المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{لِلظّالِمِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنْ:} حرف جر - تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة - جـ ٨

[محمد علي طه الدرة]

الفصل: {لِلظّالِمِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنْ:} حرف جر

{لِلظّالِمِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مِنْ:} حرف جر صلة. {حَمِيمٍ:}

مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: في محل نصب حال من أصحاب القلوب، ولا وجه له. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): زائدة لتأكيد النفي {شَفِيعٍ:}

معطوف على ما قبله على لفظه. {يُطاعُ:} فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى {شَفِيعٍ،} والجملة الفعلية صفة: {شَفِيعٍ} في محل جر على اللفظ، أو في محل رفع على المحل، وإن اعتبرت {شَفِيعٍ} صفة لموصوف محذوف، فالجملة الفعلية صفة ثانية لهذا المحذوف.

{يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}

الشرح: يخبر الله عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها، وحقيرها، صغيرها، وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس ربهم، فيتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر، والسرائر. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-في شرح {خائِنَةَ الْأَعْيُنِ:} هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به، وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا؛ لحظ إليها، فإذا فطنوا؛ غض بصره عنها، فإذا غفلوا؛ لحظ، فإذا فطنوا؛ غض، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ودّ لو اطلع على فرجها. انتهى. مختصر ابن كثير. أقول: والمرأة مثل الرجل، لذا فقد أمرها الله بغض بصرها كما أمر الرجل. انظر الآية رقم [31] من سورة (النور).

{وَما تُخْفِي الصُّدُورُ:} وما تسره من أمانة، وخيانة، أو من الوسوسة. وقيل في شرح {خائِنَةَ الْأَعْيُنِ:} هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوة سارقة، ثم يتفكر بقلبه في جمالها، ولا يعلم بنظرته، وفكرته من بحضرته، والله يعلم ذلك كله، ويود لو اختلى بها. والمرأة مثل الرجل في كل ما ذكرته من مسارقة النظر، وتمنّي الخلوة بالرجل، بل إن نظرها إلى الرجل أعمق، وأشفى، وشهوتها أشد، وأقوى، وأية امرأة تنظر إلى الرجل مسارقة إذا دخل دارها مع زوجها، أو أخيها، أو أبيها من شقوق الباب وغيره؟! والواقع يؤيد ذلك. هذا؛ وقال مجاهد: الخيانة هي مسارقة نظر الأعين إلى ما قد نهى الله عنه. وقال الضحاك: هي قول الإنسان: ما رأيت؛ وقد رأى. وقال السدي: إنها الرمز بالعين. وقيل: غير ذلك، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

‌فائدة:

لما جيء بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة، وطلب له الأمان عثمان-رضي الله عنه-صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا، ثم قال:«نعم» فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «ما صمتّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» . فقال رجل من الأنصار:

فهلا أومأت إليّ يا رسول الله، فقال:«إن النبي لا تكون له خائنة الأعين» . وعبد الله بن أبي سرح

ص: 327

كان من كتبة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد، ولحق بالمشركين، فأهدر الرسول دمه فيمن أهدر يوم فتح مكة، وقد كان السبب في الفتنة العمياء التي تسببت عن مقتل عثمان-رضي الله عنه.

الإعراب: {يَعْلَمُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الله، تقديره:«هو» . {خائِنَةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الْأَعْيُنِ} مضاف إليه. {وَما:} الواو: حرف عطف. (ما): اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب معطوفة على:{خائِنَةَ،} والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: والذي، أو: وشيئا تخفيه الصدور، وجملة:{يَعْلَمُ..} . إلخ فيها أربعة أوجه: أحدها: وهو الظاهر أنها خبر آخر عن {هُوَ} في قوله {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ} . الثاني: أنها تعليل لقوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ..} . إلخ.

الثالث: أنها في محل نصب حال من الضمير المستتر، أو المقدر في:{سَرِيعُ الْحِسابِ} .

الرابع: أنها في محل نصب حال من لفظ الجلالة، بقوله:{لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} . وأجيز على الوجهين الأخيرين أن تكون تعليلية لا محل لها. انتهى. جمل باختصار كبير. وعلى هذا فالكلام بينها، وبين ما هي مرتبطة به معترض لا محل له. هذا؛ وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا حاجة إلى هذه التكلفات، والتعسفات. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)}

الشرح: {وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ:} يحكم بالعدل؛ لأنه المالك الحقيقي، فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه. قال ابن عباس-رضي الله عنهما: الله قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة، وبالسيئة السيئة. انتهى. وهو فحوى قوله تعالى في سورة (النجم) رقم [31]:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} .

