المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٥

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة يس

- ‌[سورة يس (36): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة يس (36): آية 12]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 20 الى 29]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة يس (36): آية 39]

- ‌[سورة يس (36): آية 40]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة يس (36): آية 77]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 78 الى 79]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 80 الى 83]

- ‌[تفسير سورة الصافات]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 22 الى 35]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 41 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 50 الى 61]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 75 الى 82]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 102 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 114 الى 122]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 123 الى 132]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 133 الى 138]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 139 الى 144]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 145 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 149 الى 157]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 165 الى 166]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 171 الى 179]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 180 الى 182]

- ‌[تفسير سورة ص]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة ص (38): آية 17]

- ‌[سورة ص (38): آية 18]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة ص (38): آية 26]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة ص (38): آية 44]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 48 الى 54]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 75 الى 83]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 84 الى 88]

- ‌[تفسير سورة الزمر]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 7]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 10]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 19]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 20]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 21]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 22]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 23]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 24 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 29]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 42]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 46 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 53 الى 59]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 73 الى 75]

- ‌[تفسير سورة غافر]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 5 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 10 الى 12]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 23 الى 27]

- ‌[سورة غافر (40): آية 28]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 29 الى 33]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 38 الى 44]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 47 الى 50]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 66 الى 68]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 69 الى 78]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 79 الى 81]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 82 الى 85]

- ‌[تفسير سورة فصلت]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 22 الى 25]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة فصلت (41): آية 44]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 52 الى 54]

الفصل: ‌[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33]

قَوْلُهُ تَعَالَى:" كِتابٌ" أَيْ هَذَا كِتَابٌ" أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ" يا محمد" لِيَدَّبَّرُوا" أَيْ لِيَتَدَبَّرُوا فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى، وُجُوبِ مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيلَ أَفْضَلُ مِنَ الْهَذِّ «1» ، إِذْ لَا يَصِحُّ التَّدَبُّرُ مَعَ الْهَذِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَدَبُّرُ آيَاتِ اللَّهِ اتِّبَاعُهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" لِيَدَّبَّرُوا". وَقَرَأَ أَبُو حَنِيفَةَ وَشَيْبَةُ" لِتَدَبَّرُوا" بِتَاءٍ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ «2» رضي الله عنه، وَالْأَصْلُ لِتَتَدَبَّرُوا فَحُذِفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا" وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ" أَيْ أَصْحَابُ الْعُقُولِ وَاحِدُهَا لُبٌّ، وَقَدْ جُمِعَ عَلَى أَلُبٍّ، كَمَا جُمِعَ بُؤْسٌ عَلَى أَبْؤُسٍ، وَنُعْمٍ عَلَى أَنْعُمٍ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ

قَلْبِي إِلَيْهِ مُشْرِفُ الْأَلُبِّ

وَرُبَّمَا أَظْهَرُوا التَّضْعِيفَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، قَالَ الْكُمَيْتُ:

إِلَيْكُمْ ذَوِي آل النبي تطلعت

ونوازع من قلبي ظماء وألبب

[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33]

وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" لَمَّا ذَكَرَ دَاوُدَ ذَكَرَ سُلَيْمَانَ وَ" أَوَّابٌ" مَعْنَاهُ مُطِيعٌ." إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ" يَعْنِي الْخَيْلَ جَمْعُ جَوَادٍ لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْحَضَرِ، كَمَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ جَوَادٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْعَطِيَّةِ غَزِيرَهَا، يُقَالُ: قَوْمٌ أَجُوَادٌ وَخَيْلٌ جِيَادٌ، جَادَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ يَجُودُ جُودًا فَهُوَ جَوَادٌ، وقوم جود مثال

(1). الهذ: سرعة القراءة.

(2)

. وفي الألوسي أن عليا قرأ" ليتدبروا" بتاء بعد الياء آخر الحروف وكذا في البحر لأبى حيان.

