الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) أي عذاب وخزى شديد يوم القيامة لمن يطفف فى المكيال والميزان.
وقد خص سبحانه المطففين بهذا الوعيد، من قبل أنه كان فاشيا منتشرا بمكة والمدينة، فكانوا يطففون المكيال ويبخسونه ولا يوفون حق المشترى.
روى أنه كان بالمدينة رجل يقال له أبو جهينة له كيلان أحدهما كبير والثاني صغير، فكان إذا أراد أن يشترى من أصحاب الزروع والحبوب والثمار اشترى بالكيل الكبير، وإذا باع للناس كال للمشترى بالكيل الصغير.
هذا الرجل وأمثاله ممن امتلأت نفوسهم بالطمع، واستولى على نفوسهم الجثع- هم المقصودون بهذا الوعيد الشديد، وهم الذين توعّدهم النبي صلى الله عليه وسلم وتهددهم
وقد بين سبحانه عمل المطففين الذي استحقوا عليه هذا الوعيد بقوله:
(الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) أي إذا كان لهم عند الناس حق فى شىء من المكيلات لم يقبلوا أن يأخذوه إلا وافيا كاملا، وإذا كان لأحد عندهم شىء وأرادوا أن يؤدوه له أعطوه ناقصا غير واف.
واقتصر النظم على الاكتيال حين الاستيفاء، وذكر الكيل والميزان فيه حين الإخساء، لأن التطفيف فى الكيل يكون بشىء قليل لا يعبأ به فى الأغلب، دون التطفيف فى الوزن، فإن أدنى حيلة فيه يفضى إلى شىء كثير، ولأن ما يوزن أكثر
قيمة فى كثير من الأحوال مما يكال، فإذا أخبرت الآية بأنهم لا يبقون على الناس ما هو قليل مهين من حقوقهم، علم أنهم لا يبقون عليهم والكثير الذي لا يتسامح فيه إلا نادرا بالطريق الأولى.
وكما يكون التطفيف فى الكيل والميزان يكون فى أشياء أخرى، فمن استأجر عاملا ووقف أمامه يراقبه ويطالبه بتجويد عمله، ثم إذا كان هو عاملا أجيرا لم يراقب ربه فى العمل ولم يقم به على الوجه الذي ينبغى أن يقوم به- يكون واقعا تحت طائلة هذا الوعيد، مستوجبا لأليم العذاب، مهما يكن عمله، جلّ أو حقر وإذا كان هذا الإنذار للمطففين الراضين بالقليل من السحت فما ظنك بأولئك الذين يأكلون أموال الناس بلا كيل ولا وزن، بل يسلبونهم ما بأيديهم، ويغلبونهم على ثمار أعمالهم، فيحرمونهم التمتع بها، اعتمادا على قوة الملك أو نفوذ السلطان أو باستعمال الحيل المختلفة.
لا جرم أن هؤلاء لا يحسبون إلا فى عداد الجاحدين المنكرين ليوم الدين، وإن زعموا بألسنتهم أنهم من المؤمنين المخبتين.
ثم هوّل فى شأن هذا العمل فقال:
(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) أي إن تطفيف الكيل والميزان واختلاس أموال الناس بهذه الوسيلة- لا يصدر إلا عن شخص لا يظن أنه سيبعث يوم القيامة ويحاسب على عمله، إذ لو ظن ذلك لما طفف الكيل ولا بخس الميزان.
والخلاصة- إنه لا يجسر على فعل هذه القبائح من كان يظن بوجود يوم يحاسب الله فيه عباده على أعمالهم، فما بالك بمن يستيقن ذلك.
ثم وصف هذا اليوم فقال:
(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي هذا اليوم هو اليوم الذي يقف فيه الناس للعرض والحساب، ويطول بهم الموقف إعظاما لجلاله تعالى.