الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ذكر من فرض الله على الناس الإقرار بنبوته، وجعل الاعتراف برسالته بعد بلوغ دعوته، شرطا فى دخول جنته.
هذا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أنقذ أمما كثيرة من رقّ الأوهام، وفساد الأحلام، ورجع بهم إلى الفطرة الأولى من حرية العقل والإرادة، والإصابة فى معرفة الحق، ومعرفة من يقصد بالعبادة، فاتحدت كلمتهم فى الاعتقاد بإله واحد بعد أن كانوا متفرقين طرائق قددا، عبّاد أصنام وأوثان، وشموس وأقمار، لا يجدون إلى الهدى سبيلا، ولا للوصول إلى الحق طريقا فأزاح عنهم تلك الغمّة، وأنار لهم طريق الهدى والرشاد.
[سورة الشرح (94) : الآيات 5 الى 8]
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
شرح المفردات
العسر: الفقر والضعف وجهالة الصديق وقوة العدو وإنكار الجميل، فرغت:
أي من عمل: فانصب: أي اتعب.
المعنى الجملي
بعد أن أبان بعض نعمه على رسوله من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، بعد استحكام الكرب، وضيق الأمر- ذكر أن ذلك قد وقع على ما جرت به سنته فى خلقه، من إحداث اليسر بعد العسر، وأكد هذا بإعادة القضية نفسها مؤكدة لقصد تقريرها فى النفوس وتمكينها فى القلوب.
الإيضاح
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي فإن مع الضيق فرجا، ومع قلة الوسائل إلى إدراك المطلوب مخرجا إذا تدرّع المرء بالصبر وتوكل على ربه، ولقد كان هذا حال النبي
صلى الله عليه وسلم فإنه قد ضاق به الأمر فى بادئ أمره قبل النبوة وبعدها إذ تألب عليه قومه، لكن ذلك لم يثنه عن عزمه، ولم يقلل من حدّه، بل صبر على مكروههم وألقى بنفسه فى غمرات الدعوة متوكلا على ربه، محتسبا نفسه عنده، راضيا بكل ما يجد فى هذا السبيل من أذى، ولم تزل هذه حاله حتى قيض الله له أنصارا أشربت قلوبهم حبه، وملئت نفوسهم بالرغبة الصادقة فى الدفاع عنه وعن دينه، ورأوا أن لا حياة لهم إلا بهدم أركان الشرك والوثنية، فاشتروا ما عند الله من جزيل الثواب بأرواحهم وأموالهم وأزواجهم، ثم كان منهم من فوّض دعائم الأكاسرة، وأباد جيوش الأباطرة والقياصرة.
وقصارى ذلك- إنه مهما اشتد العسر، وكانت النفس حريصة على الخروج منه، طالبة كشف شدته، مستعملة أجمل وسائل الفكر والنظر فى الخلاص منه، معتصمة بالتوكل على ربها، فإنها ولا ريب ستخرج ظافرة مهما أقيم أمامها من عقبات واعترضها من بلايا ومحن وفى هذا عبرة لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيبدّل حاله من الفقر إلى الغنى، ومن قلة الأعوان إلى كثرة الإخوان، ومن عداوة قومه إلى محبتهم إلى أشباه ذلك.
ثم أعاد الأسلوب للتوكيد فقال:
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) إذا احتملت ذلك العزيمة الصادقة، وعملت بكل ما أوتيت من قوة على التخلص منه، وقابلت ما يقع من عسر بالصبر والأخذ بأسباب تفريجه ولم تستبطئ الفرج، فيدعوها ذلك إلى التواني، وفتور العزيمة.
وبعد أن بين نعمه على رسوله ووعده بتفريج كربه- طلب منه أن يقوم بشكر هذه النعم بالانقطاع لصالح العمل والاتكال عليه دون من عداه فقال:
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي فإذا فرغت من عمل فاتعب فى مزاولة عمل آخر، فإنك ستجد فى المثابرة لذة تقرّبها عينك ويثلج لها صدرك.