الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي هل عرفت ذلك الذي يكذب بما وراء إدراكه من الأمور الإلهية، والشئون الغيبية، بعد أن ظهر له بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، فإن كنت لا تعرفه بذاته، فاعرفه بصفاته وهى:
(1)
(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي فذلك المكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم ويزجره زجرا عنيفا إن جاء يطلب منه حاجة، احتقارا لشأنه وتكبرا عليه.
(2)
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي ولا يحث غيره على إطعامه، وإذا كان لا يحث غيره على ذلك ولا يدعو إليه، فهو لا يفعله بالأولى.
وفى هذا توجيه لأنظارنا إلى أنا إذا لم نستطع مساعدة المسكين كان علينا أن نطلب من غيرنا معونته ونحثه على ذلك كما تفعل جماعات الخير: «الجمعيات الخيرية» .
وقصارى ما سلف- إن للمكذب بالدين صفتين: أولاهما أن يحتقر الضعفاء ويتكبر عليهم. وثانيتهما أن يبخل بماله على الفقراء والمحاويج، أو يبخل بسعيه لدى الأغنياء، ليساعدوا أهل الحاجة ممن تحقق عجزهم عن كسب ما ينقذهم من الضرورة، ويقوم لهم بكفاف العيش.
وسواء أكان المحتفر للحقوق، البخيل بالمال والسعى لدى غيره مصليا أو غير مصلّ فهو فى وصف المكذبين، ولا تخرجه صلاته منهم، لأن المصدق بشىء لا تطاوعه نفسه على الخروج مما صدّق به، فلو صدّق بالدين حقا لصار منكسرا متواضعا لا يتكبر على الفقراء ولا ينهر المساكين ولا يزجرهم فمن لم يفعل شيئا من ذلك فهو مراء فى عمله، كاذب فى دعواه، ومن ثم قال سبحانه:
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي فعذاب لمن يؤدى الصلاة بجسمه ولسانه من غير أن يكون لها أثر فى نفسه، ومن غير أن تؤتى ثمرتها التي
شرعت لأجلها، لأن قلبه غافل عما يقوله اللسان، وتفعله الجوارح، فيركع وهو لاه عن ركوعه، ويسجد وهو لاه عن سجوده، ويكبر وهو لا يعى ما يقول وإنما هى حركات اعتادها، وكلمات حفظها، لا تدرك نفسه معناها، ولا تصل إلى معرفة ثمرتها.
(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) أي إنهم يفعلون أفعالا ظاهرة بقدر ما يرى الناس، دون أن تستشعر قلوبهم بها، أو تصل إلى معرفة حكمها وأسرارها.
(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) أي ويمنعون ما لم تجر العادة بمنعه مما يسأله الفقير والغنى، وينسب منعه إلى لؤم الطبع وسوء الخلق كالقدر والفأس، والقدوم ونحو ذلك.
قال الأستاذ الإمام: فأولئك الذين يصلّون، ولا يأتون من الأعمال إلا ما يرى للناس، مما لا يكلفهم بذل شىء من مالهم، ولا يخشون منه ضررا يلحق بأبدانهم، أو نقصا يلمّ بجاههم، ثم يمنعون ما عونهم، ولا ينهضون بباعث الرحمة إلى سدّ حاجة المعوزين، وتوفير ما يكفل راحتهم وأمنهم وطمأنينتهم- لا تنفعهم صلاتهم، ولا تخرجهم عن حد المكذبين بالدين، لا فرق بين من وسموا أنفسهم بسمة الإسلام أو غيره، فإن حكم الله واحد، لا محاباة فيه للأسماء المنتحلة، التي لا قيمة لها إلا بمعانيها الصحيحة المنطبقة على مراده تعالى من تحديد الأعمال وتقرير الشرائع.
فخاصة المصدّق بالدين التي تميزه عن سواه من المكذبين هو العدل والرحمة وبذل المعروف للناس، وخاصة المكذب التي يمتاز بها عن المصدقين هى احتقار حقوق الضعفاء وقلة الاهتمام بمن تلذعهم آلام الحاجة، وحب الأثرة بالمال، والتعزز بالقوة، ومنع المعروف عمن يستحقه من الناس.
فهل للمسلمين الذين يزعمون أنهم يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به أن يقيسوا أحوالهم وما يجدونه من أنفسهم بما يتلون فى هذه السورة الشريفة؟
ليعرفوا هل هم من قسم المصدقين أو المكذبين؟ وليقلعوا عن الغرور برسم هذه الصلاة التي لا أثر لها إلا فى ظواهر أعضائهم، وبهذا الجوع الذي يسمونه صياما