المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١٥

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة يس

- ‌[سورة يس (36): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 9 الى 11]

- ‌[سورة يس (36): آية 12]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 20 الى 29]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة يس (36): آية 39]

- ‌[سورة يس (36): آية 40]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 45 الى 50]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 74 الى 76]

- ‌[سورة يس (36): آية 77]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 78 الى 79]

- ‌[سورة يس (36): الآيات 80 الى 83]

- ‌[تفسير سورة الصافات]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 18 الى 21]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 22 الى 35]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 36 الى 40]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 41 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 50 الى 61]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 62 الى 68]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 69 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 75 الى 82]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 83 الى 90]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 97 الى 98]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 102 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 114 الى 122]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 123 الى 132]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 133 الى 138]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 139 الى 144]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 145 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 149 الى 157]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 158 الى 160]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 165 الى 166]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 167 الى 170]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 171 الى 179]

- ‌[سورة الصافات (37): الآيات 180 الى 182]

- ‌[تفسير سورة ص]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة ص (38): آية 17]

- ‌[سورة ص (38): آية 18]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 19 الى 20]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة ص (38): آية 26]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 41 الى 43]

- ‌[سورة ص (38): آية 44]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 45 الى 47]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 48 الى 54]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 55 الى 61]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 62 الى 64]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 65 الى 70]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 71 الى 74]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 75 الى 83]

- ‌[سورة ص (38): الآيات 84 الى 88]

- ‌[تفسير سورة الزمر]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 7]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 10]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 19]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 20]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 21]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 22]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 23]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 24 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 29]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 32 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الزمر (39): آية 42]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 46 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 53 الى 59]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 60 الى 64]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 67 الى 68]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39): الآيات 73 الى 75]

- ‌[تفسير سورة غافر]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 5 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 10 الى 12]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 13 الى 17]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 18 الى 22]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 23 الى 27]

- ‌[سورة غافر (40): آية 28]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 29 الى 33]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 34 الى 35]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 38 الى 44]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 47 الى 50]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 51 الى 54]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 60 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 66 الى 68]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 69 الى 78]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 79 الى 81]

- ‌[سورة غافر (40): الآيات 82 الى 85]

- ‌[تفسير سورة فصلت]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 22 الى 25]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 40 الى 43]

- ‌[سورة فصلت (41): آية 44]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 49 الى 51]

- ‌[سورة فصلت (41): الآيات 52 الى 54]

الفصل: ‌[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3]

الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ" أَيِ الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْحِيدَ وَالرِّسَالَةَ. وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَقِيلَ: مَعْنَى" وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ" أَيْ أَمْنٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ." وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" أَيْ عَلَى إِرْسَالِ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَقِيلَ: أَيْ عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَقِيلَ: أَيْ عَلَى هَلَاكِ الْمُشْرِكِينَ، دَلِيلُهُ:" فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ." [الأنعام: 45]. قُلْتُ: وَالْكُلُّ مُرَادٌ وَالْحَمْدُ يَعُمُّ. وَمَعْنَى" يَصِفُونَ" يَكْذِبُونَ، وَالتَّقْدِيرُ عَمَّا يَصِفُونَ مِنَ الْكَذِبِ. تَمَّ تفسير سورة الصافات.

[تفسير سورة ص]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ ص مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ سِتٌّ وَثَمَانُونَ آيَةً. وَقِيلَ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً.

[سورة ص (38): الآيات 1 الى 3]

بسم الله الرحمن الرحيم

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" ص" قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" ص" بِجَزْمِ الدَّالِ عَلَى الْوَقْفِ، لِأَنَّهُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ مِثْلَ:" الم" وَ" المر". وقرا أبي بن عب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر ابن عَاصِمٍ" صَادِ" بِكَسْرِ الدَّالِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وَلِقِرَاءَتِهِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ صَادَى يُصَادِي إِذَا عارض، ومنه" فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى" [عبس: 6] أَيْ تَعَرَّضُ. وَالْمُصَادَاةُ الْمُعَارَضَةُ، وَمِنْهُ الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِضُ الصَّوْتَ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ. فَالْمَعْنَى صَادِ الْقُرْآنَ بِعَمَلِكَ، أَيْ عَارِضْهُ بِعَمَلِكَ وَقَابِلْهُ بِهِ، فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ، وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيهِ. النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِ قِرَاءَتَهُ رِوَايَةً صَحِيحَةً. وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى اتْلُهُ وَتَعَرَّضْ لِقِرَاءَتِهِ. وَالْمَذْهَبُ

ص: 142

الْآخَرُ أَنْ تَكُونَ الدَّالُ مَكْسُورَةً لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ" صَادَ" بِفَتْحِ الدَّالِ مِثْلَهُ:" قَافَ" وَ" نُونَ" بِفَتْحِ آخِرهَا. وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهُنَّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اتْلُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فُتِحَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَارَ الْفَتْحَ لِلْإِتْبَاعِ، وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ الْحَرَكَاتِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْقَسَمِ بِغَيْرِ حَرْفٍ، كَقَوْلِكَ: اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَادَ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ الْخَلْقِ وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آمَنُوا بِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا" صَادٍ" بِكَسْرِ الدَّالِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَخْفُوضًا عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَجَازَ مِثْلَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَرَأَ هَارُونُ الْأَعْوَرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ:" صَادُ" وَ" قَافُ" وَ" نُونُ" بِضَمِّ آخِرِهِنَّ: لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِالْبِنَاءِ فِي غَالِبِ الْحَالِ، نَحْو مُنْذُ وَقَطُّ وَقَبْلُ وَبَعْدُ. وَ" ص" إِذَا جَعَلْتَهُ اسْمًا لِلسُّورَةِ لَمْ ينصرف، كما أنك إدا سَمَّيْتَ مُؤَنَّثًا بِمُذَكَّرٍ لَا يَنْصَرِفُ وَإِنْ قَلَّتْ حُرُوفُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ سُئِلَا عَنْ" ص" فَقَالَا: لَا نَدْرِي مَا هِيَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ" ص" فَقَالَ:" ص" كَانَ بَحْرًا بِمَكَّةَ وَكَانَ عَلَيْهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ إِذْ لَا لَيْلَ وَلَا نَهَارَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:" ص" بَحْرٌ يُحْيِي اللَّهُ به الموتى بين النفختين. قال الضَّحَّاكُ: مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهُ. وَعَنْهُ أَنَّ" ص" قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ مِفْتَاحُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى صَمَدٌ وَصَانِعُ الْمَصْنُوعَاتِ وَصَادِقُ الْوَعْدِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ فَاتِحَةُ السُّورَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُ هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ"«1» . قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْقُرْآنِ" خُفِضَ بِوَاوِ الْقَسَمِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ، أَقْسَمَ بِالْقُرْآنِ تَنْبِيهًا عَلَى جلالة قدره، فإن فيه بيان كل شي، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم." ذِي الذِّكْرِ" خُفِضَ عَلَى النَّعْتِ وَعَلَامَةُ خَفْضِهِ الْيَاءُ، وَهُوَ اسْمٌ مُعْتَلٌّ وَالْأَصْلُ فِيهِ ذَوَى عَلَى فَعَلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمُقَاتِلٌ مَعْنَى" ذِي الذِّكْرِ" ذِي الْبَيَانِ. الضحاك:

(1). راجع ج 1 ص 155 طبعه ثانيه أو ثالثه.

