل. {بِذُنُوبِنا:} متعلقان بما قبلهما، و (نا):

في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {فَهَلْ:} الفاء: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام. {إِلى خُرُوجٍ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم {مِنْ:}

حرف جر صلة. {سَبِيلٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الاسمية مستأنفة، أو معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول على الاعتبارين، وجملة:{قالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.

ص: 318

{ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}

الشرح: {ذلِكُمْ} أي: الذي أنتم فيه من العذاب. {بِأَنَّهُ} أي: بسبب أنه؛ أي: الحال والشأن. {إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} أي: أنكرتم أن تكون الألوهية لله وحده. {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا:} وإن دعيتم إلى اللات، والعزى، وأمثالهما من الأصنام؛ آمنتم، وصدقتم بألوهيتها.

{فَالْحُكْمُ لِلّهِ} أي: الأمر لله، والحكم له، والعبادة خاصة له؛ حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي، والعقاب الأبدي. {الْعَلِيِّ:} المتعالي، والمنزه عن أن يشرك به، ويسوى بغيره.

{الْكَبِيرِ:} العظيم على من أشرك، وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاقه العبادة، والمعنى الإجمالي: فالقضاء لله وحده، لا للأوثان، والأصنام، ولا سبيل إلى نجاتكم؛ لأن الله تعالى هو المتعالي على خلقه، العظيم في ملكه؛ الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. هذا؛ ومضمون الآية ردّ، ونفي لما طلبوه من الإعادة إلى الدنيا.

هذا؛ وقيل: إن الخوارج إنما أخذوا قولهم: لا حكم إلا لله من هذه الآية. وقال قتادة -رحمه الله تعالى-: لما خرج أهل حروراء؛ قال الإمام علي-رضي الله عنه: من هؤلاء؟ قيل: المحكمون. أي: الذين يقولون: لا حكم إلا لله، فقال كرم الله وجهه: كلمة حق أريد بها باطل. انتهى. نسفي بتصرف. هذا؛ ولا تنس المقابلة في هذه الآية؛ حيث قابل بين التوحيد، والإشراك، والكفر، والإيمان.

الإعراب: {ذلِكُمْ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام، للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {بِأَنَّهُ:} الباء: حرف جر. (أنه): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {دُعِيَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {اللهُ:}

نائب فاعله. {وَحْدَهُ:} قال القرطبي: نصب على المصدر عند الخليل، وسيبويه، وعلى الحال عند يونس. انتهى. أقول: وهو المعتمد، وهو مؤول ب: منفردا، كما هو مقرر في كتب النحو.

والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المرجوح المشهور. {كَفَرْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب {إِذا،} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها في محل رفع خبر (أن)، و (أن) واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{ذلِكُمْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَإِنْ:}

الواو: حرف عطف. (إن): حرف شرط جازم. {يُشْرَكْ:} فعل مضارع فعل الشرط، وهو مبني للمجهول. {بِهِ:} جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها

ص: 319

ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {تُؤْمِنُوا:} فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية مع المتعلق المحذوف لا محل لها؛ لأنها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب:«إذا» الفجائية، و (إن) ومدخولها معطوف على (إذا) ومدخولها فهو في محل رفع مثله. {فَالْحُكْمُ:} الفاء: حرف تعليل. (الحكم): مبتدأ. {اللهُ:} متعلقان بمحذوف خبره، والجملة الاسمية لا محل لها؛ لأنها استئنافية، أو تعليلية. {الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ:} بدلان من لفظ الجلالة، وبعضهم يعتبرهما صفتين، ولا أسلمه؛ لأنهما من الأسماء الحسنى، وليسا من صفات الله، كما هو مقرر في علم التوحيد.

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاّ مَنْ يُنِيبُ (13)}

الشرح: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ} أي: دلائل توحيده، وقدرته. {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً} أي: وينزل لكم من السماء المطر، الذي تسبب عنه الرزق من الزروع، والثمار، فهو من إطلاق المسبب وإرادة السبب. جمع الله في هذه الآية بين إظهار الآيات، وإنزال الرزق؛ لأن بالآيات قوام الأديان، وبالرزق قوام الأبدان، وهذه الآيات هي السموات، والأرضون، وما فيهما، وما بينهما من الشمس، والقمر، والنجوم، والرياح، والسحاب، والبحار، والأنهار، والعيون، والجبال، والأشجار، وآثار قوم هلكوا.

