المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإيضاح (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) لفساد تركيبها واختلال نظامها، حينما يريد الله - تفسير المراغي - جـ ٣٠

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 17 الى 30]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 36]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 37 الى 40]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما اشتملت عليه هذه السورة

- ‌سورة النازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 33]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 34 الى 41]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 42 الى 46]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌موضوعات السورة الكريمة

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 11 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 23]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 24 الى 32]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما جاء فى هذه السورة الكريمة من مقاصد

- ‌سورة التكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌موضوعات هذه السورة الكريمة

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 6 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 9 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌ما فى هذه السورة من مقاصد

- ‌سورة المطففين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 6]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 7 الى 13]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 14 الى 17]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 9]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 10 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 12 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 17 الى 22]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الطارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 5 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌كيفية حصول الحمل ونمو الجنين فى الرحم

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 11 الى 17]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 6 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 9 الى 13]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 14 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 7]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 8 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 21 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 6 الى 14]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 16]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 17 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 26]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 27 الى 30]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 5 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 11 الى 20]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 10]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 11 الى 15]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 5 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 12 الى 21]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة الضحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 6 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة الكريمة

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 5 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة التين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 5]

- ‌تقدمة تاريخية

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 6 الى 19]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد هذه السورة

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌تقدمة تبين ميقات هذه الليلة

- ‌الإيضاح

- ‌سورة البينة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الزلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌سبب نزول هذه السورة

- ‌الإيضاح

- ‌مقاصد السورة

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الإيضاح

- ‌سورة التكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌شرح المفردات

- ‌أسباب نزول السورة

- ‌الإيضاح

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الهمزة

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌قصص أصحاب الفيل كما رواه أرباب السير

- ‌الإيضاح

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الكوثر

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الكافرون

- ‌أسباب نزول السورة

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الإيضاح

- ‌سورة النصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة المسد

- ‌أسباب نزول هذه السورة

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الإخلاص

- ‌أسباب نزولها

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌شرح المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌سورة الناس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌شرح المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌خاتمة التفسير

- ‌خاتمة الطبع

- ‌فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: ‌ ‌الإيضاح (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) لفساد تركيبها واختلال نظامها، حينما يريد الله

‌الإيضاح

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) لفساد تركيبها واختلال نظامها، حينما يريد الله خراب هذا العالم بحدث من الأحداث، كأن يمر كوكب فى سيره بالقرب من كوكب آخر، فيتجاذبان ويتصادمان، فيضطرب نظام العالم العلوي بأسره، ويحدث من ذلك غمام يظهر فى مواضع متفرقة من هذا الفضاء الواسع.

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) أي استمعت وانقادت لتأثير قدرته، وفعلت فعل المطواع الذي إذا أمر أنصت وأذعن وامتثل ما أمر به،

وفى الحديث: «ما أذن الله لشىء إذنه لنبىّ يتغنى بالقرآن» .

(وَحُقَّتْ) أي وحق لها أن تمتثل لأنها مخلوقة من مخلوقاته وهى فى قبضته، فإن أراد تبديد نظامها فعل ولم يكن لها أن تعصى إرادته.

(وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أي وإذا اضطربت الأرض ودكت جبالها، وتقطعت أوصالها، وفقدت ما بينها من التماسك، فليس لها هذا الاندماج المشاهد الآن بل تمدّ مدّ الأديم العكاظىّ كما روى عن ابن عباس (والأديم: الجلد، والعكاظي: المدبوغ فى عكاظ) والمراد أنه لا انشقاق فيها ولا اعوجاج.

(وَأَلْقَتْ ما فِيها) أي رمت ما فى جوفها من الناس والمعادن، وأخرجت كل ذلك إلى ظاهرها.

ونحو هذا قوله: «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها» وقوله: «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» وقوله «إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ» .

(وَتَخَلَّتْ) أي خلت من جميع ما فى جوفها، وربما قذفته الحركة العنيفة إلى ما يبعد عن سطحها، فيخلو منه باطن الأرض وظاهرها، وهى فى ذلك خاضعة لأوامر ربها، منقادة لمشيئته.

ص: 89

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) أي واستمعت وأطاعت أوامره لأنها فى قبضة القدرة الإلهية تصرّفها فى الفناء، كما صرفتها فى الابتداء.

وجواب «إِذَا» الذي صدّرت به السورة محذوف لإرادة التهويل على المخاطبين، فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذا وكذا مما تقدم ذكره- ترون ما عملتم من خير أو شر فاكدحوا لذلك اليوم، تفوزوا بالنعيم.

وقصارى ذلك- وصف أحوال العالم يوم القيامة «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» وأنه يكون على غير حاله التي هو عليها فى هذه الحياة، فتبدل الأرض غير الأرض والسموات غير السموات، ويبرز الناس للحساب على ما قدموا فى حياتهم من عمل فيجازيهم على الإحسان إحسانا، وعلى الإساءة السوءى، وعلينا أن نؤمن بذلك كله، ونكل علم حقيقته، ومعرفة كنهه إلى الله تعالى الذي لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.

