الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى:" وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ" قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ" نُنَكِّسْهُ" بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى
وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنَ التَّنْكِيسِ. الْبَاقُونَ" نَنْكُسْهُ" بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَضَمِّ الْكَافِ مِنْ نَكَسْتُ الشَّيْءَ أَنْكُسُهُ نَكْسًا قَلَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ فَانْتَكَسَ. قَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى حَالِ الْهَرَمِ الَّذِي يُشْبِهُ حَالَ الصِّبَا. وَقَالَ سُفْيَانُ فِي قول تَعَالَى:" وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ" إِذَا بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً تَغَيَّرَ جِسْمُهُ وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنْ عَاشَ أَخَلَقَتِ الْأَيَّامَ جِدَّتَهُ
…
وَخَانَهُ ثِقَتَاهُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ
فَطُولَ الْعُمُرِ يُصَيِّرُ الشَّبَابَ هَرَمًا، وَالْقُوَّةَ ضَعْفًا، وَالزِّيَادَةَ نَقْصًا، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ. وَقَدْ تَعَوَّذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ. وقد فِي النَّحْلِ بَيَانُهُ." «1» أَفَلا يَعْقِلُونَ" أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكُمْ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِكُمْ. وَقَرَأَ نافع وابن ذكوان أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكُمْ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِكُمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ:" تَعْقِلُونَ" بِالتَّاءِ. الباقون بالياء".
[سورة يس (36): الآيات 69 الى 70]
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ" فيه أربع مسائل: لا أولى- أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ إِنَّهُ شَاعِرٌ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ شِعْرٌ، بِقَوْلِهِ:" وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ" وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ الشِّعْرَ وَلَا يَزِنُهُ، وَكَانَ إِذَا حَاوَلَ إِنْشَادَ بَيْتٍ قَدِيمٍ مُتَمَثِّلًا كَسَرَ وَزْنَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُحْرِزُ الْمَعَانِيَ فَقَطْ صلى الله عليه وسلم. مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَنْشَدَ يَوْمًا قَوْلَ طَرَفَةَ:
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا
…
وويأتيك مَنْ لَمْ تُزَوِّدْهُ بِالْأَخْبَارِ
وَأَنْشَدَ يَوْمًا وَقَدْ قِيلَ لَهُ مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ فَقَالَ الَّذِي يَقُولُ:
أَلَمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا
…
وَجَدْتُ بِهَا وإن لم تطب طيبا
(1). راجع ج 10 ص 140 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.
وأنشد يوما:
أتجعل نهبي ونهب العب
…
وئد بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ
وَقَدْ كَانَ عليه السلام ربما أنشد بيت الْمُسْتَقِيمَ فِي النَّادِرِ. رُوِيَ أَنَّهُ أَنْشَدَ بَيْتَ عبد الله بن رواحة:
ببيت يجافي جنبة عن فراشه
…
وإذا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ: أَنْشَدَ النَّبِيُّ عليه السلام:
كَفَى بِالْإِسْلَامِ وَالشَّيْبِ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَ الشاعر:
هريرة ودع إن تجهزت غاديا
…
وكفى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيَا
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:" وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ". وَعَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: كَانَ الشِّعْرُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ. الثَّانِيَةُ- إِصَابَتُهُ الْوَزْنَ أَحْيَانًا لَا يُوجِبُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الشِّعْرَ، وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي أَحْيَانًا مِنْ نَثْرِ كَلَامِهِ مَا يَدْخُلُ في ورن، كقول يَوْمَ حُنَيْنٍ وَغَيْرِهِ:
(هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيَتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيَتِ)
وَقَوْلُهُ:
(أنا النبي لا كذب
…
وأنا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)
فَقَدْ يَأْتِي مِثْلَ ذَلِكَ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَفِي كُلِّ كَلَامٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شِعْرًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"[آل عمران: 92]، وقوله:" نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ"[الصف: 13]، وقوله:" وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ"[سبأ: 13] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْهَا آيَاتٍ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا عَنِ الْوَزْنِ، عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَخْفَشَ قَالَ فِي قَوْلِ:(أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ) لَيْسَ بِشِعْرٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ: إِنَّ مَا جَاءَ مِنَ السَّجْعِ عَلَى جُزْأَيْنِ لَا يَكُونُ شِعْرًا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ مَنْهُوكِ الرَّجَزِ. وَقَدْ قِيلَ:
لَا يَكُونُ مِنْ مَنْهُوكِ الرَّجَزِ إِلَّا بِالْوَقْفِ عَلَى الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ:" لَا كَذِبْ"، وَمِنْ قَوْلِهِ:" عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ قَالَهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ العربي: والأظهر من حال أَنَّهُ قَالَ:" لَا كَذِبُ" الْبَاءُ مَرْفُوعَةٌ، وَيَخْفِضُ الْبَاءَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى الْإِضَافَةِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الرِّوَايَةُ بِالْإِعْرَابِ، وَإِذَا كَانَتْ بِالْإِعْرَابِ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا، لِأَنَّهُ إِذَا فَتَحَ الْبَاءَ مِنَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ أَوْ ضَمَّهَا أَوْ نَوَّنَهَا، وَكَسَرَ الْبَاءَ مِنَ الْبَيْتِ الثَّانِي خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ هَذَا الْوَزْنُ مِنَ الشِّعْرِ. وَهَذَا مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ، لِأَنَّ أَشْعَارَ الْعَرَبِ عَلَى هَذَا قَدْ رَوَاهَا الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:" هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيَتِ" فَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كُسِرَتِ التَّاءُ مِنْ دَمِيَتِ، فَإِنْ سُكِّنَ لَا يَكُونُ شِعْرًا بِحَالٍ، لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تَكُونُ فَعُولٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِفَعُولٍ فِي بَحْرِ السَّرِيعِ. وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهَا سَاكِنَةَ التَّاءِ أَوْ مُتَحَرِّكَةَ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الِانْفِصَالِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ هَذَا شِعْرٌ، وَيَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عالما بالشعر ولا شاعر أَنَّ التَّمَثُّلَ بِالْبَيْتِ النَّزْرِ وَإِصَابَةَ الْقَافِيَتَيْنِ مِنَ الرَّجَزِ وَغَيْرِهِ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا عَالِمًا بِالشِّعْرِ، وَلَا يُسَمَّى شَاعِرًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا أَنَّ مَنْ خَاطَ خَيْطًا لَا يَكُونُ خَيَّاطًا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى:" وَمَا علمناه الشعر" وما علمنا هـ أَنْ يُشْعِرَ أَيْ مَا جَعَلْنَاهُ شَاعِرًا، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْشِدَ شَيْئًا مِنَ الشِّعْرِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا خَبَّرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ الشِّعْرَ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ لَا يُنْشِدُ شِعْرًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ. وَقِيلَ فِيهِ قَوْلٌ بَيِّنٌ، زَعَمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلًا مَوْزُونًا لَا يَقْصِدُ بِهِ إِلَى شِعْرٍ فَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَإِنَّمَا وَافَقَ الشِّعْرَ. وَهَذَا قَوْلٌ بَيِّنٌ. قَالُوا: وَإِنَّمَا الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ عليه السلام فَهُوَ الْعِلْمُ بِالشِّعْرِ وَأَصْنَافِهِ، وَأَعَارِيضِهِ وَقَوَافِيهِ وَالِاتِّصَافِ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. أَلَا تَرَى أَنَّ قُرَيْشًا تَرَاوَضَتْ فِيمَا يَقُولُونَ لِلْعَرَبِ فِيهِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِمُ الْمَوْسِمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقُولُ إِنَّهُ شَاعِرٌ. فَقَالَ أَهْلُ الْفِطْنَةِ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَتُكَذِّبَنَّكُمُ الْعَرَبُ، فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ
أَصْنَافَ الشِّعْرِ، فَوَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْهَا، وَمَا قَوْلُهُ بِشِعْرٍ. وَقَالَ أُنَيْسٌ أَخُو أَبِي ذَرٍّ: لَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ»
فَلَمْ يَلْتَئِمْ أَنَّهُ شِعْرٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ مِنْ أَشْعَرِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ عُتْبَةُ
بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا سِحْرٍ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ خَبَرِهِ فِي سُورَةِ" فُصِّلَتْ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الْعُرَبَاءِ، وَاللُّسُنِ الْبُلَغَاءِ. ثُمَّ إِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ مَوْزُونِ الكلام لا يعد شعرا، وإنما بعد مِنْهُ مَا يَجْرِي عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ مَعَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ، فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا وَيُنَادِي يَا صَاحِبَ الْكِسَائِيِّ، وَلَا يُعَدُّ هَذَا شِعْرًا. وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ يُنَادِي فِي مَرَضِهِ وَهُوَ مِنْ عُرْضِ الْعَامَّةِ الْعُقَلَاءِ: اذْهَبُوا بِي إِلَى الطَّبِيبِ وَقُولُوا قَدِ اكْتَوَى. الثَّالِثَةُ- رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ إِنْشَادِ الشِّعْرِ فَقَالَ: لَا تُكْثِرَنَّ مِنْهُ، فَمِنْ عَيْبِهِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:" وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ" قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنِ اجْمَعِ الشُّعَرَاءَ قِبَلَكَ، وَسَلْهُمْ عَنِ الشِّعْرِ، وَهَلْ بَقِيَ مَعَهُمْ مَعْرِفَةٌ، وَأَحْضِرْ لَبِيدًا ذَلِكَ، قَالَ: فَجَمَعَهُمْ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا إِنَّا لَنَعْرِفُهُ وَنَقُولُهُ. وَسَأَلَ لَبِيدًا فَقَالَ: مَا قُلْتُ شِعْرًا مُنْذُ سَمِعْتُ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ:" الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ"[البقرة: 2 - 1] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ مِنْ عَيْبِ الشِّعْرِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ:" وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ"[العنكبوت: 48] مِنْ عَيْبِ الْكِتَابَةِ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنِ الْأُمِّيَّةُ مِنْ عَيْبِ الْخَطِّ، كَذَلِكَ لَا يَكُونُ نَفْيُ النَّظْمِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَيْبِ الشِّعْرِ. رُوِيَ أَنَّ الْمَأْمُونَ قَالَ لِأَبِي عَلِيٍّ الْمِنْقَرِيِّ: بَلَغَنِي أَنَّكَ أُمِّيٌّ، وَأَنَّكَ لَا تُقِيمُ الشِّعْرَ، وَأَنَّكَ تَلْحَنُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَّا اللَّحْنُ فَرُبَّمَا سَبَقَ لِسَانِي مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا الْأُمِّيَّةُ وَكَسْرُ الشَّعْرِ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكْتُبُ وَلَا يُقِيمُ الشِّعْرَ. فَقَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ ثَلَاثَةِ عُيُوبٍ فِيكَ فَزِدْتَنِي رَابِعًا وَهُوَ الْجَهْلُ، يَا جَاهِلُ! إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضِيلَةً، وَهُوَ فِيكَ وَفِي أَمْثَالِكَ نَقِيصَةٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِنَفْيِ الظِّنَّةِ عنه، لا لعيب في الشعر والكتابة.
(1). أقراء الشعر: أنواعه وطرقه وبحوره ومقاصده.