{وَما يَتَذَكَّرُ} أي: ما يتعظ بهذه الآيات، فيوحد الله، ويعبده. {إِلاّ مَنْ يُنِيبُ} أي:

يرجع إلى طاعة الله وتوحيده، يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها، والتفكير فيها، فإن المعاند لا يتذكر، ولا يتعظ.

الإعراب: {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {يُرِيكُمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى:{الَّذِي} وهو العائد، والكاف مفعول به أول. {آياتِهِ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {وَيُنَزِّلُ:} الواو: حرف عطف. (ينزل): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:

{الَّذِي} . {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنَ السَّماءِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {رِزْقاً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا» . والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَما:} الواو:

حرف عطف. (ما): نافية. {يَتَذَكَّرُ:} فعل مضارع. {إِلاّ:} حرف حصر. {مِنَ:} اسم

ص: 320

موصول مبني على السكون في محل رفع فاعله. {يُنِيبُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:

{مِنَ،} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، وجملة:{وَما يَتَذَكَّرُ..} .

إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والعائد في الأولى عائد في الثانية. هذا؛ وإن اعتبرتها في محل نصب حال من كاف الخطاب فلست مفندا، ويكون الرابط: الواو فقط. تأمل وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

{فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14)}

الشرح: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: فاعبدوا الله أيها المؤمنون مخلصين له العبادة، والطاعة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [2] و [3] من سورة (الزمر). {وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} أي:

ولو غاظ الكافرين عبادتكم، وإخلاصكم لله العبادة، والطاعة، فأخلصوا له تعالى العبادة، وخالفوا الكافرين في مسلكهم، ومذهبهم في حياتهم.

الإعراب: {فَادْعُوا:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: إذا كان الأمر كما ذكر من اختصاص التذكر بمن ينيب؛ فاعبدوه أيها المؤمنون مخلصين له دينكم بموجب إنابتكم إليه، وإيمانكم به. انتهى. (ادعوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، كما رأيت تقديره، والكلام كله مستأنف لا محل له. {مُخْلِصِينَ:} حال من واو الجماعة منصوب، وعلامة نصبه الياء

إلخ، وفاعله مستتر فيه. {اللهَ:} جار ومجرور متعلقان به. {الدِّينَ:} مفعول به ل: {مُخْلِصِينَ} . {وَلَوْ:} الواو: واو الحال. (لو): وصلية.

{كَرِهَ:} فعل ماض. {الْكافِرُونَ:} فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو

إلخ، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو فقط. وهذا أقوى من اعتبار (لو) شرطية محذوفة الجواب لدلالة ما قبله عليه.

{رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)}

الشرح: {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ:} عظيم الصفات، بمعنى: مرتفع بعظمته في صفات جلاله، وكماله، ووحدانيته، المستغني عن كل ما سواه، وكل الخلق فقراء إليه. فهو على هذا صفة مشبهة، أو المعنى: رافع درجات الأنبياء، والأولياء والعلماء في الجنة. وهو على هذا صيغة مبالغة محولة عن اسم الفاعل. {ذُو الْعَرْشِ:} صاحبه، وخالقه، ومالكه، ومتصرف فيه.

وتخصيصه بالذكر؛ لأنه أعظم الأجسام المخلوقة فيما يرى العباد. والمقصود: كمال التنبيه على كمال القدرة، فكل ما كان أعظم؛ كانت دلالته على كمال القدرة أقوى، وأدل.

ص: 321

{يُلْقِي الرُّوحَ:} الوحي، والنبوة، وسمي ذلك روحا؛ لأن الناس يحيون بها؛ أي: يحيون من موت الكفر، كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد:{الرُّوحَ} القرآن، قال تعالى:

{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} . وعلى هذين الوجهين في الكلام استعارة تصريحية، وهو ما أفاده كلام الزمخشري. وقيل:{الرُّوحَ} جبريل عليه السلام، قال تعالى في سورة (الشعراء):

{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ} . {مِنْ أَمْرِهِ:} بأمره وقضائه. {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ:} وهم الأنبياء، يشاء هو أن يكونوا أنبياء، وليس لأحد فيهم مشيئة، قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [74]:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .

{لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ:} لينذر الله، أو الملقى عليه الوحي، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قراءة:

«(لتنذر)» ، و {يَوْمَ التَّلاقِ} هو يوم القيامة، يلتقي فيه الخلق، والخالق، والعابد، والمعبود، والظالم، والمظلوم. وقيل: يلتقي فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، وكله صحيح المعنى.

الإعراب: {رَفِيعُ:} خبر ثان للمبتدأ المذكور في الآية رقم [13]، أو خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو رفيع. وقرئ بالنصب على الحال، أو على المدح بفعل محذوف، و {رَفِيعُ} مضاف، و {الدَّرَجاتِ} مضاف إليه، من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها، أو من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {ذُو:} يجوز فيه ما جاز ب: {رَفِيعُ} من أوجه، فهو مرفوع، أو منصوب، وعلى الرفع الواو، وعلامة النصب الألف؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذُو} مضاف، و {الْعَرْشِ} مضاف إليه. {يُلْقِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى (الله) تقديره:«هو» ، والجملة الفعلية يجوز فيها ما جاز ب:{رَفِيعُ} . هذا؛ وأرى جواز اعتبارها حالا من: {ذُو الْعَرْشِ،} وعليه يكون الفاعل عائدا إليه، وهو الرابط. {الرُّوحَ:} مفعول به. {مِنْ أَمْرِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من:{الرُّوحَ،} على اعتبار «أل» للتعريف، أو بمحذوف صفة له على اعتبارها للجنس، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {عَلى مَنْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة {مِنْ،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: على الذي، أو: على شخص يشاؤه. {مِنْ عِبادِهِ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب المحذوف، و {مِنْ} بيان لما أبهم في {مِنْ،} والهاء في محل جر بالإضافة.

{لِيُنْذِرَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى (الله)، أو إلى الموحى إليه، والمفعول الأول محذوف، التقدير: لينذر الناس. {يَوْمَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {التَّلاقِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{يُلْقِي} أيضا.

ص: 322

{يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ (16)}

الشرح: {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ} أي: خارجون من قبورهم، ظاهرون، لا يسترهم شيء من جبل، أو أكمة، أو بناء؛ لكون الأرض يومئذ قاعا صفصفا، ولا ثياب عليهم، وإنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يحشر الناس حفاة عراة غرلا» . رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عائشة-رضي الله عنها.

{لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} أي: من ذواتهم، وأعمالهم، وأحوالهم. فإن قلت: الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام فما وجه تخصيص هذا اليوم؟ قلت: كانوا يتوهمون في الدنيا: أنهم إذا استتروا بالحيطان، والحجب؛ لا يراهم الله، وتخفى عليه أعمالهم، وهم في ذلك اليوم لا يتوهمون هذا التوهم. انتهى. خازن. ولذا قال تعالى في سورة (فصلت) رقم [22 و 23]:

{وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} . فهذا يقال لهم يوم القيامة حين تشهد عليهم جوارحهم بسوء أعمالهم. وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [108]: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} .

{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ:} وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن: الله السائل، وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه سبحانه، فيقول:{لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} . وقال النحاس:

وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله عز وجل عليها، فيؤمر مناد ينادي:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم: {لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا، وتلذذا، ويقوله الكافرون غمّا، وانقيادا، وخضوعا. فأما أن يكون هذا؛ والخلق غير موجودين؛ فبعيد؛ لأنه لا فائدة فيه. والقول صحيح عن ابن مسعود-رضي الله عنه-وليس هو مما يؤخذ بالقياس، ولا بالتأويل.