ص: 192

قَذَالٍ وَقُذُلٍ، وَإِنَّمَا سُكِّنَتِ الْوَاوُ لِأَنَّهَا حَرْفُ عِلَّةٍ، وَأَجْوَادٌ وَأَجَاوِدُ وَجُوَدَاءُ، وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ جَوَادٌ وَنِسْوَةٌ جُودٌ مِثْلُ نَوَارٍ وَنُورٍ، قَالَ الشَّاعِرُ «1»

صناع بإشفاها حصان بشكرها

وجواد بِقُوتِ الْبَطْنِ وَالْعِرْقُ زَاخِرُ

وَتَقُولُ: سِرْنَا عُقْبَةَ جَوَادًا، وَعُقْبَتَيْنِ جَوَادَيْنِ، وَعُقَبًا جِيَادًا. وَجَادَ الْفَرَسُ أَيْ صَارَ رَائِعًا يَجُودُ جُودَةً" بِالضَّمِّ" فَهُوَ جَوَادٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، مِنْ خَيْلٍ جِيَادٍ وَأَجْيَادَ وَأَجَاوِيدَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا الطِّوَالُ الْأَعْنَاقِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجِيدِ وَهُوَ الْعُنُقُ، لِأَنَّ طُولَ الْأَعْنَاقِ" فِي" الْخَيْلِ مِنْ صِفَاتِ فَرَاهَتِهَا. وَفِي الصَّافِناتُ أَيْضًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صُفُونَهَا قِيَامُهَا. قَالَ الْقُتَبِيُّ وَالْفَرَّاءُ: الصَّافِنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْوَاقِفُ مِنَ الْخَيْلِ أَوْ غَيْرِهَا. وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقُومَ لَهُ الرِّجَالُ صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" أَيْ يُدِيمُونَ لَهُ الْقِيَامَ، حَكَاهُ قُطْرُبٌ أَيْضًا وَأَنْشَدَ قَوْلَ النَّابِغَةِ

لنا قبة مضروبة بفنائها

وعتاق الْمَهَارَى وَالْجِيَادُ الصَّوَافِنُ

وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ. الثَّانِي أَنَّ صُفُونَهَا رَفْعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا قَالَ الشاعر:

ألف الصفون فما يزال كأنه

ومما يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا «2»

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ

تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

- مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا

وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: غَزَا سُلَيْمَانُ أَهْلَ دِمَشْقَ وَنَصِيبِينَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَلْفَ فَرَسٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَرِثَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَبِيهِ دَاوُدَ أَلْفَ فَرَسٍ، وَكَانَ أَبُوهُ أَصَابَهَا مِنَ الْعَمَالِقَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا أَجْنِحَةٌ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَأَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا أُخْرِجَتْ لِسُلَيْمَانَ مِنَ الْبَحْرِ منقوشة ذات أجنحة. ابن زيد: أخرج

(1). هو أبو شهاب الهذلي ورواه ابن السكيت: والعرض وافر، وروى: جواد بزاد الركب والعرق زاخر. وامرأة صناع أي ماهرة حاذقة عمل اليدين، والإشفى المخصف للنعال وعنى أن مرفقها حديد كالإشفى. والشكر الفرج. والعرق زاخر أراد به الجوع يعنى تجود بقوتها مع شدة الجوع.

(2)

. ورد في اللسان في مادة صفن أن قوله مما يقوم لم يرد من قيامه، وإنما أراد من الجنس الذي يقوم على الثلاث، وجعل" كسيرا" حالا من ذلك النوع الزمن لا من الفرس المذكور.

