الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو احتوتهم البحار فكانوا طعاما للسماك، أو أحرقتهم النيران فطاروا مع الريح.
وقد ذكر لهم من مظاهر قدرته أمورا تسعة يشاهدونها بأعينهم لا يخفى عليهم شىء منها:
(1)
انبساط الأرض وتمهيدها لتصلح لسير الناس والأنعام.
(2)
سموق الجبال صاعدة فى الجوّ.
(3)
تنوّع الآدميين إلى ذكور وإناث.
(4)
جعل النوم راحة للإنسان من عناء الأعمال التي يزاولها عامة نهاره.
(5)
جعل الليل ساترا للخلق.
(6)
جعل النهار وقتا لشئون الحياة والمعاش.
(7)
ارتفاع السموات فوقنا مع إحكام الوضع ودقة الصنع.
(8)
وجود الشمس المنيرة المتوهجة.
(9)
نزول المطر وما ينشأ عنه من النبات.
فكل ذلك داع لهم أن يعترفوا أن من قدر على كل هذا فلا تعجزه إعادتهم إلى النشأة الآخرة.
الإيضاح
(عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟) أي عن أي شىء يتساءل المشركون من أهل مكة وغيرهم؟
روى عن ابن عباس قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به، فنزلت: عمّ يتساءلون.
ثم أجاب عن هذا السؤال بقوله:
(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) أي عن الخبر العظيم الشأن الذي اختلفوا فى أمره، فمن قائل إنه مستحيل كما حكى الله عنهم بقوله: «إِنْ هِيَ إِلَّا
حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا»
ومن شاكّ فيه بقوله: «ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ» .
وإيراد الكلام بصورة السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، وتثبيت الجواب فى نفس السائل كما جاء فى قوله:«لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» .
ثم أخذ سبحانه يردّ عليهم متوعدا لهم فقال:
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) أي ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين يذكرون البعث بعد الموت، ثم توعدهم بأنهم سيعلمون إذا ما عاينوا بأنفسهم حقيقة ما كانوا ينكرون، وتنقطع عنهم الريبة، حين يسأل كل عامل عما عمل، ويفصل بين الخلائق.
وقصارى ذلك- فليزدجروا عما هم فيه، فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال، إذا حلّ بهم العذاب والنكال، وأن ما يتساءلون عنه، ويضحكون منه حق لا شك فيه ولا ريب.
ثم أكد هذا الوعيد بقوله:
(ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) وفى تكرير الزجر مع الوعيد إيماء إلى غاية التهديد.
ثم شرع يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، مع أنها بين أعينهم فى كل حين فقال:
(1)
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) أي كيف تنكرون أو تشكون فى البعث، وقد عاينتم ما يدل عليه من قدرة تامة، وعلم محيط، وحكمة باهرة تقتضى ألا يكون ما خلق من الخلق عبثا، فمن ينعم بهذه النعم لا يهملها سدى.
انظروا إلى الأرض التي جعلت ممهدة موطأة للناس والدواب، يقيمون عليها ويفترشونها وينتفعون بخيراتها الظاهرة والباطنة.
(2)
(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) أي وجعلنا الجبال لها كالأوتاد كى لا تميل بأهلها،
وتضطرب بسكانها، ولولاها لكانت دائمة الاضطراب لما فى جوفها من المواد الدائمة الجيشان، فلا تتم الحكمة فى كونها مهادا لهم.
(3)
(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) أي وجعلناكم أصنافا ذكورا وإناثا، ليتم الائتناس والتعاون على سعادة المعيشة، وحفظ النسل وتكميله بالتربية والتعليم.
ونحو الآية قوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» .
(4)
(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي وجعلنا نومكم فى الليل قطعا للمتاعب التي تكابدونها فى النهار، سعيا فى تحصيل أمور المعاش، فالمشاهد أن فى نوم بضع ساعات فى الليل راحة للقوى من تعبها، ونشاطا لها من كسلها، وإعادة لما فقد منها، ولولا ذلك لنفدت القوى، وانقطع المرء عن العمل فى شئون الحياة المختلفة.
(5)
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي وجعلنا الليل بظلامه ساترا للأجسام ومغطيا لها كاللباس الذي يغطى الجسم ويستره. ووجه المنة فى ذلك- أن ظلمته تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هربا من عدوه أو إخفاء لما لا يحب أن يطلع عليه غيره، ولله درّ المتنبي:
وكم لظلام الليل عندك من يد
…
تخبّر أنّ المانويّة تكذب «1»
(6)
(وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أي وجعلناه وقتا لتحصيل أسباب المعاش، لأن الناس يتقلبون فيه فى حوائجهم ومكاسبهم.
(7)
(وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) أي سبع سموات قوية الأسر، محكمة النسج والوضع، لا يؤثر فيها كرّ الغداة ولا مر العشى، ليس بها تصدّع ولا فطور.
(8)
(وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) أي وأنشأنا الشمس سراجا متلألئا بالغا الغاية فى الضوء والحرارة.
(1) المانوية: طائفة تعتقد أن الخير من النهار والشر من الليل.