قلت: والقول الأول ظاهر جدا؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه، وكل متكبر وجبروته، وانقطعت دعاويهم، وأنسابهم، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض، والأرواح، وطي السماء: أنا الملك؛ أين ملوك الأرض؟ كما تقدم في حديث ابن عمر-رضي الله عنهما. ثم يطوي الأرض بشماله، والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟! وانظر ما ذكرته في سورة (الزمر) رقم [67]. وعند قوله سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يكون انقطاع زمن الدنيا، وبعده يكون البعث، والنشر. قال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه: قوله سبحانه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يكون بين النفختين حين فني الخلق، وبقي الخالق، فلا يرى غير

ص: 323

نفسه مالكا، ولا مملوكا، فيقول:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه، فيقول:{لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} لأنه بقي وحده، وقهر خلقه. انتهى. قرطبي بتصرف بسيط.

أقول: والمعتمد أن ما ذكر إنما يكون بعد النفخة الأولى، وسكون الحركات، وخمود الأصوات، وخلو الأرض من أهلها، والسموات، فلا تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا، ثم يطلع الملك القهار إلى الدنيا، فيقول، وهو أعلم: يا دنيا! أين أنهارك؟ وأين أشجارك؟ وأين أحبابك؟ وأين عمارك؟ أين الملوك، وأبناء الملوك؟ أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي، وتقلبوا في نعمتي، ثم عبدوا غيري؟. {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد، فيقول:

{لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} .

هذا؛ و {الْواحِدِ} قال الخطابي في شرحه: هو الفرد الذي لم يزل وحده. وقيل: هو المنقطع عن القرين، والشريك، والنظير، وليس هو كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة؛ لأن ذلك يكثر بانضمام بعضها إلى بعض، والواحد ليس كذلك، فهو الله الواحد؛ الذي لا مثل له، ولا يشبهه شيء في خلقه. {الْقَهّارِ} قال الخطابي: هو الذي قهر الجبابرة من خلقه بالعقوبة، وقهر العباد كلهم بالموت. وقال غيره: هو الذي قهر كل شيء، وذلله، فاستسلم، وانقاد له، ولا تنس أن القهار صيغة مبالغة «قاهر» ، وانظر قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [18]:{وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} .

الإعراب: {يَوْمَ:} بدل من {يَوْمَ التَّلاقِ} وأجاز ابن هشام اعتباره ظرفا متعلقا بالفعل: {لا يَخْفى} . {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {بارِزُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الاسمية في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {لا:} نافية. {يَخْفى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {عَلَى اللهِ مِنْهُمْ:} كلاهما متعلقان بالفعل قبلهما. {شَيْءٌ:} فاعل {يَخْفى،} والجملة الفعلية يجوز فيها أن تكون خبرا آخر للمبتدأ، وأن تكون في محل نصب حال من الضمير المستتر في:{بارِزُونَ،} والرابط: الضمير فقط، وأن تكون مستأنفة، لا محل لها.

{لِمَنِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمُلْكُ:} مبتدأ مؤخر. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {الْمُلْكُ،} وقال أبو البقاء: العامل فيه {لِمَنِ} أو ما يتعلق به الجار. وقيل: هو ظرف ل: {الْمُلْكُ،} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، كما رأيت في الشرح، والقول ومقوله كلام مستأنف، لا محل له. {اللهِ:} متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو كائن لله. {الْواحِدِ الْقَهّارِ:} بدلان من لفظ الجلالة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [12]. هذا؛ وقال أبو البقاء أيضا: وقيل: الوقف على الملك، ثم استأنف، فقال: هو اليوم لله الواحد؛ أي: استقر اليوم لله. انتهى. والأول هو المعتمد.

ص: 324

{الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)}

الشرح: {الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ..} . إلخ: قال النسفي-رحمه الله تعالى-:

لما قرر: أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك، وهي أن كل نفس تجزى بما كسبت، وعملت في الدنيا من خير، أو شر، وأن الظلم مأمون منه تعالى؛ لأنه جلت قدرته، وتعالت حكمته ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطئ؛ لأنه لا يشغله حساب عن حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد، وهو أسرع الحاسبين. انتهى. وفي الكشاف: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا أخذ في حسابهم؛ لم يقل أهل الجنة إلا فيها، ولا أهل النار إلا فيها.

هذا؛ ويقيل من القيلولة، وهي الاستراحة وقت الظهيرة. وفي القرطبي: وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. انتهى. هذا؛ وقال تعالى: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} رقم [28] من سورة (لقمان).