ص: 193

لا لشيطان لِسُلَيْمَانَ الْخَيْلَ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ مُرُوجِ الْبَحْرِ، وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَةٌ. وَكَذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ. وَقِيلَ: كَانَتْ مِائَةَ فَرَسٍ. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ:" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" يَعْنِي بِالْخَيْرِ الْخَيْلَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهَا كَذَلِكَ، وَتُعَاقِبُ بَيْنَ الرَّاءِ وَاللَّامِ، فَتَقُولُ: انْهَمَلَتِ الْعَيْنُ وَانْهَمَرَتْ، وَخَتَلَتْ وَخَتَرَتْ إِذَا خُدِعَتْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْخَيْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْخَيْلُ وَاحِدٌ. النَّحَّاسُ: فِي الْحَدِيثِ:" الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِهَذَا. وَفِي الْحَدِيثِ: لَمَّا وَفَدَ زَيْدُ الْخَيْلِ عَلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ:" أَنْتَ زَيْدُ الْخَيْرِ" وَهُوَ زَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلٍ الشَّاعِرِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ. وَفِي الْخَبَرِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ عَلَى آدَمَ جَمِيعَ الدَّوَابِّ، وَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ مِنْهَا وَاحِدًا فَاخْتَارَ الْفَرَسَ، فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْتَ عِزَّكَ، فَصَارَ اسْمُهُ الْخَيْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَسُمِّيَ خَيْلًا، لِأَنَّهَا مَوْسُومَةٌ بِالْعِزِّ. وَسُمِّيَ فَرَسًا لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ مَسَافَاتِ الْجَوِّ افْتِرَاسَ الْأَسَدِ وَثَبَانًا، وَيَقْطَعُهَا كَالِالْتِهَامِ بِيَدَيْهِ عَلَى كُلِّ شي خبطا وتناولا. وسمي عربيا لأنه جئ به من بعد آدم لإسمعيل جَزَاءً عَنْ رَفْعِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَإِسْمَاعِيلُ عَرَبِيٌّ فَصَارَتْ لَهُ نِحْلَةً مِنَ اللَّهِ، فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا. وَ" حُبَّ" مَفْعُولٌ فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ. وَالْمَعْنَى إِنِّي آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْرِ. وَغَيْرُهُ يُقَدِّرُهُ مَصْدَرًا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ أَحْبَبْتُ الْخَيْرَ حُبًّا فَأَلْهَانِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى" أَحْبَبْتُ" قَعَدْتُ وَتَأَخَّرْتُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَحَبَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ وَتَأَخَّرَ. وَأَحَبَّ فُلَانٌ أَيْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ بَعِيرٌ مُحِبٌّ، وَقَدْ أَحَبَّ إِحْبَابًا وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ فَلَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يُقَالُ أَيْضًا لِلْبَعِيرِ الْحَسِيرِ مُحِبٌّ، فَالْمَعْنَى قَعَدْتُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي. وَ" حُبَّ" عَلَى هَذَا مَفْعُولٌ لَهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ: أَحْبَبْتُ بِمَعْنَى لَزِمْتُ، مِنْ قَوْلِهِ»

:

مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إذ أحبا

(1). هو أبو محمد الفقعسي، وصدر البيت

حلت عليه بالقفيل ضربا

والقفيل السوط. وفي كتب اللغة: ضرب بعير السوء

إلخ.