ص: 143

ذِي الشَّرَفِ أَيْ مَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ شَرَفًا لَهُ فِي الدَّارَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ"[الأنبياء: 10] أَيْ شَرَفُكُمْ. وَأَيْضًا الْقُرْآنُ شَرِيفٌ فِي نَفْسِهِ لِإِعْجَازِهِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقِيلَ:" ذِي الذِّكْرِ" أَيْ فِيهِ ذِكْرُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ. وَقِيلَ:" ذِي الذِّكْرِ" أَيْ فِيهِ ذِكْرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَتَمْجِيدُهُ. وَقِيلَ: أَيْ ذِي الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرِ. وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَوْجُهٍ: فَقِيلَ جَوَابُ الْقَسَمِ" ص"، لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَقٌّ فَهِيَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ:" وَالْقُرْآنِ" كَمَا تَقُولُ: حَقًّا وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ، وَجَبَ وَاللَّهِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى قَوْلِهِ:" وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ" حَسَنًا، وَعَلَى" فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ" تَمَامًا. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَحَكَى مَعْنَاهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ" بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ" لِأَنَّ" بَلْ" نَفْيٌ لِأَمْرٍ سَبَقَ وَإِثْبَاتٌ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ الْقُتَبِيُّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:" وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ" عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَعَدَاوَةٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. أَوْ" وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ" مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَكَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ بَلْ هُمْ فِي تَكَبُّرٍ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ. بَلْ عَجِبُوا"[ق: 2]. وقيل: الجواب" وَكَمْ أَهْلَكْنا"[ق: 36] كَأَنَّهُ قَالَ: وَالْقُرْآنِ لَكَمْ أَهْلَكْنَا، فَلَمَّا تَأَخَّرَتْ" كَمْ" حُذِفَتِ اللَّامُ مِنْهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَالشَّمْسِ وَضُحاها"[الشمس: 1] ثم قال:" قَدْ أَفْلَحَ"[الشمس: 9] أَيْ لَقَدْ أَفْلَحَ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ". وَقَالَ الْأَخْفَشُ: جَوَابُ الْقَسَمِ" إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ" وَنَحْو مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ"[الشعراء: 97] وَقَوْلُهُ:" وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ" إِلَى قَوْلِهِ" إِنْ كُلُّ نَفْسٍ"[الطارق: 4 - 1]. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَثُرَتِ الْآيَاتُ وَالْقَصَصُ. وَقَالَ الكسائي: جواب القسم قول:" إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ"[ص: 64]. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا أَقْبَحُ مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ أَشَدُّ طُولًا فِيمَا بَيْنَ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ. وَقِيلَ الْجَوَابُ قَوْلُهُ:" إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ"[ص: 54]. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ" وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ" لَتُبْعَثُنَّ وَنَحْوَهُ.

ص: 144

قَوْلُهُ تَعَالَى:" بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ" أي تَكَبُّرٍ وَامْتِنَاعٍ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ:" وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ"[البقرة: 206] وَالْعِزَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْغَلَبَةُ وَالْقَهْرُ. يُقَالُ: مَنْ عَزَّ بَزَّ، يَعْنِي مَنْ غَلَبَ سَلَبَ. وَمِنْهُ:" وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ"[ص: 23] أَرَادَ غَلَبَنِي. وَقَالَ جَرِيرٌ:

يَعُزُّ عَلَى الطَّرِيقِ بمنكبيه

وكما ابترك الخليع على القداح «1»

أراد يغلب." وَشِقَاقٍ" أَيْ فِي إِظْهَارِ خِلَافٍ وَمُبَايَنَةٍ. وَهُوَ مِنَ الشِّقِّ كَأَنَّ هَذَا فِي شِقٍّ وَذَلِكَ فِي شِقٍّ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ"«2» مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ تَعَالَى:" كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ" أَيْ قَوْمٌ كَانُوا أَمْنَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَ" كَمْ" لَفْظَةُ التَّكْثِيرِ" فَنادَوْا" أَيْ بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالتَّوْبَةِ. وَالنِّدَاءُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ:" أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا" أَيْ أَرْفَعُ." وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" قَالَ الْحَسَنُ: نَادَوْا بِالتَّوْبَةِ وَلَيْسَ حِينَ التَّوْبَةِ وَلَا حِينَ يَنْفَعُ الْعَمَلُ. النَّحَّاسُ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عز وجل:" وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" فَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَرَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" قَالَ: لَيْسَ بِحِينِ نَزْوٍ «3» وَلَا فِرَارٍ، قَالَ: ضَبْطُ الْقَوْمِ جَمِيعًا قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا إِذَا قَاتَلُوا فَاضْطُرُّوا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَنَاصَ، أَيْ عَلَيْكُمْ بِالْفِرَارِ وَالْهَزِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ قَالُوا مَنَاصَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:" وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ، فَنَادَوْا مَنَاصَ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، أَيْ لَيْسَ الْوَقْتُ وَقْتَ مَا تُنَادُونَ بِهِ. وَفِي هَذَا نَوْعُ تَحَكُّمٍ، إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْقُرُونِ كَانُوا يَقُولُونَ مَنَاصَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ. وقيل: المعنى" وَلاتَ حِينَ مَناصٍ" أي لإخلاص وَهُوَ نَصْبٌ بِوُقُوعِ لَا عَلَيْهِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى عَلَى هَذَا للواو في" وَلاتَ حِينَ مَناصٍ"

(1). البيت في وصف جمل، يقول: يغلب هذا الجمل الإبل على لزوم الطريق، فشبه حرصه على لزوم الطريق، وإلحاحه على السير بحرص هذا الخليع على الضرب بالقداح لعله يسترجع بعض ما ذهب من ماله. والخليع المخلوع المقمور ماله.

