الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعذب بخت نصر وَحُوِّلَ «1» فِي السِّبَاعِ سَبْعَ سِنِينَ. ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ. وَقِيلَ: عَشْرَ سِنِينَ. وَقِيلَ: ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً. رَوَاهُ أَنَسٌ مَرْفُوعًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: قُلْتُ: وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوبَ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَلَاءَ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ بِهِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ" تَقَدَّمَ فِي" الْأَنْبِيَاءِ"«2» الْكَلَامُ فِيهِ." رَحْمَةً مِنَّا" أَيْ نِعْمَةً مِنَّا." وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ" أي عبرة لذوي العقول.
[سورة ص (38): آية 44]
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- كَانَ أَيُّوبُ حَلَفَ فِي مَرَضِهِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَفِي سَبَبِ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ إِبْلِيسَ لَقِيَهَا فِي صُورَةِ طَبِيبٍ فَدَعَتْهُ لِمُدَاوَاةِ أَيُّوبَ، فَقَالَ أُدَاوِيهِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَرِئَ قَالَ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، لَا أُرِيدُ جَزَاءً سِوَاهُ. قَالَتْ: نَعَمْ فَأَشَارَتْ عَلَى أَيُّوبَ بِذَلِكَ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا. وَقَالَ: وَيْحَكِ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ. الثَّانِي- مَا حَكَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا كَانَتْ تَأْتِيهِ مِنَ الْخُبْزِ، فَخَافَ خِيَانَتَهَا فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا. الثَّالِثُ- مَا حَكَاهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الشَّيْطَانَ أَغْوَاهَا أَنْ تَحْمِلَ أَيُّوبَ عَلَى أَنْ يَذْبَحَ سَخْلَةً تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَأَنَّهُ يَبْرَأُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا إِنْ عُوفِيَ مِائَةً. [الرَّابِعُ [قِيلَ: بَاعَتْ ذَوَائِبَهَا بِرَغِيفَيْنِ إِذْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَحْمِلُهُ إِلَى أَيُّوبَ، وَكَانَ أَيُّوبُ يَتَعَلَّقُ بِهَا إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ، فَلِهَذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا، فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يأخذ ضغثا فيضرب به،
(1). حول بمعنى مسخ، راجع قصة دانيال في قصص الأنبياء للثعلبي.
(2)
. راجع ج 11 ص 323 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.
فَأَخَذَ شَمَارِيخَ قَدْرَ مِائَةٍ فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: الضِّغْثُ قَبْضَةُ حَشِيشٍ مُخْتَلِطَةُ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ إِثْكَالُ النَّخْلِ الْجَامِعِ بِشَمَارِيخِهِ. الثَّانِيَةُ- تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ ضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ تَأْدِيبًا. وَذَلِكَ أَنَّ امْرَأَةَ أَيُّوبَ أَخْطَأَتْ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَهَا بِعُثْكُولٍ مِنْ عَثَاكِيلِ النَّخْلِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ. إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَوْقَ حَدِّ الْأَدَبِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَوْقَ حَدِّ الْأَدَبِ، وَلِهَذَا قَالَ عليه السلام:" وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي" النِّسَاءِ"«1» بَيَانُهُ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هذا الحكم هل هو عام أو خاص بِأَيُّوبَ وَحْدَهُ، فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ عَامٌّ لِلنَّاسِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَحُكِيَ عَنِ الْقُشَيْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَيُّوبَ. وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ بَاقٍ، وَأَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ بِمِائَةِ قَضِيبٍ وَنَحْوَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَرَّ. وَرَوَى نَحْوَهُ الشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُقْعَدِ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ الْوَلِيدَةُ، وَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ بِعُثْكُولٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ لِعَطَاءٍ هَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الْيَوْمِ؟ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ إِلَّا لِيُعْمَلَ بِهِ وَيُتَّبَعَ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا لِأَيُّوبَ خَاصَّةٌ. وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَبَرَّ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: يُرِيدُ مَالِكٌ قَوْلُهُ تَعَالَى:" لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً"[المائدة: 48] أَيْ إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَتِنَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً. وَأَنْكَرَ مَالِكٌ هَذَا وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل:" فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ"[النور: 2] وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ بِحَدِيثٍ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال: أخبرني
(1). راجع ج 5 ص 172 وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.
أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى، فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ، لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا مِائَةَ جَلْدَةٍ، أَوْ ضَرْبًا وَلَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ يَكْفِيهِ مِثْلُ هَذَا الضَّرْبِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَلَا يَحْنَثُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا فَهُوَ بَارٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الضَّرْبُ إِلَّا الضَّرْبَ الَّذِي يُؤْلِمُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَحْنَثْ" دَلِيلٌ عَلَى أن الاستثناء في اليمين لا يرفع حكمها إِذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا. وَقَدْ مَضَى، الْقَوْلُ فِيهِ فِي [الْمَائِدَةِ «1»] يُقَالُ: حَنِثَ فِي يَمِينِهِ يَحْنَثُ إِذَا لَمْ يَبَرَّ بِهَا. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ الْوَاوُ مُقْحَمَةٌ أَيْ فَاضْرِبْ لَا تَحْنَثْ. الْخَامِسَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ" يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبَرُّ وَالْحِنْثُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ نَذْرٌ لَا يَمِينَ وَإِذَا كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي كُلِّ نَذْرٍ كَفَّارَةٌ. قُلْتُ: قَوْلُهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ أَيُّوبَ عليه السلام لَمَّا بَقِيَ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: لَقَدْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا مَا أَظُنُّ أَحَدًا بَلَغَهُ. فَقَالَ أَيُّوبُ صلى الله عليه وسلم: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، غَيْرَ أَنَّ ربي
(1). راجع ج 6 ص 272 وما بعدها طبعه أولى أو ثانية
عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ فَكُلٌّ يَحْلِفُ بِاللَّهِ، أَوْ عَلَى النَّفَرِ يَتَزَاعَمُونَ فَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأُكَفِّرُ عَنْ أَيْمَانِهِمْ إِرَادَةً أَلَّا يَأْثَمَ أَحَدٌ يَذْكُرُهُ وَلَا يَذْكُرُهُ إِلَّا بِحَقٍّ «1» فَنَادَى رَبَّهُ" أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" [الأنبياء: 83] وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَدْ أَفَادَكَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ كَانَتْ مِنْ شَرْعِ أَيُّوبَ، وَأَنَّ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَقَدْ قَامَ بِالْوَاجِبِ عَنْهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ. السَّادِسَةُ- اسْتَدَلَّ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَطَغَامِ الْمُتَصَوِّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ:" ارْكُضْ بِرِجْلِكَ" عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ. قَالَ أبو الفرج الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَارِدٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْلِ فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شبهة، وإنما أمر بضرب الرحل لِيَنْبُعَ الْمَاءُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَيْنَ الدَّلَالَةُ فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْدَ كَشْفِ الْبَلَاءِ بِأَنْ يَضْرِبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ إِعْجَازًا مِنَ الرقص، ولين جاز أن يكون تحريك رجل قد انحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِمُوسَى:" اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ" دَلَالَةً عَلَى ضَرْبِ الْمُحَادِّ «2» بِالْقُضْبَانِ! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ التَّلَاعُبِ بِالشَّرْعِ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لعلى:" أنت منى وأنا منك" فجعل. وقال الجعفر: أشبهت خلقي وخلقي" فجعل. وقال لزيد:" أنت أخونا ومولانا" فجعل. وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَةَ زَفَنَتْ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ. وَالْجَوَابُ- أما العجل فهو نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ الْفَرَحِ فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْصُ، وَكَذَلِكَ زفن الحبشة نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْحَرْبِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً" أَيْ عَلَى الْبَلَاءِ." نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" أَيْ تَوَّابٌ رَجَّاعٌ مُطِيعٌ. وسيل سُفْيَانُ عَنْ عَبْدَيْنِ ابْتُلِيَ أَحَدُهُمَا فَصَبَرَ، وَأُنْعِمَ عَلَى الْآخَرِ فَشَكَرَ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عَبْدَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَابِرٌ وَالْآخَرُ شَاكِرٌ ثَنَاءً وَاحِدًا، فَقَالَ فِي وَصْفِ أَيُّوبَ:" نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" وَقَالَ فِي وصف سليمان:" نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ".
(1). في نسخة الا نحن.
(2)
. كذا في الأصل وفى بعض النسخ" بالمخاد" بالخاء المعجمة. [ ..... ]
قُلْتُ: وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَيُّوبَ فِي تَفْضِيلِ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا شَيَّدَ بِهِ كَلَامَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ" مَنْهَجِ الْعِبَادِ وَمَحَجَّةِ السَّالِكِينَ وَالزُّهَّادِ". وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَيُّوبَ عليه السلام كَانَ أَحَدَ الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ الْبَلَاءِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا ابْتُلِيَ بِذَهَابِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَعَظِيمِ الدَّاءِ فِي جَسَدِهِ. وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ صَبَرُوا عَلَى مَا بِهِ امْتُحِنُوا وَفُتِنُوا. فَأَيُّوبُ عليه السلام دَخَلَ فِي الْبَلَاءِ عَلَى صِفَةٍ، فَخَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ، وَمَا تَغَيَّرَ مِنْهُ حَالٌ وَلَا مَقَالٌ، فَقَدِ اجْتَمَعَ «1» مَعَ أَيُّوبَ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَفْضُلُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ وَالْفَقِيرُ الصَّابِرُ سَوَاءً. وَهُوَ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنُ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" أَنَّ أَيُّوبَ خَرَجَ لِمَا كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ حَاجَتِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:" ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ" فَاغْتَسَلَ فَأَعَادَ اللَّهُ لَحْمَهُ وَشَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ ثُمَّ شَرِبَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ كُلَّ مَا كَانَ فِي جَوْفِهِ مِنْ أَلَمٍ أَوْ ضَعْفٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ أَبْيَضَيْنِ فَائْتَزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى مَنْزِلِهِ وَرَاثَ «2» عَلَى امْرَأَتِهِ فَأَقْبَلَتْ حَتَّى لَقِيَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْرِفُهُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هَلْ رَأَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ الْمُبْتَلَى؟ قَالَ مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ نَبِيُّ اللَّهِ أَيُّوبُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا. قَالَ فَإِنِّي أَيُّوبُ وَأَخَذَ ضِغْثًا فَضَرَبَهَا بِهِ" فَزَعَمَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ ذَلِكَ الضِّغْثَ كَانَ ثُمَامًا «3» . وَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ حَتَّى سَجَلَتْ «4» فِي أَنْدَرِ «5» قَمْحِهِ ذَهَبًا حَتَّى امْتَلَأَ، وَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنْدَرِ شَعِيرِهِ وَقَطَّانِيهِ «6» فَسَجَلَتْ فِيهِ وَرِقًا حَتَّى امتلأ.
(1). الضمير يعود على سليمان عليه السلام.
(2)
. راث: أبطأ.
(3)
. التمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص.
(4)
. السحل الانصباب المتواصل.
(5)
. الأندر: الموضع الذي يدرس فيه القمح وغيره.
(6)
. القطاني: الحبوب التي تدخر كالمحص والعدس واللوبيا وما شاكلها. قوله تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