الإعراب: {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل بعده. {تُجْزى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {كُلُّ:} نائب فاعله، و {كُلُّ} مضاف، و {نَفْسٍ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو: بشيء كسبته، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: تجزى كل نفس بكسبها، والجملة الفعلية هذه مستأنفة، لا محل لها. {لا:} نافية للجنس تعمل عمل: «إنّ» .

{ظُلْمَ:} اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر {لا،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: تعليلية. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسم {إِنَّ} . {سَرِيعُ:} خبرها، وهو مضاف، و {الْحِسابِ} مضاف إليه، من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها أيضا.

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18)}

الشرح: {وَأَنْذِرْهُمْ:} خوفهم، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والضمير المنصوب لقومه. {يَوْمَ الْآزِفَةِ:} يوم القيامة، سميت بذلك لقرب وقتها؛ إذ كل ما هو آت قريب، قال تعالى في سورة (النجم):{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ،} وقال تعالى في سورة (القمر): {اِقْتَرَبَتِ}

ص: 325

السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ هذا؛ وتقول: أزف فلان؛ أي: قرب، قال النابغة الذبياني (وهو الشاهد رقم [315] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» ): [الكامل]

أزف الترحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا، وكأن قد

وكان بعضهم يتمثل، ويقول معترفا بتقصيره بطاعة الله تعالى:[الكامل]

أزف الرّحيل، وليس لي من زاد

غير الذّنوب لشقوتي ونكادي

{إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ:} وقت تكون القلوب عند الحناجر من شدة الخوف، فإنها ترتفع عن أماكنها، فتلتصق بحلوقهم، فلا تعود، فيستريحوا بالنفس، ولا تخرج، فيستريحوا بالموت، كما قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ،} وقال تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [10] مبينا حالة المؤمنين حينما دوهمت المدينة من جميع جهاتها: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} . انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك. وانظر شرح (القلب) في الآية رقم [4] منها أيضا.

{كاظِمِينَ:} ساكتين، مهمومين، محزونين، ممتلئين غمّا، وحسرة شأن المكروب. ومعنى الآية: أن القلوب تصعد من الصدور لشدة الخوف؛ حتى تبلغ الحناجر، ويحتمل أن يكون ذلك حقيقة، أو مجازا عبر به عن شدة الخوف يوم القيامة، بل هو استعارة تمثيلية لتجسيد الهول في ذلك اليوم العظيم شأنه، الطويل زمانه. هذا؛ وجمع كاظمين جمع المذكر السالم؛ لأنه من صفات العقلاء مثل: عالمين، وكاتبين.

{ما لِلظّالِمِينَ} أي: الكافرين الظالمين أنفسهم بالكفر ومخالفة الله تعالى، وانظر التعبير عن الكافرين بالمجرمين، ونحوه في الآية رقم [59] من سورة (يس). {مِنْ حَمِيمٍ:} من صديق، أو قريب مشفق. {وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ:} أي: تقبل شفاعته فيهم. وانظر (الشفاعة) في الآية رقم [44] من سورة (الزمر). هذا؛ وانظر شرح (لدى) في الآية رقم [32] من سورة (الروم).

الإعراب: {وَأَنْذِرْهُمْ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (أنذرهم): فعل أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» ، والهاء مفعول به أول. {يَوْمَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {الْآزِفَةِ} مضاف إليه. {إِذِ} أصل استعماله للماضي، ولكن جاء هنا للمستقبل، فهو مبني على السكون في محل نصب بدلا من:{يَوْمَ الْآزِفَةِ} . {الْقُلُوبُ:} مبتدأ. {لَدَى:} ظرف مكان منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. و {لَدَى} مضاف، و {الْحَناجِرِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل جر بإضافة {إِذِ} إليها.

{كاظِمِينَ:} حال من القلوب منصوب

إلخ، أو من أصحاب القلوب، وهو أولى، والجملة الفعلية:{وَأَنْذِرْهُمْ..} . إلخ لا محل لها على الوجهين المعتبرين في الواو. {ما:} نافية.

ص: 326