الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهى الطامة الكبرى، ويكون نذيرها ذلك الصوت الهائل الذي يحدث من تخريب الكون ووقع بعض أجرامه على بعض، ومن ثمّ سميت صاخة وقارعة، شأن: أي شغل، يغنيه: أي يصرفه ويصده عن مساعدة ذوى قرابته، قال شاعرهم:
سيغنيك حرب بنى مالك
…
عن الفحش والجهل فى المحفل
مسفرة: أي مضيئة مشرقة يقال: أسفر الصبح إذا أضاء، مستبشرة: أي فرحة بما نالت، والغبرة: ما يصيب الإنسان من الغبار، ترهقها: أي تغشاها، والقترة:
سواد كالدخان، والفجرة: واحدهم فاجر، وهو الخارج عن حدود الله المنتهك لحرماته.
المعنى الجملي
بعد أن عدد سبحانه آلاءه على عباده، وذكّرهم بإحسانه إليهم فى هذه الحياة، وبين أنه لا ينبغى للعاقل بعد كل ما رأى أن يتمرد عن طاعة صاحب هذه النعم الجسام- أعقب هذا بتفصيل بعض أحوال يوم القيامة وأهوالها التي توجب الفزع والخوف منه، ليدعوه ذلك إلى التأمل فيما مضى من الدلائل التي ترشد إلى وحدانيته وقدرته، وصحة البعث وأخبار يوم القيامة التي جاءت على ألسنة رسله، ويتزوّد بصالح الأعمال التي تكون نبراسا يضىء أمامه فى ظلمات هذا اليوم.
وذكر أن الناس حينئذ فريقان: فريق ضاحك مستبشر، فرح فرح المحب يلقى حبيبه، وهو من كان يعتقد الحق ويعمل للحق، وفريق تعلو وجهه الغبرة، وترهقه القترة، وهو الذي تمرد على الله ورسوله، وأعرض عن قبول ما جاءه من الحقّ، ولم يعمل بما أمر به من صالح الأعمال.
الإيضاح
(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) أي فإذا جاء يوم القيامة حين يحدث ذلك للصوت الهائل الذي يصخّ الأسماع ويصكها بشدته- فما أعظم أسف الكافرين، وما أشد ندمهم.
ثم فصل بعض أهوال هذا اليوم فقال:
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي يوم يشغل كلّ امرئ ما يصيبه من الأهوال، فيفر ممن يتوهم أنه يتعلق به، ويطلب معونته، على ما هو فيه، فيتوارى من أخيه، بل من أمه وأبيه، بل من زوجه التي هى ألصق الناس به، وقد كان فى الدنيا يبذل النفس والنفيس فى الدفاع عنها، بل من بنيه وهم فلذات كبده، وقد كان فى الحياة الأولى يفديهم بماله وروحه، وهم ريحانة الدنيا ونور الحياة أمام عينه.
ونحو الآية قوله: «يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» .
وإنما كان الأمر كذلك، لأن لكل امرئ منهم من الرهب، وما يرهب من الهول، وما يخشى من مناقشة الحساب- شأنا يغنيه، ويصدّه عن ذوى قرابته، فليس لديه فضل فكر ولا قوة يمدّ بها غيره.
وقد يكون المعنى- يغنيه ذلك الهم الذي ركبه بسبب نفسه، وشغله حتى ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهمّ آخر.
وبعد أن ذكر الأهوال التي تعرض للناس فى ذلك اليوم، وأنها لا تسعف أحدا بمواساة أحد ولا الالتفات إليه مهما يكن عطفه واتصاله به- أردفه بيان أن الناس فى ذلك اليوم سعداء وأشقياء، وأشار إلى الأولين بقوله:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) أي وجوه يومئذ متهللة ضاحكة فرحة بما تجد من برد اليقين بأنها ستوفّى ما وعدت به جزاء إيمانها وما قدمت من عمل صالح، وبشكرها لنعم ربها وآلائه، وإيثارها ما أمرها به على ما تهواه.
وأشار إلى الآخرين بقوله:
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي ووجوه يعلوها غبار الذل وسواد الغم والحزن، وهى وجوه الكفار الذين لم يؤمنوا