المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٥

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة يس

- ‌[سورة يس (36): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة يس (36): آية 12]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 20 الى 29]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة يس (36): آية 39]

- ‌[سورة يس (36): آية 40]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة يس (36): آية 77]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 78 الى 79]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 80 الى 83]

- ‌[تفسير سورة الصافات]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 22 الى 35]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 41 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 50 الى 61]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 75 الى 82]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 102 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 114 الى 122]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 123 الى 132]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 133 الى 138]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 139 الى 144]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 145 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 149 الى 157]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 165 الى 166]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 171 الى 179]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 180 الى 182]

- ‌[تفسير سورة ص]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة ص (38): آية 17]

- ‌[سورة ص (38): آية 18]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة ص (38): آية 26]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة ص (38): آية 44]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 48 الى 54]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 75 الى 83]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 84 الى 88]

- ‌[تفسير سورة الزمر]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 7]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 10]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 19]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 20]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 21]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 22]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 23]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 24 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 29]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 42]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 46 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 53 الى 59]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 73 الى 75]

- ‌[تفسير سورة غافر]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 5 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 10 الى 12]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 23 الى 27]

- ‌[سورة غافر (40): آية 28]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 29 الى 33]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 38 الى 44]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 47 الى 50]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 66 الى 68]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 69 الى 78]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 79 الى 81]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 82 الى 85]

- ‌[تفسير سورة فصلت]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 22 الى 25]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة فصلت (41): آية 44]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 52 الى 54]

الفصل: ‌[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10]

عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ فِي هَذَا الشِّعْرِ:

زُحَلٌ وثور تحت رجل يمينه

ووالنسر لِلْأُخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصَدُ

وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ ليلة

وحمراء يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ

لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رسلها

وإلا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ

قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا مَوْلَايَ أَتُجْلَدُ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا اضْطَرَّهُ الرَّوِيُّ إِلَى الْجَلْدِ لَكِنَّهَا تَخَافُ الْعِقَابَ. وَدَلَّ بِذِكْرِ الْمَطَالِعِ عَلَى الْمَغَارِبِ، فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْمَغَارِبَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ"[النحل: 81]. وَخَصَّ الْمَشَارِقَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ الشُّرُوقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ [الرَّحْمَنِ] " رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ" [الرحمن: 17] أَرَادَ بِالْمَشْرِقَيْنِ أَقْصَى مَطْلَعٍ تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ فِي الْأَيَّامِ الطِّوَالِ، وَأَقْصَرَ يَوْمٍ فِي الْأَيَّامِ الْقِصَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي" يس"«1» وَاللَّهُ أعلم.

[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10]

إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9) إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ" قَالَ قَتَادَةُ: خُلِقَتِ النُّجُومُ ثَلَاثًا، رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَنُورًا يُهْتَدَى بِهَا، وَزِينَةً لِسَمَاءِ الدُّنْيَا. وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ وَالْأَعْمَشُ وَالنَّخَعِيُّ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ" بِزِينَةٍ" مَخْفُوضٌ مُنَوَّنٌ" الْكَواكِبِ" خُفِضَ على البدل من" بِزِينَةٍ" لِأَنَّهَا هِيَ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ نَصَبَ" الْكَوَاكِبَ" بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ. وَالْمَعْنَى بِأَنْ زَيَّنَّا الْكَوَاكِبَ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا زَيَّنَّاهَا" بِزِينَةٍ" أَعْنِي" الْكَوَاكِبَ". وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ من زينة على الموضع.

(1). راجع ص 27 وما بعدها من هذا الجزء. [ ..... ]

