الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ وَيَرَى تَحْقِيقَهَا بِالْجُلُوسِ فِي مَكَانٍ مُشْرِفٍ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" فَأَطَّلِعَ" بِالرَّفْعِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ:" أَبْلُغُ" وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَالسُّلَمِيُّ وَعِيسَى وَحَفْصٌ" فَأَطَّلِعَ" بِالنَّصْبِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَلَى جَوَابِ" لَعَلَّ" بِالْفَاءِ. النَّحَّاسُ: وَمَعْنَى النَّصْبِ خِلَافُ مَعْنَى الرَّفْعِ، لِأَنَّ مَعْنَى النَّصْبِ مَتَى بَلَغْتُ الْأَسْبَابَ اطَّلَعْتُ. وَمَعْنَى الرَّفْعِ" لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ" ثُمَّ لَعَلِّي أَطَّلِعُ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ ثُمَّ أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنَ الْفَاءِ." وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً" أَيْ وَإِنِّي لَأَظُنُ مُوسَى كَاذِبًا فِي ادِّعَائِهِ إِلَهًا دُونِي، وَإِنَّمَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ لِإِزَاحَةِ الْعِلَّةِ. وَهَذَا يُوجِبُ شَكَّ فِرْعَوْنَ فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الظَّنَّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ أَيْ وَأَنَا أَتَيَقَّنُ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَإِنَّمَا أَقُولُ مَا أقول لإزالة الشبهة عمن لا أتيقن مَا أَتَيَقَّنُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ" أَيِ الشِّرْكُ وَالتَّكْذِيبُ." وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ" قِرَاءَةُ الْكُوفِيِّينَ" وَصُدَّ" عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، وَيَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ" وَصِدَّ" بِكَسْرِ الصاد نقلت كسرة الدال عل الصَّادِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَعَلْقَمَةَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَكْرَةَ" وَصَدٌّ عَنِ السَّبِيلِ" بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ. الْبَاقُونَ" وَصَدَّ" بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ. أَيْ صَدَّ فِرْعَوْنُ النَّاسَ عَنِ السَّبِيلِ." وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ" أَيْ فِي خُسْرَانٍ وَضَلَالٍ، وَمِنْهُ:" تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ"[المسد: 1] وقوله:" وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ"[هود: 101] وفي موضع" غَيْرَ تَخْسِيرٍ"[هود: 63] فَهَدَّ اللَّهُ صَرْحَهُ وَغَرَّقَهُ هُوَ وَقَوْمَهُ عَلَى ما تقدم «1» .
[سورة غافر (40): الآيات 38 الى 44]
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَاّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
لَا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44)
(1). راجع ج 13 ص 288 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية. [ ..... ]
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ" هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا قَالَهُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، أَيِ اقْتَدُوا بِي فِي الدِّينِ." أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ" أَيْ طَرِيقَ الْهُدَى وَهُوَ الْجَنَّةُ. وَقِيلَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى. وَقَرَأَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ" الرَّشادِ" بِتَشْدِيدِ الشِّينِ وَهُوَ لَحْنٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ أَرْشَدَ يُرْشِدُ وَلَا يَكُونُ فَعَّالٌ مِنْ أَفَعَلَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الثَّلَاثِي، فَإِنْ أَرَدْتَ التَّكْثِيرَ مِنَ الرُّبَاعِيِّ قُلْتَ: مِفْعَالٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَشَّادٌ بِمَعْنَى يُرْشِدُ لَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، ولكن كما يقال لآئل مِنَ اللُّؤْلُؤِ فَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَلَيْسَ جَارِيًا عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَشَّادٌ مِنْ رَشَدَ يَرْشُدُ أي صاحب رشاد، كما قال:
كليني لهم يا أميمة ناصب «1»
الزمخشري: وقرى" الرَّشَّادُ" فَعَّالٌ مِنْ رَشِدَ بِالْكَسْرِ كَعَلَّامٍ أَوْ مِنْ رَشَدَ بِالْفَتْحِ كَعَبَّادٍ. وَقِيلَ: مِنْ أَرْشَدَ كَجَبَّارٍ مِنْ أَجْبَرَ وَلَيْسَ بِذَاكَ، لِأَنَّ فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ لَمْ يَجِئْ إِلَّا فِي عِدَّةِ أحرف، نحو دراك وسار وَقَصَّارٍ وَجَبَّارٍ. وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا الْقَلِيلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِسْبَتُهُ إِلَى الرُّشْدِ كَعَوَّاجٍ وَبَتَّاتٍ «2» غَيْرَ مَنْظُورٍ فِيهِ إِلَى فِعْلٍ. ووقع في المصحف" اتبعون"
(1). البيت للنابغة
ألذ بياني وتمامه:
…
وليل أقاسيه بطي الكواكب
(2)
. العواج: بياع العاج. والبتات: بياع البت وهو كساء غليظ.
بِغَيْرِ يَاءٍ. وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ وَابْنُ كَثِيرٍ بِالْإِثْبَاتِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَحَذَفَهَا أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتُوهَا فِي الْوَصْلِ، إِلَّا وَرْشًا حَذَفَهَا فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ، لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَمَنْ أَثْبَتَهَا فَعَلَى الأصل. قوله تعالى:" يَا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ" أَيْ يُتَمَتَّعُ بِهَا قَلِيلًا ثُمَّ تَنْقَطِعُ وَتَزُولُ." وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ" أَيِ الِاسْتِقْرَارُ وَالْخُلُودُ. وَمُرَادُهُ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْنَيَانِ. بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:" مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً" يَعْنِي الشِّرْكَ" فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها" وَهُوَ العذاب." وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ." وَهُوَ مُؤْمِنٌ" مُصَدِّقٌ بِقَلْبِهِ لِلَّهِ وَلِلْأَنْبِيَاءِ." فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ" بِضَمِّ الْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَأَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ" يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ" الْبَاقُونَ" يَدْخُلُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ" أَيْ إِلَى طَرِيقِ الْإِيمَانِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْجِنَانِ" وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ" بَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ فِرْعَوْنُ مِنْ قَوْلِهِ:" وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ"[غافر: 29] سَبِيلُ الْغَيِّ عَاقِبَتُهُ النَّارُ وَكَانُوا دَعَوْهُ إِلَى اتِّبَاعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ:" تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ" وَهُوَ فِرْعَوْنُ" وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ"." لَا جَرَمَ" تقدم الكلام فيه «1» ومعناه حقا." أن ما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ"" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي" لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ" قَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ لَهُ اسْتِجَابَةُ دَعْوَةٍ تَنْفَعُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ تُوجِبُ لَهُ الْأُلُوهِيَّةَ" فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ". وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَيْسَ لَهُ شَفَاعَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَكَانَ فِرْعَوْنُ أَوَّلًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْبَقَرِ، فَكَانَتْ تُعْبَدُ مَا كَانَتْ شَابَّةً، فَإِذَا هَرِمَتْ أَمَرَ بِذَبْحِهَا، ثُمَّ دَعَا بِأُخْرَى لِتُعْبَدَ، ثُمَّ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الزَّمَانُ قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى." وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ" قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: هُمُ السُّفَهَاءُ وَالسَّفَّاكُونَ لِلدِّمَاءِ بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون
(1). راجع ج 9 ص 20 طبعه أولى أو ثانيه.