الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن بين قدرته تعالى على إعادة الإنسان بعد الموت، ولفت النظر إلى التدبر فى برهان هذه القدرة- شرع يثبت صحة رسالة رسوله الكريم إلى الناس، وصحة ما يأتيهم به من عند الله، وأهمّ ذلك القرآن الكريم الذي كانوا يقولون عنه: إنه أساطير الأولين، فأقسم بالسماء التي تفيض بمائها، والأرض التي تقيم أمور المعاش للناس والحيوان بنباتها، إنه لقول حق لا ريب فيه.
ثم بين أنه عليم بأن الذين يدافعون عن تلك الأباطيل التي هم عليها- قوم ما كرون لا يريدون بك إلا السوء، وسيأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، فلا يحزنك ما ترى منهم، ولا تستبطئ حلول النكال بهم، بل أمهلهم قليلا وسترى ما سيحل بهم.
ولا يخفى ما هذا من وعيد شديد بأن ما سيصيبهم قريب، سواء أكان فى الحياة الدنيا أو فيما بعد الموت، ووعد للنبى صلى الله عليه وسلم، ولكل داع إلى الحق بأنهم سيبلغون من النجاح ما يستحقه عملهم، وأن المناوئين لهم هم الخاسرون.
الإيضاح
(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أي قسما بالسماء ذات المطر، وهو أنفع شىء ينتظره المخاطبون من السماء، إذ يبدّل جدبهم خصبا، ويعيد موات أرضهم حيّا، ويصير به لهب صحرائهم هواء عليلا.
(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) أي والأرض التي تتصدع بالنبات والشجر والثمار مما به حياتهم وحياة أنعامهم، وهم فى بلاد قفراء جدباء.
ونظير هذا قوله: «ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا» الآية.
ثم ذكر المقسم عليه فقال:
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي قسما بالسماء والأرض إن هذا القول الذي
جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم لقول حق لا مجال للريب فيه، وهو جدّ لا هزل فيه فمن حقه أن يهتدى به الغواة، وتخضع له رقاب العتاة.
أخرج الترمذي والدارمي عن علىّ كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:
كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضى عجائبه. هو الذي لم تنته الجن لما سمعته أن قالوا:«إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن هدى به هدى إلى صراط مستقيم» .
ثم بين ما يدبرونه للمؤمنين وما تحويه صدورهم من غلّ لهم فقال:
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) أي إنهم يمكرون بالناس بدعوتهم إلى مخالفة القرآن بإلقاء الشبهات كقولهم: «إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» قولهم: «مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟» أو بالطعن فيه بكون الرسول ساحرا أو مجنونا أو شاعرا، أو تبييتهم قتله، كما جاء فى قوله:«وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ» .
بعدئذ ذكر ما قابلهم ربهم به وما جازاهم عليه كفاء عملهم فقال:
(وَأَكِيدُ كَيْداً) أي وأقابل كيدهم بنصر الرسول وإعلاء دينه، وجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وقد سمى مجازاتهم كيدا منه، للتجانس فى اللفظ كما قال:«نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ» . وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا