المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويرفعون راية العصيان فى وجهه، وألّبوا الناس عليه، وآذوا كل - تفسير المراغي - جـ ٣٠

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 17 الى 30]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 36]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 37 الى 40]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما اشتملت عليه هذه السورة

- ‌سورة النازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 33]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 34 الى 41]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 42 الى 46]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌موضوعات السورة الكريمة

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 11 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 23]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 24 الى 32]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما جاء فى هذه السورة الكريمة من مقاصد

- ‌سورة التكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌موضوعات هذه السورة الكريمة

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 6 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 9 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما فى هذه السورة من مقاصد

- ‌سورة المطففين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 6]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 7 الى 13]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 14 الى 17]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 9]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 10 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 12 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 17 الى 22]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الطارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 5 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌كيفية حصول الحمل ونمو الجنين فى الرحم

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 11 الى 17]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 6 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 9 الى 13]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 14 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 7]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 8 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 21 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 6 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 17 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 27 الى 30]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 5 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 11 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 11 الى 15]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 5 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 12 الى 21]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الضحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 6 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة الكريمة

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 5 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة التين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تقدمة تاريخية

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 6 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌تقدمة تبين ميقات هذه الليلة

- ‌الإيضاح

- ‌سورة البينة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الزلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌سبب نزول هذه السورة

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الإيضاح

- ‌سورة التكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌أسباب نزول السورة

- ‌الإيضاح

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الهمزة

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌قصص أصحاب الفيل كما رواه أرباب السير

- ‌الإيضاح

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الكوثر

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الكافرون

- ‌أسباب نزول السورة

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الإيضاح

- ‌سورة النصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة المسد

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الإخلاص

- ‌أسباب نزولها

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الناس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌خاتمة التفسير

- ‌خاتمة الطبع

- ‌فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: ويرفعون راية العصيان فى وجهه، وألّبوا الناس عليه، وآذوا كل

ويرفعون راية العصيان فى وجهه، وألّبوا الناس عليه، وآذوا كل من اتبعه وسلك سبيله ممن أنار الله بصائرهم، وشرح صدورهم لمعرفة الحق.

كذلك قلب له اليهود ظهر المجنّ بعد أن كانوا من قبل يستفتحون به، إذا وجدوا نعته عندهم فى التوراة، فزعموا أن ما جاء به من الدين ليس بالبدع الجديد، بل هو معروف فى كتبهم التي جاءت على لسان أنبيائهم، فلا ينبغى أن يتركوا ما هم عليه من الحق، ليتبعوا رجلا ما جاء بأفضل مما بين أيديهم، بل قد بلغ الأمر بهم أن كانوا عليه مع المشركين الذين كانوا يعاندونهم ويتهددونهم بأنهم سيتبعون هذا النبي وينصرونه.

ففى الرد على مزاعم هؤلاء الكافرين الذين يجحدون واضح الحق، ويغمضون أعينهم عن النظر فيه- نزلت هذه السورة.

‌الإيضاح

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي لم يكن الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنكروا نبوته من اليهود والنصارى والمشركين بمفارقين لكفرهم، تاركين لما هم عليه من الغفلة عن الحق، والوقوف عند ما كان عليه آباؤهم ولو كانوا لا يعقلون شيئا، حتى يأتيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحدث مجيئه رجّة فيما رسخ من عقائدهم، وتمكن من عاداتهم، ومن ثم أخذوا يحتجون لعنادهم بأن ما جاء به هو ما كان بين أيديهم وليس بمستحسن أن يتبع، والبقاء على ما هم عليه أجدر وأجمل، والسير على نهج الآباء أشهى إلى النفس وأسلم.

ثم فسر البينة التي تعرّفهم وجه الحق فقال:

(رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي هذه البينة هى محمد صلى الله عليه وسلم يتلو لهم صحف القرآن المطهرة من الخلط والزيغ والتدليس، والتي

ص: 213

تنبعث منها أشعة الحق كما قال: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ» وفيها الصحيح القويم من كتب الأنبياء السابقين كموسى وعيسى وإبراهيم كما قال «وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ» ، وقال:«إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى» .

وقد يكون المراد بالكتب سور القرآن وآياته فإن كل سورة منه كتاب قويم، أو الأحكام والشرائع التي تضمنها كلام الله، والتي بها يتبين الحق من الباطل كما قال:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً، قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ» .

