الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة فصّلت
سورة (فصلت) أو سورة: (حم السجدة)، والأول أولى؛ لتتميّز عن السورة المسماة ب:(السجدة) فقط، كما تسمى سورة (المصابيح) وهي مكية في قول الجميع، وهي أربع وخمسون آية، وسبعمئة وست وتسعون كلمة، وثلاثة آلاف، وثلاثمئة وخمسون حرفا، وانظر الكلام على الحواميم في أول سورة (غافر)، ففيه الكفاية.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2)}
الشرح: {حم:} انظر شرحه في أول سورة (غافر). وانظر شرح {تَنْزِيلٌ} في الزمر رقم [1]. {مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:} إنما خصّ هذان الوصفان بالذكر؛ لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى المحتاجين للدواء، والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية، وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية، فكان أعظم النفع من الله على هذا العالم إنزال القرآن الناشئ عن رحمته، واللطف بخلقه. انتهى. جمل نقلا من الخطيب.
أقول: وإطلاق لفظ الوصف على الاسمين الكريمين ليس مسلما؛ لأنهما من الأسماء الحسنى بلا ريب، وهما في حقه سبحانه وتعالى بمعنى: المحسن، أو مريد الإحسان، لكن الأول بمعنى: المحسن بجلائل النعم، والثاني: بمعنى: المحسن بدقائق النعم، وإنما جمع بينهما هنا وفي البسملة، إشارة إلى أنه ينبغي أن يطلب منه النعم الحقيرة، كما ينبغي أن يطلب منه النعم الجليلة، وقد يوصف بالرحيم: المخلوقون، وأما الرحمن؛ فلا يسمى به إلا الله تعالى، ومن أطلقه على مسيلمة الكذاب فقد تعنت حيث قال فيه:[البسيط]
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
الإعراب: {حم:} انظر ما ذكرته من أوجه إعرابه في الآية رقم [1] من سورة (غافر).
{تَنْزِيلٌ:} مبتدأ. وخبره {كِتابٌ فُصِّلَتْ..} . إلخ، وهذا عند البصريين، وساغ الابتداء به لوصفه بما بعده. وقال الفراء: يجوز أن يكون رفعه على إضمار: هذا؛ أي: إنه خبر لمبتدأ محذوف.
وقيل: هو مبتدأ آخر، و {كِتابٌ} خبره، وسوغ الابتداء به، وهو نكرة وصفه بما بعده، أو هو
خبر عن {حم؛} لأنه يراد به السورة وبعض القرآن، و {تَنْزِيلٌ} بمعنى: منزل. {مِنَ الرَّحْمنِ} متعلقان ب: {تَنْزِيلٌ} أو بمحذوف صفة له. {الرَّحِيمِ:} بدل مما قبله.
{كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)}
الشرح: {كِتابٌ:} المراد به: القرآن العظيم، وانظر شرحه في أول سورة (الزمر). {فُصِّلَتْ آياتُهُ:} بينات، وفسرت. وقال البيضاوي: ميزت باعتبار اللفظ، والمعنى، وفي الخطيب: فصلت آياته؛ أي: ميزت، وجعلت تفاصيل في معان مختلفة، فبعضها وصف ذات الله تعالى، وصفات التنزيه، والتقديس، وشرح كمال قدرته، وعلمه، وحكمته، ورحمته، وعجائب أحوال خلقه من السموات، والكواكب، وتعاقب الليل، والنهار، وعجائب أحوال النبات، والحيوان، والإنسان.
وبعضها في المواعظ، والنصائح، وبعضها في تهذيب الأخلاق، ورياضة النفس، وبعضها في قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وتواريخ الماضين، وبالجملة فمن أنصف؛ علم: أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة مثل ما في القرآن. انتهى. جمل.
{قُرْآناً عَرَبِيًّا:} اختلف هل يمكن أن يقال: في القرآن شيء بغير العربية، فأنكر أبو عبيدة على من يقول ذلك أشد النكير، وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة: أن فيه من غير العربية، مثل:(سجّيل، والمشكاة، واليمّ، وإستبرق)، ونحو ذلك. وهذا هو الصحيح المختار؛ لأن هؤلاء أعلم من أبي عبيدة بلسان العرب، وكلا القولين صواب، إن شاء الله تعالى. وجه الجمع بينهما: أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب، ودارت على ألسنتهم بسهولة؛ صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، وانظر شرح القرآن في سورة (الزمر) رقم [27]. {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي:
أن القرآن منزل من عند الله، أو يعلمون: أن الله إله واحد في التوارة، والإنجيل، أو يعلمون العربية، فيعجزون عن مثله، ولو كان غير عربي؛ لما علموه. انتهى. قرطبي بتصرف.
الإعراب: {كِتابٌ:} بدل من: {تَنْزِيلٌ،} أو خبر بعد خبر، أو خبر عن {تَنْزِيلٌ،} أو هو خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هذا كتاب. {فُصِّلَتْ:} فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث. {آياتُهُ:} نائب فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل رفع صفة:{كِتابٌ} . {قُرْآناً:} حال من: {كِتابٌ} وساغ ذلك لوصفه بالجملة الفعلية، أو حال من:{آياتُهُ،} وهي حال إما مقصودة و {عَرَبِيًّا} صفة لها، أو حال منها، أو حال أخرى من:
{كِتابٌ} أو هو حال موطئة، و {عَرَبِيًّا} هي الحال المقصودة. انتهى. جمل. وقال القرطبي:
في نصبه وجوه. قال الأخفش: هو نصب على المدح. وقيل: هو على إضمار فعل؛ أي: اذكر قرآنا عربيا. وقيل: على إعادة الفعل؛ أي: فصلنا قرآنا عربيا. وقيل: على حال؛ أي: فصّلت آياته في حال كونه قرآنا عربيا. انتهى. {لِقَوْمٍ:} جار ومجرور متعلقان ب: {فُصِّلَتْ،} أو
ب: {تَنْزِيلٌ} . وقال الزمخشري: والأجود أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده. انتهى. وجملة:
{يَعْلَمُونَ} في محل جر صفة: ل: (قوم)، وانظر تقدير المفعول في الشرح.
{بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)}
الشرح: {بَشِيراً:} للمؤمنين العاملين بطاعة الله. {وَنَذِيراً:} للكافرين، والفاسقين المخالفين لأوامر الله، المنتهكين حرماته. {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} أي: أعرض أكثر قريش عن تدبر القرآن، وقبوله. {فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ:} سماع تأمل وطاعة، وسماع قبول، وانتفاع. هذا؛ والفعل:
{يَسْمَعُونَ} من الأفعال الصوتية، إن تعلق بالأصوات؛ تعدى إلى مفعول واحد، وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين، الثاني منهما جملة فعلية مصدرة بمضارع من الأفعال الصوتية، مثل قولك: سمعت فلانا يقول كذا. وهذا اختيار الفارسي. واختار ابن مالك، ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محل نصب حال؛ إن كان المتقدم معرفة، وصفة إن كان نكرة، مثل قولك:
سمعت رجلا يقول كذا. هذا؛ ولا تنس الطباق بين {بَشِيراً} و (نذيرا).
الإعراب: {بَشِيراً وَنَذِيراً:} حالان من {آياتُهُ} . وقيل: من {كِتابٌ} . وقيل: من الضمير المنوي في {قُرْآناً} والعامل فيه: {فُصِّلَتْ} . وقيل: هما نعتان ل: {قُرْآناً} . هذا؛ وقرأ زيد بن علي برفعهما على النعت ل: {كِتابٌ،} أو على أنه خبر ابتداء مضمر؛ أي: هو بشير، ونذير، وهي قراءة شاذة بلا ريب. {فَأَعْرَضَ:} الفاء: حرف عطف. (أعرض): فعل ماض.
{أَكْثَرُهُمْ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، والمتعلق محذوف، انظر تقديره في الشرح، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{فُصِّلَتْ..} . إلخ. {فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف، وسبب. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وجملة:{لا يَسْمَعُونَ} مع المفعول المحذوف في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، ومتسببة عنها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأكرم.
الشرح: {وَقالُوا} أي: كفار قريش. {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ:} {أَكِنَّةٍ} جمع كنان وهو الغطاء، وهو الوعاء الجامع المحيط بالشيء، وهو غير الكن (بكسر الكاف) فإنه يجمع على:
أكنان، كما في قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [81]:{وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً} . والضمير في {إِلَيْهِ} يعود إلى التوحيد المفهوم من المقام. وقال الجمل:
قالوا ذلك عند دعوته إياهم إلى القرآن، والعمل بما فيه. انتهى. فيكون الضمير قد عاد إلى مذكور.
{وَفِي آذانِنا وَقْرٌ} أي: صمم، وأصله: الثقل، وقرئ بكسر الواو. هذا؛ وفي سورة (الأنعام) رقم [25] وأيضا في سورة (الإسراء) رقم [46] قوله تعالى:{وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً} . وفي سورة (الكهف) رقم [57]: {إِنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً} .
{وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ:} مانع يمنع من قبول ما تدعونا إليه، وهذا المانع هو الخلاف في الدين. وقيل: إن أبا جهل-لعنه الله-غطى رأسه بثوب، وقال: يا محمد! بيننا وبينك حجاب.
استهزاء منه بالنبي صلى الله عليه وسلم، و (من) للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم، ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة بين الفريقين، ولم يبق فراغ. والمقصود المبالغة بالتباين المفرط، فلذلك جيء ب:(من) وهذا كله تمثيل لنبو قلوبهم عن تقبل الحق، واعتقاده، كأنها في غلف، وأغطية، تمنع من نفوذه فيها، ومج أسماعهم له، كأن بها صمما عنه، ولتباعد المذهبين، والدينين، كأن بينهم وما هم عليه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو عليه حجابا ساترا، وحاجزا منيعا من جبل، ونحوه، فلا تلاقي، ولا ترائي. هذا؛ وفي كل ذلك استعارة تصريحية، ليس هناك على الحقيقة شيء مما قالوه، وإنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن، وجوامع البيان، فكأنهم من شدة الكراهية له قد صمّت أسماعهم عن فهمه، وقلوبهم عن علمه.
{فَاعْمَلْ} أي: على طريقتك، واستمر على دينك. {إِنَّنا عامِلُونَ:} ثابتون على طريقتنا مستمرون على ديننا. وقيل: المعنى: اعمل في هلاكنا، فإنا عاملون في هلاكك. وقيل:
المعنى: فاعمل في إبطال أمرنا، فإننا عاملون في إبطال أمرك. وهو تهديد منهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
وانظر تهديد الله، ووعيده لهم في الآية رقم [39] من سورة (الزمر) وما يشار إليه فيها.
الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {قُلُوبُنا:} مبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة. {فِي أَكِنَّةٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَكِنَّةٍ} حملا على المعنى؛ لأن معنى {فِي أَكِنَّةٍ} محجوبة عن سماع ما تدعونا إليه، ولا يجوز أن يكون نعتا ل:{أَكِنَّةٍ} فإن الأكنة الأغشية، وليست الأغشية مما تدعونا إليه. انتهى. أبو البقاء. وفي زاده: في الكلام حذف. تقديره: قلوبنا في أكنة تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه. فحذف المضاف. انتهى. جمل. {تَدْعُونا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» ، و (نا): مفعوله. {إِلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط الضمير المجرور ب:(إلى)، وجملة:{وَقالُوا..} . إلخ معطوفة على جملة: (أعرض
…
) إلخ.
{وَفِي:} الواو: حرف عطف. (في آذاننا): متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {وَقْرٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها. (من بيننا): متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و (نا):
في محل جر بالإضافة. {وَبَيْنِكَ:} معطوف على ما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة.
{حِجابٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {فَاعْمَلْ:} الفاء: حرف عطف على رأي: من يجيز عطف الإنشاء على الخبر، وابن هشام يعتبرها للسببية المحضة، وأراها الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر. (اعمل): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» ، ومتعلقه محذوف، انظر تقديره في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا» التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا وواقعا؛ فاعمل
…
إلخ. {آذانِنا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها {عامِلُونَ:} خبرها مرفوع، وعلامة رفعه الواو
…
إلخ، والجملة الاسمية، تعليل للأمر، والكلام كله في محل نصب مقول القول.
الشرح: أي: قل يا محمد لأولئك المشركين: لست إلا بشرا مثلكم خصني الله بالرسالة، والوحي، وأنا داع لكم إلى توحيد خالقكم، وموجدكم؛ الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته، ووجوده، فلا داعي إلى تكذيبي. هذا؛ وفي النسفي تبعا للزمخشري: هذا جواب لقولهم: قلوبنا في أكنة، ووجهه: أنه قال لهم: إني لست بملك، وإنما أنا بشر مثلكم، وقد أوحي إلي دونكم، فصحت نبوتي بالوحي إليّ، وأنا بشر، وإذا صحت نبوتي؛ وجب عليكم اتباعي. وفيما يوحى إليّ: أن إلهكم إله واحد. وهذا الكلام مذكور بحروفه في آخر سورة (الكهف).
{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} أي: توجهوا إلى الله بالتوحيد، وإخلاص العبادة، غير ذاهبين يمينا، ولا شمالا، ولا ملتفتين إلى ما يسول لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء، والشفعاء، واطلبوا حوائجكم منه وحده، وتوجهوا بالدعاء له، وانظر الاستقامة في الآية رقم [30] الآتية.
{وَاسْتَغْفِرُوهُ} أي: من ذنوبكم، وشرككم. {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ:} من فرط جهالتهم، واستخفافهم بالله؛ حيث اتخذوا له ندا من الحجارة، ونحوها.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {إِنَّما:} كافة ومكفوفة.
{أَنَا:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {بَشَرٌ:} خبره، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {مِثْلُكُمْ:} صفة {بَشَرٌ،} والكاف في محل جر بالإضافة، وهذه الإضافة لم تفده تعريفا، فلذا نعتت النكرة به. {يُوحى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {إِلَيَّ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.
{إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {إِلهُكُمْ:} مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة. {إِلهٌ:} خبره.
{واحِدٌ:} صفة له. هذا؛ والمصدر المؤول من: {أَنَّما إِلهُكُمْ..} . إلخ في محل رفع نائب فاعل
{يُوحى،} والجملة الفعلية في محل رفع صفة ثانية ل: {بَشَرٌ،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{فَاسْتَقِيمُوا:} الفاء: هي الفصيحة. (استقيموا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {إِلَيْهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم على مثال ما رأيت في الآية السابقة. (استغفروه): أمر، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والكلام كله في محل نصب مقول القول.
{وَوَيْلٌ:} الواو: حرف استئناف. (ويل): مبتدأ، وساغ الابتداء به؛ لأنه بمعنى: الدعاء.
{لِلْمُشْرِكِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7)}
الشرح: {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ} أي: لا يفعلون الخير، ولا يتصدقون، ولا ينفقون في طاعة الله، ولا يعطون الزكاة لمستحقيها، ولا يقرون بوجوبها. قال القرطبي: قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء. وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره مع منع وجوب الزكاة عليه. انتهى. وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ} أي: كفروا بالبعث، والنشور، وكذبوا بالحساب، والجزاء. قال الصاوي: وإنما خص منع الزكاة، وقرنه بالكفر بالآخرة؛ لأن المال شقيق الروح، فإذا بذله الإنسان في سبيل الله، كان دليلا على قوته، وثباته في الدين، واستقامته، وصدق نيته، ألا ترى إلى قوله عز وجل في سورة (البقرة) رقم [265]:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: يثبتون أنفسهم على الإيمان، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبيتهم، ولانت شكيمتهم، وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب، وجوهدوا من قبل الصديق-رضي الله عنه-وفي هذه الأيام يبيع المسلم دينه، وشرفه، وكرامته في سبيل جمع المال من أي طريق كان! وفي الآية بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها؛ حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة. وهذه الآية هي التي احتج بها الصديق على الفاروق-رضي الله عنهما-حينما اعترض عليه في عزمه على محاربة مانعي الزكاة مع المرتدين، وسوّاهم فيهم.
وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: أتى رجل من تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله! إني ذو مال كثير، وذو أهل، وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع؟ وكيف أنفق؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تخرج زكاة مالك، فإنها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ المسكين، والجار، والسائل» .
الإعراب: {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بدلا من المشركين، أو في محل نصب على الذم بفعل محذوف، تقديره: أذم الذين، أو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هم الذين. {لا:} نافية. {يُؤْتُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون
…
إلخ، والواو فاعله. {الزَّكاةَ:} مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {وَهُمْ:} الواو: واو الحال. (هم): مبتدأ. {بِالْآخِرَةِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {كافِرُونَ} بعدهما. {هُمْ:} ضمير فصل لا محل له، أفاد التوكيد {كافِرُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير. هذا؛ واعتبار الضمير الثاني مبتدأ ثانيا ضعيف جدا جدا، ولا يؤيده المعنى.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}
الشرح: لما ذكر الله حال الكفار، وما أعد لهم من المقت، والنكال؛ أردفه بذكر حال المؤمنين الصادقين، وما أعد لهم من الخير العميم، والفضل الكبير، وهذا من باب المقابلة؛ التي ذكرتها لك في الآية رقم [55] من سورة (يس). هذا؛ وعطف العمل الصالح على الإيمان يسمى: احتراسا، انظر سورة (غافر)[40].
{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: غير مقطوع، مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته. ومنه قول ذي الإصبع العدواني:[البسيط]
إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق
…
على الصديق، ولا زادي بممنون
وعنه أيضا، ومقاتل: غير منقوص. ومنه: المنون؛ أي: الموت؛ لأنها تنقص منة الإنسان؛ أي: قوته وعمره، وقاله قطرب، وأنشد قول زهير من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان:[البسيط]
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا
…
يعطي بذلك ممنونا، ولا نزقا
وقال مجاهد: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير محسوب. وقيل: غير ممنون عليهم به؛ أي: ممتن به عليهم. قال السدي: نزلت الآية في الزمنى، والمرضى، والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة؛ كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه، وخذ في تأييد ذلك ما يلي:
فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد، أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» . رواه البخاري وأبو داود، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة، ثم مرض؛ قيل للملك الموكّل به: اكتب له مثل عمله؛ إذا كان طليقا، حتى أطلقه، أو أكفته إليّ» . رواه الإمام أحمد.
الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسمها. وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها. {الصّالِحاتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، وعند التأمل يتبين لك:
أن {الصّالِحاتِ} صفة لموصوف محذوف، التقدير: عملوا الأعمال الصالحات. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَجْرٌ:} مبتدأ مؤخر. {غَيْرُ:} صفة له. و {غَيْرُ} مضاف. و {مَمْنُونٍ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية:
{إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، أو مبتدأة لا محل لها.
الشرح: {قُلْ:} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} أي: في مقدار يومين، أو بنوبتين، وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون. {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً:} شركاء في العبادة، فكيف يجوز جعل هذه الحجارة الحقيرة أندادا له مع أنه تعالى هو الذي خلق الأرض في مقدار يومين؟! {ذلِكَ} أي: الذي خلق الأرض في يومين. {رَبُّ الْعالَمِينَ} أي: هو رب العالمين، خالقهم، ورازقهم، وهو المستحق للعبادة، لا الأصنام المنحوتة من الخشب، والحجر، وغير ذلك.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَإِنَّكُمْ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري توبيخي. (إنكم): حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {لَتَكْفُرُونَ:} اللام:
هي المزحلقة. (تكافرون): فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ). {بِالَّذِي:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {خَلَقَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (الذي) وهو العائد، والجملة صلة الموصول، لا محل لها. {الْأَرْضَ:} مفعول به. {فِي يَوْمَيْنِ:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، والجملة الاسمية:
{أَإِنَّكُمْ..} . إلخ في محل نصب مقول القول. (تجعلون): فعل مضارع، والواو فاعله. {لَهُ:}
جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {أَنْداداً:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:
{لَتَكْفُرُونَ..} . إلخ فهي في محل رفع مثلها، وجملة:{قُلْ..} . إلخ، مستأنفة، لا محل لها.
{ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {رَبُّ:} خبر المبتدأ، و (رب) مضاف، و {الْعالَمِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين
في الاسم المفرد، والإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية:{ذلِكَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ:} جبالا ثوابت، وفي غيرها من الآيات:{رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} و {رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} . {مِنْ فَوْقِها:} مرتفعة عليها، ليظهر للنظار ما فيها من وجوب الاستبصار، وتكون منافعها معرضة للطلاب. فإن قيل: ما الفائدة في قوله: {مِنْ فَوْقِها؟} أجيب بأنه تعالى لو جعل لها رواسي من تحتها لتوهم: أنها التي أمسكتها عن النزول، ولكنه تعالى جعل هذه الجبال الثقال فوقها ليرى الإنسان بعينه: أن الأرض، والجبال الثقال مفتقرة إلى ممسك، وحافظ، وما هو إلا الله الفاعل القادر، المختار.
{وَبارَكَ فِيها} أي: في الأرض بكثرة الخيرات الحاصلة فيها، وهو ما خلق فيها من البحار، والأنهار، والأشجار، والثمار، والزروع، وخلق جميع أصناف الحيوانات، وكل ما يحتاج إليه.
{وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها:} قال محمد بن كعب القرظي: قدر الأقوات قبل أن يخلق الخلق، والأبدان؛ أي: أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من الأقطار، فأضاف القوت إلى الأرض، لكونه متولدا من تلك الأرض حادثا فيها، وذلك؛ لأن الله تعالى جعل كل بلدة معدة لنوع من الأشياء المطلوبة، حتى إن أهل هذه البلدة يحتاجون إلى الأشياء المتولدة في تلك البلدة، وبالعكس، فصار هذا المعنى سببا لرغبة الناس في التجارات، واكتساب الأموال، لتنتظم عمارة الأرض كلها باحتياج بعضهم إلى بعض، فكان جميع ما تقدم من إبداعها، وإيداعها ما ذكر من متاعها دفعة واحدة على مقدار لا يتعداه، ومنهاج بديع دبّره في الأزل، وارتضاه، وقدره، فأمضاه، لا ينقص عن حاجة المحتاجين أصلا، وإنما ينقص توصلهم، أو توصل بعضهم إليه، فلا يجد حينئذ ما يكفيه، وفي الأرض أضعاف كفايته. انتهى. نقلا من الخطيب.
{فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ} أي: في تمام أربعة أيام؛ أي: باليومين اللذين خلق فيهما الأرض، ولولا هذا التقدير لكانت الأيام ثمانية: يومان في الأول. وهو خلق الأرض في يومين، ويومان في الأخير، وهو قوله:{فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وأربعة في الوسط. {سَواءً} أي: استوت الأيام الأربعة استواء، لا تزيد، ولا تنقص. {لِلسّائِلِينَ} أي: هذا الحصر في أربعة أيام تامة للسائلين عن مدة خلق الأرض، وما فيها. أو الجار والمجرور متعلقان ب:(قدّر)؛ أي: قدر فيها الأقوات للطالبين لها.