(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) أي أيها الإنسان، إنك عامل فى هذه الحياة ومجدّ فى عملك، ومبالغ فى إدراك الغاية إلى أن تنتهى حياتك، وإن كنت لا تشعر بجدك، أو تشعر به وتلهو عنه، وكل خطوة فى عملك فهى فى الحقيقة خطوة إلى أجلك، وهناك لقاء الله، فالموت يكشف عن الروح غطاء الغفلة ويجلو لها وجه الحق، فتعرف من الله ما كانت تنكره، ويوم البعث يرتفع الالتباس.

ويعرف كل عامل ما جرّ إليه عمله.

والناس حينئذ صنفان:

(1)

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي فأما من عرض عليه سجلّ أعماله وتناوله بيمينه، فإنه يحاسب أيسر الحساب، إذ تعرض عليه أعماله فيعرّف بطاعته وبمعاصيه، ثم يثاب على ما كان منها طاعة، ويتجاوز له عما كان منها معصية.

ص: 90

وقد روى عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم حاسبنى حسابا يسيرا، قلت: وما الحساب اليسير؟ قال: ينظر فى كتابه ويتجاوز عن سيئاته، فأما من نوقش الحساب فقد هلك» .

ومن حوسب هذا الحساب اليسير رجع إلى أهله المؤمنين مسرورا مبتهجا قائلا:

«هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ» .

(2)

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً) أي وأما الذين أكثروا من ارتكاب الجرائم، واجتراح المعاصي، فيؤتون كتبهم بشمائلهم من وراء ظهورهم، ومدّ اليسار إلى الكتاب دليل الكراهة، وأظهر فى الدلالة على الكراهة والنفور أن يستدبره ويعرض عنه فيكون من وراء ظهره.

وقصارى ما سلف- إن من عرض عليه كتابه وقدم إليه ليأخذه، فاندفع إليه بعزيمة صادقة، لشعوره بأنه مستودع الصالحات، وسجلّ البر والكرامات، فشأنه كذا وكذا.

ومن قدّم إليه كتابه وعرض عليه عمله، فخزيت نفسه وخارت عزيمته، فمد إليه يساره أو أعرض عنه فولاه ظهره لشعوره بأنه ديوان السيئات، وسجّين المخازي فأمره كيت وكيت.

يرشد إلى ذلك ما ورد من التفصيل فى سورة الحاقة «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ» ودعوة الناس إلى القراءة علامة الفرح والنشاط وقوة العزيمة.

«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ. يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ. ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ» .

ولا شك أن هذا قول المخذول الكاره لما عرض عليه.

ص: 91

والخلاصة- إن إيتاء الكتاب باليمين، أو باليسار أو من وراء الظهر تصوير لحال المطلع على أعماله فى ذلك اليوم، فمن الناس من إذا كشف له عمله ابتهج واستبشر وتناول كتابه بيمينه، ومنهم من إذا تكشفت له سوابق أعماله عبس وبسر وأعرض عنها وأدبر، وتمنى لو لم تكشف له، وتناولها باليسار أو من وراء الظهر، وحينئذ يدعو وا ثبوراه، أي يا هلاك أقبل فإنى لا أريد أن أبقى حيا، علما منه بأن ذلك داع إلى طول العذاب، وأنه سيدخل النار ويقاسى سعيرها.

ثم ذكر سبحانه سببين فى استحقاقه للعذاب فى الآخرة فقال:

(1)

(إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) أي لأنه كان فى حياته الدنيا فرحا بطرا لا يفكر فى أمور الآخرة، ويقدم على المعاصي ظنا منه أن لذاتها لا توجب الحسرة، ولا تورث التردي فى نار الجحيم، ومن ثم أبدله الله بهذا النعيم الزائل عذابا لا ينقطع، وآلاما لا تنفد.

(2)

(إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي إنه ظن أن لن يرجع إلى ربه، وأنه لن يبعث الخلق لحسابهم على ما قدموا، ولو علم أن الله سيبدل سروره هما، وفرحه حزنا وغما- لأقلع عما هو فيه، ولترك هذا السرور العاجل السريع الفناء وطلب من السرور ما يبقى ما بقيت الجنة التي لا يفنى نعيمها ولا يزول سرور أهلها.

وفى الآية إيماء إلى أن المسخرين لشهواتهم، الساعين وراء لذاتهم ليسوا بظانين فضلا عن أن يكونوا مستيقنين بأنهم يرجعون إلى ربهم ليحاسبهم، بل الراجح عندهم أنهم لا يحاسبون، وأن الله مخلف وعده، وهذا هو الذي ينسيهم ذكره عند كل جرم يجرمونه، فهم وإن كانوا يزعمون الإيمان بالله وبوعده ووعيده، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.

ثم رد عليه ظنه الخاطئ فقال:

(بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) أي بلى ليحورنّ وليرجعنّ إلى ربه، وليحاسبنه على عمله، فيجزى على الخير خيرا وعلى الشر شرا، فإن الذي يخلق الإنسان مستعدّا

ص: 92