(2)

. راجع ج 2 ص 143 طبعه ثانية.

(3)

. النزو: ضرب من العدو.

ص: 145

وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: أَيْ فَنَادَوْا حِينَ لَا مَنَاصَ، أَيْ سَاعَةٌ لَا مَنْجَى وَلَا فَوْتَ. فَلَمَّا قَدَّمَ" لَا" وَأَخَّرَ" حِينَ" اقْتَضَى ذَلِكَ الْوَاوَ، كَمَا يَقْتَضِي الْحَالَ إِذَا جُعِلَ ابْتِدَاءً وَخَبَرًا، مِثْلَ قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا، فَإِذَا جَعَلْتَهُ مبتدأ وخبر اقْتَضَى الْوَاوَ مِثْلَ جَاءَنِي زَيْدٌ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَحِينَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: فَنادَوْا". وَالْمَنَاصُ بِمَعْنَى التَّأَخُّرِ وَالْفِرَارِ وَالْخَلَاصِ، أَيْ نَادَوْا لِطَلَبِ الْخَلَاصِ فِي وَقْتٍ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ خَلَاصٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ:

أَمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ «1»

يُقَالُ: نَاصَ عَنْ قَرْنِهِ يَنُوصُ نَوْصًا وَمَنَاصًا أَيْ فَرَّ وَزَاغَ. النَّحَّاسُ: وَيُقَالُ: نَاصَ يَنُوصُ إِذَا تَقَدَّمَ. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَالنَّوْصُ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ. وَاسْتَنَاصَ أَيْ تَأَخَّرَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَتَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي" وَلاتَ حِينَ" وَفِي الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَكَثَّرَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا يَسِيرًا مَرْدُودٌ. فَقَالَ سِيبَوَيْهِ:" لَاتَ" مُشَبَّهَةٌ بِلَيْسَ وَالِاسْمُ فِيهَا مُضْمَرٌ، أَيْ لَيْسَتْ أَحْيَانُنَا حِينَ مَنَاصٍ. وَحَكَى أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ بِهَا فَيَقُولُ: وَلَاتَ حِينُ مَنَاصٍ. وَحَكَى أَنَّ الرَّفْعَ قَلِيلٌ وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا كَمَا كَانَ الِاسْمُ مَحْذُوفًا فِي النصب، أي ولات حين مناص لنا. وا لقف عَلَيْهَا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاءِ" وَلاتَ" بِالتَّاءِ ثُمَّ تَبْتَدِئُ" حِينَ مَناصٍ" هُوَ قَوْلُ ابْنُ كَيْسَانَ وَالزَّجَّاجُ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ: وَالْقَوْلُ كما قال سيبويه، لأن شَبَهَهَا بِلَيْسَ فَكَمَا يُقَالُ لَيْسَتْ يُقَالُ لَاتَ. وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْكِسَائِيِّ بِالْهَاءِ وَلَاهٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ. وَحَكَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْهَاءُ لِتَأْنِيثِ الْكَلِمَةِ، كَمَا يُقَالُ ثُمَّهْ وَرُبَّهْ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ ثمت بعني ثُمَّ، وَرُبَّتْ بِمَعْنَى رُبَّ، فَكَأَنَّهُمْ زَادُوا فِي لَا هَاءً فَقَالُوا لَاهْ، كَمَا قَالُوا فِي ثُمَّهْ عِنْدَ الْوَصْلِ صَارَتْ تَاءً. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَ" لَاتَ حِينَ" مَفْتُوحَتَانِ كأنهما

(1). تمامه:

فتقصر عنها خطوة وتبوص

والبوص بالباء الموحدة التقدم.