ص: 194

" حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ" يَعْنِي الشَّمْسَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ"[فاطر: 45] أَيْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَتْ بَارِدَةً أَيْ هَاجَتِ الرِّيحُ بَارِدَةً. وَقَالَ اللَّهُ تعالى:" حتى إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ" أَيْ بَلَغَتِ النَّفْسُ الْحُلْقُومَ" [الواقعة: 83] وقال تعالى:" إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ" [المرسلات: 32] وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلنَّارِ ذِكْرٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا يَجُوزُ الْإِضْمَارُ إِذَا جَرَى ذِكْرُ الشَّيْءِ أَوْ دَلِيلُ الذِّكْرِ، وَقَدْ جَرَى هَاهُنَا الدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ:" بِالْعَشِيِّ". وَالْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالتَّوَارِي الِاسْتِتَارُ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَالْحِجَابُ جَبَلٌ أَخْضَرُ مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَكَعْبٌ. وَقِيلَ: هُوَ جَبَلُ قَافٍ. وَقِيلَ: جَبَلٌ دُونَ قَافٍ. وَالْحِجَابُ اللَّيْلُ سُمِّيَ حِجَابًا، لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِيهِ. وَقِيلَ:" حَتَّى تَوارَتْ" أَيِ الْخَيْلُ فِي الْمُسَابَقَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ لَهُ مَيْدَانٌ مُسْتَدِيرٌ يُسَابِقُ فِيهِ بَيْنَ الْخَيْلِ، حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُ وَتَغِيبُ عَنْ عَيْنِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَذَكَرَ النَّحَّاسُ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام كان في صلاة فجئ إِلَيْهِ بِخَيْلٍ لِتُعْرَضَ عَلَيْهِ قَدْ غُنِمَتْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَارَتِ الْخَيْلُ وَسَتَرَتْهَا جُدُرُ الْإِصْطَبْلَاتِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ:" رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً" أَيْ فَأَقْبَلَ يَمْسَحُهَا مَسْحًا. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقْبَلَ يَمْسَحُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِيَدِهِ إِكْرَامًا مِنْهُ لَهَا، وَلِيُرِيَ أَنَّ الْجَلِيلَ لَا يَقْبُحُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِخَيْلِهِ. وَقَالَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ: كَيْفَ يَقْتُلُهَا؟ وَفِي ذَلِكَ إِفْسَادُ الْمَالِ وَمُعَاقَبَةُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. وَقِيلَ: الْمَسْحُ ها هنا هُوَ الْقَطْعُ أُذِنَ لَهُ فِي قَتْلِهَا. قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: صَلَّى سُلَيْمَانُ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَهِيَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ أَلْفَ فَرَسٍ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مِنْهَا تِسْعُمِائَةٍ فَتَنَبَّهَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ غَرَبَتْ وَفَاتَتِ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ فَاغْتَمَّ، فَقَالَ:" رُدُّوها عَلَيَّ" فَرُدَّتْ فَعَقَرَهَا بِالسَّيْفِ، قُرْبَةً لِلَّهِ وَبَقِيَ مِنْهَا مِائَةٌ، فَمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنَ الْخَيْلِ الْعِتَاقِ الْيَوْمَ فَهِيَ مِنْ نَسْلِ تِلْكَ الْخَيْلِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ: مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَلَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، بَلْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ نَافِلَةً فَشُغِلَ عَنْهَا. وَكَانَ سُلَيْمَانُ عليه السلام رَجُلًا مَهِيبًا، فَلَمْ يُذَكِّرْهُ أَحَدٌ مَا نَسِيَ مِنَ الْفَرْضِ أَوِ النَّفْلِ وَظَنُّوا التَّأَخُّرَ مُبَاحًا، فَتَذَكَّرَ سليمان تلك

ص: 195

الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ، وَقَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّلَهُّفِ:" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" أَيْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأَفْرَاسِ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عَرَاقِيبِهَا وَأَعْنَاقِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لِلْأَفْرَاسِ، إِذْ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ جَائِزٌ إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةً، بَلْ عَاقَبَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا تَشْغَلَهُ الْخَيْلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الصَّلَاةِ. وَلَعَلَّهُ عَرْقَبَهَا لِيَذْبَحَهَا فَحَبَسَهَا بِالْعَرْقَبَةِ عَنِ النِّفَارِ، ثُمَّ ذَبَحَهَا فِي الْحَالِ، لِيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعِهِ فَأَتْلَفَهَا لَمَّا شَغَلَتْهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يَقْطَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذَا، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَثَابَهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ، فَكَانَ يَقْطَعُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَسَافَةِ فِي يَوْمٍ مَا يَقْطَعُ مِثْلُهُ عَلَى الْخَيْلِ فِي شَهْرَيْنِ غُدُوًّا وَرَوَاحًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ:" رُدُّوها عَلَيَّ" لِلشَّمْسِ لَا لِلْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَا بَلَغَكَ فِيهَا؟ فَقُلْتُ سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، قَالَ:" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" أَيْ آثَرْتُ" حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي" الْآيَةَ" رُدُّوها عَلَيَّ" يَعْنِي الْأَفْرَاسَ وَكَانَتْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَضَرَبَ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِالسَّيْفِ، وَأَنَّ اللَّهَ سَلَبَهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْلَ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَذَبَ كَعْبٌ لَكِنَّ سُلَيْمَانُ اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ لِلْجِهَادِ حَتَّى تَوَارَتْ أَيْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ:" رُدُّوها" يَعْنِي الشَّمْسَ فَرَدُّوهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا، وَأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ لَا يَظْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. قُلْتُ: الْأَكْثَرُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الَّتِي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هِيَ الشَّمْسُ، وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِعِ عليها بما ذكر مما يرتبط بها ومتعلق بِذِكْرِهَا، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَكَثِيرًا مَا يُضْمِرُونَ الشَّمْسَ، قَالَ لَبِيَدٌ

حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يدا في كافر

ووأجن عورات الثغور ظلامها

الهاء فِي" رُدُّوها" لِلْخَيْلِ، وَمَسْحُهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ كَيْسَانَ: كَانَ يَمْسَحُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا، وَيَكْشِفُ الْغُبَارَ عَنْهَا حُبًّا لَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ فَرَسَهُ بِرِدَائِهِ. وَقَالَ:" إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ"

ص: 196

خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلًا.

وهو فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَنْفَالِ"«1» قَوْلُهُ عليه السلام:" وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا وَأَكْفَالِهَا" وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَسَحَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا بِالسُّيُوفِ. قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشِّبْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي تَقْطِيعِ ثِيَابِهِمْ وَتَخْرِيقِهَا بِفِعْلِ سُلَيْمَانَ، هَذَا. وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَبِيٍّ مَعْصُومٍ أَنَّهُ فَعَلَ الْفَسَادَ. وَالْمُفَسِّرُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَسَحَ عَلَى أَعْنَاقِهَا وَسُوقِهَا إِكْرَامًا لَهَا وَقَالَ: أَنْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا إِصْلَاحٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَرْقَبَهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا، وَذَبْحُ الْخَيْلِ وَأَكْلُ لَحْمِهَا جَائِزٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" النَّحْلِ"«2» بَيَانُهُ. وَعَلَى هَذَا فَمَا فَعَلَ شَيْئًا عَلَيْهِ فِيهِ جُنَاحٌ. فَأَمَّا إِفْسَادُ ثَوْبٍ صَحِيحٍ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فِي شَرِيعَةِ سُلَيْمَانَ جَوَازُ مَا فَعَلَ، وَلَا يَكُونُ فِي شَرْعِنَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا فَعَلَ بِالْخَيْلِ مَا فَعَلَ بِإِبَاحَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَسْحَهُ إِيَّاهَا وَسْمُهَا بِالْكَيِّ وَجَعْلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّوقَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْوَسْمِ بِحَالٍ. وَقَدْ يُقَالُ: الْكَيُّ عَلَى السَّاقِ عِلَاطٌ، وَعَلَى الْعُنُقِ وِثَاقٌ. وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ لِلْجَوْهَرِيِّ: عَلَطَ الْبَعِيرَ عَلْطًا كَوَاهُ فِي عُنُقِهِ بِسِمَةِ الْعِلَاطِ. وَالْعِلَاطَانِ جَانِبَا الْعُنُقِ. قُلْتُ: وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْهَاءَ فِي" رُدُّوهَا" تَرْجِعُ لِلشَّمْسِ فَذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ. وَقَدِ اتَّفَقَ مِثْلَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم. خَرَّجَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْحَدِيثِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ" قَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ" قَالَتْ أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها بعد ما غَرَبَتْ طَلَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِي خَيْبَرَ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَانَ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ، ورواتهما ثقات.

(1). راجع ج 8 ص 36 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.

(2)

. راجع ج 10 ص 76 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.

ص: 197