تنبيه: فإن قيل: لم جعلت مدة خلق الأرض بما فيها ضعف خلق السموات مع كون السماء أكبر من الأرض، وأكثر مخلوقات، وعجائب؟ قلت: للتنبيه على أن الأرض هي المقصودة بالذات لما فيها من الثقلين، ومن كثرة المنافع، فزادت مدتها ليكون ذلك أدخل في المنة على ساكنيها، والاعتناء بشأنهم، وشأنها، وأيضا زادت مدتها لما فيها من الابتلاء بالمتاعب، والمجاهدات، والمجادلات، والمعالجات. وقال أبو البقاء: لعل زيادة مدة الأرض على مدة السماء جريا على ما يتعارف من أن بناء السقف أخف من بناء البيت. فإن قيل: الله تعالى قادر على خلق الكل في قدر لمحة البصر، فما الحكمة في تقدير هذه المدة؟ أجيب بأن هذا تعليم لعباده كيفية التأني في الأمور، وتدريبا لهم على السكينة، والبعد عن العجلة في الأمور. انتهى.
جمل. وأنا أقول: الله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {وَجَعَلَ:} الواو: حرف استئناف. (جعل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله، تقديره:«هو» . {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {رَواسِيَ:} مفعول به. وقيل: الجار، والمجرور:{فِيها} في محل المفعول الثاني تقدم على الأول، ولا وجه له. {مِنْ فَوْقِها:}
متعلقان بمحذوف صفة: {رَواسِيَ،} وهو أولى من تعليقهما بالفعل، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، ولا يجوز عطفها على جملة:{خَلَقَ الْأَرْضَ..} . إلخ للفاصل بأجنبي عن جملة الصلة، وهو جملة:{وَتَجْعَلُونَ لَهُ..} . إلخ، كلهم قالوا هذا، ويجاب عن هذا بأن اعتبار الجملة:
{وَتَجْعَلُونَ لَهُ..} . إلخ معترضة بين الجملتين المتعاطفتين لا يمنع؛ لأن الاعتراض كثيرا ما يقع بين المتعاطفات، وهو معروف ومشهور، وجملة:{وَبارَكَ فِيها:} معطوفة أيضا على ما قبلها، وكذا جملة:{وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها} معطوفة على ما قبلها. {فِي أَرْبَعَةِ:} متعلقان بالفعل: (قدر)، و {أَرْبَعَةِ} مضاف، و {أَيّامٍ} مضاف إليه.
{سَواءً:} مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: استوت سواء؛ أي: استواء، والجملة هذه في محل جر صفة:{أَيّامٍ،} وقال أبو البقاء-رحمه الله تعالى-: في محل نصب حال من الضمير في {أَقْواتَها،} وفي شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: {سَواءً} حال من: {أَرْبَعَةِ،} وساغ ذلك لتخصصه بإضافته ل: {أَيّامٍ،} قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-: [الرجز]
ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن
…
لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن
من بعد نفي أو مضاهيه كلا
…
يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا
هذا؛ وقرئ {سَواءً} بالجر على أنه صفة صريحة، كما قرئ بالرفع، على تقدير:«هي سواء» .
وتعود الجملة الاسمية إلى اعتبارها صفة: {أَيّامٍ} وهما قراءتان شاذتان. {لِلسّائِلِينَ:} متعلقان بالفعل (قدر)، أو هما متعلقان ب:{سَواءً،} أو بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هذا
الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض، وما فيها. والجملة الاسمية على هذا التقدير مستأنفة، لا محل لها. وقال مكي: ومن رفع {سَواءً} ف: {لِلسّائِلِينَ} الخبر، وليس بشيء يعتد به.
الشرح: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} أي: عمد إلى خلقها، وقصد لتسويتها، والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال، يدل عليه قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [29]:{ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ،} أو هو من صفات الذات، من قولهم: استوى إلى مكان كذا؛ إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره، ومعناه هنا، وفي سورة (البقرة) غير معناه في سورة (الرعد) رقم [2] وفي سورة (السجدة) رقم [4] وفي سورة (طه) رقم [5]. انظر شرح هذه الآيات في محالها. {وَهِيَ دُخانٌ:} ذلك الدخان كان بخار الماء. قيل: كان العرش قبل خلق السموات، والأرض على الماء، فلما أراد الله تعالى أن يخلق السموات، والأرض؛ أمر الريح، فضربت الماء، فارتفع منه بخار كالدخان، فخلق منه السماء، ثم أيبس الماء، فخلقه أرضا واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبعا، قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [30]:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما} . هذا؛ والدخان: ما ارتفع من لهب النار، ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها، وقياس جمعه في القلة: أدخنة، وفي الكثرة: دخيان، مثل: غراب، وأغربة، وغربان، وقوله تعالى:{وَهِيَ دُخانٌ} من باب التشبيه الصوري؛ لأن صورتها صورة الدخان في رأي العين. هذا؛ وما في هذه الآية يؤيد ما اكتشف في هذا العصر من أن مادة الكون بدأت غازا منتشرا خلال الفضاء بانتظام، وأن المجموعات الفلكية خلقت من تكاثف الغاز، فالقرآن صور مصدر خلق هذا الكون بالدخان، وهو الشيء الذي يفهمه العرب من الأشياء الملموسة، أيكون في مقدور أميّ منذ أربعة عشر قرنا أن يدرك هذا في وقت كان الناس لا يعرفون شيئا عن هذا الكون، وخفاياه؟!
وكذلك قوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [30]: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً..} . إلخ يؤيد العلم الحديث الذي قرر أن الكون كان شيئا واحدا متصلا من غاز، ثم انقسم إلى سدائم، وعالمنا الشمسي كان نتيجة تلك الانقسامات. وانظر ما ذكرته هناك في تفسير هذه الآيات عن ابن عباس وغيره، وصدق الله رب العالمين؛ إذ يقول:{هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} كل ذلك دليل قوي على أن القرآن وحي إلهي مصداقا لقوله تعالى في سورة (النجم): {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} .
قال الخازن: فإن قلت: هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء، وقوله تعالى في سورة (النازعات):{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} رقم [30] مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق
السماء، فكيف الجمع بينهما؟ قلت: الجواب المشهور: أنه تعالى خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء بعدها، ثم بعد خلق السماء دحا الأرض، ومدها. وجواب آخر: وهو أن يقال: إن خلق السماء مقدم على خلق الأرض. فعلى هذا يكون معنى الآية: خلق الأرض في يومين، وليس الخلق عبارة عن الإيجاد، والتكوين فقط، بل هو عبارة عن التقدير أيضا، فيكون المعنى: قضى أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء، فعلى هذا يزول الإشكال. والله أعلم بالحقيقة. انتهى. هذا؛ وقال البيضاوي: والظاهر: أن {ثُمَّ} لتفاوت ما بين الخلقين، لا للتراخي في المدة، لقوله في سورة (النازعات) الآية رقم [30]:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها. انتهى.
{فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي: بسبب ما خلقت فيكما من التأثير، والتأثر، وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة، والكائنات المتنوعة. أو المعنى: ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل، والوصف، ائتي يا أرض قرارا، ومهادا لأهلك، وائتي يا سماء مقبية سقفا لهم، ومعنى الإتيان: الحصول، والوقوع، كما تقول: أتى عمله مرضيا، وقوله:{طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} لبيان تأثير قدرته فيهما، وإن امتناعهما من تأثير قدرته محال، كما تقول لمن تحت يدك:
لتفعلنّ هذا؛ إن شئت، أو أبيت، ولتفعلنّه طوعا، أو كرها، ولم يقل: طائعتين على اللفظ، أو طائعات على المعنى؛ لأنهما سموات، وأرضون؛ لأنهن لما جعلن مخاطبات، ومجيبات، ووصفهن بالطوع، والكره؛ قيل:{طائِعِينَ} في موضع طائعات، كقوله تعالى:{السّاجِدِينَ} ولا تنس: الطباق بين {طَوْعاً} و {كَرْهاً} .
هذا؛ وفي قوله تعالى لهما وجهان: أحدهما: أنه قول تكلم به تعالى حقيقة. الثاني: أنها قدرة ظهرت منه لهما، فقامت مقام الكلام في بلوغ المراد. وفي قوله تعالى:{قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} وجهان أيضا: أحدهما: أنه ظهور الطاعة منهما؛ حيث انقادا، وأجابا، فقام مقام قولهما. وقال أكثر أهل العلم: بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد الله تعالى. هذا؛ وانظر عرض الأمانة على السموات، والأرض، والجبال، وردها في الآية رقم [72] من سورة (الأحزاب).
هذا؛ وفي الكلام استعارة تمثيلية، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن تكون الاستعارة في ذاتهما مكنية، كما تقول: نطقت الحال بدل: دلّت، فيجعل الحال كالإنسان الذي يتكلم في الدلالة، والبرهان، ثم يتخيل له النطق الذي هو من لازم المشبه به، وينسب إليه. انتهى. جمل بتصرف.
الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {اِسْتَوى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى (الله)، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: (جعل فيها
…
) إلخ. {إِلَى السَّماءِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَهِيَ:} والواو: واو الحال، والجملة الاسمية:(هي دخان) في
محل نصب حال من: {السَّماءِ،} والرابط: الواو، والضمير. (قال): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله. {لَها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {وَلِلْأَرْضِ:} معطوفان على ما قبلهما.
{اِئْتِيا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والألف فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {طَوْعاً:} حال من ألف الاثنين. {أَوْ:} حرف عطف. {كَرْهاً:} معطوف على ما قبله، فهما مصدران في موضع الحال، وجملة:{فَقالَ لَها..} . إلخ معطوفة على ما قبلها. {قالَتا:}
فعل ماض، والتاء للتأنيث، وحركت بالفتح لالتقائها ساكنة مع ألف الاثنين؛ التي هي الفاعل.
{أَتَيْنا:} فعل، وفاعل. {طائِعِينَ:} حال من: (نا) منصوب، وعلامة نصبه الياء
…
إلخ، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَتا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ:} فخلقهن خلقا إبداعيا، وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة. والضمير المنصوب يرجع إلى السماء؛ لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه. {فِي يَوْمَيْنِ:}
غير الأيام الأربعة؛ التي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات، والأرض، وما بينهما في ستة أيام، كما قال تعالى في سورة (السجدة) رقم [4]:{اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} أي: في ستة أوقات، أو في مقدار ستة أيام، فإن اليوم المتعارف عليه زمان طلوع الشمس إلى غروبها لم يكن حينئذ، وما نقله القرطبي عن مجاهد:«ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون» لا أراه قويا. هذا؛ وفي خلق الأشياء مدرّجا مع القدرة على خلقها دفعة واحدة: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} دليل للاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور. هذا؛ وما ذكر من أن الله تعالى ابتدأ الخلق يوم الأحد، وفرغ منه يوم الجمعة عصرا، فخلق الأرض في يومين: الأحد، والاثنين، وقدّر فيها أقواتها في يومين: الثلاثاء والأربعاء، والسموات في يومين: الخميس والجمعة، كل ذلك لم يثبت وإن أسنده القرطبي إلى عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-وقاتل الله اليهود، فإنهم يقولون: استراح ربنا يوم السبت. فلذا اختاروه للراحة، والعبادة.
{وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها:} قال قتادة والسدي: خلق فيها شمسها، وقمرها، ونجومها، وأفلاكها، وخلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار، وجبال البرد، والثلوج. وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-وقال: ولله في كل سماء بيت تحج إليه، وتطوف به الملائكة بحذاء الكعبة، والذي في السماء الدنيا هو البيت المعمور. وقيل: أوحى الله في كل سماء ما أراده، وما أمره به فيها. انتهى. قرطبي.
{وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} أي: بالكواكب تضيء في الليل، كأنها مصابيح كهربائية تتلألأ. {وَحِفْظاً} أي: وحفظناها حفظا من الشياطين الذين يسترقون السمع. انظر ما ذكرته في الآية رقم [6] و [7] من سورة (الصافات). {ذلِكَ} أي: الذي ذكر من صنعه، وخلقه. {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ:} القوي القاهر الغالب على أمره. {الْعَلِيمِ:} البليغ في العلم، والعليم بمواقع الأمور.
هذا؛ وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم. انظر الالتفات في سورة (الصافات) رقم [137].
تنبيه: قال الشيخ أبو المنصور-رحمه الله تعالى-: القضاء يحتمل الحكم، كقوله تعالى:
{لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} أي: ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده، وما أراد كونه، فهو مفعول لا محالة. انتهى. والماضي: قضى، والمصدر: قضاء بالمد؛ لأن لام الفعل ياء؛ إذ أصل ماضيه (قضي) بفتح الياء، فقلبت ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ومصدره:(قضيا) بالتحريك، كطلب طلبا، فتحركت الياء فيه أيضا، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة، فصار: قضاء ممدودا، وجمع القضاء: أقضية، كعطاء، وأعطية، وهو في الأصل: إحكام الشيء، وإمضاؤه، والفراغ منه، كما في قول الشاعر -وهو الشاهد (179) من كتابنا:«فتح القريب المجيب» -: [الرمل]
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم
…
يقض للشّمس كسفة أو أقول
ويكون بمعنى: الأمر، كما في قوله تعالى:{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً،} وبمعنى: العلم، تقول: قضيت بكذا؛ أي: أعلمتك به. وبمعنى: الإتمام، قال تعالى:{فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ،} وبمعنى: الفعل، قال تعالى حكاية عن قول السحرة لفرعون:
{فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ،} وبمعنى: الإرادة، وهو كثير، كقوله تعالى:{فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . وبمعنى: الموت كقوله تعالى حكاية عن قول أهل النار: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77)} . وبمعنى: الكتابة، قال تعالى:{وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} أي: مكتوبا في اللوح المحفوظ، وبمعنى: الفصل، قال تعالى:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} وبمعنى:
الخلق، كما في الآية التي نحن بصدد شرحها. وبمعنى: بلوغ المراد، والأرب، قال تعالى:
{فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها} . وبمعنى: وفاء الدين، تقول: قضى فلان ما عليه: إذا أوفى ذمته، وأبرأها مما عليه من ديون. انتهى. قسطلاني شرح البخاري بتصرف، وأضيف: أنه يكون بمعنى: أوحينا، كما في قوله تعالى:{وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ..} . إلخ.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني، فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله؛ لأنه إن أريد به الأمر، فلا خلاف: أنه لا يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى لم يأمر بها، فإنه لا يأمر بالفحشاء، وقال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن البصري، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك قد عصيت ربك، وبانت منك. فقال الرجل:
قضى الله ذلك عليّ. فقال الحسن، وكان فصيحا: ما قضى الله ذلك؛ أي: ما أمر الله به، وقرأ قوله تعالى:{وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ} .
الإعراب: {فَقَضاهُنَّ:} الفاء: حرف عطف. (قضاهن): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله)، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {سَبْعَ:} مفعول به ثان على اعتبار قضاهن بمعنى: صيرهن، وهو قول الجلال، وحال على التفسير الذي رأيته. وقال الزمخشري: تمييز على اعتبار الضمير مبهما مفسرا ب: {سَبْعَ سَماواتٍ} وقال مكي: بدل من الضمير المنصوب، والمعتمد الحالية، و {سَبْعَ} مضاف، و {سَماواتٍ} مضاف إليه. {فِي يَوْمَيْنِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَأَوْحى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى الله.
{فِي كُلِّ:} متعلقان بما قبلهما، و {كُلِّ} مضاف، و {سَماءٍ} مضاف إليه. {أَمْرَها:} مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَزَيَّنَّا:} فعل، وفاعل.
{السَّماءَ:} مفعول به. {الدُّنْيا:} صفة لها مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. {بِمَصابِيحَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، وهي علة تقوم مقام علتين من موانع الصرف، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي معطوفة على ما قبلها، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم كما رأيت. {وَحِفْظاً:} مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: وحفظناها حفظا.
وقيل: مفعول لأجله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له.
{تَقْدِيرُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الْعَزِيزِ} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله.
{الْعَلِيمِ:} بدل من: {الْعَزِيزِ،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13)}
الشرح: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} أي: كفار قريش عن الإيمان بالله بعد هذا البيان. {فَقُلْ:} يا محمد:
{أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً..} . إلخ أي: أخوفكم، وأحذركم عذابا شديدا، وهلاكا مستأصلا لكم مثل العذاب؛ الذي وقع بعاد قوم هود، وثمود قوم صالح. والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، وقد ذكرته لك مرارا، وتكرارا، وانظر الكلام على هاتين القبيلتين مفصلا في سورة (الأعراف) و (هود) و (الشعراء).
تنبيه: قال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه: حدثت: أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما، قال يوما، وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد:
يا معشر قريش! ألا أقوم إلى محمد، فأكلمه، وأعرض عليه أمورا، لعله يقبل منا بعضها،
فنعطيه، ويكف عنا-وذلك حين أسلم حمزة-رضي الله عنه-ورأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزيدون، ويكثرون-قالوا: بلى يا أبا الوليد! فقم إليه، وكلمه. فقام عتبة؛ حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بن أخي! إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة، والنسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت آلهتهم، وكفرت من مضى من آبائهم، فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها.
فقال صلى الله عليه وسلم: «قل يا أبا الوليد!» . فقال: يا بن أخي! إن كنت تريد بما جئت به مالا؛ جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا؛ سودناك علينا، وإن كان الذي بك رئيا تراه، لا تستطيع رده؛ طلبنا لك الطب، أو لعل هذا شعر جاش به صدرك، فنعذرك، فإنكم يا بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد، حتى إذا فرغ؛ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقد فرغت يا أبا الوليد؟!» . قال نعم، قال:«فاستمع مني» . قال: فافعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} ثم مضى فيها يقرأ، فلما سمعها عتبة؛ أنصت، وألقى يده خلف ظهره، معتمدا عليها، يستمع منه؛ حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة، فسجد، ثم قال: أسمعت يا أبا الوليد؟! فأنت وذاك.
وفي رواية البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ..} . إلخ فأمسك عتبة على في النبي صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم أن يكف
…
إلخ ما جاء فيها، ولم يرجع إليهم، وذهب إلى أهله
…
إلخ. وفي هذه الرواية:
رجع عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به! فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟! قال: ورائي: أني سمعت قولا، والله ما سمعت بمثله قط، ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بكهانة! يا معشر قريش أطيعوني، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه. فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب؛ فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب؛ فملكه ملككم، وعزه عزكم، وأنتم أسعد الناس به! قالوا: سحرك والله محمد يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم. انتهى. خازن. وهذه القصة تروى بروايات أخرى مع اختلاف في بعض العبارات، والمغزى واحد، والنتيجة واحدة لا تتغير، وانظر ما يشبه هذا مما ذكرته بشأن الوليد بن المغيرة في سورة (المدثر) إن شاء الله تعالى.
الإعراب: {فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {أَعْرَضُوا:} ماض مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف كما رأيت تقديره في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَقُلْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (قل): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {أَنْذَرْتُكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {صاعِقَةً:} مفعول به ثان،
والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{فَقُلْ..} . إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {مِثْلَ:} صفة {صاعِقَةً،} و {مِثْلَ} مضاف، و {صاعِقَةً} مضاف إليه، و {صاعِقَةً:} مضاف، و {عادٍ:} مضاف إليه. {وَثَمُودَ:} معطوف على ما قبله مجرور مثله، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث؛ لأن المراد به القبيلة، وهي مؤنثة.
الشرح: {إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ:} الضمير المنصوب واقع على: {عادٍ وَثَمُودَ} والجمع باعتبار الجمعية التي في القبيلتين من حيث الأفراد، والمراد بالرسل: هود، وصالح، ومن قبلهما من الرسل، لكن مجيء هود، وصالح لهاتين القبيلتين حقيقي، ومجيء من قبلهما لهاتين القبيلتين على ضرب من التسمح، على تنزيل مجيء كلامهم، ودعوتهم إلى الحق منزلة مجيء أنفسهم، فإن هودا، وصالحا كانا داعيين لهاتين القبيلتين إلى الإيمان بهما، وبجميع الرسل ممن جاء قبلهما. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود.
{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ:} أتوهم من جميع جوانبهم، واجتهدوا بهم من كل جهة، أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة، وكل من اللفظين يحتملهما، أو من قبلهم، ومن بعدهم؛ إذ قد بلغهم خبر المتقدمين، وأخبرهم هود، وصالح عن المتأخرين، داعين، إلى الإيمان بهم أجمعين، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة، كقوله تعالى في سورة (النحل) [112]:{يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ} . انتهى. بيضاوي بحروفه.
هذا؛ والتعبير عن الأمام والخلف بقوله تعالى: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} كثير في القرآن الكريم وإن اختص كل موضع بتفسير حسب مقتضيات الأحوال، وإختلافها، فمثلا قوله تعالى:{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} في الآية رقم [28] من سورة (الأنبياء)، ومثلها في سورة (سبأ) رقم [9] يفسر بغير ما في آية (طه) رقم [110] وكلتاهما تخالفان معنى قوله تعالى:{لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا} الآية رقم [64] من سورة (مريم) على نبينا، وحبيبنا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام، وهكذا، وكله يخرج على الاستعارة.
{قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا:} إرسال الرسل، أو لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسل إلى الإنس؛ لأنزل إليهم بها ملائكة. {فَإِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ:} فيه تغليب المخاطب على الغائب، فغلبوا هودا
وصالحا على من قبلهما من الرسل، فكأنهم قالوا: فإنا كافرون بكما، وبمن دعوتمونا إلى الإيمان به قبلكما من الرسل.
هذا؛ وقوله تعالى حكاية عن قول الكفرة: {أُرْسِلْتُمْ بِهِ} ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكم كما قال فرعون:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} . انتهى. نسفي.
الإعراب: {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل (أنذرتكم) كما تقول: لقيتك إذا كان كذا، ويجوز أن يكون صفة ل:{صاعِقَةً} أو حالا من {صاعِقَةً} الثانية. انتهى. أبو البقاء. وقال الجمل نقلا عن السمين: ظرف ل: {صاعِقَةً} الثانية، فهو منصوب بها؛ لأنها بمعنى: العذاب. انتهى. وقال البيضاوي: حال من {صاعِقَةِ عادٍ} ولا يجوز جعله صفة ل: {صاعِقَةً} أو ظرفا ل: {أَنْذَرْتُكُمْ} لفساد المعنى. {جاءَتْهُمُ:}
ماض ومفعوله. {الرُّسُلُ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {مِنْ بَيْنِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من: {الرُّسُلُ} وقيل: متعلقان بالفعل قبلهما، و {بَيْنِ} مضاف، و {أَيْدِيهِمْ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَمِنْ خَلْفِهِمْ:} معطوفان على ما قبلهما. {أَلاّ:} (أن): يجوز فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون هي المخففة من الثقيلة، التقدير: أنه؛ أي: الحال، والشأن، و (لا) ناهية. الثاني: أنها هي المصدرية التي تنصب المضارع، و (لا) نافية. الثالث:
أن تكون مفسرة؛ لأن مجيء الرسل يتضمن قولا بالمعنى، و (لا) ناهية. {تَعْبُدُوا:} فعل مضارع منصوب ب: (أن) وعلامة نصبه حذف النون
…
إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، و (أن) والمضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بعدم عبادة أحد إلا الله، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:{جاءَتْهُمُ،} وعلى الوجه الأول، والثالث فالفعل مجزوم ب:
(لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، وعلى الوجه الأول فالجملة الفعلية في محل رفع خبر (أن) المخففة من الثقيلة، و (أن) واسمها المحذوف، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف على مثال ما رأيت في الوجه الثاني. وعلى الوجه الثالث؛ فالجملة الفعلية مفسرة للفعل:(جاء) لا محل لها. {أَلاّ:} حرف حصر. {اللهَ:} مفعول به، وانظر سورة (الأحقاف) رقم [21].
{قالُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لَوْ:} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {شاءَ:} فعل ماض. {رَبُّنا:} فاعله، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والمفعول محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.
{لَأَنْزَلَ:} اللام: واقعة في جواب (لو). (أنزل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{رَبُّنا} .
{مَلائِكَةً:} مفعول به، والجملة الفعلية جواب {لَوْ} لا محل لها، و {لَوْ} ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{فَإِنّا:} الفاء: حرف عطف، وتعقيب. وقيل: هي الفصيحة. وليس بشيء. (إنا): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {كافِرُونَ} بعدهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء. {أُرْسِلْتُمْ:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون، والتاء نائب فاعله.
{بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط الضمير المجرور محلا بالباء. {كافِرُونَ:} خبر (إنّ) مرفوع
…
إلخ، والجملة الاسمية معطوفة، ومفرعة عما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها.
الشرح: {فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: فتعظموا فيها على أهلها، أو استعلوا فيها، واستولوا على أهلها بغير استحقاق للاستعلاء، والاستيلاء. هذا؛ وجمع الضمير باعتبار أفراد القبيلة. {وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً:} اغتروا بقوة أجسامهم، وشوكتهم، وذلك: أنهم كانوا ذوي أجسام طوال: وخلق عظيم. فعن ابن عباس-رضي الله عنهما: أن أطولهم كان مئة ذراع، وأقصرهم كان ستين ذراعا، وبلغ من قوتهم: أن الرجل منهم كان ينزع الصخرة، فيقلعها بيده. وانظر ما ذكرته في سورة (الأعراف) وغيرها. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً:} قدرة؛ فإنه قادر بالذات، مقتدر على ما لا يتناهى، قوي على ما لا يقدر عليه غيره، وإنما يقدر العبد بإقدار الله، فالله إذا أقدر. {وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} أي: وكانوا يجحدون آيات القرآن، أو يجحدون المعجزات الباهرة، والحجج الساطعة. قال الرازي: إنهم كانوا يعرفون:
أنها حق، ولكنهم جحدوها، كما يجحد المودع الوديعة. هذا؛ والجحد: الإنكار والتكذيب، والكفر، وهو أيضا قلة الخير، وجحده حقه، وجحده بحقه، وبابه: قطع.
الإعراب: {فَأَمّا:} الفاء: حرف استئناف، وتفريع. (أما): أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد.
أما كونها أداة شرط؛ فلأنها قائمة مقام الشرط، وفعله، بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل:
مهما يك من شيء؛ فعاد
…
إلخ، فأنيبت (أما) مناب (مهما يك من شيء) فصار فأما عاد فاستكبروا. وأما كونها أداة تفصيل؛ فلأنها في الغالب مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ فلأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لأنها علقته على أمر متيقن.
{عادٌ:} مبتدأ. {فَاسْتَكْبَرُوا:} الفاء: واقعة في جواب (أما). (استكبروا): ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {فِي الْأَرْضِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {بِغَيْرِ:} متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، و (غير) مضاف، و {الْحَقِّ} مضاف إليه. (قالوا): ماض، وفاعله. {مَنْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَشَدُّ:} خبره. {مِنّا:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَشَدُّ} . {قُوَّةً:} تمييز، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة {وَقالُوا..} .
إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.
{أَوَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وإنكار. الواو: في مثل ذلك عاطفة على محذوف، التقدير: أنسوا، ولم ينظروا نظرة تفكر واعتبار. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَرَوْا:}
فعل مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسم {أَنَّ} . {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لفظ الجلالة. {خَلَقَهُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{الَّذِي،} وهو العائد، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {هُوَ أَشَدُّ:} مبتدأ، وخبر. {مِنْهُمْ:} متعلقان ب: {أَشَدُّ} . {قُوَّةً:} تمييز، والجملة الاسمية في محل رفع خبر {أَنَّ،} و {أَنَّ} واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعول:{يَرَوْا،} والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: قال الله: أولم يروا
…
إلخ، والجملة هذه معترضة بين الجمل المتعاطفة.
{وَكانُوا:} الواو: حرف عطف. (كانوا): فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {بِآياتِنا:} متعلقان بما بعدهما، و (نا): في محل جر بالإضافة، وجملة:
{بِآياتِنا يَجْحَدُونَ} في محل نصب خبر (كان)، وجملة:{وَكانُوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.
الشرح: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} أي: ريحا باردة شديدة البرد، أو شديدة الصوت، والهبوب، فمن الأول قول الحطيئة:[البسيط]
المطعمون إذا هبّت بصرصرة
…
والحاملون إذا استودوا على النّاس
استودوا: سئلوا الدية. ومن الثاني؛ (أي: شدة الصوت) قوله تعالى في سورة (الذاريات)
[29]
: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ..} . إلخ {فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ:} مشؤومات من النحس بمعنى: الشؤم، وهو ضد السعد. قال الشاعر:[الطويل]
سواء عليه أيّ حين أتيته
…
أساعة نحس تتّقى أم بأسعد؟
وقيل: متتابعات، كقوله تعالى في سورة (القمر) الآية رقم [19]:{إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} كنّ آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء، وذلك قوله تعالى في سورة (الحاقة) الآية رقم [7]:{سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: ما عذّب قوم إلا في يوم الأربعاء.
هذا؛ وفي يوم الأربعاء أرسل الله الرياح العاتية على جيش قريش يوم الأحزاب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا، وسأل الله من فضله في ذلك اليوم بقوله:«يا صريخ المكروبين! يا مجيب المضطرّين! اكشف همّي، وغمّي، وكربي، فإنّك ترى ما نزل بي، وبأصحابي!» . وكان ذلك بين الظهر، والعصر، فاستجيب له صلى الله عليه وسلم. ومن ثمّ كان جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-يدعو في مهماته في ذلك اليوم، في ذلك الوقت، كان يتحرى ذلك اليوم. وأما الأحاديث التي جاءت بذم يوم الأربعاء، فمحمولة على آخر أربعاء في الشهر، فإن في ذلك اليوم ولد فرعون، وادعى الربوبية، وأهلكه الله فيه، وهو اليوم الذي أصيب فيه أيوب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-. انتهى. زيني دحلان بتصرف، وانظر ما ذكرته في سورة (الأعراف) رقم [71].
هذا؛ وكان هلاكهم في أواخر فصل الشتاء، ولا تزال هذه الأيام إلى عصرنا هذا موسما للمطر، ويطلق عليها:«أيام العجوز» وانظر سورة (القمر) رقم [19].
{لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ:} الذل، والهوان، وهو مقابل لقوله تعالى:{فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} . {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} أي: إن ما نزل بهم من الخزي، والهوان كان في الحياة الدنيا. وانظر شرح {يُخْزِيهِ} في سورة (الزمر) رقم [40]، وشرح {الْحَياةِ الدُّنْيا} برقم [26] منها. {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى..}. إلخ أي: ولعذابهم في الآخرة أعظم خزيا، وأشد إهانة من عذاب الدنيا؛ لأنه دائم مستمر، لا غاية له ينتهي عندها، بخلاف عذاب الدنيا؛ فإنه ينقطع، وليس لهم ناصر يدفع عنهم عذاب الآخرة، كما لم ينصروا في الدنيا.
هذا؛ وأضاف (العذاب) إلى {الْخِزْيِ} وهو الذي على قصد وصفه به؛ لقوله: {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى} وهو في الأصل صفة المعذب، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة. هذا؛ وانظر شرح (الريح) في سورة (الروم) رقم [46]، وانظر إذاقة العذاب في سورة (الصافات) رقم [38].
الإعراب: {فَأَرْسَلْنا:} الفاء: حرف عطف. (أرسلنا): فعل، وفاعل. {عَلَيْهِمْ:} متعلقان بما قبلهما. {رِيحاً:} مفعول به. {صَرْصَراً:} صفة {رِيحاً} . {فِي أَيّامٍ:} متعلقان بالفعل
قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة {رِيحاً،} أو بمحذوف حال منه بعد وصفه بما تقدم.
{نَحِساتٍ:} صفة: {أَيّامٍ،} وجملة: {فَأَرْسَلْنا..} . إلخ معطوفة على الجمل السابقة، فهي في محل رفع مثلها. {لِنُذِيقَهُمْ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والهاء مفعول به أول. {عَذابَ:} مفعول به ثان. وهو مضاف، و {الْخِزْيِ} مضاف إليه. {فِي الْحَياةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الدُّنْيا:} صفة: {الْحَياةِ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:(أرسلنا). {وَلَعَذابُ:} الواو:
حرف استئناف. اللام: لام الابتداء. (عذاب): مبتدأ، وهو مضاف، و {الْآخِرَةِ} مضاف إليه.
{أَخْزى:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الواو، والضمير في الجملة المعطوفة عليها. {وَهُمْ:} الواو:
حرف عطف. (هم): مبتدأ. {لا:} نافية. {يُنْصَرُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، على الوجهين المعتبرين فيها.
الشرح: {وَأَمّا ثَمُودُ} أي: قبيلة ثمود. هذا؛ ويقرأ بالرفع، والنصب، ومنونا، وعدمه في الحالين، والتنوين على إرادة «الحي» ، وعدمه على إرادة «القبيلة». {فَهَدَيْناهُمْ:} قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينا لهم سبيل الهدى. وقيل: دللناهم على الخير، والشر، وذلك بنصب الآيات التكوينية، وإرسال الرسل، وإنزال الآيات التشريعية. {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى:}
فاختاروا الضلالة على الإيمان، والمعاصي على الطاعات فاستعار {الْعَمى} للضلالة بجامع عدم الاهتداء في كل منهما، واستعار الإيمان إلى {الْهُدى} بجامع الاهتداء في كل منهما. {فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ:} الذل، والصغار، والهوان، وكان ذلك بالصيحة، والرجفة؛ التي رأيت شرحها في سورة (الأعراف) رقم [78]. {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي: من شركهم، وتكذيبهم صالحا. فإن قيل: كيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد، وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمته صلى الله عليه وسلم، وقد صرح الله تعالى بذلك في سورة (الأنفال) رقم [33]:{وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} وقد جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الأنواع المذكورة. فالجواب: أنهم لما عرفوا كونهم مشاركين لعاد، وثمود في استحقاق مثل تلك الصاعقة، وأن السبب الموجب للعذاب واحد؛ فربّما يكون العذاب النازل بهم من جنس
ذلك العذاب، وإن كان أقل درجة، وهذا القدر يكفي في التخويف. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.
أقول: قد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته، وأنذرها من وقوع جميع أنواع البلاء التي نزلت في الأمم السابقة في آخر الزمان؛ إذا خرجت عن طاعة الله، وارتكبت المعاصي، والمنكرات، واتبعت وحي الشيطان. وخذ ما يلي:
فعن أبي أمامة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يبيت قوم من هذه الأمّة على طعم، وشرب، ولهو، ولعب، فيصبحوا قد مسخوا قردة، وخنازير، وليصيبهم خسف، وقذف؛ حتى يصبح الناس فيقولون: خسف الليلة ببني فلان، وخسف الليلة بدار فلان خواصّ، ولترسلنّ عليهم حجارة من السّماء، كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها، وعلى دور، ولترسلنّ عليهم الريح العقيم، الّتي أهلكت عادا على قبائل فيها، وعلى دور بشريهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الرّبا، وقطيعتهم الرحم، (وخصلة نسيها جعفر)» . رواه أحمد مختصرا، وابن أبي الدنيا، والبيهقي.
وروي عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة؛ حلّ بها البلاء» . قيل: ما هنّ يا رسول الله؟! قال: «إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعقّ أمّه، وبرّ صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شرّه، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتّخذت القينات، والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أوّلها، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، أو خسفا، أو مسخا» . رواه الترمذي، والحديثان موجودان في «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري.
الإعراب: {وَأَمّا:} الواو: حرف عطف. (أما): معطوفة على ما قبلها وإعرابها مثلها بلا فارق بينهما. {ثَمُودُ:} مبتدأ، وعلى قراءته بالنصب فهو منصوب على الاشتغال بفعل محذوف يفسره المذكور بعده. {فَهَدَيْناهُمْ:} الفاء: واقعة في جواب (أما). (هديناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، على قراءة ثمود بالرفع، ومفسرة لا محل لها على قراءته بالنصب. (استحبوا): فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {الْعَمى:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف. {عَلَى الْهُدى:} متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الألف. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها. {فَأَخَذَتْهُمْ:} فعل ماض، والهاء مفعول به. {صاعِقَةُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. و {صاعِقَةُ} مضاف.
{الْعَذابِ:} مضاف إليه. {الْهُونِ:} صفة: {الْعَذابِ} . وقيل: بدل منه، وليس بشيء. {بِما:}
جار ومجرور متعلقان بالفعل: (أخذ)، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: بالذي، أو: بشيء كانوا يكسبونه. وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبهم. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {يَكْسِبُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والكلام:{وَأَمّا ثَمُودُ..} . إلخ معطوف على ما قبله، لا محل له مثله.
{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18)}
الشرح: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا:} مع صالح-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام- أي: من تلك الصاعقة التي نزلت بثمود، وكانوا أربعة آلاف، خرج بهم صالح-عليه الصلاة والسلام-بعد هلاك قومه من فلسطين إلى حضر موت. وانظر ما ذكرته في سورة (الأعراف) رقم [77] إن أردت الزيادة، وأيضا ما ذكرته في سورة (هود) رقم [67] {وَكانُوا يَتَّقُونَ} أي:
يخافون عقاب الله، وغضبه، ويرجون رحمته وثوابه.
الإعراب: {وَنَجَّيْنَا:} فعل، وفاعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، وجملة:{وَكانُوا يَتَّقُونَ:}
معطوفة عليها لا محل لها مثلها، وجملة:{وَنَجَّيْنَا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها، واعتبارها مستأنفة أقوى معنى.
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)}
الشرح: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ..} . إلخ: يحبس أولهم على آخرهم؛ لئلا يتفرقوا، ثم يساقون، ويدفعون إلى النار. هذا؛ والحشر: الجمع، والمراد: بأعداء الله: الكفار مطلقا الأولين، والآخرين. هذا؛ ويقرأ الفعل:«(نحشر)» بالنون ونصب «(أعداء)» أيضا. {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي:
يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب. قال الشماخ: [الرجز]
وكم وزعنا من خميس جحفل
…
وكم حبونا من رئيس مسحل
وقال قتادة: {يُوزَعُونَ} أي: يرد أولهم على آخرهم. انتهى. هذا؛ والوازع في الحرب:
الموكل بالصفوف، يزع من تقدم منهم، والوازع: الرادع، والزاجر. قال الشاعر:[الطويل]
ولا يزع النّفس اللجوج عن الهوى
…
من النّاس إلاّ وافر العقل كامله
ومن هذا قول النابغة الذبياني-وهو الشاهد رقم [914] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» : [الطويل]
على حين عاتبت المشيب على الصّبا
…
وقلت: ألمّا أصح والشّيب وازع
وقال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: لا بد للناس من وازع. أي: من سلطان يكفهم، ويردعهم. وذكر ابن القاسم، قال: حدثنا مالك: أن عثمان بن عفان-رضي الله عنه-قال:
ما يزع الإمام أكثر ممّا يزع القرآن. والمحفوظ: إن الله ليزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن.
وشرح الجملتين واضح إن شاء الله تعالى.
الإعراب: {وَيَوْمَ:} الواو: حرف استئناف. (يوم): ظرف زمان مفعول به لفعل محذوف، أو هو ظرف متعلق بذلك المحذوف، التقدير: اذكر لقومك المعاندين حال الكفار في القيامة لعلهم يرتدعون، ويزجرون. {يُحْشَرُ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {أَعْداءُ:} نائب فاعله، وعلى قراءته بالنون فالفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، و (أعداء) مفعول به، وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {إِلَى النّارِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (يوم) إليها.
{فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف. (هم): مبتدأ. {يُوزَعُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محلّ جر مثلها.
الشرح: {حَتّى إِذا ما جاؤُها} أي: النار، والمراد: بها: موقف الحساب، والتعبير عنه بالنار، إما للإيذان بأنها عاقبة حشرهم، وأنهم على شرف دخولها، وإما؛ لأن حسابهم يكون على شفيرها. وإنما كان هذا هو المراد؛ لأن الشهادة المذكورة إنما تكون عند الحساب، لا بعد تمام السؤال، والجواب، وسوقهم إلى النار نفسها. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود.
هذا؛ ومناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله تعالى لما ذكر قصة عاد، وثمود، وما أصابهم من العقوبة في الدنيا بطغيانهم، وإجرامهم؛ ذكر هنا ما يصيب الكفار عامة في الآخرة من العذاب، والدمار؛ ليحصل منه تمام الاعتبار في الزجر، والتحذير عن ارتكاب المعاصي، والكفر بنعم الله. انتهى. صفوة التفاسير.
{شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ..} . إلخ: وحد الله السمع في هذه الآية، وأمثالها دون الأبصار، والجلود؛ لأمن اللبس، ولأنه في الأصل مصدر، يقال: سمعت الشيء سماعا، وسمعا، والمصدر لا يجمع؛ لأنه اسم جنس يقع على القليل، والكثير، فلا يحتاج فيه إلى تثنية، أو جمع. وقيل: وحد السمع؛ لأن مدركاته نوع واحد، وهو الصوت، ومدركات غيره مختلفة.
فإن قيل: ما السبب في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر مع أن الحواس خمسة:
وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس؟ أجيب بأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه؛ لأن إدراك الذوق إنما يتأتى حينما يصير طرف اللسان مماسا لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى يصير الأنف مماسا لجرم المشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس. انتهى. جمل. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما: المراد من شهادة الجلود: شهادة الفروج، وهو من باب الكنايات.
هذا؛ وفي كيفية هذه الشهادة ثلاثة أقوال: أولها: أن الله تعالى يخلق الفهم، والقدرة، والنطق في هذه الجوارح، فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه. ثانيها: أن الله تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات، والحروف الدالة على تلك المعاني. ثالثها: أن يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان. وتلك الأمارات تسمى: شهادات، كما يقال: العالم يشهد بتغيرات أحواله على حدوثه. انتهى. جمل نقلا عن الخطيب. ثم قال:
وفي الكرخي: بأن ينطقها الله تعالى كإنطاق اللسان، فتشهد، وليس نطقها بأغرب من نطق اللسان عقلا، وإيضاحه: أن البنية ليست شرطا للحياة، والعلم، والقدرة، فالله تعالى قادر على خلق العقل، والقدرة، والنطق في كل جزء من أجزاء هذه الأعضاء. انتهى. والله أعلم.
الإعراب: {حَتّى:} حرف ابتداء. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {ما:} صلة.
{جاؤُها:} فعل ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المرجوح المشهور. {شَهِدَ:} فعل ماض. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.
{سَمْعُهُمْ:} فاعله، وما بعده معطوف عليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {شَهِدَ} وباقي الإعراب مثل: {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} في الآية رقم [17].
وجملة: {شَهِدَ..} . إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. هذا؛ ويعتبر الأخفش {إِذا} في مثل هذه الآية مجرورة ب:{حَتّى،} وقد رده ابن هشام في المغني، وعلى كلّ، فهي غاية لمحذوف، التقدير: حشروا حتى إذا جاؤوها.
الشرح: {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ:} المراد جميع الأعضاء؛ التي تشهد عليهم، فالمراد: المعنى الأعم، والتعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع، وقد ذكرته لك مرارا. {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا} هذا سؤال توبيخ، وتعجيب من هذا الأمر الغريب؛ لكونها ليست مما ينطق،
ولكونها كانت في الدنيا مساعدة لهم على المعاصي، فكيف تشهد الآن عليهم، فلذلك استغربوا شهادتها، وخاطبوها بصيغة خطاب العقلاء؛ لصدور ما يصدر من العقلاء عنها، وهو الشهادة المذكورة. انتهى. جمل.
{قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي..} . إلخ: أي: من الحيوان، والمعنى: أن نطقنا ليس بعجيب من قدرة الله؛ الذي قدر على إنطاق كل حيوان. ولا تنس: أن جمع ضمائر هذه الأعضاء جمع المذكر السالم إنما هو لمخاطبتها، وجوابها مثل العقلاء. {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: ركب فيكم الحياة بعد أن كنتم نطفا في الأصلاب، فمن قدر على ذلك؛ قدر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: وإليه وحده تردون بعد موتكم بالبعث، والحشر، والنشور.
هذا؛ وقد قال ابن كثير: هذا حال الكفار، والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت، فقد روى مسلم-رحمه الله-في صحيحه عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال:«أتدرون ممّ أضحك؟» . قلنا: الله ورسوله أعلم، قال:«من مخاطبة العبد ربّه يوم القيامة، يقول: ربّ ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إنّي لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي! فيقول الله تبارك وتعالى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم الله على فيه، ويقول لأركانه: انطقي! فتنطق بأعماله، ثم يخلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكنّ، وسحقا! فعنكنّ كنت أناضل» .
وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-وهو حديث يوم القيامة الطويل، وفيه: ثمّ يقال له: «الآن نبعث عليك شاهدنا، ويتفكّر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه؟ فيختم الله على فيه، ويقول لفخذه، ولحمه، وعظامه: انطقي، فينطق فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله؟ وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه» . انتهى. قرطبي، وابن كثير.
ثم قيل في سبب الختم أربعة أوجه: أحدها: لأنهم يقولون: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} رقم [23] من سورة (الأنعام) فختم الله على أفواههم؛ حتى تنطق جوارحهم. قاله أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه. الثاني: ليعرفهم أهل الموقف، فيتميزون منهم. قاله ابن زياد.
الثالث: لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق؛ لخروجه مخرج الإعجاز؛ وإن كان يوما لا يحتاج إلى إعجاز. الرابع: ليعلم: أن أعضاءه التي كانت أعوانا في حقه، صارت عليه شهودا في حق ربه، انتهى.
الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لِجُلُودِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {لِمَ} اللام: حرف جر. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام، والاستفهام للتوبيخ، والتأنيب، وحذفت ألف
(ما) فرقا بين الخبر، والاستخبار، والجار والمجرور متعلقان بما بعدهما. {شَهِدْتُمْ:} فعل، وفاعل. {عَلَيْنا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالُوا..} . إلخ معطوفة على جملة: {شَهِدْتُمْ عَلَيْنا..} . إلخ لا محل لها مثلها. {قالُوا:} ماض، وفاعله. {أَنْطَقَنَا:} ماض، و (نا): مفعوله. {اللهُ:} فاعله.
{الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة لفظ الجلالة، وجملة:{أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} صلة الموصول، لا محل لها.
{وَهُوَ:} الواو: واو الحال. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
{خَلَقَكُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{اللهُ،} والكاف مفعول به. {أَوَّلَ:} ظرف زمان متعلق بما قبله. و {أَوَّلَ} مضاف، و {مَرَّةٍ} مضاف إليه، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَهُوَ خَلَقَكُمْ..} . إلخ في محل نصب حال من لفظ الجلالة، والرابط: الواو، والضمير. وهذا على اعتباره من تمام كلام الجلود، ومستأنفة، لا محل لها، إن لم تكن كذلك أي: من كلام الله، أو كلام الملائكة. {وَإِلَيْهِ:} الواو: حرف عطف. (إليه):
جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {تُرْجَعُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية على الوجهين المعتبرين فيها، أو هي معطوفة على الجملة الفعلية وحدها. فتكون في محل رفع مثلها.
الشرح: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ..} . إلخ أي: تستخفون عن جوارحكم عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة، وما ظننتم: أن أعضاءكم تشهد عليكم أمام الله يوم القيامة. وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق ألاّ يمر عليه لحظة إلا وعليه رقيب. {وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ..} . إلخ: من أعمالكم، فلذلك جادلتم على ذلك حتى شهدت عليكم جوارحكم بأعمالكم، قال عبد الله بن عبد الأعلى الشامي، فأحسن:[الكامل]
العمر ينقص والذنوب تزيد
…
وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد
…
رجل جوارحه عليه شهود؟
والمرء يسأل عن سنيه، فيشتهي
…
تقليلها وعن الممات يحيد
فعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر، كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم: قريشيّ، وختناه ثقفيان، أو ثقفيّ، وختناه قرشيان،
فتكلموا بكلام لم أفهمه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا؛ سمعه، وإذا لم نرفع أصواتنا؛ لم يسمعه، فقال الآخر: إن سمع منه شيئا؛ سمعه كله. فقال عبد الله: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:{وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} إلى قوله:
{فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} . قال: هذا حديث حسن صحيح، قال الثعلبي: والثقفي: عبد يا ليل، وختناه: ربيعة، وصفوان بن أمية.
الإعراب: {وَما:} الواو: حرف عطف. و (ما): نافية. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {تَسْتَتِرُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية: (هو خلقكم
…
) إلخ على جميع الوجوه المعتبرة فيها. {أَنْ يَشْهَدَ:} فعل مضارع منصوب ب: {أَنْ،} والمصدر المؤول منهما في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: من أن يشهد، ويسمى مثل ذلك في محل نصب بنزع الخافض؛ لأن الفعل قبله لا يتعدى بنفسه. والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما، أو المصدر المؤول في محل نصب مفعول لأجله؛ أي: لأجل أن يشهد. أو مخافة أن يشهد. وقيل: هو في محل نصب مفعول به على تضمين الفعل قبله معنى الظن. وفيه بعد.
{عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {سَمْعُكُمْ:} فاعل {يَشْهَدَ} وما بعده معطوف عليه، والكاف في محل جر بالإضافة، ولا صلة للتوكيد.
{وَلكِنْ:} الواو: حرف عطف. (لكن): حرف استدراك مهمل، لا عمل له. {ظَنَنْتُمْ:}
فعل، وفاعل. {أَنْ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {لا:} نافية. {يَعْلَمُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:{اللهَ،} والجملة الفعلية في محل رفع خبر {أَنْ} . {كَثِيراً:}
مفعول به. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان ب: {كَثِيراً،} وقيل: متعلقان بمحذوف صفة له، أو هما متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب:(من)، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: لا يعلم كثيرا من الذي، أو من شيء تعملونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب:(من) التقدير: من عملكم، و {أَنْ} واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي (ظن)، والجملة الفعلية:
{وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها على جميع الوجوه المعتبرة فيها.
الشرح: {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ..} . إلخ أي: ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. {أَرْداكُمْ:}
أهلككم، وأدخلكم جهنم. وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن ألاّ يذهب عنه، ولا يزل عن
ذهنه: أن عليه من الله عينا كالئة، ورقيبا مهيمنا؛ حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب، وأحسن احتشاما، وأوفر تحفظا، وتصونا منه مع الملأ، ولا يتبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين. انتهى. كشاف. {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} أي: فخسرتم سعادتكم، وأنفسكم؛ حيث دخلتم النار. وانظر {الْخُسْرانُ} في سورة (الزمر) رقم [15]. هذا؛ والفعل (أصبحتم) بمعنى: صرتم، وليس المراد التوقيت بالصبح. وانظر الآية رقم [48] من سورة (الزمر).
هذا؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بالله، فإن قوما أساؤوا الظنّ بربهم، فأهلكهم» . فذلك قوله تعالى: {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ..} . إلخ هذا؛ وفي الحديث القدسي الطويل الذي يرويه أبو هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن رب العزة، وخرجه الستة ما عدا أبا داود: «أنا عند ظنّ عبدي بي
…
» إلخ.
هذا؛ والظن نوعان: ظن ينجي، وظن يردي، فالأول: هو أن يظن العبد بربه خيرا، ويحسن ظنّه به، ويقرن ذلك بالعمل الصالح، والخوف منه تعالى، ومراقبته، والوقوف على حدوده، فيحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم. والثاني: هو أن يظن العبد بربه خيرا، ولكنه لا يؤدي لله حقا، ولا يعرف للرسول صلى الله عليه وسلم واجبا، فهذا هو الظن الكاذب، الذي يقول الله فيه:{وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ..} . إلخ. وقال الحسن البصري رحمه الله: إن قوما ألهتهم الأمانيّ حتى خرجوا من الدّنيا؛ وما لهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب! ولو أحسن الظن؛ لأحسن العمل، وتلا الآية الكريمة التي نحن بصدد شرحها. وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-في هذه الآية: هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصيّ، ولا يتوبون منها، ويتكلون على المغفرة؛ حيث خرجوا من الدنيا مفاليس، ثم قرأ الآية. انتهى. قرطبي. وخذ ما يلي بمناسبة هذه الآية منه أيضا:
فعن معقل بن يسار-رضي الله عنه-عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس من يوم يأتي على ابن آدم، إلا ينادي فيه: يا بن آدم! أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد، فاعمل فيّ خيرا؛ أشهد لك به غدا، فإني لو قد مضيت؛ لم ترني أبدا. ويقول الليل مثل ذلك» . ذكره أبو نعيم الحافظ، وقال محمد بن بشير، فأحسن:[الطويل]
مضى أمسك الأدنى شهيدا معدّلا
…
ويومك هذا بالفعال شهيد
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة
…
فثنّ بإحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير منك إلى غد
…
لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد
الإعراب: {وَذلِكُمْ:} الواو: حرف عطف. (ذلكم): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {ظَنُّكُمُ:} خبر، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع
بدلا من: {ظَنُّكُمُ،} أو عطف بيان عليه. {أَرْداكُمْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى:{ظَنُّكُمُ،} والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من:{ظَنُّكُمُ،} والرابط: الضمير فقط، والعامل في الحال اسم الإشارة، و «قد» مقدرة، التقدير:
ذلكم ظنكم مرديا إياكم. هذا وجه، والوجه الثاني: اعتبار: (ذلكم) مبتدأ، و {ظَنُّكُمُ} بدلا منه، و {الَّذِي} نعت له، والخبر جملة:{أَرْداكُمْ} . والوجه الثالث: اعتبار اسم الإشارة مبتدأ، وما بعده أخبارا عنه متتالية. انتهى. جمل. وقال أبو البقاء العكبري:(ذلكم) مبتدأ، و {ظَنُّكُمُ} خبره، و {الَّذِي} نعت للخبر، أو خبر بعد خبر، و {أَرْداكُمْ} خبر آخر. ويجوز أن يكون الجميع صفة، أو بدلا، و {أَرْداكُمْ} الخبر، ويجوز أن يكون:{أَرْداكُمْ} حالا، و «قد» معه مرادة. انتهى.
{ظَنَنْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: الذي ظننتموه. {بِرَبِّكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {فَأَصْبَحْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {مِنَ الْخاسِرِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (أصبح)، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على جميع الوجوه المعتبرة فيها.
الشرح: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنّارُ:} قال الجمل: من المعلوم: أنه لا خلاص لهم من النار؛ صبروا، أو لم يصبروا؛ فما وجه التقييد؟ وأجيب بأن فيه إضمارا، تقديره: فإن يصبروا، أو لا يصبروا؛ فالنار مثوى لهم على كل حال. انتهى. نقلا من كرخي. وقال البيضاوي: ونظيره قوله تعالى في سورة (إبراهيم) الآية رقم [21] حكاية أهل النار: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ} .
وقول القرطبي: فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار؛ فالنار مثوى لهم، نظيره:
{فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ} رقم [175] من سورة (البقرة). وإن يستعتبوا في الدنيا، وهم مقيمون على كفرهم، فما هم من المعتبين، لم يقل به أحد من المفسرين، ولا وجه له؛ لأن هذا الكلام متعلق بأحوال الآخرة.
{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} أي: إن يسألوا أن يرضوا ربهم؛ فما هم فاعلون لفوات الوقت، والفرصة؛ لأنهم دعوا إليه في الدنيا؛ حيث ندبهم الله في كثير من الآيات إلى التوبة، والطاعة، وحثهم في كثير من الآيات على الاستغفار، والإيمان به. من قولهم: استعتبني فلان، فأعتبته؛ أي: استرضاني، فأرضيته. وجملة القول، لا يقال لهم يوم القيامة: ارضوا ربكم بتوبة، وطاعة. ومثله في سورة (الجاثية) رقم [35]:{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} . وقال تعالى في سورة (النحل) الآية رقم [84]: {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وقال تعالى في
سورة (الروم) الآية رقم [75]: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} وخذ قول أبي الأسود الدؤلي، وهو الشاهد رقم [960] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» : [المتقارب]
فألفيته غير مستعتب
…
ولا ذاكر الله إلاّ قليلا
هذا؛ والاستعتاب طلب العتاب، والمعتبة: هي الغلظة والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة والغضب، ويرجع إلى الرضا عنه، وإذا لم يطلب من خصمه العتاب دل ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه، قال النابغة الذبياني:[الطويل]
فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته
…
وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب
هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (غافر) رقم [52]: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} وفي المصباح المنير: عتب عليه عتبا من باب: ضرب، وقتل، ومعتبا أيضا:
لامه في سخط، فهو عاتب. وعتّاب مبالغة، وبه سمّي، ومنه عتّاب بن أسيد الصحابي-رضي الله عنه. وعاتبه معاتبة، وعتابا. قال الخليل-رحمه الله تعالى-: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال، ومذاكرة الموجدة. وأعتبني: الهمزة للسلب؛ أي: أزال الشكوى، والعتاب، واستعتب: طلب الإعتاب، والعتبى: الاسم من الإعتاب. انتهى. جمل من سورة (الروم). وخذ ما يلي:
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا فلعلّه يستعتب» . رواه البخاري ومسلم.
قال الزمخشري في سورة (الروم): فإن قلت: كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات، وغير معتبين في بعضها؟ قلت: أما كونهم غير مستعتبين؛ فهذا معناه؛ أي: ما تقدم، وأما كونهم غير معتبين فمعناه: أنهم غير راضين بما هم فيه، فشبهت حالهم بحال قوم جني عليهم، فهم عاتبون على الجاني، غير راضين عنه، فإن يستعتبوا الله؛ أي: يسألوه إزالة ما هم فيه، فما هم من المجابين إلى إزالته. انتهى. والله أعلم.
الإعراب: {فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {يَصْبِرُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَالنّارُ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (النار):
مبتدأ. {مَثْوىً:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والثابتة دليل عليها، وليست عينها، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {مَثْوىً،} أو بمحذوف صفة له، والجملة الشرطية مستأنفة، لا محل لها.
{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} مثل سابقه في إعرابه. {فَما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (ما):
نافية. {لَهُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، أو في محل رفع اسم (ما) على اعتبارها حجازية تعمل عمل:«ليس» . {مِنَ الْمُعْتَبِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، أو في محل نصب خبر (ما) والجملة الاسمية على الاعتبارين في محل جزم جواب الشرط
…
إلخ، و (إن) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، لا محل له مثله.
الشرح: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} أي: هيأنا. وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي:
قدرنا لمشركي مكة. يقال: هذان ثوبان قيضان: إذا كانا متكافئين، والمقايضة: المعاوضة، وأرى: أن المعنى الأول أولى بالاعتبار، ومثله قوله تعالى في سورة (الزخرف) رقم [36]:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} . قال ابن كثير: يذكر الله تعالى: أنه هو الذي أضل المشركين، وأن ذلك بمشيئته، وكونه، وقدرته، وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس، والجن.
{فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ:} من أمر الدنيا، فحسنوه لهم؛ حتى آثروه على الآخرة، واتبعوا الشهوات. {وَما خَلْفَهُمْ} أي: من أمر الآخرة، حسنوا لهم ما بعد مماتهم، ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة: أن لا بعث، ولا حساب، ولا جزاء. وانظر ما ذكرته في سورة (غافر) رقم [34] و [37].
وقال الزجاج: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة: أنه لا بعث، ولا جنة، ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا، بأن الدنيا قديمة، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك. قال القشيري: إذا أراد الله بعبد سوآ؛ قيض الله له إخوان سوء، وقرناء سوء يحملونه على المخالفات، ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطان، وأشر منه النفس، وبئس القرين يدعوه اليوم إلى ما فيه الهلاك، ويشهد عليه غدا. وإذا أراد الله بعبد خيرا؛ قيض له قرناء خير، يعينونه على الطاعة، ويحملونه عليها، ويدعونه إليها.
وروي عن أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبده شرا، قيّض له قبل موته شيطانا، فلا يرى حسنا إلاّ قبّحه عنده، ولا قبيحا إلاّ حسّنه عنده» . وعن عائشة-رضي الله عنها «إذا أراد الله بالوالي خيرا؛ جعل له وزير صدق؛ إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإن أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكّره، وإن ذكر لم يعنه» .
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله من نبيّ، ولا استخلف من خليفة؛ إلاّ كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه، والمعصوم من عصمه الله» . هذا؛ ولا تنس المرأة السوء، والولد السوء، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى في سورة التغابن رقم [14] و [15].
{وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي: كلمة العذاب. انظر ما ذكرته في سورة (ص) رقم [84 و 85].
{فِي أُمَمٍ:} في بمعنى: «مع» فالمعنى: هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه.
وقيل: المعنى: في جملة أمم. ومثله قول عروة بن أذينة: [المنسرح]
إن تك عن أحسن الصّنيعة مأ
…
فوكا ففي آخرين قد أفكوا
يريد: فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد، ومعنى البيت: إن لم توفق للإحسان، فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك أيضا. {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: مضت قبل أهل مكة. {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ:} حيث كفروا بربهم، وعملوا مثل أعمالهم، فأهلكهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق يقيهم نزول العذاب بهم. {إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ:} أعمالهم في الدنيا، وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
الإعراب: {وَقَيَّضْنا:} الواو: حرف استئناف. (قيضنا): فعل، وفاعل. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {قُرَناءَ:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة. {فَزَيَّنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {لَهُمْ:} متعلقان بما قبلهما. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و {بَيْنَ} مضاف، و {أَيْدِيهِمْ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء للثقل، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): معطوف على ما قبله. {خَلْفَهُمْ:} ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة.
{وَحَقَّ:} الواو: حرف عطف. (حق): فعل ماض. {عَلَيْهِمُ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْقَوْلُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {فِي أُمَمٍ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المجرور في: {عَلَيْهِمُ} أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم. {قَدْ:} حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {خَلَتْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث الساكنة، والفاعل يعود إلى:{أُمَمٍ،} والجملة الفعلية في محل جر صفة: {أُمَمٍ} . {مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْجِنِّ:} متعلقان بمحذوف حال من:
{أُمَمٍ} بعد وصفه بما تقدم، أو بمحذوف صفة ثانية له. {وَالْإِنْسِ:} معطوف على ما قبله.
{إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {خاسِرِينَ:} خبر (كان) منصوب، وعلامة نصبه الياء
…
إلخ، وجملة:{كانُوا خاسِرِينَ} في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية لا محل لها؛ لأنها تعليلية.
الشرح: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: من أهل مكة. {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ:} لا تنصتوا، ولا تصغوا له. {وَالْغَوْا فِيهِ:} اللغو: الساقط من الكلام، الذي لا طائل تحته. قال العجاج:[الرجز]
أستغفر الرحمن ذا التّعظم
…
من اللّغا ورفث التّكلّم
والمعنى: لا تسمعوا له إذا قرئ، وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات، والهذيان. كان بعضهم يوصي بعضا إذا رأيتم محمدا يقرأ؛ فعارضوه بالرجز، والشعر، وما أشبه ذلك؛ حتى يختلط عليه ما يقول، وتشوشوا عليه، وتغلبوه على قراءته. {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي:
تغلبونه على قراءته فلا يفهم ما يقول. هذا حال هؤلاء الجهلة من الكفار، ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن من الفجار، والفساق في هذه الأيام؛ الذين يجلسون في المقاهي على موائد الملاهي، والمشروبات، وشرب الدخان، وكذلك الذين يجلسون في المجتمعات، ويخوضون في أعراض الناس، ويتكلمون بالغيبة، والنميمة، والهذر والنذر من الكلام ومن هذا ما يحصل في المأتم، حيث تفتح المسجلات على باب المتوفى، والصوت يدوي في الطريق وفي دار المتوفى، والمعزون مشغولون بما ذكرت، فلا حول، ولا قوة إلا بالله، والله يقول في سورة (الأعراف) رقم [203]:{وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
هذا؛ و (الغوا فيه): هذه قراءة الجماعة، وهي من: لغي يلغى؛ أي: فهو يائي، وقرئ شاذا:«(والغوا فيه)» بضم الغين، وهي من: لغا يلغو؛ أي: فهو واوي. هذا؛ واللغو: ما ينبغي أن يلغى، ويطرح. خذ قوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [72] في مدح عباد الرحمن:{وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً،} وقوله تعالى في مدح مؤمني أهل الكتاب من سورة (القصص) رقم [55]: {وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} .
الإعراب: {وَقالَ:} الواو: حرف عطف. (قال): فعل ماض. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {لا تَسْمَعُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛
لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {لِهذَا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله في المعنى، والهاء مقحمة بين الجار والمجرور حرف لا محل له. {الْقُرْآنِ:} بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عليه.
{وَالْغَوْا:} الواو: حرف عطف. (الغوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {فِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {لَعَلَّكُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها، وجملة:{تَغْلِبُونَ} في محل رفع خبرها، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل، وجملة:
{وَقالَ الَّذِينَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً:} يجوز أن يراد بالذين كفروا هؤلاء اللاغون، والآمرون لهم باللغو خاصة، ويجوز أن يراد بهم جميع الكفار، وهو الأولى. وانظر إذاقة العذاب في الآية رقم [31] من سورة (الصافات). {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ:} ولنعاقبنهم. {أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ:} والمعنى: لنجزينهم في الآخرة جزاء قبح أعمالهم؛ التي عملوها في الدنيا، وأسوأ الأعمال الشرك.
وفي الجمل نقلا عن كرخي: ولنجزينهم أقبح جزاء عملهم، وهو الشرك، وذكروا: أن إضافة {أَسْوَأَ} ليست إضافة أفعل إلى ما أضيف إليه، لقصد الزيادة عليه، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل، فالمراد: سيئه؛ إذ لا يختص جزاؤهم بأسوأ عملهم.
وحاصله: أن الإضافة للتخصيص، والمضاف للزيادة المطلقة.
وفي هذا تعريض بمن لا يكون عند كلام الله المجيد خاضعا، خاشعا، متفكرا، متدبرا، وتهديد، ووعيد شديد لمن يصدر عنه عند سماعه ما يشوش على القارئ، ويخلط عليه القراءة، فانظر إلى عظمة القرآن المجيد، وتأمل في هذا التغليظ، والتشديد، واشهد لمن عظّمه، وأجلّ قدره، وألقى إليه السمع؛ وهو شهيد بالفوز العظيم. انتهى. بحروفه.
الإعراب: {فَلَنُذِيقَنَّ:} الفاء: حرف استئناف. وقيل: الفاء الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: إن استمروا على ذلك؛ فلنذيقن. اللام: واقعة في جواب قسم محذوف.
(نذيقن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف، لا محل له، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {عَذاباً:}
مفعول به ثان. {شَدِيداً:} صفة له، والجملة الفعلية:{فَلَنُذِيقَنَّ..} . إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب القسم المحذوف، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. (لنجزينهم): إعرابه مثل سابقه، والهاء مفعول به أول. {أَسْوَأَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {الَّذِي} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية بعده صلته، والعائد محذوف؛ إذ التقدير: الذي كانوا يعملونه. والإعراب واضح إن شاء الله تعالى.
الشرح: {ذلِكَ:} الإشارة إلى العذاب الشديد، وأسوأ الجزاء. {أَعْداءِ اللهِ} أي: وأعداء رسوله من الكافرين، والفاجرين، والفاسدين المفسدين. {لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ} أي: لهم في جهنم دار الإقامة، لا يخرجون منها أبدا، قال الجمل نقلا من أبي السعود: جملة مستقلة مقررة لما قبلها، والمعنى: أن النار نفسها دار الخلد، فيكون في الكلام تجريد، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرا آخر مثله في تلك الصفة مبالغة لكماله فيها، فقد انتزع من النار دارا أخرى سماها دار الخلد. وقيل: ليس في الكلام تجريد، بل المراد: أن الدار تشتمل على دركات، فمنها واحدة بخصوصها تسمى دار الخلد، وهي في وسط النار، وهم خالدون فيها. انتهى.
{جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ:} ينكرون الحق، أو يلغون. وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو. قال الرازي: وسمى لغوهم بالقرآن جحودا؛ لأنهم لما علموا: أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا إن سمعه الناس أن يؤمنوا به، فاخترعوا تلك الطريق الفاسدة، وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزا، إلا أنهم جحدوه حسدا. انتهى. صفوة التفاسير.
الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {جَزاءُ:} خبره، وهو مضاف، و {أَعْداءِ:} مضاف إليه، و {أَعْداءِ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {النّارُ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنها بدل من: {جَزاءُ،} وفيه نظر؛ إذ البدل يحل محل المبدل منه، فيصير التقدير: ذلك النار. الثاني: أنها خبر مبتدأ مضمر.