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} أي: إن الأصنام، والحجارة؛ التي يعبدها كفار قريش لا حكم لها، ولا قضاء. هذا على سبيل التهكم بالأصنام، وعابديها؛ إذ الجمادات، لا يقال في حقها: تقضي أولا تقضي.

{إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ:} لأقوالهم. (بصير): بأعمالهم، وتصرفاتهم. وهذا تقرير لما في الآية السابقة، ووعيد للكافرين، والفاسقين، والظالمين بأنه تعالى يسمع ما يقولون، ويبصر ما يعملون، وأنه يحاسبهم على أعمالهم؛ إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ، فيجازي من غض بصره عن المحارم خيرا، ويعاقب من نظر إليها، ومن يضمر السوء في قلبه، ويعزم على مواقعة الفواحش؛ لو قدر عليها.

ص: 328

الإعراب: {وَاللهُ:} الواو: حرف استئناف. (الله): مبتدأ. {يَقْضِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى (الله). {بِالْحَقِّ:} متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، التقدير: ملتبسا بالحق، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف.

(الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة:{يَدْعُونَ} صلة الموصول لا محل لها، والعائد محذوف، التقدير: يدعونهم. {مِنْ دُونِهِ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل.

{اللهُ:} اسمها. هو ضمير فصل لا محل له. {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ:} خبران ل: {إِنَّ} . هذا؛ وإن اعتبرت الضمير مبتدأ، و {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} خبرين عنه؛ فالجملة الاسمية تكون في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..} . إلخ مستأنفة، أو هي تعليلية، لا محل لها على الاعتبارين.

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (21)}

الشرح: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ..} . إلخ: أي: أو لم يمش كفار مكة في نواحي الأرض، وجهاتها؛ ليروا مصارع الأمم؛ التي كذبت رسلها، وما حل بها من الهلاك، والدمار، فيعتبروا بهم؟ وفيه ردع، وزجر للكافرين المكذبين، وللفاسقين الظالمين بأن الله سيهلكهم كما أهلك من قبلهم، فهو حض لينظروا نظرة تبصر، واعتبار، لا نظرة غفلة، وإهمال، ينظرون إلى مساكن الأمم الماضية، وديارهم، وآثارهم، كيف أهلكهم بذنوبهم، كما قال تعالى في سورة (الأنعام) رقم [11] وغيرها كثير:{ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} .

هذا؛ وعاقبة كل شيء: آخره، ونتيجته، ومصيره، وماله، ولم يؤنث الفعل {كانَ} لأن {عاقِبَةُ} مؤنث مجازي، وما كان منه يستوي فيه التذكير، والتأنيث للفعل، أو لأن (عاقبة) اكتسب التذكير من المضاف إليه، وهذا باب من أبواب النحو، انظر الشاهد رقم (901) وما بعده من كتابنا:«فتح القريب المجيب» تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أي: في الأبدان، كقوم هود وصالح وغيرهم، فإنهم كانوا طوال الأجسام، أقوياء الأبدان، كما هو معروف عنهم. {وَآثاراً فِي الْأَرْضِ:} يريد حصونهم، وقصورهم، وقلاعهم، وعددهم، وما يوصف بالشدة من آثارهم. أو أراد أكثر آثارا. ومنه قول الراعي النميري، وهو الشاهد رقم [665] من كتابنا:«فتح القريب المجيب» : [الوافر]

ص: 329

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا

هذا؛ وفي سورة (الروم) رقم [9]: {وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها} . {فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ} أي: أهلكهم الله إهلاكا فظيعا بسبب كفرهم، ومخالفة أوامر ربهم، وإجرامهم.

{وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ:} وما كان لهم أحد يدفع عنهم عذاب الله، ولا يقيهم من عقابه، وانتقامه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَوَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام توبيخي إنكاري. الواو: حرف استئناف، أو هي حرف عطف على محذوف مقدر. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَسِيرُوا:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والألف للتفريق. {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، أو هي معطوفة على جملة محذوفة مقدرة قبلها يقتضيها المقام؛ أي: أقعدوا في أماكنهم، ولم يسيروا؟! لا محل لها على الاعتبارين. {فَيَنْظُرُوا:} فعل مضارع مجزوم على اعتبار الفاء عاطفة، أو منصوب على إضمار:«أن» على اعتبار الفاء للسببية، وعلامة جزمه، أو نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، وعلى اعتبار الفعل منصوبا يؤول مع «أن» المضمرة الناصبة له بمصدر معطوف بالفاء على مصدر متصيد من الفعل السابق، ويكون التقدير:

