الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الغاشية
هى مكية، وآياتها ست وعشرون، نزلت بعد سورة الذاريات.
ومناسبتها لما قبلها- أنه أشير فى السورة السابقة إلى المؤمن والكافر والجنة والنار إجمالا، وبسط الكلام فيها هنا.
[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَاّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
شرح المفردات
الغاشية: القيامة، سميت بذلك لأنها تغشى الناس بشدائدها وأهوالها، خاشعة:
أي ذليلة: عاملة: أي وقع منها عمل فى الدنيا، ناصبة: أي تعبة من قولهم نصب فلان بالكسر: أي تعب، تصلى من قولهم صلى النار (بالكسر) أي قاسى حرها، حامية:
أي متناهية فى الحرّ من قولهم حميت النار إذا اشتد حرها، والعين: ينبوع الماء، والآنية الشديدة الحر، والضريع: شجر ذو شوك لائط بالأرض، فإذا كان رطبا سمى بالشّبرق، قال أبو ذؤيب الهذلي:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى
…
وصار ضريعا بان عنه النحائص
الإيضاح
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) أي هل بلغك نبأ يوم القيامة وعلمت قصصه، وإننا سنعلمك شأنه الخطير.
وهذا أسلوب من الكلام لا يراد منه حقيقة الاستفهام، بلى يراد منه تعجيب السامع مما سيذكر بعد، وتشويقه إلى استماعه، وتوجيه فكره إلى أنه من الأحاديث التي من حقها أن تتناقلها الرواة، ويحفظها الوعاة.
ثم فصل شأن أهل الموقف فى ذلك اليوم، وذكر أن أهله فريقان: فريق الكفرة الفجرة. وفريق المؤمنين البررة، وقد أشار إلى الأولين بقوله:
(1)
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) أي وجوه يومئذ يظهر عليها الخزي والهوان مما ترى وتشاهد من الهول.
ونحو الآية قوله: «وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» وقوله: «وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» .
والخشوع والذل وإن كان فى الحقيقة لأرباب الوجوه، نسب إلى الوجوه لما كان أثره يظهر عليها.
ثم وصف الوجوه بصفات أخرى فقال:
(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) أي إن هؤلاء الكفار كانوا فى حياتهم الدنيا يعملون ويجتهدون فى أعمالهم، لكن لم يتقبلها ربهم، لأنهم لم يقدّموا عليها الإيمان بالله ورسوله، وهو الدعامة الأولى فى قبول العمل عنده، ولأنهم لم يقصدوا بها وجهه تعالى، ولأنهم كانوا يجتهدون فى مشاقة الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا.
والخلاصة- إن هؤلاء الكفار وقع منهم فى الدنيا عمل، وأصابهم فيه تعب ونصب، لكنهم لم يستفيدوا منه شيئا، فآثار الخيبة وحبوط العمل بادية على وجوههم.
ثم ذكر جزاءها فى هذا اليوم فقال:
(تَصْلى ناراً حامِيَةً) أي هذه الوجوه تقاسى حر النار وتعذب بها، لأن أعمالها
فى الدنيا كانت خاسرة، غلبها الشر، وجانبها الخير، وهذه النار الحامية لا نعرف كنهها، ولكن علينا أن نؤمن بها، وبأن حلفاء الباطل يصلونها.
(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي إن أهل النار إذا عطشوا فى تلك الدار وطلبوا ما يطفئ غتّهم، جىء لهم بماء من ينبوع بلغ من الحرارة غايتها، فهو لا يطفىء لهبا، ولا ينقع غلّة.
وبعد أن ذكر شرابهم أردفه بوصف طعامهم فقال:
(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) أي إنهم إذا أحسوا بالجوع وطلبوا الطعام أتى لهم بالضريع وهو ذلك المرعى السوء الذي لا تعقد عليه السائمة شحما ولا لحما، وإن لم تفارقه إلى غيره ساءت حالها، والمراد بهذا كله أنه يؤتى لهم بردىء الطعام.
ثم وصف هذا الضريع بأنه لا يجدى ولا يفيد فقال:
(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أي إن هذا الطعام لا يدفع جوعا، ولا يفيد سمنا، فليس له فائدة الطعام التي لأجلها يؤكل فى الدنيا، وقد سمى الله ذلك الطعام بالضريع تشبيها له، وإلا فذلك العالم ليس فيه نمو أبدان ولا تحلل مواد على النحو الذي يكون فى الدنيا، بل هو عالم خلود وبقاء، واللذائذ فيه لذائذ سعادة، والآلام آلام شقاء، فكل ما فى ذلك العالم إنما يقع بينه وبين ما فى عالمنا نوع مشابهة، لا اتفاق ولا مجانسة.
وقد جاء فى سورة الحاقة فى طعام الكافرين: «وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ» وفى سورة الواقعة: «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ» وفى سورة الدخان: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ» .
فهذا كله يدل على أن طعام النار شىء يوافق النشأة الآخرة، عبر عنه بعبارات مختلفة، ليصور فى أذهاننا بشاعته وخبثه، لتنفر منه نفوسنا، وتطلب كل وسيلة للفرار منه، فتبتعد عن العقائد الفاسدة، والأعمال الخاسرة.