الثالث: أنها مبتدأ، والجملة الاسمية بعدها الخبر. انتهى. جمل نقلا عن السمين. ومثله في العكبري. هذا؛ وعلى الوجه الثاني فالجملة مفسرة لما قبلها، ومبينة لها. وعلى الوجه الثالث فالجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
{فِيها:} متعلقان بالخبر المحذوف، أو بمحذوف خبر آخر، أو بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. {دارُ:} مبتدأ مؤخر، و {دارُ} مضاف، و {الْخُلْدِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر:{النّارُ} على اعتبارها مبتدأ، ومستأنفة، أو في محل نصب حال من:
{النّارُ} على الوجه الأول والثاني فيها. والجملة الاسمية: {ذلِكَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{جَزاءُ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب بفعل مقدر، وهو مصدر مؤكد؛ أي: يجزون جزاء. الثاني: أن يكون منصوبا بالمصدر الذي قبله، والمصدر ينصب بمثله، كقوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [63]:{فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً} . الثالث: أن ينتصب على الحال من: {النّارُ،} أو من ضميرها المجرور ب: (في). {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {جَزاءُ} الثاني، إن لم يكن مؤكدا، وبالأول إن كان مؤكدا، و (ما) موصولة، أو مصدرية. {كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {بِآياتِنا:} متعلقان بما بعدهما، و (نا): في محل جر بالإضافة، وجملة:{يَجْحَدُونَ} في محل نصب خبر {كانُوا،} والجملة الفعلية صلة (ما) لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: بالذي كانوا يجحدونه بآياتنا، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بسبب جحدهم آياتنا. تأمل.
الشرح: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: وصاروا إلى النار، والتعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع. {رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ:} لأن الشيطان المضل يكون من الجن ويكون من الإنس، قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [112]:{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ..} . إلخ، وقال تعالى في سورة (الناس):{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} وقيل: هما إبليس، وقابيل بن آدم؛ الذي قتل أخاه؛ لأن الكفر سنة إبليس، والقتل بغير حق سنة قابيل، فهما سنّا المعصية. ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع:«ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل من ذنبه؛ لأنّه أول من سنّ القتل» . أخرجه الترمذي. وانظر ما ذكرته في سورة (المائدة) رقم [30]. {نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا} أي: ليكونا مباشرين للنار، وليكونا وقاية بيننا وبينها، فتخف عنا حرارتها نوع خفة. وقال القرطبي: سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم تحت أقدامهم. {لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ:} قال مقاتل: أي:
أسفل منا في النار، وقال الزجاج: ليكونا في الدرك الأسفل؛ أي: من أهل الدرك الأسفل، وممن هو دوننا، كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال باتباعنا لهما. انتهى. جمل. والله أعلم.
الإعراب: (قال الذين): فعل، وفاعل، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها في الآيتين السابقتين، لا محل لها مثلهما. {رَبَّنا:} منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، وانظر ما ذكرته في سورة (ص) رقم [16] نقلا من قول مكي. {أَرِنَا:} فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره وهو الياء، والكسرة قبلها دليل
عليها، والفاعل مستتر فيه تقديره:«أنت» ، و (نا): مفعوله الأول، وهو بصري. لكن الهمزة عدته إلى المفعول الثاني. {الَّذِينَ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، وبعضهم يعتبره مبنيا على الياء مثل مفرده. {أَضَلاّنا:} فعل ماض، والألف فاعله، و (نا):
مفعوله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد ألف التثنية. {مِنَ الْجِنِّ:}
متعلقان بمحذوف حال من ألف الاثنين، و {مِنَ} بيان لما أبهم في الموصول. {وَالْإِنْسِ:}
معطوف على ما قبله. {نَجْعَلْهُما:} فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للطلب، وعند الجمهور مجزوم بشرط محذوف، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والهاء مفعوله، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {تَحْتَ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، أو هو مفعوله الثاني، و {تَحْتَ} مضاف، و {أَقْدامِنا} مضاف إليه، و (نا): في محل جر بالإضافة. {لِيَكُونا:} فعل مضارع ناقص منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون، وألف الاثنين اسمه. {مِنَ الْأَسْفَلِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (يكونا)، و «أن» المضمرة والفعل (يكونا) في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل:(نجعل). هذا؛ والكلام: {رَبَّنا أَرِنَا..} .
إلخ في محل نصب مقول القول.
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ:} اعترافا بربوبيته، وإقرارا بوحدانيته؛ أي: لا رب، ولا معبود لنا إلا الله. وهذا شروع في بيان حسن أحوال المؤمنين في الدارين بعد بيان سوء حال الكفرة فيهما، وهذا من باب المقابلة؛ التي ذكرتها لك في سورة (يس) رقم [55].
{ثُمَّ اسْتَقامُوا:} قال الخازن-رحمه الله تعالى-: قال أهل التحقيق: كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته؛ لأجل العمل به، ورأس المعرفة اليقينية معرفة الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ} ورأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيما في الوسط، غير مائل إلى طرفي الإفراط، والتفريط، فتكون الاستقامة في أمر الدين، والتوحيد، فتكون في الأعمال الصالحة. سئل أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-عن الاستقامة، فقال: ألاّ تشرك بالله شيئا. وقال عمر-رضي الله عنه: الاستقامة: أن تستقيم على الأمر، والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان-رضي الله عنه: استقاموا: أخلصوا في العمل. وقال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه:
أدوا الفرائض، واجتنبوا النواهي. وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما. انتهى. وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله تعالى-: زهدوا في الفانية، ورغبوا في الباقية. وخلاصة الاستقامة:
العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
هذا؛ والاستقامة توبة بلا إصرار، وعمل بلا فتور، وإخلاص بلا التفات، ويقين بلا تردد، وتفويض بلا تدبير، وتوكل بلا توهم. والاستقامة درجة بها كمال الأمور، وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات، ونظامها، ومن لم يستقم؛ ضاع سعيه، وخاب أمله، والاستقامة أثر من آثار الدين، وثمرة من ثمار الإيمان الصادق، ونتيجة التقوى، ونظام الأمر، وعنوان التوفيق، وأساس الهداية، وأصل النجاح، وسر الفلاح، ومن لم يستقم في جميع أحواله، ويؤد ما عليه من الواجب نحو ربه، ونبيه، ونحو دينه، ونفسه، وأهله، ووطنه، وجيرانه، وأصدقائه، والناس أجمعين؛ فقد ضل سعيه، وخاب أمله، واضطرب نظام سيره، واختل ميزان تصرفه، وتقلب في أسباب الشقاء. وانظر ما ذكرته في سورة (هود) رقم [112].
{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا..} . إلخ: قال ابن زيد، ومجاهد: هذا يكون عند الموت، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما. وقال مقاتل، وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقيل: تكون في القبر، وقال وكيع، وابن زيد: البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث. وخذ قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} رقم [64].
{أَلاّ تَخافُوا} أي: من الموت، وما بعده من أهوال. {وَلا تَحْزَنُوا} أي: على ما خلفتم من أهل، وولد، فنحن نخلفكم فيهم. وقيل: المعنى: لا تخافوا من ذنوبكم، ولا تحزنوا لأجلها، فالله يغفرها لكم. {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} بها على ألسنة الرسل. وفي النسفي:
وقال محمد بن علي الصابوني: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة عند مفارقة الأرواح الأبدان: أن لا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان؛ التي كنتم توعدون في سالف الزمان. انتهى.
هذا؛ والخوف: غم يلحق لتوقع مكروه، والحزن: غم يلحق لوقوعه من فوات نافع، أو حصول ضار، وأما التخوف؛ فإنه يأتي بمعنى: التنقص، كما في قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [47]:
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} . يروى: أن الفاروق-رضي الله عنه-قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، وقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.
قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:[البسيط]
تخوّف الرحل منها تامكا قردا
…
كما تخوّف عود النّبعة السفن
فقال عمر-رضي الله عنه: أيها الناس! عليكم بديوانكم لا تضلوا! قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم. هذا؛ ويأتي الخوف بمعنى: العلم، وبه قيل في قوله تعالى:{فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً..} . إلخ سورة (البقرة)[182] وقوله تعالى رقم [229] منها: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ} ومعنى البيت: أضعف الرحل الناقة،
وأهزلها، وأنقص سنامها، كما أضعف عود النبعة، وهو القوس، الذي يتخذ من شجر النبع، والسفن كل ما ينحت به من سكين ونحوها.
الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسمها. {قالُوا:} ماض، وفاعله. {رَبُّنَا:} مبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {اللهُ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالُوا..} . إلخ صلة الموصول، لا محل لها. {ثُمَّ:} حرف عطف. {اِسْتَقامُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة، لا محل لها مثلها. {تَتَنَزَّلُ:} فعل مضارع. {عَلَيْهِمُ:} جار ومجرور متعلقان به.
{الْمَلائِكَةُ:} فاعله. والجملة الفعلية في محل رفع خبر: {إِنَّ} . {أَلاّ:} (أن): حرف مصدري ونصب. (لا): نافية. {تَخافُوا:} فعل مضارع منصوب ب: (أن)، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق؛ و (أن) والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: ب: {أَلاّ تَخافُوا،} والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من: {الْمَلائِكَةُ،} التقدير: قائلين بألا تخافوا. هذا؛ وأجيز اعتبار (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، و (لا) ناهية، والفعل مجزوم بها، وتؤول (أن) المخففة من الثقيلة مع اسمها، وخبرها بمصدر في محل جر بحرف جر محذوف، مثل الأول. كما أجيز اعتبار (أن) مفسرة، و (لا) ناهية، والفعل مجزوم بها، والجملة الفعلية مفسرة لمعنى التنزيل لا محل لها. {وَلا تَحْزَنُوا:} معطوف على ما قبله.
{وَأَبْشِرُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على جميع الوجوه المعتبرة فيها. {بِالْجَنَّةِ:} متعلقان بما قبلهما.
{الَّتِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة: (الجنة). {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {تُوعَدُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع
…
إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: التي كنتم توعدونها، والجملة الاسمية:{إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: {نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} أي: تقول لهم الملائكة الذين يتنزلون عليهم بالبشارة. قال مجاهد: أي: نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا. فإذا كان يوم
القيامة؛ قالوا: لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة. وقال السدي: أي: نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا، وأولياؤكم في الآخرة. انتهى. قرطبي. وقال البيضاوي: نلهمكم الحق في الدنيا، ونحملكم على الخير بدل ما كان الشيطان يفعل بالكفرة الفجرة.
{وَلَكُمْ فِيها} أي: في الجنة. {ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} أي: من الملاذ، والكرامات، والدرجات، والنعيم المقيم، والخير العميم. {وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ:} ما تطلبون، وتتمنون، وانظر إعلال {تَدَّعُونَ} في سورة (يس) رقم [57] فإنه جيد. وشرح {الْحَياةِ الدُّنْيا} و {الْآخِرَةِ} في سورة (الزمر) رقم [26]. {نُزُلاً:} هو ما يعد للنازل؛ أي: للضيف، ونحوه من طعام، وشراب، وإكرام. قال أبو السعد الضبي:[الطويل]
وكنّا إذا الجبار بالجيش ضافنا
…
جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
هذا؛ وذكر أبو البقاء: أنه يجوز أن يكون جمع: نازل، كما قال الأعشى في معلقته رقم [67]. [البسيط]
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا
…
أو تنزلون فإنّا معشر نزل
الإعراب: {نَحْنُ:} ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. {أَوْلِياؤُكُمْ:} خبره، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {فِي الْحَياةِ:} متعلقان به. {الدُّنْيا:} صفة: {الْحَياةِ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، {وَفِي الْآخِرَةِ:} معطوفان على ما قبلهما، والجملة الاسمية:{نَحْنُ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها، وهي من كلام الملائكة. {وَلَكُمْ:} الواو: حرف عطف. (لكم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {فِيها:} متعلقان بالخبر المحذوف، أو بمحذوف خبر ثان، أو بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. {تَشْتَهِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {أَنْفُسُكُمْ:} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: ولكم فيها الذي تشتهيه أنفسكم، والجملة الاسمية {وَلَكُمْ فِيها..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وإعراب:
{وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ} مثلها بلا فارق، وهي معطوفة عليها، لا محل لها مثلها. {نُزُلاً:} حال من قوله: {ما تَدَّعُونَ،} وقيل: مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: أنزلناه نزلا. وقال الجلال: منصوب ب «جعل» مقدرا، والمعتمد الأول. {مِنْ غَفُورٍ:} متعلقان بمحذوف صفة:
{نُزُلاً،} وأجيز تعليقهما بالفعل {تَدَّعُونَ،} التقدير: تطلبونه من جهة غفور رحيم، كما أجيز تعليقهما بما تعلق به الظرف في (لكم) من الاستقرار؛ أي: استقر لكم من جهة غفور رحيم. قال أبو البقاء: فيكون حالا من {ما} . انتهى. جمل. {رَحِيمٍ:} بدل من سابقه.
الشرح: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ} أي: دعا إلى توحيد الله، وطاعته، بقوله، وفعله، وحاله، وعمل الصالحات، وجعل الإسلام دينه، ومذهبه. قال ابن كثير: وهذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد. وقال الزمخشري: والآية عامة في كل من جمع بين هذه الثلاث: أن يكون مؤمنا معتقدا لدين الإسلام، عاملا بالخير، داعيا إليه، وما هم إلا طبقة العلماء العاملين. انتهى. صفوة التفاسير. {وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي:
وهو في نفسه مهتد، فنفعه لنفسه، ولغيره، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف، ولا يأتونه، بل يأتمر، ويترك الشر. وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد. وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه.
وقيل: إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق؛ فهو داخل في هذه الآية. وللدعوة إلى الله تعالى مراتب: الأولى: دعوة الأنبياء-عليهم الصلاة والسّلام-إلى الله تعالى بالمعجزات، وبالحجج والبراهين، وبالسيف، وهذه المرتبة لم تتفق لغير الأنبياء. المرتبة الثانية:
دعوة العلماء إلى الله تعالى بالحجج، والبراهين فقط. والعلماء أقسام: علماء بالله، وعلماء بصفات الله، وعلماء بأحكام الله. المرتبة الثالثة: دعوة المجاهدين إلى الله تعالى بالسيف، فهم يجاهدون الكفار؛ حتى يدخلوا في دين الله، وطاعته. المرتبة الرابعة: دعوة المؤذنين إلى الصلاة، فهم أيضا دعاة إلى الله تعالى، وإلى طاعته، وانظر سورة (النحل) رقم [125].
هذا؛ والعمل الصالح على قسمين: قسم يكون من أعمال القلوب، وهو معرفة الله تعالى.
وقسم يكون بالجوارح، وهو سائر الطاعات. وقيل:{وَعَمِلَ صالِحاً} صلى ركعتين بين الأذان، والإقامة. فعن عبد الله بن مغفل-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كلّ أذانين صلاة، بين كلّ أذانين صلاة، بين كلّ أذانين صلاة، وقال في الثالثة لمن شاء» . متفق عليه. انتهى. من الخازن. ولا تنس: أن الاستفهام بمعنى: أي: لا أحد أحسن! فهو بمعنى: النفي.
الإعراب: {وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. (من): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَحْسَنُ:} خبر المبتدأ. {قَوْلاً:} تمييز. {مِمَّنْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَحْسَنُ} . {دَعا:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل مستتر يعود إلى (من). {إِلَى اللهِ:} متعلقان به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {وَعَمِلَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من). {صالِحاً:} صفة لمفعول به محذوف، التقدير: عمل عملا صالحا. وقيل: لمفعول مطلق محذوف. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها
مثلها، واعتبرها أبو حيان في محل نصب حال من فاعل:{دَعا} المستتر، وعليه يكون الرابط:
الواو، والضمير، و «قد» قبلها مقدرة. (قال): فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من) أيضا.
{إِنَّنِي:} حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم اسمها. {مِنَ الْمُسْلِمِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (إنّ)، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالَ..} . إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
الشرح: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي: في الجزاء؛ أي: إن الحسنة، والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها؛ إذا اعترضتك حسنتان، فادفع بها السيئة؛ التي ترد عليك من بعض أعدائك، كما لو أساء إليك رجل إساءة، فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك، فتمدحه، أو يقتل ولدك، فتفتدي ولده من يد عدوّه. انتهى. نسفي. وقال الخازن: يعني الصبر، والغضب، والحلم، والجهل، والعفو، والإساءة.
هذا؛ والحسنة: ما يحمد فاعلها شرعا، وسميت حسنة؛ لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها يوم القيامة. والمراد: بالحسنة المقبولة الأصلية المعمولة للعبد، أو ما في حكمها، كما لو تصدق عنه غيره. وأما السيئة؛ فهي ما يذم فاعلها شرعا، صغيرة كانت، أو كبيرة، وسميت سيئة؛ لأن فاعلها يساء بها عند المجازاة عليها في الدنيا، أو في الآخرة، وأصلها:
سيوئة، فقل في إعلالها: اجتمعت الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما: أمره بالصبر عند الغضب، وبالحلم عند الجهل، وبالعفو عند الإساءة. {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} أي:
صديق قريب. والمعنى: فإنك إذا فعلت ذلك؛ انقلب عدوك المشاق لك مثل الصديق القريب مصافاة لك. قال مقاتل: نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة؛ التي وقعت بينه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم، فصار وليا في الإسلام حميما في القرابة، وانظر ما ذكرته في سورة (المؤمنون) رقم [97].
تنبيه: روي: أن رجلا شتم قنبرا مولى علي بن أبي طالب، فناداه علي: يا قنبر! دع شاتمك، واله عنه؛ ترض الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه. وأنشدوا:[الطويل]
وللكفّ عن شتم اللّئيم تكرّما
…
أضرّ له من شتمه حين يشتم
وقال آخر: [الوافر]
وما شيء أحبّ إلى سفيه
…
إذا سبّ الكريم من الجواب
متاركة السّفيه بلا جواب
…
أشدّ على السّفيه من السّباب
وقال محمود الوراق. وقيل: الخليل بن أحمد: [الطويل]
سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب
…
وإن كثرت منه لديّ الجرائم
فما النّاس إلا واحد من ثلاثة
…
شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأمّا الّذي فوقي فأعرف قدره
…
وأتبع فيه الحقّ والحقّ لازم
وأمّا الّذي دوني فإن قال صنت عن
…
إجابته عرضي وإن لام لائم
وأمّا الّذي مثلي، فإن زلّ أو هفا
…
تفضّلت إن الفضل بالحلم حاكم
هذا؛ وانظر الآية رقم [22] من سورة (الرعد) وانظر: {يَسْتَوِي} في الآية رقم [58] من سورة (غافر). هذا؛ وبين {الْحَسَنَةُ} و {السَّيِّئَةُ} مطابقة. انظر الآية المذكورة من سورة (غافر).
هذا؛ وقال لبيد بن ربيعة-رضي الله عنه-من معلقته رقم [21]: [الكامل]
واحب المجامل بالجزيل وصرمه
…
باق إذا ضلعت وزاغ قوامها
المعنى يقول: لا تعاجل صديقك بقطع الذي بينك وبينه، واخصصه بالمودة ما ثبت لك، فإن مال عن طريق الاستقامة؛ فأنت قادر على قطيعته كل وقت، كما قال النمر بن تولب الصحابي-رضي الله عنه:[المتقارب]
فأحبب حبيبك حبّا رويدا
…
فليس يعولك أن تصرما
وأبغض بغيضك بغضا رويدا
…
إذا أنت حاولت أن تحكما
وقد ذكروا: أنه مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم والأصح: أنه من قول علي-رضي الله عنه:
أحبب حبيبك هونا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما.
الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية. {تَسْتَوِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل. {الْحَسَنَةُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية في الآية السابقة، أو هي مستأنفة، لا محل لها على الاعتبارين. {وَلا:}
الواو: حرف عطف. (لا): صلة لتأكيد النفي. قاله الفراء، وأنشد قول الشاعر:[البسيط]
ما كان يرضى رسول الله فعلهم
…
والطّيّبان أبو بكر ولا عمر
{السَّيِّئَةُ:} معطوف على ما قبله. {اِدْفَعْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» .
{بِالَّتِي:} متعلقان بما قبلهما، و (التي) صفة لموصوف محذوف؛ أي: بالخصلة التي
…
إلخ، والجملة الاسمية:{هِيَ أَحْسَنُ} صلة الموصول، لا محل لها، وجملة:{اِدْفَعْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها، وإنما لم يقل: فادفع بالتي هي أحسن؛ أي: بقرن الجملة الفعلية بالفاء الفصيحة؛ لأنه على تقدير قائل قال: فكيف أصنع؟ فقال: ادفع بالتي هي أحسن. {فَإِذَا الَّذِي:}
(إذا) هي الفجائية. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. وانظر الآية رقم [29] من سورة (يس) ففيها الكفاية. {بَيْنَكَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَبَيْنَهُ:} معطوف على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة. {عَداوَةٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها. {كَأَنَّهُ:}
حرف مشبه بالفعل، والهاء في محل نصب اسمها. {وَلِيٌّ:} خبر: (كأن). {حَمِيمٌ:} صفة:
{وَلِيٌّ،} والجملة الاسمية: {كَأَنَّهُ..} . إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، وهو:{الَّذِي} .
هذا؛ وقال أبو البقاء: {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فيه وجهان: أحدهما: هو أي: الجملة في محل نصب حال من {الَّذِي} بصلته، و {الَّذِي} مبتدأ، و (إذا) للمفاجأة. وهي خبر المبتدأ؛ والفائدة تحصل من الحال. والثاني أن يكون {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} خبر المبتدأ، و (إذا) ظرف لمعنى التشبيه، والظرف يتقدم على العامل المعنوي. انتهى. ونقل الجمل عن الكرخي ما يشبهه، وهو يخالف ما نقلته من مغني اللبيب لابن هشام في إعراب مثل هذه الجملة في محاله.
