الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
جرت عادة القرآن أن يذكر بعض أخبار الأمم السابقة وما كان منهم مع رسلهم وما قابلوه به من التكذيب والإيذاء، ثم يذكر ما جرت به سنته سبحانه من الإيقاع بالمكذبين، وأخذهم بظلمهم وبما عملوا مع أنبيائهم، ليكون فى ذلك سلوة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لم يلق إلا ما لقى إخوانه الأنبياء، ولم يكابد من قومه إلا مثل ما كابدوا، وليكون فى ذلك تخويف لأولئك المكذبين الذين يعاندون رسول الله ويلحفون فى تكذيبه، بأنهم إذا استمروا على ذلك حاق بهم مثل ما حاق بالأمم السالفة ونالوا من الجزاء مثل ما نالوا.
الإيضاح
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) أي كذبت ثمود نبيّها صالحا بسبب طغيانها وبغيها.
ثم بين أمارة ذلك التكذيب فقال:
(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) أي كان انطلاق الأشقى لعقر الناقة والقوم راضون عنه علامة ظاهرة على تكذيبهم لنبيهم الذي جعلها دليل نبوته، وبرهانا على صدق رسالته، وأوعدهم إذا هم تعرضوا لها، وسكوت قومه على ما يفعل دليل رضاهم عن فعله، فكانوا مكذبين مثله.
ثم ذكر ما توعدهم به الرسول على فعلهم فقال:
(فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها) أي فقال لهم صالح: احذروا ناقة الله التي جعلها آية نبوّتى، واحذروا شربها الذي اختصّت به فى يومها، فلا تؤذوها ولا تتعدوا عليها فى شربها ولا فى يوم شربها، وكان صالح عليه السلام قد اتفق معهم على أن للناقة شرب يوم، ولهم ولمواشيهم شرب يوم، فكانوا يجدون فى أنفسهم حرجا لذلك ويتضررون منه، فهمّوا بقتلها فحذّرهم أن يفعلوا ذلك،
وخوّفهم عذاب الله وعقابه الذي ينزله بهم إن هم أقدموا على هذا الفعل، لكنهم كذبوه ولم يستمعوا لنصحه كما أشار إلى ذلك بقوله:
(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها) أي إنهم لم يتورّعوا عن تكذيبه، ولم يحجموا عن عقر الناقة، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العذاب وأليم العقاب.
وقد تقدم أن قلنا: إنهم لما رضوا بهذا الفعل نسب إليهم جميعا، وكأنهم صنعوه معه.
ثم بين عاقبة عملهم وذكر ما يستحقونه من الجزاء فقال:
(فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) أي فأطبق عليهم العذاب، وأهلكهم هلاك استئصال ولم يبق منهم ديّارا ولا نافخ نار، كما أشار إلى ذلك بقوله:
(فَسَوَّاها) أي فسوّى القبيلة فى العقوبة ولم يفلت منها أحد، بل أخذ بها كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم:«وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ» .
وقد يكون المعنى- جعل الأرض فوقهم مستوية كأن لم تثر، ودمّر مساكنها على ساكنيها.
(وَلا يَخافُ عُقْباها) أي إن الله أهلكهم ولا يخاف عاقبة إهلاكهم، لأنه لم يظلمهم فيخيفه الحق، وليس هو بالضعيف حتى يناله منهم مكروه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
والمراد أنه بالغ فى عذابهم إلى غاية ليس فوقها غاية، فإن من يخاف العاقبة لا يبالغ فى الفعل، أما الذي لا يخاف العاقبة ولا تبعة العمل فإنه يبالغ فيه ليصل إلى ما يريد.
وقد علمت أن القصص مسوق لتسلية رسوله بأنه سينزل بالمكذبين به مثل ما أنزل بثمود، ولقد صدق الله وعده، فأهلك من أهلك من أهل مكة فى وقعة