الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتَّخَذُوا مِنَ الْحُبُوبِ بِعِلَاجٍ كَالْخُبْزِ وَالدُّهْنِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنَ السُّمْسُمِ وَالزَّيْتُونِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى مَا يَغْرِسُهُ النَّاسُ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عباس أيضا. نعمه. نَزَّهَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ، إِذْ عَبَدُوا غَيْرَهُ مَعَ مَا رَأَوْهُ مِنْ نِعَمِهِ وَآثَارِ قُدْرَتِهِ. وَفِيهِ تَقْدِيرُ الْأَمْرِ، أَيْ سَبِّحُوهُ وَنَزِّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، أَيْ عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ فِي كُفْرِهِمْ مَعَ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَمَنْ تعجب من شي قَالَ: سُبْحَانَ اللَّه. وَالْأَزْوَاجُ الْأَنْوَاعُ وَالْأَصْنَافُ، فَكُلُّ زَوْجٍ صِنْفٌ، لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْأَشْكَالِ وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَاخْتِلَافُهَا هُوَ ازْدِوَاجُهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) يَعْنِي مِنَ النَّبَاتِ، لِأَنَّهُ أَصْنَافٌ. (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) يَعْنِي وَخَلَقَ مِنْهُمْ أَوْلَادًا أَزْوَاجًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا. و (مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) أَيْ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَخْلُقُهُ لَا يَعْلَمُهُ الْبَشَرُ وَتَعْلَمُهُ الْمَلَائِكَةُ. وَيَجُوزُ أَلَّا يَعْلَمَهُ مَخْلُوقٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا انْفَرَدَ بِالْخَلْقِ فلا ينبغي أن يشرك به.
[سورة يس (36): الآيات 37 الى 38]
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) أَيْ وَعَلَامَةٌ دَالَّةٌ على توحيد الله وقدرته ووجوب إلاهيته. وَالسَّلْخُ: الْكَشْطُ وَالنَّزْعُ، يُقَالُ: سَلَخَهُ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ، ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ. وَقَدْ جَعَلَ ذَهَابَ الضَّوْءِ وَمَجِيءَ الظُّلْمَةِ كَالسَّلْخِ مِنَ الشَّيْءِ وَظُهُورِ الْمَسْلُوخِ فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ. وَ (مُظْلِمُونَ) دَاخِلُونَ فِي الظَّلَامِ، يُقَالُ: أَظْلَمْنَا أَيْ دَخَلْنَا فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ، وَأَظْهَرْنَا دَخَلْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ أَصْبَحْنَا وَأَضْحَيْنَا وَأَمْسَيْنَا. وَقِيلَ:" مِنْهُ" بِمَعْنَى عَنْهُ، وَالْمَعْنَى نَسْلَخُ عَنْهُ ضِيَاءَ النَّهَارِ." فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ" أَيْ فِي ظُلْمَةٍ، لِأَنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ يَتَدَاخَلُ فِي الْهَوَاءِ فَيُضِيءُ فَإِذَا خَرَجَ منه أظلم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ وَآيَةٌ لَهُمُ الشَّمْسُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّمْسُ مَرْفُوعًا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ الثَّانِي. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ" تَجْرِي" فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ أَيْ جَارِيَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ عز وجل:" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها" قَالَ:" مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ". وَفِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمًا: (أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ) قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:" إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَتَدْرُونَ مَتَى ذَلِكُمْ ذَاكَ حِينَ" لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً"[الأنعام: 158] (. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ:" تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ" قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:" فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ". وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ" قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:" فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا" قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ" ذَلِكَ «1» مُسْتَقَرٌّ لَهَا" قَالَ وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1). كذا في الأصول وفى صحيح الترمذي والعلة تحريف، إذ لا تعرف قراءة بهذا النص، وقراءة عبد الله بن مسعود" والشمس تجرى لا مستقر لها" كما سيأتي.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ دَخَلَتْ مِحْرَابًا تَحْتَ الْعَرْشِ تُسَبِّحُ اللَّهَ حَتَّى تُصْبِحَ، فَإِذَا أَصْبَحَتِ اسْتَعْفَتْ رَبَّهَا مِنَ الْخُرُوجِ فَيَقُولُ لَهَا الرَّبُّ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَتْ: إِنِّي إِذَا خَرَجْتُ عُبِدْتُ مِنْ دُونِكَ. فَيَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى: أخرجي فليس عليك من ذاك شي، سَأَبْعَثُ إِلَيْهِمْ جَهَنَّمَ مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَقُودُونَهَا حَتَّى يُدْخِلُوهُمْ فِيهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى تَجْرِي إِلَى أَبْعَدِ مَنَازِلِهَا فِي الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى أَدْنَى مَنَازِلِهَا، فَمُسْتَقَرُّهَا بُلُوغُهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي لَا تَتَجَاوَزُهُ بَلْ تَرْجِعُ مِنْهُ، كَالْإِنْسَانِ يَقْطَعُ مَسَافَةً حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَى مَقْصُودِهِ فيقضي وطره، ثم يرجع إلى منزل الْأَوَّلِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ سَفَرَهُ. وَعَلَى تَبْلِيغِ الشَّمْسِ أَقْصَى مَنَازِلِهَا، وَهُوَ مُسْتَقَرُّهَا إِذَا طَلَعَتِ الْهَنْعَةَ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ أَطْوَلُ الْأَيَّامِ فِي السَّنَةِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ أَقْصَرُ اللَّيَالِي، فَالنَّهَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَاللَّيْلُ تِسْعُ سَاعَاتٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي النُّقْصَانِ وَتَرْجِعُ الشَّمْسَ، فَإِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، ثُمَّ تَبْلُغُ أَدْنَى مَنَازِلِهَا وَتَطْلُعُ النَّعَائِمَ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرُ الْأَيَّامِ، وَاللَّيْلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً، حَتَّى إِذَا طَلَعَ فَرْغُ الدَّلْوِ الْمُؤَخَّرِ اسْتَوَى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، فَيَأْخُذُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ عُشْرَ ثُلُثِ سَاعَةٍ، وَكُلَّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُلُثَ سَاعَةٍ، وَكُلَّ شَهْرٍ سَاعَةً تَامَّةً، حَتَّى يَسْتَوِيَا وَيَأْخُذُ اللَّيْلُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَيَأْخُذُ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ لِلشَّمْسِ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَطْلِعًا، تَنْزِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَطْلِعًا، ثُمَّ لَا تَنْزِلُهُ إِلَى الْحَوْلِ، فَهِيَ تَجْرِي فِي تِلْكَ الْمَنَازِلِ وَهِيَ مُسْتَقَرُّهَا. وَهُوَ مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ وَانْتَهَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَتَجَاوَزُهُ اسْتَقَرَّتْ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ. قُلْتُ: مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ فَتَأَمَّلْهُ. وَقِيلَ: إِلَى انْتِهَاءِ أَمَدِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وقرا ابن مسعود وا بن عَبَّاسٍ" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لَا مُسْتَقَرَ لَهَا" أَيْ إِنَّهَا تَجْرِي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا وُقُوفَ لَهَا وَلَا قَرَارَ، إِلَى أَنْ يُكَوِّرَهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْمُصْحَفَ فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: وَهَذَا بَاطِلٌ مردود على من نقله، لأن أبا عمر وروى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنَ كَثِيرٍ روى