وقصارى ذلك- إن حال الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين بعد محى الرسول تخالف حالهم قبلها، فقد كانوا قبل مجيئه كفارا يتيهون فى عماية من الأهواء والجهالات، فلما بعث آمن به قوم منهم، فلم تبق حالهم كما كانت قبل، إلى أنهم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كانوا جازمين بما هم عليه، واثقين بصحته، فلما بعث إليهم تغيرت حال جميعهم، فمنهم من آمن به، واعتقد أن ما كان فيه ضلال وباطل، ومنهم من لم يؤمن ولكنه صار مترددا فى صحة ما هو عليه، أو هو واثق بعدم صحته، ولكن يمنعه العناد والتكبر والاقتداء بالآباء من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم عن تفرق القوم فى شأنه فقال:

(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي لا تبخع نفسك عليهم حسرات، ولا يكوننّ فى صدرك حرج منهم، فإن هذا شأنهم الذي درجوا عليه، وديدنهم وديدن أسلافهم الذين بدلوا وافتروا على أنبيائهم، وتفرقوا طرائق قددا حتى صار أهل كل مذهب يبطل ما عند غيره بغيا وعدوانا وقولا بالتشهى والهوى، ولم يكن تفرقهم لقصور حجتك أو خفاء شأنك عليهم، فهم إن يجحدوا

ص: 214

ييّنتك فقد جحدوا بينة من قبلك، وإن أنكروا نبوتك فقد أنكروا آيات الله بعد ما استيقنتها أنفسهم.

وإذا كانت هذه حال أهل الكتاب فما ظنك بالمشركين وهم أعرق فى الجهالة وأسلس مقادة للهوى.

ثم أنّبهم ووبخهم على ما صاروا إليه من الأفعال، وعلى ما بلغوه من فساد العقل والضلال فقال:

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) أي إنهم تفرقوا واختلفوا وهم لم يؤمروا إلا بما يصلح دينهم ودنياهم، وما يجلب لهم سعادة فى معاشهم ومعادهم من إخلاص لله فى السر والعلن، وتخليص أعمالهم من الشرك به، واتباع ملة إبراهيم الذي مال عن وثنية أهل زمانه إلى التوحيد وإخلاص العبادة له كما قال:«ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» وقال:

«ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً» .

والمراد من إقامة الصلاة الإتيان بها مع إحضار القلب لهيبة المعبود، ليعتاد الخضوع له، وإيتاء الزكاة إنفاقها فيما عين لها فى الكتاب الكريم من المصارف.

(وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي هذا الذي ذكر من إخلاص العبادة للخالق، والميل عن الشرك مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، هو الدين الذي جاء فى الكتب القيمة.

وقصارى ما سلف- إن أهل الكتاب افترقوا فى أصول الدين وفروعه، مع أنهم ما أمروا إلا بأن يعبدوا الله ويخلصوا له فى عقائدهم وأعمالهم، وألا يقلدوا فيها أبا ولا رئيسا، وأن يردوا إلى ربهم وحده كل ما يعرض لهم من خلاف.

وهذا ما نعاه الله من حال أهل الكتاب فى افتراقهم فى دينهم، فما بالنا نحن المسلمين وقد ملأنا ديننا بدعا ومحدثات، وتفرقنا فيه شيعا، أفليس ما نحن فيه من ذلّ وهوان، وضعف بين الأمم جزاء من ربنا لما صرنا إليه من انحراف عن منهج الشرع القويم، والسير على الصراط المستقيم؟.

ص: 215

ثم بين جزاء الذين جحدوا رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال:

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) أي إن هؤلاء الذين دسّوا أنفسهم بقبيح الشرك واجتراح المعاصي، وإنكار الحق الواضح بعد أن عرفوه كما يعرفون أبناءهم، يجازيهم ربهم بالعقاب الذي لا يخلصون منه أبدا، فيدخلهم نارا تلظى جزاء ما كسبت أيديهم، وجزاء إعراضهم عما دعا إليه الداعي، وهدت إليه الفطرة.

ثم حكم عليهم بحكم آخر فقال:

(أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي هم شر الخليقة على الإطلاق، إذ منكر الحق بعد معرفته، وقيام الدليل عليه منكر لعقله، جالب لنفسه الدمار والوبال.

وبعد أن ذكر جزاء الجاحدين الكافرين، أردفه جزاء المؤمنين المخبتين فقال:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي إن الذين سطع نور الدليل فى قلوبهم، فاهتدوا به وصدقوا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وعملوا صالح الأعمال، فبذلوا النفس فى سبيل الله وجهاد أعدائه، وبذلوا نفيس المال فى أعمال البر، وأحسنوا معاملة خلقه، أولئك هم خير الخليقة، لأنهم بمتابعة الهدى أدّوا حق العقل الذي شرفهم الله به، وبعملهم للصالحات حفظوا الفضيلة التي جعلها الله قوام الوجود الإنسانى.

ثم بين ما سيلقون من جزاء عند ربهم فقال:

(جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي هؤلاء يجازيهم ربهم بجنات يقيمون فيها أبدا، وفيها من اللذائذ ما هو أكمل وأوفر من لذات الدنيا.

وعلينا أن نؤمن بالجنة ولا نبحث عن حقيقتها، ولا أين موضعها، ولا كيف نتمتع فيها، فإن علم ذلك عند ربنا لا يعلمه إلا هو، فهو من علم الغيب الذي استأثر بعلمه.

ص: 216