الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَارِبَةً فَتَلْقَاهَا الْمَلَائِكَةُ تَضْرِبُ وُجُوهَهَا وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:" يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ" الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ وَتَكَلَّمْنَا عليه هناك. وروي عن علي ابن نَصْرٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو إِسْكَانُ الدَّالِ مِنَ" التَّنَادِ" فِي الْوَصْلِ خَاصَّةً. وَرَوَى أَبُو مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ زِيَادَةَ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ خَاصَّةً وَهُوَ مَذْهَبُ وَرْشٍ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو حَذْفُهَا فِي الْحَالَيْنِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ سَائِرُ السَّبْعَةِ سِوَى وَرْشٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ وَسِوَى ابْنِ كَثِيرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمَ التَّنَادِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ يُنَادَى فِيهِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَالْحَسْرَةِ. قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ أَيْ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمِ التَّنَادِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ." يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ" عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" يَوْمَ التَّنادِ" وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ" أَيْ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الضَّلَالَ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَفِي قَائِلِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مُوسَى. الثَّانِي مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. والله أعلم.
[سورة غافر (40): الآيات 34 الى 35]
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ" قِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَمَامِ وَعْظِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَكَّرَهُمْ قَدِيمَ عُتُوِّهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَأَرَادَ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ" أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ" [يوسف: 39] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولًا إِلَى الْقِبْطِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَلِكِ مِنْ قَبْلِ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَهِيَ الرُّؤْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ يُوسُفُ بْنُ إِفْرِائِيمَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَقَامَ فِيهِمْ نبيا
عِشْرِينَ سَنَةً. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ فِرْعَوْنَ مُوسَى هُوَ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ عُمِّرَ. وَغَيْرُهُ يَقُولُ: هُوَ آخَرُ. النَّحَّاسُ: وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ، لِأَنَّهُ إِذَا أَتَى بِالْبَيِّنَاتِ نَبِيٌّ لِمَنْ مَعَهُ وَلِمَنْ بَعْدَهُ فَقَدْ جَاءَهُمْ جَمِيعًا بِهَا وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ بِهَا." فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ" أَيْ أَسْلَافُكُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ." حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا" أَيْ مَنْ يَدَّعِي الرِّسَالَةَ" كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ" أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الضَّلَالِ" يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ" مشرك" مُرْتابٌ" شَاكٌّ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى:" الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ" أَيْ في حججه الظاهرة" بِغَيْرِ سُلْطانٍ" أَيْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ وَ" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" مَنْ" وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ فَ" الَّذِينَ" نَصْبٌ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى مَعْنَى هُمُ الَّذِينَ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ" كَبُرَ مَقْتاً". ثُمَّ قِيلَ: هَذَا مِنْ كَلَامِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَقِيلَ: ابْتِدَاءُ خِطَابٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى." مَقْتاً" عَلَى الْبَيَانِ أَيْ" كَبُرَ" جِدَالُهُمْ" مَقْتاً"، كقوله: كَبُرَتْ كَلِمَةً" [الكهف: 5] وَمَقْتُ اللَّهِ تَعَالَى ذَمُّهُ لَهُمْ وَلَعْنُهُ إِيَّاهُمْ وَإِحْلَالُ الْعَذَابِ بِهِمْ." كَذلِكَ" أَيْ كَمَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ فَكَذَلِكَ" يَطْبَعُ اللَّهُ" أَيْ يَخْتِمُ" عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" حَتَّى لَا يَعْقِلَ الرَّشَادَ وَلَا يَقْبَلَ الْحَقَّ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ" بِإِضَافَةِ قَلْبِ إِلَى الْمُتَكَبِّرِ وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْمَعْنَى:" كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ" عَلَى كُلِّ" مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" فَحَذَفَ" كُلِّ" الثَّانِيَةِ لِتَقَدُّمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ حَذْفُ" كُلِّ" لَمْ يَسْتَقِمِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطْبَعُ عَلَى جَمِيعِ قَلْبِهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُتَكَبِّرِينَ الْجَبَّارِينَ قَلْبًا قَلْبًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِ" كُلِّ" قَوْلُ أَبِي دُوَادَ «1» :
أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امرأ
…
- ونار توقد بالليل نارا
(1). هو جارية بن الحجاج الإيادى. وقيل اسمه حنظلة بن الشرقي، وكان في عصر كعب بن مامة الإيادى الذي يضرب به المثل في الجود." الشعر والشعراء لابن قتيبة".