الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" قَالَ اللَّهُ عز وجل" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ" فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ وَمَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يونس بن متى كَذَبَ" وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَمَنْ حَمَلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى مُوسَى وَالشُّهَدَاءِ فَهَؤُلَاءِ قَدْ مَاتُوا غَيْرَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصعقة بزوال العقل دون زَوَالَ الْحَيَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِالْمَوْتِ، وَلَا يبعد أن تكون الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُجَوِّزُهُ الْعَقْلُ، وَالْأَمْرُ فِي وُقُوعِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى خَبَرٍ صِدْقٍ قُلْتُ: جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ:" لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ «1» فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ" خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَنَحْوَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَالْإِفَاقَةُ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ غَشْيَةٍ وَزَوَالِ عَقْلٍ لَا عَنْ مَوْتٍ بِرَدِّ الْحَيَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ" أَيْ فَإِذَا الْأَمْوَاتُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَحْيَاءٌ بُعِثُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، وَأُعِيدَتْ إِلَيْهِمْ أَبْدَانُهُمْ وَأَرْوَاحُهُمْ، فَقَامُوا يَنْظُرُونَ مَاذَا يُؤْمَرُونَ وَقِيلَ: قِيَامٌ عَلَى أَرْجُلِهِمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْبَعْثِ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا النَّظَرُ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ، أَيْ يَنْتَظِرُونَ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ، وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ قِيَامًا بِالنَّصْبِ، كَمَا تَقُولُ: خَرَجْتُ فإذا زيد جالسا.
[سورة الزمر (39): الآيات 69 الى 70]
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70)
(1). باطش بجانب العرش: أي متعلق به بقوة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) إِشْرَاقُهَا إِضَاءَتُهَا، يُقَالُ: أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ إِذَا أَضَاءَتْ وَشَرَقَتْ إِذَا طَلَعَتْ. وَمَعْنَى" بِنُورِ رَبِّها" بِعَدْلِ رَبِّهَا، قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِحُكْمِ رَبِّهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ: أَيْ أَنَارَتْ وَأَضَاءَتْ بِعَدْلِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ بِالْحَقِّ بَيْنَ عِبَادِهِ. وَالظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ وَالْعَدْلُ نُورٌ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلْبِسُهُ وَجْهَ الْأَرْضِ فَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّورُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا لَيْسَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، بَلْ هُوَ نُورٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فَيُضِيءُ بِهِ الْأَرْضَ، وَرُوِيَ أَنَّ الْأَرْضَ يَوْمَئِذٍ مِنْ فِضَّةٍ تُشْرِقُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى حِينَ يَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَشْرَقَتْ بِنُورٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَضَافَ النُّورَ إِلَيْهِ عَلَى حَدِّ إِضَافَةِ الْمِلْكِ إِلَى الْمَالِكِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ نَهَارٌ لَا لَيْلَ مَعَهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ" وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ" عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهِيَ قِرَاءَةٌ على التفسير، وقد ضل قوم هاهنا فتوهما أَنَّ اللَّهَ عز وجل مِنْ جِنْسِ النُّورِ وَالضِّيَاءِ الْمَحْسُوسِ، وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ (مُشَابَهَةِ)«1» الْمَحْسُوسَاتِ، بل هو منور السموات وَالْأَرْضِ، فَمِنْهُ كُلُّ نُورٍ خَلْقًا وَإِنْشَاءً. وَقَالَ أبو جعفر النحاس: وقوله عز وجل: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَقَوْلُهُ عز وجل:" وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها" يُبَيِّنُ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ" تَنْظُرُونَ إِلَى الله عز وجل لا تضامون في رؤيت" وَهُوَ يُرْوَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: لَا تُضَامُونَ وَلَا تُضَارُونَ وَلَا تُضَامُّونَ وَلَا تُضَارُّونَ، فَمَعْنَى" لَا تُضَامُونَ" لَا يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ كَمَا يَلْحَقُكُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النَّظَرِ إِلَى الْمُلُوكِ. وَ" لَا تُضَارُونَ" لَا يَلْحَقُكُمْ ضَيْرٌ. وَ" لَا تُضَامُّونَ" لَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ لِيَسْأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ. وَ (لَا تُضَارُّونَ) لَا يُخَالِفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. يُقَالُ: ضَارَّهُ مُضَارَّةً وَضِرَارًا أَيْ خالفه." قوله تعالى:" وَوُضِعَ الْكِتابُ" قال لابن عَبَّاسٍ: يُرِيدُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُرِيدُ الْكِتَابَ وَالصُّحُفَ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله." وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ" أي جئ بِهِمْ فَسَأَلَهُمْ عَمَّا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمُهُمْ." وَالشُّهَداءِ" الذين شهدوا على الأمم من أمة
(1). في الأصول: مباينة المحسوسات وهو تحريف.