الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَسْكَنَهُ فِيهَا، كَمَا قَالَ:" فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ"[المؤمنون: 18]." يَنابِيعَ" جَمْعُ يَنْبُوعٍ وَهُوَ يَفْعُولٌ مِنْ نَبَعَ يَنْبُعُ وَيَنْبَعُ وَيَنْبِعَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ. النَّحَّاسُ: وَحَكَى لَنَا ابْنُ كَيْسَانَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ «1» :
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ
أَنَّ مَعْنَاهُ يَنْبُعُ فَأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فَصَارَتْ أَلِفًا، نُبُوعًا خَرَجَ. وَالْيَنْبُوعُ عَيْنُ الْمَاءِ وَالْجَمْعُ الْيَنَابِيعُ. وَقَدْ مَضَى فِي" سُبْحانَ"«2» ." ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ يَنَابِيعِ الْأَرْضِ" زَرْعاً" هُوَ لِلْجِنْسِ أَيْ زُرُوعًا شَتَّى لَهَا أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، حُمْرَةً وَصُفْرَةً وَزُرْقَةً وَخُضْرَةً وَنُورًا. قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: كُلُّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ فَمِنَ السَّمَاءِ نَزَلَ، إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الصَّخْرَةِ، ثُمَّ تُقْسَمُ مِنْهَا الْعُيُونُ وَالرَّكَايَا." ثُمَّ يَهِيجُ" أَيْ يَيْبَسُ." فَتَراهُ" أَيْ بَعْدَ خُضْرَتِهِ" مُصْفَرًّا" قَالَ الْمُبَرِّدُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ هَاجَتِ الْأَرْضُ تَهِيجُ إِذَا أَدْبَرَ نَبْتُهَا وَوَلَّى. قَالَ: كَذَلِكَ هَاجَ النَّبْتُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ الْأَصْمَعِيِّ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَاجَ النَّبْتُ هِيَاجًا أَيْ يَبِسَ. وَأَرْضٌ هَائِجَةٌ يَبِسَ بَقْلُهَا أَوِ اصْفَرَّ، وَأَهَاجَتِ الرِّيحُ النَّبْتَ أَيْبَسَتْهُ، وَأَهْيَجْنَا الْأَرْضَ أَيْ وَجَدْنَاهَا هَائِجَةَ النَّبَاتِ، وَهَاجَ هَائِجُهُ أَيْ ثَارَ غَضَبُهُ، وَهَدَأَ هَائِجُهُ أَيْ سَكَنَتْ فَوْرَتُهُ." ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا" أَيْ فُتَاتًا مُكَسَّرًا مِنْ تَحَطَّمَ الْعُودُ إِذَا تَفَتَّتَ مِنَ الْيُبْسِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ وَلِصُدُورِ مَنْ فِي الْأَرْضِ، أَيْ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ قُرْآنًا فَسَلَكَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ" ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ" أَيْ دِينًا مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَزْدَادُ إِيمَانًا وَيَقِينًا، وَأَمَّا الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ فَإِنَّهُ يَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الزَّرْعُ. وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلدُّنْيَا، أَيْ كَمَا يَتَغَيَّرُ النَّبْتُ الْأَخْضَرُ فَيَصْفَرُّ كَذَلِكَ الدُّنْيَا بَعْدَ بَهْجَتِهَا." إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ".
[سورة الزمر (39): آية 22]
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)
(1). قائله عنترة: ويروى، غضوب حرة. وتمامه:
زيافة مثل الفنيق المقرم
(2)
. راجع ج 10 ص 330 طبعه أولى أو ثانيه.
شَرَحَ فَتَحَ وَوَسَّعَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَسَّعَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ حَتَّى ثَبَتَ فِيهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِالْإِسْلَامِ لِلْفَرَحِ بِهِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْحُ إِلَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْحُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ." فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ" أَيْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ طَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ وَأَقْسَاهُ. وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ:" فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ" قَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ قَسَا الْقَلْبُ إِذَا صَلُبَ، وَكَذَلِكَ عَتَا وَعَسَا مُقَارِبَةٌ لَهَا. وَقَلْبٌ قَاسٍ أَيْ صُلْبٌ لَا يَرِقُّ وَلَا يَلِينُ. وَالْمُرَادُ بِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ هَاهُنَا فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ على وحمزة رضى الله عنهما. وحكى انقاش أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا وَالْكَلْبِيِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِيمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ بِخَلْقِ الْإِيمَانِ فِيهِ. وَرَوَى مُرَّةُ «1» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:" أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ" كَيْفَ انْشَرَحَ صَدْرُهُ؟ قَالَ" إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْشَرَحَ وَانْفَتَحَ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟. قَالَ:" الإنابة الى دار الجلود وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ" وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي" نَوَادِرِ الْأُصُولِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ:" أكثر هم لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا وَإِذَا دَخَلَ النُّورُ فِي الْقَلْبِ انْفَسَحَ وَاسْتَوْسَعَ" قَالُوا: فَمَا آيَةُ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ:" الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ" فَذَكَرَ صلى الله عليه وسلم خِصَالًا ثَلَاثَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَهُوَ الْكَامِلُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْإِنَابَةَ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ البر، لان دار الجلود إِنَّمَا وُضِعَتْ جَزَاءً لِأَعْمَالِ الْبِرِّ، أَلَا تَرَى كَيْفَ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ فِي تَنْزِيلِهِ ثُمَّ قَالَ بِعَقِبِ ذَلِكَ" جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" فَالْجَنَّةُ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ، فَإِذَا انْكَمَشَ الْعَبْدُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَهُوَ إِنَابَتُهُ إِلَى دَارِ الجلود، وَإِذَا خَمَدَ حِرْصُهُ عَنِ الدُّنْيَا، وَلَهَا عَنْ طلبها، وأقبل على 0
(1). هو مرة بن شراحيل الهمداني يروى عن أبى بكر وعمر وعلى وأبى ذر وحذيفة وابن مسعود إلخ
…
التهذيب.