الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا" يَعْنِي فِي النَّارِ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالْمُرَادُ الْمُسْتَقْبَلُ" رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ" يَعْنِي إِبْلِيسَ وَابْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ:(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ ذَنْبِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ وبني على التثنية لاختلاف الجنسين." نجعلها تحت أقدامنا ليكونا سَأَلُوا ذَلِكَ حَتَّى يَشْتَفُوا مِنْهُمْ بِأَنْ يَجْعَلُوهُمْ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ" لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ" فِي النَّارِ وَهُوَ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ سَأَلُوا أَنْ يُضَعِّفَ اللَّهُ عَذَابَ مَنْ كَانَ سَبَبَ ضَلَالَتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ والإنس. وقرا ابن محيص وَالسُّوسِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ" أَرْنَا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو أَيْضًا بِاخْتِلَاسِهَا. وَأَشْبَعَ الْبَاقُونَ كَسْرَتَهَا وَقَدْ تقدم في" الأعراف"«1» .
[سورة فصلت (41): الآيات 30 الى 32]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا رَبَّنَا اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ بناته وهؤلاء شفعاؤنا عِنْدَ اللَّهِ، فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَبُّنَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَاسْتَقَامَ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" قَالَ:" قَدْ قَالَ النَّاسُ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَقَامَ 2 قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مَعْنَى" اسْتَقامُوا"، فَفِي صَحِيحِ مسلم
(1). هكذا في نسخ الأصل وصوابه في البقرة في ج 2 ص 127 طبعه ثانيه.
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ- وَفِي رِوَايَةٍ- غَيْرَكَ. قَالَ:" قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" زَادَ التِّرْمِذِيُّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ وَقَالَ:" هَذَا". وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:" ثُمَّ اسْتَقامُوا" لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا. وَرَوَى عَنْهُ الْأَسْوَدُ بْنُ هِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَقُولُونَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" وَ" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ" فَقَالُوا: اسْتَقَامُوا فَلَمْ يُذْنِبُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِخَطِيئَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى غَيْرِ الْمَحْمَلِ" قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَهٍ غَيْرِهِ" وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ" بِشِرْكٍ" أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ". وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَخْطُبُ:" إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا" فَقَالَ: اسْتَقَامُوا وَاللَّهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ لِطَاعَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْغُوَا رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ رضي الله عنه: ثُمَّ أَخْلَصُوا الْعَمَلَ لِلَّهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: ثُمَّ أَدَّوُا الْفَرَائِضَ. وَأَقْوَالُ التَّابِعِينَ بِمَعْنَاهَا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ: اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ. الْحَسَنُ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى مَاتُوا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَمِلُوا عَلَى وِفَاقِ مَا قَالُوا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: أَعْرَضُوا عَمَّا سِوَى اللَّهِ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: زَهِدُوا فِي الْفَانِيَةِ وَرَغِبُوا فِي الْبَاقِيَةِ. وَقِيلَ: اسْتَقَامُوا إِسْرَارًا كَمَا اسْتَقَامُوا إِقْرَارًا. وَقِيلَ: اسْتَقَامُوا فِعْلًا كَمَا اسْتَقَامُوا قَوْلًا. وَقَالَ أَنَسٌ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" هُمْ أُمَّتِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ". وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ فورك: السين سين الطلب مئل اسْتَسْقَى أَيْ سَأَلُوا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى الدِّينِ. وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَةَ. قُلْتُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ تَدَاخَلَتْ فَتَلْخِيصُهَا: اعْتَدِلُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَقْدًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا، وَدَامُوا على ذلك. نتنزل عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ" قَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ: عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِلْبَعْثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ بُشْرَى تَكُونُ لَهُمْ مِنَ