{وَما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}
الشرح: {وَما يُلَقّاها} أي: هذه الفعلة الكريمة، والخصلة الشريفة، والسجية العالية، وهي: مقابلة الإساءة بالإحسان. {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: طبعهم، وسجيتهم، وشأنهم الصبر، وكظم الغيظ، واحتمال الأذى، وتحمل المكاره، وتجرع الشدائد. وفي سورة (القصص) رقم [80]:{وَلا يُلَقّاها إِلاَّ الصّابِرُونَ} . {وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي: صاحب حظ، والحظ: الجدّ، وهو البخت، والدولة. يقال: فلان ذو حظ، وحظيظ، ومحظوظ، وما الدنيا إلا أحاظ، وجدود، ورحم الله من يقول وهو أبو العلاء المعري:[الكامل]
لا تطلبنّ بغير حظّ رتبة
…
قلم الأديب بغير حظّ مغزل
سكن السّما كان السماء كلاهما
…
هذا له رمح وهذا أعزل
السما كان: كوكبان، يقال لأحدهما: الأعزل، وهو من منازل القمر، وهو الذي له النوء، وسمي أعزل؛ لأنه لا شيء من الكواكب بين يديه، ويقال للآخر: الرامح، وسمي رامحا بكوكب
يتقدمه. ومعنى البيتين: أنهما مع استوائهما في وجود كل منهما في السماء امتاز أحدهما عن الآخر، فلهذا حظ، ولا حظ لذاك، فالمدار على القضاء الأزلي، والسعد الأولي. اللهم اجعلنا من السعداء، ولا تجعلنا من الأشقياء! وما أحسن قول من قال في بيان حظوظ الرجال:[الرمل] خلق الحظّ جمانا وحصى
…
خالق الإنسان من ماء وطين
فوليد تسجد الدّنيا له
…
ووليد في زوايا المهملين
وقال المتنبي: [الطويل]
هو الحظّ حتى تفضل العين أختها
…
وحتى يصير اليوم لليوم سيّدا
هذا؛ والحظ: النصيب. قال تعالى في سورة (النساء) في آية المواريث: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وقال في سورة (المائدة) في ذم اليهود اللؤماء: {فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ} رقم [14] وقيل: الحظ العظيم: الجنة. ولا وجه له في جميع ما ذكرت من الآيات.
الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {يُلَقّاها:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، و (ها): مفعول به ثان. {إِلاَّ:}
حرف حصر. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل، وهو المفعول الأول، وجملة:{صَبَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الفعلية {وَما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} مستأنفة، لا محل لها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الخصلة التي رأيت تقديرها؛ فلست مفندا، ويكون الرابط: الواو، والضمير. {وَما يُلَقّاها إِلاَّ:} مثل سابقه. {ذُو:} نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة وهو المفعول الأول مثل سابقه، و {ذُو} مضاف، و {حَظٍّ} مضاف إليه.
{عَظِيمٍ:} صفة: {حَظٍّ،} والجمل الفعلية معطوفة على ما قبلها.
الشرح: {وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ} أي: ينخسك من الشيطان نخس. المعنى: وإن يوسوس لك الشيطان بترك مقابلة الإساءة بالإحسان، ويحملك على خلاف ما أمرت به، كغضب، وتفكير بشيء غير حسن؛ فاستعذ بالله من شره، ولا تطعه. هذا، والنخس، والنزغ، والنسغ، والنغز، والهمز، والوسوسة ألفاظ مترادفة، وأصل النزغ: الفساد، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:{مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي: أفسد. فقد شبه سبحانه وتعالى وسوسة الشيطان، وإغواءه للناس بنخس السائق الدابة بشيء لتسير. وفي الجمل: وعبر عن وسوسة الشيطان بالنزغ على سبيل المجاز
العقلي على حد: جدّ جدّه، ففي الكلام مجازان، والأصل: وإن يوسوس لك الشيطان بترك ما أمرت به؛ فاستعذ بالله. انتهى.
{فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} أي: استجر، وتحصن، واطلب النجاة من ذلك بالله. فأمر سبحانه العبد المؤمن أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه، والاستعاذة به. ولله المثل الأعلى، فلا يستعاذ من الكلاب إلا بصاحب الكلاب.
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} أي: لاستعاذتك، وأقوالك. {الْعَلِيمُ} أي: بأحوالك، وأفعالك، وجميع تصرفاتك، فيجازيك عليها، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ. هذا؛ وفي الآية الكريمة استعارة تبعية؛ حيث شبه الإغراء على المعاصي بالنزغ، واستعير النزغ للإغراء، ثم اشتق منه:
ينزغنك. هذا؛ والآية الكريمة مذكورة بحروفها في سورة (الأعراف) رقم [200] بزيادة {هُوَ} و (أل) هنا؛ لأن ما هنا متصل بمؤكد بالتكرار، وبالحصر، فناسب التأكيد بما ذكر، وما في (الأعراف) خليّ عن ذلك، فجرى على القياس من كون المسند إليه معرفة، والمسند نكرة.
انتهى. جمل نقلا عن كرخي.
الإعراب: {وَإِمّا:} الواو: حرف استئناف. (إما): هي (إن) الشرطية، مدغمة في:(ما) الزائدة، لتؤكد معنى الشرط؛ لأن معنى (إن) في الأصل الشك، فزال هذا المعنى بسبب (ما)، ولذا أكد الفعل بعدها بنون التوكيد الثقيلة. وذكر ابن هشام في المغني: أن توكيد الفعل بعدها قريب من الواجب، وذكر آيات كثيرة الفعل المضارع مؤكد فيها بنون التوكيد. وأضيف: أنه قرئ قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [26]: {فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} من غير توكيد الفعل بنون التوكيد. {يَنْزَغَنَّكَ:} فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف لا محل له، وهو في محل جزم فعل الشرط، والكاف مفعول به. {مِنَ الشَّيْطانِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {نَزْغٌ} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليها صار حالا» . {نَزْغٌ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَاسْتَعِذْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (استعذ):
فعل أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» . {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، والجملة الشرطية مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وجواب الأمر محذوف؛ أي: يدفعه عنك.
{إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {السَّمِيعُ:} خبر أول. {الْعَلِيمُ:} خبر ثان، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ). هذا؛ ويجوز اعتبار الضمير فصلا، لا محل له، واعتباره توكيدا لاسم (إنّ) على
المحل. وعليهما: فالاسمان العظيمان خبران ل: (إنّ)، والجملة الاسمية:{إِنَّهُ..} . إلخ تعليل للأمر، لا محل لها.
الشرح: {وَمِنْ آياتِهِ} أي: ومن علاماته الدالة على قدرته، وتوحيده. {اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي: إنه تعالى خلق الليل بظلامه، والنهار بضيائه، وهما متعاقبان لا يفتران، وخلق الشمس، ونورها، وإشراقها، والقمر، وضياءه، وتقدير منازله في فلكه، واختلاف سيره في سمائه؛ ليعرف باختلاف سيره، وسير الشمس مقادير الليل، والنهار، والشهور، والأعوام، ويتبين بذلك حلول، أوقات العبادات، والمعاملات، ثم لما كان الشمس، والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي، والسفلي؛ نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده، وهما تحت قهره، وتسخيره، فقال:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} . انتهى. مختصر ابن كثير.
{وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} وصورهن، وسخرهن. هذا رد على من يعبد الشمس، والقمر، وإنما تعرض للأربعة مع أن الناس لم يعبدوا الليل، والنهار؛ للإيذان بكمال سقوط الشمس، والقمر عن رتبة السجودية لهما بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراض؛ التي لا قيام لها بذاتها، وهذا هو السر في نظم الكل في سلك آياته، وإنما عبر عن الأربع بضمير الإناث مع أن فيها ثلاثة مذكرة، والعادة تغليب المذكر على المؤنث؛ لأنه لما قال:{وَمِنْ آياتِهِ} فنظم الأربعة في سلك الآيات، صار كل واحد منها آية، فعبر عنها بضمير الإناث في قوله:{خَلَقَهُنَّ} انتهى.
جمل نقلا من السمين وغيره، وقال النسفي تبعا للزمخشري: لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى، أو الإناث، تقول: الأقلام بريتها، وبريتهن. انتهى. وهذا لا غبار عليه.
{إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} أي: فاسجدوا له وحده. والسبب: أن ناسا كانوا يسجدون للشمس، والقمر، والكواكب، كالصابئين، ويزعمون: أن سجودهم لهذه الكواكب هو سجود لله عز وجل، فنهوا عن السجود لهذه الوسائط، وأمروا بالسجود لله الذي خلق هذه الأشياء كلها. انتهى. خازن.
الإعراب: {وَمِنْ:} الواو: حرف استئناف. (من آياته): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {اللَّيْلُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ:} هذه الأسماء معطوفة على: {اللَّيْلُ} . {لا تَسْجُدُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق.
{لِلشَّمْسِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، وإنما لم يقل:
فلا تسجدوا
…
إلخ؛ أي: بقرن الجملة الفعلية بالفاء الفصيحة؛ لأنه على تقدير قائل قال:
فكيف نصنع؟ فقال: لا تسجدوا
…
إلخ. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): زائدة لتأكيد النفي. {لِلْقَمَرِ:} معطوفان على ما قبلهما. {وَاسْجُدُوا:} الواو: حرف عطف. (اسجدوا):
فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لِلّهِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة: ل: (الله)، أو هو بدل منه. {خَلَقَهُنَّ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{الَّذِي،} وهو العائد، والهاء مفعول به، والنون حرف دال على جماعة الإناث، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه. {إِيّاهُ:} ضمير منفصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. {تَعْبُدُونَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف انظر تقديره في الشرح، والجملة الشرطية متعلقة بما قبلها، فهي مستأنفة مثله.
الشرح: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} أي: الكفار، ومن على شاكلتهم من الملحدين، والفاسقين، والفاسدين، والمفسدين عن السجود لله تعالى. وامتثال أوامره. {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ:} المراد بهم الملائكة. {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ:} وهم لا يملون تسبيح الله، وعبادته. قال زهير في معلقته رقم [58]:[الطويل]
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
…
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
ومعنى الآية الكريمة: فإن استكبروا، ولم يمتثلوا ما أمروا به، وأبوا إلا الواسطة-مع أنهم أمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصا-فدعهم، وشأنهم، فإن الله تعالى لا يعدم عابدا، وساجدا بالإخلاص، وله العباد المقربون؛ الذين ينزهونه بالليل، والنهار عن الأنداد. و {عِنْدَ رَبِّكَ} عبارة عن الزلفى والمكانة والكرامة، فهي عندية تشريف، وتكريم، لا عندية مكان.
هذا؛ وفي الآيتين سجدة من عزائم السجود، يسن للقارئ، والسامع، والمستمع السجود عند تلاوتها، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [15] من سورة (السجدة) ففيها كبير فائدة. وفي موضع السجود فيها قولان للعلماء، وهما وجهان لأصحاب الشافعي: أحدهما: أنه عند قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ} وهو قول ابن مسعود، والحسن، وحكاه الرافعي عن أبي حنيفة، وأحمد؛ لأن ذكر
السجدة قبله. والثاني وهو الأصح عند أصحاب الشافعي، وكذلك نقله الرافعي: أنه عند قوله تعالى:
{وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وقتادة، وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة؛ لأن عنده تمام الكلام. انتهى. خازن بحروفه. والله أعلم بمراده.
الإعراب: {فَإِنِ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {اِسْتَكْبَرُوا:} فعل ماض مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية
…
إلخ، وجواب الشرط محذوف، التقدير: فدعهم، وشأنهم، وإن ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {فَالَّذِينَ:} الفاء: حرف تعليل. (الذين):
اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و {عِنْدَ} مضاف، و {رَبِّكَ} مضاف إليه، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {يُسَبِّحُونَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {لَهُ:} متعلقان به. {بِاللَّيْلِ:} متعلقان به أيضا. {وَالنَّهارِ:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية تعليل لجواب الشرط المحذوف، الذي رأيت تقديره. {وَهُمْ:} الواو: واو الحال. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وجملة:{لا يَسْأَمُونَ} المنفية في محل رفع خبره، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير.
الشرح: {وَمِنْ آياتِهِ} أي: ومن العلامات الدالة على قدرة الله، وعظمته، والباعثة على توحيده، وعبادته. {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً:} يابسة متطامنة. مستعار من الخشوع بمعنى: التذلل لحال الأرض؛ إذا كانت قحطة، لا نبات فيها. وفي القرطبي: الخطاب لكل عاقل؛ أي: ومن آياته الدالة على أنه يحيي الموتى: {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} أي: يابسة جدبة. هذا وصف الأرض بالخشوع، قال النابغة:[الطويل]
رماد ككحل العين لأيا أبينه
…
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
والأرض الخاشعة: الغبراء؛ التي لا تنبت، وبلدة خاشعة مغبرة لا ينزل بها مطر. {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ} أي: بالنبات. قاله مجاهد. يقال: اهتز الإنسان؛ أي: تحرك. {وَرَبَتْ} أي:
انتفخت، وعلت قبل أن تنبت. قاله مجاهد. أي: تصدعت عن النبات بعد موتها، وعلى هذا التقدير يكون في الكلام تقديم، وتأخير، وتقديره: ربت، واهتزت. والاهتزاز، والربو قد يكونان
قبل الخروج من الأرض، وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض، فربوها: ارتفاعها، ويقال للموضع المرتفع: ربوة، ورابية، فالنبات يتحرك للبروز، ثم يزداد في جسمه بالكبر، طولا، وعرضا. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (الحج) رقم [5]:{وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} .
هذا؛ وفي قوله تعالى: {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً} استعارة مكنية، فقد استعير الخشوع، وهو التذلّل، والتقاصر لحال الأرض عند قحطها، وجفافها، كما استعير الهمود في آية (الحج) وكذلك يقال في الاهتزاز، والربو.
{إِنَّ الَّذِي أَحْياها} أي: أحيا الأرض بعد موتها بنزول المطر عليها. {لَمُحْيِ الْمَوْتى} أي:
لقادر على إحياء الأموات، وإخراجهم من قبورهم للبعث، والحساب والجزاء. {إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: لا يعجزه-جل وعلا-شيء، فكما أخرج النبات من زروع، وثمار من الأرض المجدبة؛ فإنه قادر على إحياء الموتى.
قال الصابوني نقلا من «مناهل العرفان» للزرقاني: ومن خصائص أسلوب القرآن العظيم: أنه يخاطب العقل، والقلب معا، ويجمع الحق، والجمال معا. انظر إليه، وهو في معمعان إقامة الدليل العقلي على البعث، والنشور في مواجهة المنكرين المكذبين كيف يسوق استدلاله سوقا يهز القلوب هزا، ويمتع العاطفة إمتاعا بما جاء في طيّ هذه الأدلة المسكتة المقنعة؟! إذ قال سبحانه في سورة (فصلت):{وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ..} . إلخ، تأمل هذا الأسلوب البارع؛ الذي أقنع العقل، وأمتع العاطفة في آن واحد، حتى في الجملة التي هي بمثابة النتيجة من مقدمات الدليل؛ إذ قال:{الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى} يا للجمال الساحر! ويا للإعجاز الباهر؛ الذي يستقبل عقل الإنسان وقلبه معا بأنصع الأدلة، وأجمل البيان في هذه الكلمات المعدودات. انتهى.
الإعراب: (من آياته): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {أَنَّكَ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {تَرَى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره:«أنت» . {الْأَرْضَ:} مفعول به. {خاشِعَةً:} حال من: {الْأَرْضَ؛} لأن الفعل بصري، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{فَإِذا:} الفاء: حرف عطف، وتفريع. (إذا): انظر رقم [20]. {أَنْزَلْنا:} فعل، وفاعل.
{عَلَيْهَا:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْماءَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها. {اِهْتَزَّتْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{الْأَرْضَ،} والتاء للتأنيث، والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام معطوف على ما قبله، لا محل له مثله. {وَرَبَتْ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع تاء
التأنيث التي هي حرف لا محل له، والفاعل يعود إلى:{الْأَرْضَ} أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على جواب (إذا) لا محل لها مثله.
{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسمها. {أَحْياها:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، و (ها): مفعول به، والفاعل يعود إلى:{الَّذِي،} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها.
{لَمُحْيِ:} اللام: هي المزحلقة. (محي): خبر: {إِنَّ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، وهو مضاف، و {الْمَوْتى} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، والإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، أو هي للتعليل لا محل لها على الاعتبارين. {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب: {قَدِيرٌ} بعدهما، و {كُلِّ} مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه.
{قَدِيرٌ:} خبر: {إِنَّ،} والجملة الاسمية مؤكدة لما قبلها.
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا:} يميلون عن الحق في أدلتنا بالطعن. يقال: ألحد الحافر في الأرض، ولحد: إذا مال عن الاستقامة، فحفر في شق. والإلحاد: الميل، والعدول، ومنه: اللحد في القبر؛ لأنه أميل إلى ناحية منه، فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة، فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة، والاستقامة. هذا؛ والمراد:
ب: {آياتِنا} القرآن. والإلحاد فيه: قولهم: شعر، أو كهانة، أو سحر. وقيل: باللغو عند تلاوة القرآن بالمكاء، والتصدية، واللغو، والغناء. وقيل: المراد ب: {آياتِنا} المعجزات. وهو يرجع إلى الأول، فإن القرآن معجز. هذا؛ ومن الإلحاد في القرآن ما يدعيه الباطنيون الملحدون، فإنهم يقولون: القرآن فيه ظاهر، وباطن، وإن الظاهر غير مراد أصلا، وإنما المراد الباطن.
وقصدهم من وراء هذا الكلام نفي الشريعة، وإبطال الأحكام. وهذا بلا شك إلحاد في الدين، فمثلا يقولون في قوله تعالى في سورة (الرحمن) رقم [19]:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ} البحران علي وفاطمة. ويقولون في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} هما الحسن، والحسين، والحاجز بينهما محمد صلى الله عليه وسلم. ويتأولون قوله تعالى في سورة (الحديد):{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} بأن الدين فيه باطن، وظاهر، ويفسرونه تفسيرات باطلة.
لا يقرها لغة، ولا عقل، ولا دين! ولا حول، ولا قوة إلا بالله!.
{لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا:} فنجازيهم على إلحادهم، وهو وعيد، وتهديد لهم. {أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ:}
على وجهه، وهو أبو جهل في قول ابن عباس-رضي الله عنهما. {خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ}
الْقِيامَةِ: قيل: هو الحمزة. وقيل: عثمان. وقيل: عمار بن ياسر. والأولى التعميم بحق كل كافر، والتعميم في حق كل مؤمن يعمل صالحا، فالذي يلقى في النار الكافر، والذي يأتي آمنا يوم القيامة المؤمن. {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ:} تهديد شديد، فالأمر ليس على حقيقته، وذلك كقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [29]:{فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ..} . إلخ.
قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: كيف جاز أن يأمر الله بالكفر، وبأن يعمل العصاة ما شاؤوا، وهو ناه عنه، ومتوعد عليه؟! قلت: هو مجاز عن الخذلان، والتخلية، وأن ذلك الأمر متسخط إلى غاية. ومثاله: أن ترى الرجل قد عزم على أمر، وعندك: أن ذلك الأمر خطأ، وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم، فتبالغ في نصحه، واستنزاله عن رأيه، فإذا لم تر منه إلا الإباء، والتصميم؛ حردت عليه، وقلت: أنت؛ وشأنك، وافعل ما شئت! فلا تريد بهذا حقيقة الأمر، وكيف والآمر بالشيء مريد له؟! وأنت شديد الكراهة متحسر، ولكن كأنك تقول له: فإذ قد أبيت النصيحة؛ فأنت أهل لأن يقال لك: افعل ما شئت، وتبعث عليه؛ ليتبين لك إذا فعلت صحة رأي الناصح، وفساد رأيك. انتهى. بحروفه من سورة (العنكبوت) الآية رقم [66].
{إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:} وعيد بتهديد وتوعد بالمجازاة.
الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم {إِنَّ} . {يُلْحِدُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فِي آياتِنا:} متعلقان بما قبلهما، و (نا): في محل جر بالإضافة. {لا:} نافية. {يَخْفَوْنَ:} فعل مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله. {عَلَيْنا:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل رفع خبر:{إِنَّ،} والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.
{أَفَمَنْ:} الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ. وقيل: وتقرير. الفاء: حرف استئناف. (من):
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُلْقى:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، ونائب الفاعل يعود إلى (من) وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فِي النّارِ:} متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعوله الثاني. {خَيْرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {أَمْ:}
حرف عطف معادل لهمزة الاستفهام. {فَمَنْ:} مبتدأ. {يَأْتِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء، والفاعل يعود إلى:{فَمَنْ،} وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {آمِناً:} حال من فاعل: {يَأْتِي} المستتر. {يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، أو ب:{آمِناً،} و {يَوْمَ} مضاف، و {الْقِيامَةِ} مضاف إليه، وخبر المبتدأ محذوف، لدلالة ما قبله عليه، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{اِعْمَلُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {شِئْتُمْ:} فعل،
وفاعل، والجملة الفعلية صلة:{ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: الذي، أو: شيئا شئتموه. وإن اعتبرتها مصدرية؛ تؤول مع ما بعدها بمصدر، فيكون التقدير: اعملوا مشيئتكم. {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو: بشيء تعملونه. وعلى الثالث تؤول (ما) مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بعملكم. {بَصِيرٌ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية تعليل للأمر، لا محل لها، وجملة:{اِعْمَلُوا..} . إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41)}
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: كفار قريش. {بِالذِّكْرِ} أي: بالقرآن في قول الجميع. {لَمّا جاءَهُمْ:} جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله. وانظر الإعراب يظهر لك المعنى أكثر. {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ} أي: عزيز على الله. أو: كريم على الله تعالى. وقيل: العزيز: العديم النظير، وذلك: أن الخلق عجزوا عن معارضته. وقيل: أعزه الله بمعنى: منعه، فلا يجد الباطل إليه سبيلا، وهو ما في الآية التالية.
الإعراب: {إِنَّ الَّذِينَ:} حرف مشبه بالفعل، والموصول اسمه، وجملة:{كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} صلة الموصول، لا محل لها. {لَمّا:} ظرف بمعنى: «حين» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بما قبله. {جاءَهُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:(الذكر)، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {لَمّا} إليها، وخبر {إِنَّ} محذوف، التقدير:
معاندون، أو هالكون، أو هو جملة:{أُولئِكَ..} . إلخ في الآية رقم [44] وما بينهما اعتراض.
وهناك أقوال ضعيفة ذكرها ابن هشام في المغني، والجمل أيضا ذكرها. {وَإِنَّهُ:} الواو: واو الحال. (إنه): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لَكِتابٌ:} خبر: {إِنَّ،} واللام هي المزحلقة. {عَزِيزٌ:} صفة (كتاب)، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الواو، والضمير. والجملة الاسمية:{إِنَّ الَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها. وأجاز الزمخشري، والبيضاوي اعتبارها بدلا من:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ..} . إلخ.
{لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}
الشرح: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أي: لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل، ولا ينزل من بعده كتاب يبطله، وينسخه. قاله الكلبي. وقيل: معناه: أن الباطل لا يتطرق
إليه، ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات؛ حتى يصل إليه. وقيل: لا يأتيه الباطل عما أخبر فيما تقدم من الزمان، ولا فيما تأخر. وقال السدي، وقتادة: الباطل: الشيطان، لا يستطيع أن يغير فيه، ولا يزيد، ولا ينقص منه. {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ:} في أقواله، وأفعاله. {حَمِيدٍ:} بمعنى:
محمود؛ أي: في جميع ما يأمر به، وينهى عنه. أو: يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه.
قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون، وتأوله المبطلون؟ قلت: بلى، ولكن الله قد تقدم في حمايته عن تعلق الباطل به، بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم، وإفساد أقاويلهم، فلم يخلّوا طعن طاعن إلا ممحوقا، ولا قول مبطل إلا مضمحلا.
ونحوه قوله تعالى في سورة (الحجر): {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ} ولا يبعد أن يريد بكلامه هذا مذهبه الاعتزالي، وما قاله بشأن القرآن هو، ومن على شاكلته. ومبحث ذلك في كتب علم الكلام، والعقيدة.
الإعراب: {لا:} نافية. {يَأْتِيهِ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء مفعول به. {الْباطِلُ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من (كتاب) بعد وصفه بما تقدم، أو هي في محل رفع صفة ثانية ل:(كتاب). وقيل: في محل رفع خبر {إِنَّ} . {مِنْ بَيْنِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و {بَيْنِ} مضاف، و {يَدَيْهِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء لأن لفظه مثنى، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَلا:} الواو:
حرف عطف. (لا): نافية. وقيل: صلة للتوكيد. {مِنْ خَلْفِهِ:} معطوفان على ما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {تَنْزِيلٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو تنزيل. والجملة الاسمية هذه مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ حَكِيمٍ:} جار ومجرور متعلقان ب: {تَنْزِيلٌ؛} لأنه مصدر، أو بمحذوف صفة له.
الشرح: {ما يُقالُ لَكَ} أي: ما يقول لك كفار قومك من الأذى، والتكذيب. {إِلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} أي: إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم، أو ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم، وأمرهم به من التوحيد، والإخلاص له؛ لأنه لا خلاف بين الشرائع فيما يتعلق بالتوحيد، وإخلاص العبادة له، فهو كقوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} رقم [65] من سورة (الزمر). {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ:} ورحمة لمن تاب، وأناب، وآمن به. {وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ} أي: لمن أصر على التكذيب، ومعاداتك يا محمد. ويكون كقوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [6]:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ} .
هذا؛ وقيل: إن قوله: {ما يُقالُ لَكَ..} . إلخ استفهام؛ أي: أي: شيء يقال لك؟ والله أعلم.
الإعراب: {ما:} نافية. {يُقالُ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {لَكَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {إِلاّ:} حرف حصر. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع نائب فاعل. {قَدْ:} حرف تحقيق، يقرب الماضي من الحال. {قِيلَ:}
ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى:{ما،} وهو العائد، أو الرابط. {لِلرُّسُلِ:}
متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ قَبْلِكَ:} متعلقان بمحذوف حال من: (الرسل)، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة:{ما،} أو صفتها. هذا؛ وعلى الاستفهام ف: {ما} مبتدأ، ونائب الفاعل يعود إليها، والجملة الفعلية في محل رفع خبرها، و {ما} الثانية في محل رفع بدل من الأولى، ولكن المعنى ركيك على الاستفهام، والجملة سواء أكانت فعلية، أم اسمية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: في محل رفع خبر: {إِنَّ} في الآية السابقة. وهو ضعيف.
{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {رَبَّكَ:} اسم: {إِنَّ،} والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {لَذُو:} اللام: المزحلقة. (ذو): خبر {إِنَّ} مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و (ذو) مضاف، و {مَغْفِرَةٍ} مضاف إليه، و (ذو عقاب): معطوف على ما قبله. {أَلِيمٍ:} صفة: {عِقابٍ} . هذا؛ والجملة الاسمية: {إِنَّ رَبَّكَ..} . إلخ بدل من: {ما} وصلتها، وجاز إسناد {يُقالُ} إلى الجملة، كما جاز في:{وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها} رقم [32] من سورة (الجاثية). هذا كله إن كان المعنى: ما يقول الله لك إلا ما قد قيل، فأما إن كان المعنى: ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لأنبيائهم-وهو الوجه الذي بدأ به الزمخشري-فالجملة استئناف. انتهى. مغني اللبيب بتصرف.
الشرح: {وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا} أي: ولو جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه يا محمد على الناس، وعلى قومك أعجميا بغير لغة العرب. ويظهر: أن هذا جواب لقولهم: هلا نزل القرآن بلغة العجم؟! {لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ} أي: بينات بلغتنا، فإننا عرب، لا نفهم الأعجمية! فبين:
أنه أنزله بلسانهم؛ ليتقرر به معنى الإعجاز؛ إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما، ونثرا، وإذا عجزوا عن معارضته؛ كان من أدل الدليل على أنه من عند الله. ولو كان بلسان العجم؛ لقالوا:
لا علم لنا بهذا اللسان. وإذا ثبت هذا؛ ففيه دليل على أن القرآن عربي، وأنه نزل بلغة العرب، وأنه ليس أعجميا، وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا. انتهى. قرطبي.
{ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي: لقالوا: أقرآن أعجمي، ونبي عربي؟! هذا؛ والأعجمي: هو الذي لا يفصح في كلامه، والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم، ولا يتكلم بكلامهم: أعجميا.
وقال الفراء: الأعجم: هو الذي في لسانه عجمة؛ وإن كان عربيا، ومنه سمي زياد الأعجم؛ لأنه كان في لسانه عجمة؛ أي: لكنة مع كونه من العرب. والأعجمي، والعجمي: الذي أصله من العجم، فهو منسوب إليه. هذا؛ والأعرابي: هو الذي يسكن في البادية، والعربي: هو الذي يسكن الأمصار من بلاد العرب، وهو منسوب إلى العرب، وجمع الأول: الأعراب، كما في الآية رقم [90] من سورة (التوبة)، وجمع الثاني: العرب، والعرب والعرب واحد، كالعجم، والعجم، فبينهما طباق التضاد. هذا؛ وقال أبو حيان: الياء في أعجمي للمبالغة في الوصف، وليس النسب فيه حقيقا، وقال الرازي في لوامحه: فهي ك: (ياء) كرسي.
هذا؛ وروى سعيد بن جبير-رضي الله عنه-قال: قالت قريش: لولا أنزل القرآن عربيا، وعجميا، فيكون بعض آياته عجميا يفهمها العجم، وبعض آياته عربيا، يفهمها العرب، فنزلت الآية. وأنزل في القرآن من كل لغة، فمنه:«السجّيل» وهي فارسية، وأصلها: سنك كيل، أي:
طين، وحجر، ومنه:«الفردوس» رومية، وكذلك «القسطاس» . انتهى. قرطبي، وأيضا:
«السندس» ، و «الإستبرق» . وانظره في محاله.
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} أي: يا محمد! قل: إن هذا القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة، وشفاء لهم من الجهل، والشك، والريب. ففيه من التشبيه البليغ ما لا يخفى.
{وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي: بالله، وبما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. {فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ} أي: صمم عن سماع آياته، وتفهم معانيه. {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أي: كما أن هذا القرآن رحمة للمؤمنين، وشفاء لما في صدورهم، هو شقاء، وتعاسة على الكافرين، كما قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [82]:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً} .
قال «زاده» في حاشيته على «البيضاوي» : إن القرآن لوضوح آياته، وسطوع براهينه هاد إلى الحق، ومزيل للريب، والشك، وشفاء من داء الجهل، والكفر، والارتياب. ومن ارتاب فيه، ولم يؤمن به؛ فارتيابه إنما نشأ عن توغله في اتباع الشهوات، وتقاعده عن تفقده ما يسعده، وينجيه. انتهى. صفوة التفاسير. وانظر ما ذكرته في سورة (السجدة) رقم [2] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وانظر شرح آية الإسراء المذكورة.
{أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي: أولئك الكافرون بالقرآن هم شبيهون بمن ينادى من مكان بعيد، فإنه لا يسمع، ولا يفهم ما ينادى به. وهذا على سبيل التمثيل. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد مثل البهيمة؛ التي لا تفهم إلا دعاء، ونداء. انتهى. صفوة التفاسير.
وقد عده بعضهم من الاستعارة التمثيلية. وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من
مكان بعيد، فيكون ذلك أشدّ لتوبيخهم، وفضيحتهم. هذا؛ وإعلال:{عَمًى} مثل إعلال {هُدىً} في الآية رقم [54] من سورة (غافر).
الإعراب: {وَلَوْ:} الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
{جَعَلْناهُ:} ماض، وفاعله، ومفعوله الأول. {قُرْآناً:} مفعول به ثان. {أَعْجَمِيًّا:} صفة له، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَقالُوا:} اللام:
واقعة في جواب لو. (قالوا): ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لَوْلا:}
حرف تحضيض. {فُصِّلَتْ:} ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {آياتُهُ:}
نائب فاعل، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{لَقالُوا..} . إلخ جواب (لو)، لا محل لها، و (لو) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
{ءَ أَعْجَمِيٌّ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. (أعجمي): فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مبتدأ، والخبر محذوف، التقدير: أأعجمي، وعربي يستويان؟! وساغ الابتداء بالنكرة لاعتماده على الاستفهام. والثاني: أنه خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: أهو أعجمي، والمرسل به عربي؟! والثالث: أنه فاعل بفعل محذوف، التقدير: أيستوي أعجمي وعربي؟! وهذا ضعيف؛ إذ لا يحذف الفعل إلا في مواضع معروفة. انتهى. جمل بتصرف. هذا؛ والجملة مستأنفة، لا محل لها، على الوجوه الثلاثة.
{قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت» . {هُوَ:} مبتدأ. {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {هُدىً وَشِفاءٌ} كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا، أو هما متعلقان ب:(شفاء)؛ لأنه مصدر، وجملة:{آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {هُدىً:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والثابتة دليل عليها، وليست عينها. والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَالَّذِينَ:} الواو: حرف استئناف. (الذين): مبتدأ، وجملة:{لا يُؤْمِنُونَ} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {فِي آذانِهِمْ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ.
{وَقْرٌ:} فاعل بمتعلق الجار، والمجرور؛ أي: وجد، أو استقر في آذانهم وقر. هذا؛ ويجوز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف خبر مقدم، و {وَقْرٌ} مبتدأ مؤخرا، وتكون الجملة الاسمية، في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَالَّذِينَ..} . إلخ مستأنفة، أو هي في محل نصب مقول القول. {وَهُوَ:} الواو: حرف عطف. (هو): مبتدأ. {عَلَيْهِمْ:} متعلقان بمحذوف حال من: {عَمًى} على مثال ما تقدم. {عَمًى:} خبر المبتدأ مرفوع، مثل {هُدىً} والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، على الوجهين المعتبرين فيها.
{أُولئِكَ:} اسم إشارة مبني على الكسرة في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محل له. {يُنادَوْنَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ. {مِنْ مَكانٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {بَعِيدٍ:} صفة: {مَكانٍ،} والجملة الاسمية: {أُولئِكَ..} .
إلخ مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وأجيز اعتبارها خبرا ل:{إِنَّ} في الآية رقم [41] وهو أحد الأوجه الضعيفة التي قيلت في خبرها هناك.
الشرح: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} أي: التوراة. {فَاخْتُلِفَ فِيهِ:} فآمن به قوم، وعملوا بتعاليمه، وكفر به قوم؛ حيث حرفوا، وبدلوا، وغيروا فيه، ولم يعملوا بتعاليمه، كما اختلف قومك يا محمد في هذا القرآن بين مصدق ومكذب. {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ:} وهي كلمة الإنظار، والإمهال بتأخير العذاب للمجرمين إلى يوم القيامة، فإنه يوم الفصل، والجزاء.
{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي: بإنزال ما يستحقه المجرم، والمكذب من العذاب؛ ليتميز به عن المحق.
{وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} أي: وإن قومك لفي شك من القرآن موقع في الريبة؛ لتبلد عقولهم، وعمى أبصارهم. هذا؛ وقيل: الكلمة التي سبقت هي قوله تعالى في الحديث القدسي:
«سبقت رحمتي غضبي» . وانظر (الريب) في سورة (غافر) رقم [59]، وانظر ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من وقوع أنواع العذاب في هذه الأمة في آخر الزمان في الآية رقم [18].
هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم. وأضيف: أن الآية مذكورة بحروفها في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام برقم [110].
الإعراب: {وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله.
والجار، والمجرور متعلقان بمحذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم. (قد):
حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {آتَيْنا:} فعل، وفاعل. {مُوسَى:} مفعول به أول.
{الْكِتابَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية: (لقد
…
) إلخ جواب القسم لا محل لها، وانظر الآية رقم [62] من سورة (يس) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {فَاخْتُلِفَ:} الفاء: حرف عطف.
(اختلف): فعل ماض مبني للمجهول. {فِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل رفع نائب فاعله. وقيل: نائب الفاعل مستتر فيه، ولا وجه له ألبتة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. والجملة القسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَلَوْلا:} الواو:
حرف استئناف. (لولا): حرف امتناع لوجود. {كَلِمَةٌ:} مبتدأ. {سَبَقَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث حرف لا محل له، والفاعل يعود إلى:{كَلِمَةٌ} . {مِنْ رَبِّكَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل رفع صفة:{كَلِمَةٌ،} وخبر المبتدأ محذوف، التقدير:
موجودة. {لَقُضِيَ:} اللام: واقعة في جواب (لولا). (قضي): ماض مبني للمجهول.
{بَيْنَهُمْ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، وهو نائب فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة.
هذا؛ ويجوز أن يكون نائب الفاعل ضميرا مستترا تقديره: «هو» يعود إلى المصدر المفهوم من الفعل، التقدير: وقضي هو؛ أي: القضاء. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [54] من سورة (سبأ) فبين الآيتين شبه قوي. وجملة: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} جواب (لولا) لا محل لها، و (لولا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. وقيل: معطوف على ما قبله، والأول أولى. {وَإِنَّهُمْ:} الواو: واو الحال. (إنهم): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة. (في شك): متعلقان بمحذوف خبر (إنّ). {مِنْهُ:} جار ومجرور متعلقان ب: {شَكٍّ؛} لأنه مصدر، أو هما متعلقان بمحذوف صفة له. {مُرِيبٍ:} صفة: {شَكٍّ،} والجملة الاسمية: {وَإِنَّهُمْ..} .
إلخ في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا بالإضافة، والرابط: الواو، والضمير، والاستئناف ممكن. تأمل، وتدبر.
{مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ (46)}
الشرح: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ:} فصلاحه لنفسه؛ لأنه يعود عليها بالثواب، وجزيل الأجر. {وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} أي: أساء العمل، فإساءته عائدة على نفسه بالضرر. {وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ} أي: بذي ظلم؛ أي: فظلام صيغة نسب كتمّار، وخبّاز، وبقّال، لا صيغة مبالغة، فالمراد نفي نسبة الظلم، لا نفي المبالغة؛ لأن نفيها يثبت بعض الظلم، والله منزه عنه قطعا، قال تعالى:{وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ} ومثل الآية الكريمة ما رواه عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يكون المؤمن لعّانا» . أخرجه الترمذي، ومن هذا الباب قول امرئ القيس، وهو الشاهد رقم [175] من كتابنا: فتح القريب المجيب: [الطويل]
وليس بذي رمح فيطعنني به
…
وليس بذي سيف وليس بنبّال
الإعراب: {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون، في محل رفع مبتدأ. {عَمِلَ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى:{مَنْ} . {صالِحاً:} صفة لمفعول به محذوف، أو لمفعول مطلق محذوف. {فَلِنَفْسِهِ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(لنفسه): جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف، التقدير: فعمل لنفسه، أو هما متعلقان بمحذوف
خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فعمله لنفسه، وهو قول ابن هشام في المغني، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة سواء أكانت فعلية أم اسمية في محل جزم جواب الشرط، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، والمعتمد أنه جملتا الشرط والجواب. هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسما موصولا فجملة:{عَمِلَ صالِحاً:} صلته، والجملة الثانية خبره، ودخلت الفاء في الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم، والجملة الاسمية على الاعتبارين مستأنفة، لا محل لها، وجملة:
{وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها:} معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق، وهذه الآية مذكورة في سورة (الجاثية) برقم [14] هذا؛ ولا تنس المطابقة بين الجملتين المتعاطفتين.
{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما) نافية حجازية تعمل عمل «ليس» . {رَبُّكَ:} اسم (ما)، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {بِظَلاّمٍ:}
الباء: حرف جر صلة. (ظلاّم) خبر (ما) منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. وفاعله مستتر فيه. {لِلْعَبِيدِ:} متعلقان بظلام، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. وقيل في محل نصب حال وضعفه ظاهر.
الشرح: {إِلَيْهِ:} إلى الله تعالى. {يُرَدُّ عِلْمُ السّاعَةِ} أي: علم قيامها، ووقوعها؛ بمعنى:
إذا سأل عنها سائل؛ قيل له: لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله تعالى، ولا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك، كما قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الساعة:«ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل» وكما قال تعالى: {إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} سورة (النازعات)، وكما قال في آخر سورة (لقمان):{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ..} . إلخ.
{وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها} أي: من أوعيتها، فالأكمام: أوعية الثمرة، واحدها: كمة، وهي كل ظرف لمال، أو غيره. وضبطه الزمخشري بكسر الكاف، وهو ما يغطي الثمرة من الزهر، وقال الراغب: الكم ما يغطي اليد من القميص، وما يغطي الثمرة، وجمعه: أكمام، فهذا يدلّ على أنّه مضموم الكاف؛ إذ جعله مشتركا بين كمّ القميص، وكمّ الثمرة، ولا خلاف في كمّ القميص أنّه بالضم، فيجوز أن يكون في وعاء الثمرة لغتان دون كمّ القميص جمعا بين قوليهما. انتهى. جمل.
{وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ} أي: إلاّ مقرونا بعلمه، واقعا حسب تعلّقه به.
انتهى. بيضاوي. وفي الخازن: أي: يعلم قدر أيام الحمل، وساعاته، ومتى يكون الوضع، وذكر الحمل هو أم أنثى، ولونه. ومعنى الآية: كما يرد إليه علم الساعة؛ فكذلك يرد إليه علم ما يحدث من شيء، كالثمار، والنتاج. وخذ قوله تعالى من سورة (الرعد) رقم [8]:{اللهُ يَعْلَمُ ما}
تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ وقوله تعالى في سورة (الأنعام)[59]: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ..} . إلخ انظر شرحها هناك تجد ما يسرّك.
{وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي} أي: ينادي الله المشركين يوم القيامة: أين شركائي الذين زعمتموهم؟ هذا؛ وأطلق على الأصنام اسم الشركاء لأحد أمرين: أحدهما: أن المشركين يشركونها مع الله في العبادة، والتعظيم، والتقديس. وثانيهما: أنّهم يشركونها في الأموال، والأنعام، والزروع. انظر الآية رقم [138] من سورة (الأنعام) وما بعدها. {قالُوا} أي: الأصنام المعبودة من دون الله تعالى. وقيل: المشركون، ويحتمل أن يريدهم جميعا العابد، والمعبود.
{آذَنّاكَ:} أعلمناك؟ وأخبرناك الآن بالحقيقة. {ما مِنّا مِنْ شَهِيدٍ} أي: من يشهد اليوم بأن لك شريكا. قال المفسرون: لما عاينوا القيامة؛ تبرؤوا من الأصنام. وتبرأت الأصنام منهم، وأعلنوا إيمانهم وتوحيدهم في وقت لا ينفع فيه إيمان، وتوحيد.
تنبيه: جاء في الظلال ما يلي: ويذهب القلب يتتبع الثمرات في أكمامها، والأجنة في أرحامها، ويطوف في جنبات الأرض يرقب الأكمام التي لا تحصى، ويتصور الأجنة التي لا يحصرها خيال، وترتسم في الضمير صورة رائعة لعلم الله، بقدر ما يطيق القلب البشري أن يتصور من الحقيقة التي ليس لها حدود.
تنبيه: جاء في الخازن ما يلي: فإن قلت: قد يقول الرجل الصالح من أصحاب الكشف قولا فيصيب فيه، وكذلك الكهان، والمنجمون! قلت: أما أصحاب الكشف إذا قالوا قولا؛ فهو من إلهام الله تعالى، وإطلاعه إياهم عليه، فكان من علمه الذي يردّ إليه. وأمّا الكهان، والمنجّمون فلا يمكنهم القطع، والجزم بشيء مما يقولونه ألبتة، وإنّما غايته ادّعاء ظنّ ضعيف قد لا يصيب، وعلم الله تعالى هو العلم اليقين المقطوع به، الذي لا يشركه فيه أحد.
هذا؛ وأقول: وما اخترع من أشياء، وما اكتشف من أمور في هذا العصر، وما يتحدّثون عنه من مغيّبات مثل نزول المطر، وعن وصف الجنين في الرحم، وغير ذلك، إنما هو قائم على التجربة، والحدس، والتخمين، وكثيرا ما يخطئ، وقد يصيب، فيبقى من علم الله تعالى.
الإعراب: {إِلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بما بعدهما. {يُرَدُّ:} فعل مضارع مبني للمجهول. {عِلْمُ:} نائب فاعله، و {عِلْمُ} مضاف، و {السّاعَةِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها، وقدّم الجار والمجرور للاختصاص. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما) نافية. {تَخْرُجُ:} فعل مضارع. {مِنْ:} حرف جر صلة. {ثَمَراتٍ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. {مِنْ أَكْمامِها:} جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة: {ثَمَراتٍ} . وقيل: متعلقان بالفعل: {تَخْرُجُ،} والمعنى على الأول أقوى، و (ها): في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما
قبلها، لا محلّ لها مثلها، وإن اعتبرتها في محل نصب حال من الضمير المجرور محلا ب:(إلى) فلا بأس به، ويكون الرابط: الواو، والضمير المجرور محلا بالإضافة بقوله:{بِعِلْمِهِ} لأنّ الجمل المتعاطفة كالجملة الواحدة. هذا؛ وقيل: (ما) موصولة في محل جر عطف على:
{السّاعَةِ} التقدير: علم الساعة، وعلم التي تخرج. والمعنى: لا يؤيده.
{وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): نافية. {تَحْمِلُ:} فعل مضارع. {مِنْ} حرف جر صلة. {أُنْثى:} فاعله مجرور لفظا منصوب محلا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.
{وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية. {تَضَعُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:
{أُنْثى،} ومفعوله محذوف، التقدير: ولا تضعه. {إِلاّ:} حرف حصر. {بِعِلْمِهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال مستثنى من عموم الأحوال؛ أي: إلاّ مقرونا بعلمه، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. (يوم): ظرف زمان: مفعول به، أو هو متعلّق بفعل محذوف، تقديره: اذكر يوم، أو هو ظرف لمضمر قد ترك إيذانا بقصور البيان عنه، أو هو متعلّق بما بعده. {يُنادِيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى:{رَبِّكَ} في الآية السابقة، والهاء مفعول به. {أَيْنَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلّق بمحذوف خبر مقدّم. {شُرَكائِي:} مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وياء المتكلّم في محلّ جر بالإضافة، من إضافة جمع اسم الفاعل لفاعله، أو لمفعوله، والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ثان للفعل:(ينادي)، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (يوم) إليها، وجملة: (اذكر يوم يناديهم
…
) إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{قالُوا:} ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {آذَنّاكَ:} فعل ماض، وفاعله، ومفعول به أول، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {ما:} نافية. {مِنّا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. (من): حرف جر صلة. {شَهِيدٍ:} مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني، والثالث ل:(آذن) لأنّه يتعدّى لثلاثة ك:
«أعلم» ، وجملة:{قالُوا..} . إلخ مستأنفة، لا محلّ لها.
{وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)}
الشرح: {وَضَلَّ عَنْهُمْ} أي: غاب عن الكافرين. والتعبير بالماضي عن المستقبل في هذه الآيات إنّما هو لتحقق الوقوع يوم القيامة. وانظر شرح {ضَلَّ} في سورة (الصافات) رقم [71].
{ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ} أي: يعبدون من دون الله، والمراد: الأصنام التي كانوا يعبدونها في
الدنيا. {وَظَنُّوا} أي: وأيقنوا، وعلموا. {ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} أي: مهرب، وملجأ يلجؤون إليه، من: حاص، يحيص حيصا: إذا هرب.
الإعراب: {وَضَلَّ:} الواو: حرف عطف. (ضلّ): فعل ماض. {عَنْهُمْ:} جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محلّ رفع فاعل. {كانُوا:}
ماض مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {يَدْعُونَ:} مضارع مرفوع
…
إلخ، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، وهو العائد، والجملة الفعلية في محلّ نصب خبر (كان)، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {مِنْ قَبْلُ:} متعلّقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف العائد على الموصول، وبني {قَبْلُ} على الضم لقطعه عن الإضافة لفظا، لا معنى، وجملة:{وَضَلَّ..} . إلخ معطوفة على جملة: {قالُوا..} . إلخ لا محلّ لها مثلها. (ظنوا): ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {ما:} نافية معلقة للفعل (ظنوا) عن العمل. {لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} إعراب هذه الجملة مثل إعراب {مِنّا مِنْ شَهِيدٍ} بلا فارق، وهي في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي (ظنّ)، وجملة:{وَظَنُّوا..} . إلخ معطوفة على ما قبلها.
{لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)}
الشرح: {لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ:} لا يمل، وانظر الآية رقم [38]. {مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ} أي: من سؤاله، وطلبه الخير؛ الذي هو: المال، والصحة، والعز، والجاه، والسلطان. والمراد بالإنسان هنا: الكافر، بدليل قوله الآتي:{وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً} . {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ:} أصابه ما يكره في نفسه، أو ماله، أو ولده. {فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ} أي: شديد اليأس من روح الله تعالى، شديد القنوط من رحمة الله تعالى، وهذه صفة الكافر بدليل قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام الآية رقم [87]:{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} .
هذا؛ واليأس من صفات القلب، وهو: قطع الرجاء من رحمة الله تعالى. والقنوط تبدو آثاره على ظاهر البدن. وفي البيضاوي: وقد بولغ في يأسه من جهة البنية والتكرير، وما في القنوط من ظهور أثر اليأس. انتهى. والمراد: بالبنية الصيغة لأن فعولا من صيغ المبالغة، والتكرير لأن اليأس والقنوط كالمترادفين. وفي المختار: اليأس: القنوط، وقد يئس من باب:
فهم. وفيه لغة أخرى: يئس، ييئس بالكسر فيهما، وهي شاذة، ورجل يئوس، ويئيس أيضا، وبمعنى:«علم» في لغة النخع، ومنه قوله تعالى في سورة (الرعد) رقم [31]:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً} . وآيسه من كذا، فاستيأس منه، بمعنى: أيس. انتهى.
جمل بتصرف. هذا؛ ومن مجيء ييأس بمعنى: يعلم قول سحيم بن وثيل اليربوعي، وقال القرطبي: هو لمالك بن عوف النصري: [الطويل]
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني
…
ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم
زهدم: اسم فرس والد سحيم. وقال رباح بن عدي: [الطويل]
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه
…
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا؟
الإعراب: {لا:} نافية. {يَسْأَمُ:} فعل مضارع. {الْإِنْسانُ:} فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {مِنْ دُعاءِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و {دُعاءِ} مضاف، و {الْخَيْرِ} مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله. وفاعله محذوف؛ إذ التقدير: من دعائه الخير. {وَإِنْ:}
الواو: حرف عطف. (إن): حرف شرط جازم. {مَسَّهُ:} فعل ماض مبني على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط، والهاء مفعول به. {الشَّرُّ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محلّ لها لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَيَؤُسٌ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(يئوس): خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهو يئوس. {قَنُوطٌ:} خبر ثان للمحذوف، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور. والدسوقي يقول: لا محلّ لها؛ لأنّها لم تحل محل المفرد. و (إن) ومدخولها معطوف على ما قبله لا محلّ له مثله.
الشرح: {وَلَئِنْ أَذَقْناهُ} أي: أذقنا الإنسان. {رَحْمَةً مِنّا:} عافية، وراحة بال، وغنى، وأولادا، ومنصبا، وجاها. {مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ} أي: بعد شدة وبلاء أصابه. {لَيَقُولَنَّ هذا لِي} أي: هذا شيء أستحقه على الله لرضاه بعملي، فيرى النعمة حتما واجبا على الله تعالى، ولم يعلم: أنّ الله ابتلاه بالنعمة، والمحنة ليتبين شكره، أو كفره. {وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً:} فهو ينكر الساعة؛ أي: يوم القيامة وما فيه من جزاء، وحساب، وإثابة، وعقاب. {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي} أي: على سبيل الفرض، والتقدير. {إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى} أي: الجنة، أو الحالة الحسنة من الكرامة، والنعمة. قايسا أمر الدنيا على أمر الآخرة، فهو يتمنى على الله الأماني الكاذبة.
وقوله هنا كقول صاحب الجنتين في سورة (الكهف) رقم [36]: {وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً} وكما حكى الله عن العاص بن وائل قوله في سورة (مريم) رقم [77]: {لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً} .
{فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا} أي: فلنخبرنهم يوم القيامة بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، ولنرينهم عكس ما اعتقدوا فيها من النفع، والنجاة من غضب الله، وسخطه،
وأنّها لا تفيد شيئا، ولا تغني فتيلا، كما قال تعالى في سورة (الفرقان) رقم [23]:{وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} . {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ:} شديد، لا يفتر عنهم. فالله يتهدد من كان هذا عمله، واعتقاده بالعقاب الشديد، والعذاب الأليم. هذا؛ والغلظ مستعار من الأجرام الغليظة، والمراد: الشدة، والثقل على المعذب، وانظر استعارة (الذوق) في الآية رقم [38] من سورة (الصافات).
الإعراب: {وَلَئِنْ:} الواو: حرف استئناف. اللام: موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {أَذَقْناهُ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، و (نا):
فاعله، والهاء مفعول به أول. {رَحْمَةً:} مفعوله الثاني. {مِنّا:} جار ومجرور متعلقان ب: {رَحْمَةً،} أو بمحذوف صفة لها، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية. ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلّقان بمحذوف صفة:
{رَحْمَةً،} و {بَعْدِ} مضاف، و {ضَرّاءَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنّه ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، وهي علة تقوم مقام علّتين من موانع الصرف. {مَسَّتْهُ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{ضَرّاءَ،} تقديره: «هي» ، والتاء للتأنيث حرف لا محلّ له، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر صفة:{ضَرّاءَ} .
{لَيَقُولَنَّ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (يقولن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة؛ التي هي حرف لا محلّ له، والفاعل يعود إلى {الْإِنْسانُ}. {هذا:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه لا محلّ له. {لِي:} جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:
{لَيَقُولَنَّ هذا لِي} جواب القسم، المدلول عليه باللام الموطئة، وجواب الشرط محذوف، لدلالة جواب القسم عليه، على القاعدة:«إذا اجتمع شرط وقسم، فالجواب للسابق منهما» . قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم
…
جواب ما أخّرت فهو ملتزم
هذا؛ والكلام: {وَلَئِنْ أَذَقْناهُ..} . إلخ كله مستأنف لا محلّ له. {وَما:} الواو: واو، الحال. (ما): نافية. {أَظُنُّ:} فعل مضارع، وفاعله مستتر تقديره:«أنا» . {السّاعَةَ:} مفعول به أول. {قائِمَةً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل نصب حال من ياء المتكلم، والرابط:
الواو، والضمير. {وَلَئِنْ رُجِعْتُ:} إعرابه مثل سابقه مع ملاحظة بناء الفعل للبناء للمجهول، والتاء نائب فاعله. {إِلى رَبِّي:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
…
إلخ، والياء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {إِنَّ:} حرف مشبّه بالفعل. {لِي:} جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر:
{إِنَّ،} تقدّم على اسمها. {عِنْدَهُ:} ظرف مكان متعلّق بالخبر المحذوف، والهاء في محل جر بالإضافة. {لَلْحُسْنى:} اللام: لام الابتداء. (الحسنى): اسم {إِنَّ} مؤخر منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المقصورة. والجملة الاسمية:{إِنَّ لِي..} . إلخ جواب القسم، لا محلّ لها، وانظر ما ذكرته سابقا.
{فَلَنُنَبِّئَنَّ:} الفاء: حرف استئناف. اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، التقدير: والله، والجار والمجرور متعلّقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. (ننبئن): فعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد حرف لا محلّ له. والفاعل مستتر تقديره:«نحن» . {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، وجملة:{كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {بِما:} جار ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله الثاني، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء. والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: بالذي، أو:
بشيء عملوه، وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير:
بعملهم، والجملة الفعلية: (لننبئن
…
) إلخ جواب القسم المقدر، لا محلّ لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ:} إعرابه مثل إعراب سابقه. {مِنْ عَذابٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما مفعوله الثاني. {غَلِيظٍ:} صفة (عذاب).
الشرح: {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ} أي: الكافر؛ أي: الجنس من حيث هو. {أَعْرَضَ} أي:
عن الإيمان، والتوحيد. {وَنَأى بِجانِبِهِ} أي: ترفع، وتباعد عن الانقياد إلى الحق، وتكبر على أنبياء الله، والداعين إلى الهدى والصلاح في كل زمان ومكان. وهذا شأن المتكبرين أينما وجدوا. والجانب: مجاز عن النفس، كالجنب في قوله تعالى حكاية عن قول الفاجر يوم القيامة:{يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} رقم [56] من سورة (الزمر). {وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ:}
أصابه بلاء في جسمه، أو في ولده، أو في ماله، أو ما يغمّه ويحزنه. {فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ} أي:
كثير، والعرب تستعمل الطول، والعرض في الكثرة. يقال: أطال فلان الكلام، وأعرض في الدعاء: إذا أكثر، فهو مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة. والاستعارة تخييلية، شبه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد، ثم أثبت له العرض، فإن قلت:
كيف يدعو دعاء طويلا عريضا، ينافي وصفه قبل هذا بأنه يؤوس قنوط؛ لأنّ الدعاء فرع الطمع والرجاء، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس، فظهور ما يدلّ على الرجاء يأباه؟! قلت: يمكن
دفع المنافاة بحمله على عدم اتحاد الأوقات، والأهوال. انتهى. جمل نقلا من الشهاب. بعد هذا خذ قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [83]:{وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً} وقوله تعالى في سورة (هود) رقم [9]: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} انظر شرح هذه الآيات في محالها؛ تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.
الإعراب: {وَإِذا:} الواو استئنافية، (إذا): انظر الآية رقم [20]. {أَنْعَمْنا:} فعل، وفاعل.
{عَلَى الْإِنْسانِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (إذا) إليها.
{أَعْرَضَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى:{الْإِنْسانِ،} والجملة الفعلية جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. {وَنَأى:} الواو: حرف عطف. (نأى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {بِجانِبِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة.
{وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ:} إعرابه مثل سابقه بلا فارق. {فَذُو:} الفاء: واقعة في جواب (إذا).
(ذو): خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهو ذو، مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و (ذو) مضاف، و {دُعاءٍ} مضاف إليه. {عَرِيضٍ:} صفة: {دُعاءٍ،} والجملة الاسمية جواب (إذا)، لا محلّ لها، و (إذا) ومدخولها معطوف على ما قبله، لا محلّ له مثله.
الشرح: {قُلْ:} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: قل يا محمد لقومك. {أَرَأَيْتُمْ:} أخبروني، وأعلموني. {إِنْ كانَ} أي: القرآن الكريم. {مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: حقا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
{ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} أي: أنكرتموه، وجحدتموه. {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ..}. إلخ أي: فأي الناس أضل؟! أي: لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم، وعداوتكم. {فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} أي: في خلاف، وعصيان، ومشاقة لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ومعنى:{بَعِيدٍ:} شديد.
وانظر شرح: {شِقاقٍ} في الآية رقم [2] من سورة (ص).
هذا؛ وقال الجمل: واستعمال: {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى: الإخبار مجاز، ووجه المجاز: أنّه لما كان العلم بالشيء سببا للإخبار عنه، أو إبصاره به طريقا إلى الإحاطة به علما، وإلى صحة الإخبار عنه؛ استعملت الصيغة التي لطلب العلم، أو لطلب الإبصار في طلب الخبر، لاشتراكهما في الطلب، ففيه مجازان: استعمال «رأى» التي بمعنى: «علم» أو «أبصر» في الإخبار، واستعمال الهمزة؛ التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار. انتهى. جمل نقلا من الشهاب.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:«أنت» . {أَرَأَيْتُمْ:} الهمزة: حرف استفهام. (رأيتم): فعل، وفاعل، ومفعوله الأول محذوف، التقدير: أرأيتم أنفسكم، والثاني:
الجملة الاستفهامية الآتية. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {كانَ:} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط، واسمه مستتر تقديره:«هو» يعود إلى القرآن. {مِنْ عِنْدِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {كانَ،} و {عِنْدِ:} مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنّها ابتدائية
…
إلخ. {ثُمَّ:} حرف عطف. {كَفَرْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {بِهِ:} متعلقان بما قبلهما، وجواب الشرط محذوف، تقديره: فلا أحد أضلّ منكم! {مِنْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَضَلُّ:} خبره، والجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ثان. وعليه:
فالجملة الشرطية معترضة بين المفعولين. {مِمَّنْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَضَلُّ} . {هُوَ:}
مبتدأ. {فِي شِقاقٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محلّ لها. {بَعِيدٍ:} صفة: {شِقاقٍ} .
هذا؛ وقد ارتأيت في سورة (الأنعام) رقم [40] أنّ الجملة الاستفهامية سدّت مسدّ مفعولي الفعل على اعتباره معلقا عن العمل لفظا بسبب الاستفهام، وعليه فالجملة الشرطية معترضة بين الفعل وبين ما سدّ مسدّ مفعوليه. وجملة:{أَرَأَيْتُمْ..} . إلخ في محلّ نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..} . إلخ مستأنفة، لا محلّ لها.
الشرح: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ:} يعني ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم به من الحوادث الآتية، وآثار النوازل الماضية، وما يسر الله له، ولخلفائه من الفتوح، والظهور على ممالك الشرق، والغرب على وجه خارق للعادة. انتهى. بيضاوي. هذا؛ والآيات: العلامات الدالة على قدرة الله، وعظمته، وهي تبعث على عبادته، وتوحيده. هذا؛ والآفاق: النواحي، والجهات، واحدة: أفق، وأفق، مثل: عسر وعسر، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء إذا كان من آفاق الأرض، وبعضهم يقول: أفقي بضمهما، وهو القياس، وأنشد غير الجوهري قول الفرزدق، وهو الشاهد رقم [1168] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» : [الطويل]
أخذنا بآفاق السّماء عليكم
…
لنا قمراها والنجوم الطوالع
{وَفِي أَنْفُسِهِمْ} أي: من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة؛ حتى سبيل البول، والغائط، فإن الإنسان يأكل، ويشرب في مكان واحد، ويتميز ذلك من مكانين. وبديع صنعته، وحكمته في
عينيه؛ اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمئة عام. وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة. وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه. وقيل: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم، كما تقدّم بيانه في سورة (المؤمنون).
انتهى. قرطبي. لذا فقد قال تعالى في سورة (الذاريات): {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} .
{حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ:} الضمير للقرآن، أو للرسول صلى الله عليه وسلم، أو للتوحيد، أو لله. هذا؛ ويقال: تبين الشيء، وبان، وأبان، واستبان كله بمعنى واحد، وهو لازم، وقد يستعمل بعضها متعديا.
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} أي: أولم يحصل الكفاية بربك. {أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} المعنى:
أولم يكفك: أنّه تعالى على كل شيء شهيد محقق له، فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة، كما حقق سائر الأشياء. أو المعنى: مطلع، فيعلم حالك، وحالهم، ويستوي عنده تعالى الغيب، والشهادة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات، ولا في الأرض. هذا؛ والفعل:
«كفى» في قوله تعالى: {وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً} ونحوه بمعنى: اكتف، فالباء زائدة في الفاعل عند الجمهور، وهو لازم، لا ينصب المفعول به، ومضارعه مثله، كما في هذه الآية التي نحن بصدد شرحها، وأمّا إذا كان بمعنى: جزى، وأغنى، فيكون متعديا لواحد، وإذا كان بمعنى: وقى، فإنّه يكون متعديا لمفعولين. كما في قوله تعالى:{وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} رقم [25] من سورة (الأحزاب).
هذا؛ واعتبر بعض العلماء في الآية الكريمة إشارة دقيقة إلى بعض العلوم الكونية؛ التي سبق إليها القرآن قبل أن يكتشفها العلم الحديث، ثم عدم تعارضه مع ما يكتشفه العلم من نظريات علمية حديثة. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الناحية من نواحي الإعجاز بقوله جلّ شأنه:
{سَنُرِيهِمْ آياتِنا..} . إلخ. قال محمد علي الصابوني: ومع اعتقادنا بأن القرآن العظيم ليس كتاب طبيعة، أو هندسة، أو فيزياء، وإنما هو كتاب هداية، وإرشاد، وكتاب تشريع، وإصلاح، ولكن مع ذلك لم تخل آياته من الإشارات الدقيقة، والحقائق الخفية إلى بعض المسائل الطبيعية والطبية، والجغرافية مما يدل على إعجاز القرآن، وكونه وحيا من عند الله، فمن المقطوع به: أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا، لا يقرأ، ولا يكتب، وأنه نشأ في بيئة بعيدة عن مظاهر الحياة؛ حيث لم تكن علوم، ولا معارف، ولا مدارس تقرأ فيها العلوم الكونية؛ لأنّ قومه، وعشيرته كانوا أميين، ومع ذلك فإن النظريات العلمية التي أشار إليها القرآن لم تكن معلومة في عصره، ولم يكتشف العلم أسرارها، إلا منذ زمن قريب، وذلك من أصدق البراهين على أنّ هذا القرآن ليس من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم بعض المستشرقين، إنما هو وحي من الله أنزله على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين. انتهى.
الإعراب: {سَنُرِيهِمْ:} السين: حرف تسويف، واستقبال. (نريهم): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«نحن» ، والهاء في محل نصب مفعول به أول. {آياتِنا:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنّه جمع مؤنث سالم، و (نا): في محل جر بالإضافة. {فِي الْآفاقِ:} متعلقان بمحذوف حال من {آياتِنا} . {وَفِي أَنْفُسِهِمْ:} معطوفان على ما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محلّ لها. {حَتّى:} حرف غاية وجر بعدها «أن» مضمرة. {يَتَبَيَّنَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» المضمرة بعد: {حَتّى} . {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.
{أَنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {الْحَقُّ:} خبرها، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل:{يَتَبَيَّنَ} . و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر ب:{حَتّى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل (نريهم) وهما مفعوله الثالث.
{أَوَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. الواو: عاطفة على محذوف. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَكْفِ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها. {بِرَبِّكَ:} الباء: حرف جر صلة. (ربك):
فاعل: {يَكْفِ} مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والكاف في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة، التقدير: ألم يغنهم، ولم يكفهم ربك. والباء مزيدة للتوكيد، ولا تكاد تزاد بالفاعل إلا مع كفى. والكلام كله مستأنف لا محلّ له. {أَنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب: {شَهِيدٌ:} بعدهما، و {كُلِّ:} مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه. {شَهِيدٌ:} خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر. وفيه وجهان: أحدهما: أنّه بدل من: (ربك)، بدل كل من كل. وفي الشهاب: إنه بدل اشتمال، فيكون مرفوع المحل مجرور اللفظ كمتبوعه. والثاني: أن الأصل: بأنه، ثم حذف الجار، فجرى الخلاف. هذا؛ وأجيز أن يكون هذا المصدر هو الفاعل، وأن {بِرَبِّكَ} هو المفعول. انتهى. جمل نقلا عن السمين. أقول: وهذا الأخير ضعيف، وغير مشهور. هذا؛ وقرئ بكسر همزة «(إنه)» على إضمار قول قبلها، أو على الاستئناف. وهذا أرجح، وأقوى.
{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}
الشرح: {أَلا إِنَّهُمْ} أي: كفار قريش. {فِي مِرْيَةٍ:} في شك. {مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ} أي: يوم القيامة؛ أي: أنهم يشكون في يوم القيامة الذي يلاقون فيه ربهم، ويجازيهم فيه على أعمالهم؛ التي اقترفوها في الدنيا، ولهذا لا يتفكرون فيه، ولا يعملون له، وهو كائن لا محالة، وواقع لا
ريب فيه. {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ:} عالم بمجمل الأشياء، وتفاصيلها، مقتدر عليها، لا يفوته شيء منها. وقال الخطابي: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. وهذا الاسم أكثر ما يجيء في معرض الوعيد، وحقيقته:
الإحاطة بكل شيء، واستئصال المحاط به، وأصله:(محيط)، نقلت حركة الياء إلى الحاء قبلها؛ لأنّ الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة. هذا؛ وإذا كان يائيا فسكنت الياء؛ يقال: أحاط، يحيط إحاطة، وحيطة، ومن ذلك حائط الدار، وأحاطت الخيل بفلان: إذا أخذ مأخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} . والله أعلم بصواب ذلك.
انتهى. قرطبي بتصرف.
الإعراب: {أَلا:} حرف تنبيه، واستفتاح يسترعي انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام.
{إِنَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {فِي مِرْيَةٍ:} متعلقان بمحذوف خبرها، والجملة الاسمية ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. {مِنْ لِقاءِ:} متعلقان بمحذوف صفة: {مِرْيَةٍ،} و {لِقاءِ:} مضاف، و {رَبِّهِمْ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَلا:} مثل سابقتها. {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {بِكُلِّ:} متعلقان ب: {مُحِيطٌ} بعدهما، و (كل): مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {مُحِيطٌ:} خبر (إنّ)، والجملة الاسمية ابتدائية، لا محلّ لها مثل سابقتها. تأمّل، وتدبّر، وربك أعلم، وأجلّ، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهت سورة (فصلت السجدة) بحمد الله وتوفيقه، تفسيرا وإعرابا.
والحمد لله ربّ العالمين.