ص: 64

وَيَجُوزُ" بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ" بِمَعْنَى أَنَّ زِينَتَهَا الْكَوَاكِبُ. أَوْ بِمَعْنَى هِيَ الْكَوَاكِبُ. الْبَاقُونَ" بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ" عَلَى الْإِضَافَةِ. وَالْمَعْنَى زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِ الْكَوَاكِبِ، أَيْ بِحُسْنِ الْكَوَاكِبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَقِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَ إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ التَّنْوِينَ استخفافا." وَحِفْظاً" مصدر أي حفظناها حفظنا." مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ" لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ، بَيَّنَ أَنَّهُ حَرَسَ السَّمَاءَ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بَعْدَ أَنْ زَيَّنَهَا بِالْكَوَاكِبِ. وَالْمَارِدُ: الْعَاتِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ شَيْطَانًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى " قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَيْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا ثُمَّ حُذِفَ" أَنْ" فَرُفِعَ الْفِعْلُ. الْمَلَأُ الْأَعْلَى: أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَمَا فَوْقَهَا، وَسُمِّيَ الْكُلُّ مِنْهُمْ أَعْلَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَلَإِ الْأَرْضَ. الضَّمِيرُ فِي" يَسَّمَّعُونَ" لِلشَّيَاطِينِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ" يَسْمَعُونَ" بِسُكُونِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ" لَا يَسَّمَّعُونَ" بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَالْمِيمِ مِنَ التَّسْمِيعِ. فَيَنْتَفِي عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى سَمَاعُهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ"[الشعراء: 212]. وَيَنْتَفِي عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأَخِيرَةِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمُ اسْتِمَاعٌ أَوْ سَمَاعٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَتَسَمَّعُونَ وَلَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ" قَالَ: هُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَتَسَمَّعُونَ. وَأَصْلُ" يَسَّمَّعُونَ" يَتَسَمَّعُونَ فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي السِّينِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَقُولُ: سَمِعْتُ إِلَيْهِ وَتَقُولُ تَسَمَّعْتُ إِلَيْهِ." وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ" أَيْ يُرْمَوْنَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، أَيْ بِالشُّهُبِ." دُحُوراً" مَصْدَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى" يُقْذَفُونَ" يُدْحَرُونَ. دَحَرْتُهُ دَحْرًا وَدُحُورًا أَيْ طَرَدْتُهُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ" دَحُورًا" بِفَتْحِ الدَّالِ يَكُونُ مَصْدَرًا عَلَى فَعُولَ. وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ قَدَّرَهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْفَاعِلِ. أَيْ وَيُقْذَفُونَ بِمَا يَدْحَرُهُمْ أَيْ بِدُحُورٍ ثُمَّ حَذَفَ الْبَاءَ، وَالْكُوفِيُّونَ يَسْتَعْمِلُونَ هذا كثير كما أنشدوا «1»:

تمرون الديار ولم تعوجوا

(1). الزيادة من اعراب القرآن للنحاس. والبيت لجرير وتمامه:

كلامكم على إذن حرام

ص: 65

وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ هَذَا الْقَذْفُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، أَوْ بَعْدَهُ لِأَجْلِ الْمَبْعَثِ، عَلَى قَوْلَيْنِ. وَجَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ ذِكْرِهَا فِي سُورَةِ" الْجِنِّ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا لَمْ تَكُنِ الشَّيَاطِينُ تُرْمَى بِالنُّجُومِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رُمِيَتْ، أَيْ لَمْ تَكُنْ تُرْمَى رَمْيًا يَقْطَعُهَا عَنِ السَّمْعِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُرْمَى وَقْتًا وَلَا تُرْمَى وَقْتًا، وَتُرْمَى مِنْ جَانِبٍ وَلَا تُرْمَى مِنْ جَانِبٍ. وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ" إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُقْذَفُونَ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الْجَوَانِبِ فَصَارُوا يُرْمَوْنَ وَاصِبًا. وَإِنَّمَا كَانُوا مِنْ قَبْلِ كَالْمُتَجَسِّسَةِ مِنَ الْإِنْسِ، يَبْلُغُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ حَاجَتَهُ وَلَا يَبْلُغُهَا غيره، ويزسلزم واحد ولا يزسلزم غَيْرُهُ، بَلْ يُقْبَضُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ وَيُنَكَّلُ. فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زِيدَ فِي حِفْظِ السَّمَاءِ، وَأُعِدَّتْ لَهُمْ شُهُبٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ، لِيُدْحَرُوا عَنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ السَّمَاءِ، وَلَا يُقِرُّوا فِي مَقْعَدٍ مِنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ مِنْهَا، فَصَارُوا لَا يَقْدِرُونَ على سماع شي مِمَّا يَجْرِي فِيهَا، إِلَّا أَنْ يَخْتَطِفَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِخِفَّةِ حَرَكَتِهِ خَطْفَةً، فَيَتْبَعُهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ فَيُلْقِيَهَا إِلَى إِخْوَانِهِ فَيُحْرِقُهُ، فَبَطَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْكِهَانَةُ وَحَصَلَتِ الرِّسَالَةُ وَالنُّبُوَّةُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَذْفَ إن كا ن لِأَجْلِ النُّبُوَّةِ فَلِمَ دَامَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ دَامَ بِدَوَامِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِبُطْلَانِ الْكِهَانَةِ فَقَالَ:" لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَكَهَّنَ" فَلَوْ لَمْ تُحْرَسْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَعَادَتِ الْجِنُّ إِلَى تَسَمُّعِهَا، وَعَادَتِ الْكِهَانَةُ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْحِرَاسَةِ عَنِ السَّمَاءِ إِذَا وَقَعَ لِأَجْلِ النُّبُوَّةِ فَعَادَتِ الْكِهَانَةُ دَخَلَتِ الشُّبْهَةُ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ الْكِهَانَةَ إِنَّمَا عَادَتْ لِتَنَاهِي النُّبُوَّةِ، فَصَحَّ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْضِي دَوَامَ الْحِرَاسَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَبَعْدَ أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَى كَرَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ." وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ" أَيْ دَائِمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدٌ. الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ: مُوجِعٌ، أَيِ الَّذِي يَصِلُ وَجَعُهُ إِلَى الْقَلْبِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَصَبِ وَهُوَ الْمَرَضُ" إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ" اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ:" وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ". وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِ

ص: 66

الْوَحْيِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ"[الشعراء: 212] فَيَسْتَرِقُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا يَتَفَاوَضُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ، مِمَّا سَيَكُونُ فِي الْعَالَمِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَهَذَا لِخِفَّةِ أَجْسَامِ الشَّيَاطِينِ فَيُرْجَمُونَ بِالشُّهُبِ حِينَئِذٍ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أحاديث صحاح، مضمونها أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَقْعُدُ لِلسَّمْعِ وَاحِدًا فَوْقَ وَاحِدٍ، فَيَتَقَدَّمُ الْأَجْسَرُ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ الْأَرْضِ، فَيَتَحَدَّثُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ فَيَسْمَعُهُ مِنْهُمُ الشَّيْطَانُ الْأَدْنَى، فَيُلْقِيهِ إِلَى الَّذِي تَحْتَهُ فَرُبَّمَا أَحْرَقَهُ شِهَابٌ، وَقَدْ أَلْقَى الْكَلَامَ، وَرُبَّمَا لَمْ يُحْرِقْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. فَتَنْزِلُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ، وَتَصْدُقُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فَيُصَدِّقُ الْجَاهِلُونَ الْجَمِيعَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي [الْأَنْعَامِ «1»]. فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ حُرِسَتِ السَّمَاءُ بِشِدَّةٍ، فَلَا يُفْلِتُ شَيْطَانٌ سَمِعَ بَتَّةً. وَالْكَوَاكِبُ الرَّاجِمَةُ هِيَ الَّتِي يَرَاهَا النَّاسُ تَنْقَضُّ. قَالَ النَّقَّاشُ وَمَكِّيٌّ: وَلَيْسَتْ بِالْكَوَاكِبِ الْجَارِيَةِ فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّ تِلْكَ لَا تُرَى حَرَكَتُهَا، وَهَذِهِ الرَّاجِمَةُ تُرَى حَرَكَتُهَا، لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَّا. وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ فِي سُورَةِ" الْحِجْرِ" «2» مِنَ الْبَيَانِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَذَكَرْنَا فِي" سَبَأٍ" «3» حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِيهِ" وَالشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ" وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" وَيَخْتَطِفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُرْمَوْنَ فَيَقْذِفُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَزِيدُونَ". قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْخَطْفُ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ «4» خَطَفَ وَخَطِفَ وَخَطَّفَ وَخِطَّفَ. وَالْأَصْلُ فِي الْمُشَدَّدَاتِ اخْتَطَفَ فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الطَّاءِ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا، وَفُتِحَتِ الْخَاءُ، لِأَنَّ حَرَكَةَ التَّاءِ أُلْقِيَتْ عَلَيْهَا. وَمَنْ كَسَرَهَا فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَمَنْ كَسَرَ الطَّاءَ أَتْبَعَ الْكَسْرَ الْكَسْرَ." فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ" أَيْ مُضِيءٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَوَاكِبُ النَّارِ تَتْبَعُهُمْ حَتَّى تُسْقِطَهُمْ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الشُّهُبِ: تُحْرِقُهُمْ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ. وَلَيْسَتِ الشُّهُبُ التي يرجم الناس بها

(1). راجع ج 7 ص 3 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.

(2)

. راجع ج 10 ص 10 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.

(3)

. راجع 14 ص 296 طبعه أولى أو ثانيه.

(4)

. زيادة يقتضيها السياق، ويدل عليها ما في إعراب القرآن للنحاس.

ص: 67