ص: 146

كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ" لَا" زِيدَتْ فِيهَا التَّاءَ نَحْو رُبَّ وَرُبَّتْ، وَثُمَّ وَثُمَّتْ. قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانِ

وفأجبنا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ

وَقَالَ آخَرُ:

تَذَكَّرَ حب ليلى لات حينا

ووأمسى الشيب فقطع الْقَرِينَا

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ بِهَا، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

فَلَتَعْرِفَنَّ خَلَائِقًا مَشْمُولَةً

وَلَتَنْدَمَنَّ وَلَاتَ سَاعةِ مَنْدَمِ

وَكَانَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ" وَلَاتَ حِينَ" التَّاءَ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ حِينَ، وَيَقُولُونَ مَعْنَاهَا وَلَيْسَتْ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَصَاحِفِ الْجُدُدِ وَالْعُتُقِ بِقَطْعِ التَّاءِ مِنْ حِينَ. وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ ابن سَلَّامٍ: الْوَقْفُ عِنْدِي عَلَى هَذَا الْحَرْفِ" وَلَا" وَالِابْتِدَاءُ" تَحِينَ مَنَاصٍ" فَتَكُونُ التَّاءُ مَعَ حِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" لاتَ" ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ:" حِينَ مَناصٍ". قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ التَّاءَ فِي الْمُصْحَفِ مُتَّصِلَةٌ بِحِينَ وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ. وَمِنْ حُجَّةُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَجِدِ الْعَرَبَ تَزِيدُ هَذِهِ التَّاءَ إِلَّا فِي حِينَ وَأَوَانَ وَالْآنَ، وَأَنْشَدَ لِأَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ

العاطفون تحين ما من عاطف

ووالمطعمون زمان ابن الْمَطْعَمُ

وَأَنْشَدَ لِأَبِي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانِ

فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ

فَأَدْخَلَ التَّاءَ فِي أَوَانِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنْ إِدْخَالِهِمُ التَّاءَ فِي الْآنِ، حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَذَكَرَ مَنَاقِبَهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَا تَلَانَ مَعَكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :

نُوَلِّي قَبْلَ نَأْيِ دَارِي جُمَانَا

وَصِلِينَا كَمَا زعمت تلانا

(1). هو جميل بن معمر وبعده:

إن خير الموصلين صفا

- من يوافي خليله حيث كانا.

ص: 147

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ إِنِّي تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ فِي الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ- مُصْحَفُ عُثْمَانَ- فَوَجَدْتُ التَّاءَ مُتَّصِلَةً مَعَ حِينَ قَدْ كُتِبَتْ تَحِينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: أَمَّا الْبَيْتُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَنْشَدَهُ لِأَبِي وجزة فر واه الْعُلَمَاءُ بِاللُّغَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، كُلِّهَا عَلَى خِلَافِ مَا أَنْشَدَهُ، وَفِي أَحَدِهَا تَقْدِيرَانِ، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ

الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ ما من عاطف

والرو آية الثَّانِيَةُ:

الْعَاطِفُونَ وَلَاتَ حِينَ تَعَاطُفٍ

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ رَوَاهَا ابْنُ كَيْسَانَ

الْعَاطِفُونَةَ حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ

جَعَلَهَا هَاءً فِي الْوَقْفِ وَتَاءً فِي الْإِدْرَاجِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ شُبِّهَتْ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ. الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ

الْعَاطِفُونَهُ حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ

وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَقْدِيرَانِ، أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْهَاءَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، كَمَا تَقُولُ: الضَّارِبُونَ زَيْدًا فَإِذَا كَنَّيْتَ قُلْتَ الضَّارِبُوهُ. وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ فِي الشِّعْرِ الضَّارِبُونَهُ، فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ بِالتَّأْنِيثِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ في إجازته مثله. والتقدير الآخر العاطفون عَلَى أَنَّ الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ، كَمَا تَقُولُ: مَرَّ بِنَا الْمُسْلِمُونَهْ فِي الْوَقْفِ، ثُمَّ أُجْرِيَتْ فِي الْوَصْلِ مَجْرَاهَا فِي الْوَقْفِ، كَمَا قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ:" مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ"[الحاقة: 29 - 28] وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ:(وَلَاتَ أَوَانِ) غَيْرَ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مُشْكِلًا، لِأَنَّهُ يُرْوَى (وَلَاتَ أَوَانٍ) بِالْخَفْضِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مَا بَعْدَ لَاتَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا. وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ" وَلَاتِ حِينِ مَنَاصٍ" بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ لَاتَ وَالنُّونِ مِنْ حِينٍ فَإِنَّ الثَّبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ" وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ" «1» فَبَنَى" لَاتِ" عَلَى الْكَسْرِ وَنَصَبَ" حين". فأما:(ولات أوان) فقيه تقديران، قال الأخفش: فيه مضمر أي ولا ت حين أوان.

(1). الزيادة من إعراب القرآن للنحاس. [ ..... ]

ص: 148