فهلا حصل منهم سير في الأرض، فنظر في عاقبة الذين من قبلهم؟!. هذا؛ ومثل هذه الآية في جواز اعتبار الفعل مجزوما، أو منصوبا بعد الفاء قول زهير بن أبي سلمى المزني، وهو الشاهد رقم [167] من كتابنا:«فتح رب البرية» : [الطويل]

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

{كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر {كانَ} تقدم عليها، وعلى اسمها، وهو معلق للفعل قبله عن العمل لفظا. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {عاقِبَةُ} اسمها، و {عاقِبَةُ} مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. {كانُوا:} فعل ماض ناقص، والواو اسمه. {مِنْ قَبْلِهِمْ:} متعلقان بمحذوف خبر (كان)، والهاء في محل جر بالإضافة.

وجملة: {كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ} صلة الموصول لا محل لها. هذا؛ وإن اعتبرت (كان) تامة فالمعنى لا يأباه، ويكون {عاقِبَةُ} فاعلها، و {كَيْفَ} في محل نصب حال من:{عاقِبَةُ،} والعامل: {كانَ} وهي بمعنى: حدث، وعلى الاعتبارين: فالجملة الفعلية في محل نصب سدت مسد مفعول الفعل قبلها. هذا؛ وأجاز مكي الوجهين في (كانوا) في الجملتين التاليتين. ولا وجه له.

{كانُوا:} فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {قَبْلِهِمْ:}

ضمير فصل لا محل له. {أَشَدَّ:} خبر (كان)، وضمير الفصل لا يقع إلا بين معرفتين، وهنا وقع بين معرفة، ونكرة، والذي سوغ ذلك كون النكرة هنا مشابهة للمعرفة من حيث امتناع

ص: 330

دخول: «أل» عليها؛ لأن أفعل التفضيل المقرون ب: «من» لا تدخل عليه أل. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بأشد. {قُوَّةً:} تمييز. {وَأَثارُوا:} معطوف على (قوة) وانظر تقدير الفعل في الشرح. {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان ب: (آثارا)، أو بمحذوف صفة له، وجملة:{كانُوا هُمْ أَشَدَّ..} .

إلخ بدل من سابقتها. {فَأَخَذَهُمُ:} الفاء: حرف عطف. (أخذهم): فعل ماض، والهاء مفعول به. {اللهُ:} فاعله. {بِذُنُوبِهِمْ:} متعلقان بما قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {كانَ:} فعل ماض ناقص. {قَبْلِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (كان) تقدم على اسمها. {مِنَ اللهِ:}

متعلقان ب: {واقٍ} بعدهما. {مِنْ:} حرف جر صلة. {واقٍ:} اسم (كان) مؤخر مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والجملة الفعلية:{وَما كانَ..} . إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: الواو، والضمير. هذا؛ وإن اعتبرت الجملة مستأنفة؛ فلا محل لها.

{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)}

الشرح: {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ..} . إلخ: أي: ذلك العذاب الذي وقع بهم، وأصابهم بسبب:

أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالمعجزات الساطعات الواضحات، والآيات الباهرات.

{فَكَفَرُوا} أي: بالله مع هذا البيان، والبرهان. {فَأَخَذَهُمُ اللهُ} أي: فدمرهم، وأهلكهم.

{إِنَّهُ قَوِيٌّ} أي: إنه تعالى قوي لا يقهر. {شَدِيدُ الْعِقابِ} أي: عقابه شديد لمن عصاه، وعذابه أليم وجيع لمن خالفه.

الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {بِأَنَّهُمْ:} الباء: حرف جر. (أنهم): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {كانَتْ:} فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث. {تَأْتِيهِمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والهاء مفعول به. {رُسُلُهُمْ:} تنازعه كل من الفعلين السابقين، فكان تطلبه اسما لها، وتأتيهم يطلبه فاعلا له، والثاني أولى عند البصريين لقربه، والأول أولى عند الكوفيين لسبقه، وإذا أعملت أحدهما يجب الإضمار للثاني، قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

والثاني أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

ص: 331

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

كيحسنان ويسيء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا

{بِالْبَيِّناتِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{تَأْتِيهِمْ..} . إلخ في محل نصب خبر (كانت)، والجملة الفعلية هذه في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ) واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {فَكَفَرُوا:} الفاء: حرف عطف، وجملة (كفروا) مع المتعلق المحذوف معطوفة على جملة:{كانَتْ..} . إلخ فهي في محل رفع مثلها. {فَأَخَذَهُمُ اللهُ:} ماض، ومفعوله، وفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع أيضا. {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {قَوِيٌّ:} خبر أول. {شَدِيدُ:} خبر ثان، وهو مضاف، و {الْعِقابِ} مضاف إليه، من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها، والجملة الاسمية:{إِنَّهُ..} . إلخ تعليلية، لا محل لها من الإعراب.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23)}

الشرح: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا} أي: بالمعجزات الباهرات، وهي التسع المذكورة في قوله تعالى من سورة (الإسراء) رقم [101]:{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ..} . إلخ.

