الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويستهزئون بهم ويحرضون عليهم سفهاءهم وغلمانهم.
وهم الذين قال الله فيهم: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ» .
وروى أن علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه جاء فى نفر من المسلمين فرآه بعض هؤلاء الكفار فسخروا منه وممن معه وضحكوا منهم وتغامزوا بهم، ثم رجعوا إلى بقية شيعتهم من أهل الشرك فحدثوهم بما صنعوا به وبأصحابه.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) أي إن المعتدين الأئمة الذين ضريت نفوسهم على الشر، وصمّت آذانهم عن سماع دعوة الحق- كانوا فى الدنيا يضحكون من الذين آمنوا.
ذاك أنه حين رحم الله العالم ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم كان كبار القوم وعرفاؤهم على رأى الدهماء من عبادة الأوثان والأصنام، وكانت دعوة الحق خافتة لا يرتفع بها إلا صوته عليه الصلاة والسلام، ثم يهمس بها بعض من يلبى دعوته من الضعفاء فيسرّ بها إلى من يرجو الخير فيه ولا يستطيع الجهر بها لمن يخافه.
ومن شأن القوى المعتزّ بقوته وكثرة ماله وعزة نفره أن يضحك ممن يخالفه فى المنزع ويدعوه إلى غير ما يعرف، كما كان ذلك شأن جماعة من قريش كأبى جهل وشيعته، وأمثالهم كثيرون فى كل زمان ومكان، متى عمت البدع وخفى طريق الحق، وتحكمت الشهوات، وذهب الناقص يستكمل ما نقص منه بتنقيص الكامل، وإذا صار الناس إلى هذه الحال، ضعف صوت الحق، وازدرى السامعون منهم، بالداعي إليه.
(وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ)
أي وإذا مر المؤمنون بهم يعيبونهم ويذكرونهم بالسوء، ويشيرون إليهم مستهزئين.
(وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أي وإذا رجعوا إلى ذوى قرابتهم وبنى جلدتهم وأشياعهم من أهل الشرك والضلالة- رجعوا معجبين بما فعلوا من العيب على أهل الإيمان ورميهم بالسّخف وقلة العقل، ويقولون: عجبا لهم، إذ يقولون لا تدعوا إلا إلها واحدا، ولا تتوجهوا بالطلب إلا إليه، فأين الأولياء والشفعاء، فكم ضرّوا وكم نفعوا- إلى نحو ذلك مما يتندرون به ويعدونه فكاهة ويتلذذون بحكايته.
(وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) أي وإذا رأوا المؤمنين قالوا إن هؤلاء لضالون، إذ نبذوا ما عليه الكافة، وذهبوا يعيبون العقائد الموروثة والمناسك التي نقلها الخلف عن السلف، كابرا عن كابر، وجيلا بعد جيل.
فرد سبحانه على هؤلاء الكفار فقال:
(وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) أي إن الله لم يرسل الكفار رقباء على المؤمنين، ولم يؤتهم سلطة محاسبتهم على أفعالهم، وتعريف باطلها من صحيحها، فلا يسوغ لهم أن يعيبوا عليهم ما يعتقدونه ضلالا بعقولهم الفاسدة، وإنما كلفهم أن ينظروا شئون أنفسهم، فيعدّلوا منها ما اعوجّ، فإذا فعلوا ذلك قاموا بما يجب عليهم فى هذه الحياة.
ثم شرع يذكر معاملة المؤمنين لهم يوم القيامة، تسلية لهم على ما ينالهم منهم من أذى وتقوية لقلوبهم، وشدّا لعزائمهم على التذرع بالصبر فقال:
(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) أي إنهم فى يوم الدين يضحك المؤمنون ضحك من وصل به يقينه إلى مشاهدة الحق فسرّ به، وينكشف لهم ما كانوا يرجون من إكرام الله لهم وخذلان أعدائهم، فضحكوا من أولئك المغرورين الجحدة الذين تجلت لهم عاقبة أعمالهم، وظهر لهم سفه عقولهم وفساد أقوالهم.
(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) إلى ما صنع الله بأعدائهم، وتنكيله بمن كانوا يفخرون عليهم ويهزءون بهم.