الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل المدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم. وخير ما فسّرته بالوارد، قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
…
} الآية. وأخّرهم عن المؤمنين والكافرين ظاهرا وباطنا؛ إشارة إلى أنّهم أسوأ حالا من الكفار.
التفسير وأوجه القراءة
8
- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} ؛ أي: وبعض (1) الناس يقولون بألسنتهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ} ؛ أي: صدّقنا بوحدانية الله تعالى. {وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: صدّقنا بمجيء اليوم الآخر بما فيه من البعث، والحشر والجزاء، وبجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات. وفي تكرير الباء؛ ادّعاء الإيمان بكلّ واحد على الأصالة والاستحكام، ذكره البيضاوي. وفي «العمدة»: وأعاد الجار؛ لإفادة تأكيد دعواهم الإيمان بكلّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. فردّ الله سبحانه عليهم بأبلغ ردّ بقوله: {وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} حيث أتى بالجملة الاسمية، وزاد الجار في الخبر. أي: يقولون ذلك والحال أنّهم غير مصدّقين بما ذكر؛ لأنّهم يقولون ذلك قولا لسانيّا دون اعتقاد، وكلاما خداعيا دون تصديق. والمراد باليوم الآخر: يوم القيامة، سمّي بذلك؛ لأنّه يأتي بعد الدنيا، وهو آخر الأيام المحدودة المعدودة، وما بعده فلا حدّ له ولا آخر.
قوله: {وَمِنَ النَّاسِ} لمّا افتتح الله سبحانه وتعالى (2) كتابه بشرح حاله، وساق لبيانه ذكر الذين أخلصوا دينهم لله، وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم، وثنّى بأضدادهم الذين محّضوا الكفر ظاهرا، وباطنا. ثلّث بالقسم الثالث المذبذب بين القسمين، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم تكميلا للتقسيم، وهم أي المنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله؛ لأنّهم موّهوا الكفر، وخلطوا به خداعا واستهزاء، ولذلك طوّل في بيان خبثهم.
(1) العمدة.
(2)
روح البيان.
قال الفاشانيّ: الاقتصار في وصف الكفار المصرّين المطبوع على قلوبهم على آيتين، والإطناب في وصف المنافقين في ثلاث عشرة آية للإضراب عن أولئك صفحا، إذ لا ينجع فيهم الكلام، ولا يجدي عليهم الخطاب. وأمّا المنافقون فقد ينجع فيهم التوبيخ والتعيير، وعسى أن يرتدعوا بالتشنيع عليهم، وتفظيع شأنهم وسيرتهم، وتهجير عادتهم، وخبث نيتهم وسريرتهم، وينتهوا بقبح صورة حالهم، وتفضيحهم بالتمثيل بهم وبطريقتهم فتلين قلوبهم، وتنقاد نفوسهم، وتزّكّى بواطنهم، وتضمحل رذائلهم، فيرجعون عما هم عليه، ويصيرون من المستثنى في قوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} .
والنّاس (1): اسم جمع للناسي، سمّي به؛ لأنّه عهد إليه فنسي. قال تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} ، ولذلك جاء في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أي: نسّاء للنعم، ذكّار للمحن. وقيل: سمي به؛ لظهوره من آنس؛ أي: أبصر؛ لأنّهم ظاهرون مبصرون، ولذلك سمّوا بشرا، كما سمّي الجنّ جنا؛ لاجتنانهم؛ أي: استتارهم عن أعين الناس. وقيل: هو من الأنس الذي هو ضدّ الوحشة؛ لأنّهم يستأنسون بأمثالهم، أو يستأنس أرواحهم بأبدانهم، وأبدانهم بأرواحهم. واللام فيه للجنس. {ومِنَ} في قوله:{مَنْ يَقُولُ} نكرة موصوفة، إذ لا عهد، فكأنّه قال: ومن الناس ناس يقولون؛ أي: يقرّون باللسان. والقول: هو التلفظ بما يفيد، ويأتي بمعنى المقول. وللمعنى المحصور في النفس المعبّر عنه باللفظ وللرأي، وللمذهب مجازا. ووحّد الضمير في {يَقُولُ} باعتبار لفظ {مِنَ} ، وجمعه في قوله:{آمَنَّا} ، وقوله:{وَما هُمْ} باعتبار معناها؛ لأنّ كلمة {مِنَ} تصلح للواحد والجمع، أو اللام فيه للعهد، والمعهود: هم الذين كفروا. {ومِنَ} موصولة مراد بها: عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، ونظراؤه من المنافقين، حيث أظهروا كلمة الإسلام؛ ليسلموا من
(1) روح البيان.
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتقدوا خلافها، وأكثرهم من اليهود، كما مرّ. فإنّهم من حيث إنهم صمّموا على النفاق دخلوا في عداد الكفار المختوم على قلوبهم.
واختصاصهم بزيادة زادوها على الكفر لا يأبى دخولهم تحت هذا الجنس، فإنّ الأجناس إنما تتنوّع بزيادات يختلف فيها أبعاضها. فعلى هذا تكون الآية تقسيما للقسم الثاني.
{آمَنَّا بِاللَّهِ} أي: صدّقنا بالله. {وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهو من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى؛ أي: الوقت الدائم الذي هو آخر الأوقات المنقضية، والمراد به: البعث، أو إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ لأنّه آخر الأيام المحدودة، إذ لا حدّ وراءه، وسمّي بالآخر؛ لتأخّره عن الدنيا.
وتخصيصهم للإيمان بهما بالذكر له؛ ادّعاء أنّهم قد حازوا الإيمان من قطريه، وأحاطوا به من جانبيه، وإيذان بأنّهم منافقون فيما يظنّون فيه، فكيف بما يقصدون به النفاق؛ لأنّ القوم كانوا يهودا، وكانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا كلا إيمان؛ لاعتقادهم التشبيه، واتخاذ الولد، وأنّ الجنة لا يدخلها غيرهم، وأنّ النار لن تمسهم إلّا أياما معدودة، وغيرها، ويرون المؤمنين أنّهم آمنوا مثل إيمانهم. وحكاية الله سبحانه عبارتهم؛ لبيان كمال خبثهم، فإنّ ما قالوه لو صدر عنهم لا على وجه الخداع والنفاق، وعقيدتهم عقيدتهم الأولى، لم يكن ذلك إيمانا، فكيف وهم يقولونه تمويها على المسلمين واستهزاء بهم، فكان خبثا إلى خبث، وكفرا إلى كفر.
{وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} أي: وما هم (1) بداخلين في عداد المؤمنين الصادقين، الذين يشعرون بعظيم سلطان الله، ويعلمون أنّه مطلع على سرّهم ونجواهم، إذ كانوا يكتفون ببعض ظواهر العبادات ظنا منهم أنّ ذلك يرضي ربّهم، ثمّ هم بعد ذلك منغمسون في الشرور والمآثم من كذب، وغشّ، وخيانة، وطمع إلى نحو ذلك مما حكاه الكتاب الكريم عنهم، ونقله الرواة أجمعون.
(1) المراغي.