{وَسُلْطانٍ مُبِينٍ:} وحجة ظاهرة قاهرة. والعطف لتغاير الوصفين، أو للأفراد بين المعجزات، وتفريقها كالعصا تفخيما لشأنها. وقيل: أراد بالسلطان: التوراة. ولا وجه له.

ويجوز أن يراد به: العصا، وإفرادها؛ لأنها أول المعجزات، وأمها، وتعلقت بها معجزات شتّى، كانقلابها حية، وتلقفها ما أفكته السحرة، وانفلاق البحر عند ضربه بها، وانفجار العيون من الحجر كلما ضربه بها، وحراستها له، ومصيرها شمعة تضيء بالليل المظلم، وشجرة خضراء، ورشاء ودلوا وغير ذلك، ويجوز أن يراد ب:(سلطان مبين): المعجزات، وبالآيات: الحجج الدامغات، وأن يراد بهما المعجزات جميعا، فإنها آيات للنبوة، وحجة بينة على ما يدعيه النبي.

قال الصابوني: لما ذكر الله تعالى ما حل بالكفار من العذاب، والدمار؛ أردفه بذكر قصة موسى مع فرعون تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من الأذى، والتكذيب، وبيانا لسنة الله تعالى في إهلاك الظالمين، ثم ذكر موقف مؤمن آل فرعون، ونصيحته لقومه، وهي مواقف بطولية، مشرفة في وجه الطغيان. هذا؛ وانظر شرح (سلطان) في الآية رقم [30] من سورة (الصافات).

هذا؛ وأصل {مُبِينٍ:} (مبين) فهو اسم فاعل من: أبان، يبين الرباعي، فقل في إعلاله:

نقلت كسرة الياء، إلى الباء قبلها بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ومثله قل في إعلال (مهين). هذا؛ واسم الفاعل من: بان الثلاثي: بائن.

ص: 332

الإعراب: {وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم، وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله.

والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم.

(قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَرْسَلْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [62] من سورة (يس). {مُوسى:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. {بِآياتِنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من:

{مُوسى} التقدير: ملتبسا بآياتنا، و (نا): في محل جر بالإضافة. (سلطان): معطوف على (آياتنا). {مُبِينٍ:} صفة له.

{إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ (24)}

الشرح: خص الله هؤلاء بالذكر؛ لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم، ففرعون الملك الذي ادعى الألوهية، وهامان كان وزيرا له، وهو الذي يدبر له شؤونه، وقارون صاحب الأموال والكنوز، فجمعه الله معهما؛ لأن عمله في التكذيب والكفر كأعمالهما. {ساحِرٌ} أي:

فيما أظهره من المعجزات. {كَذّابٌ} أي: فيما يدعيه من النبوة، والرسالة. هذا؛ وفرعون، وهامان كانا من القبط، وقد مرت قصة فرعون مع موسى مفصلة في كثير من السور. أما قارون؛ فكان من بني إسرائيل، فآمن بموسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-ثم ارتد عن دينه، وكان ممن نجا مع موسى من الغرق، وعبر البحر معه. وانظر قصته مفصلة في الآية رقم [76] من سورة (القصص) وما بعدها.

الإعراب: {إِلى فِرْعَوْنَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل: {أَرْسَلْنا} . {وَهامانَ وَقارُونَ:}

معطوفان على فرعون، وعلامة الجر في الثلاثة الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنها ممنوعة من الصرف للعلمية، والعجمة. (قالوا): فعل، وفاعل، والألف للتفريق. {ساحِرٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو ساحر. {كَذّابٌ:} خبر ثان للمبتدأ المحذوف، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{فَقالُوا..} . إلخ معطوفة على جملة: {أَرْسَلْنا..} . إلخ، لا محل لها مثلها.

{فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اُقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاِسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (25)}

الشرح: {فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا} أي: جاءهم موسى-عليه الصلاة، والسّلام-بالنبوة المؤيدة بالمعجزات الظاهرة؛ {قالُوا} أي: فرعون، وحاشيته. {اُقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ:}

قال قتادة-رضي الله عنه: هذا قتل غير القتل الأول؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان

ص: 333